مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 299

(25)
جلسة 1 من ديسمبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل فرغلي وفريد نزيه تناغو وأحمد شمس الدين خفاجي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 734 لسنة 33 القضائية

أموال الدولة العامة والخاصة - التعدي عليها - إزالة التعدي. (آثار) (ترخيص) (دستور) المادتان 30 من القانون رقم 215 لسنة 1951 و43 من القانون رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار.
سلطة الدولة في إزالة التعدي على أموالها الخاصة تجد حدها الطبيعي في أن يتجرد التعدي على أملاكها من كل سند قانوني - إذا كان لهذا التعدي ما يظاهره من أسباب أو أسانيد قانونية ولو كانت محل نزاع من الجهة الإدارية سقطت في مجال التطبيق سلطتها الاستثنائية في التنفيذ المباشر بإزالة التعدي على أملاكها وتعين عليها اللجوء إلى القضاء للانتصاف على قدم المساواة مع باقي المواطنين - يتعين التفرقة في هذا المجال بين أموال الدولة الخاصة التي تمارس عليها الدولة كل حقوق الملكية ومن بينها نقل ملكيتها إلى المواطنين وبين الأموال العامة المخصصة للنفع العام وهي أموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم - للملكية العامة وهي ملكية الشعب حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن طبقاً للقانون باعتبارها سنداً لقوة الوطن وأساساً ومصدراً لرفاهية الشعب - أثر ذلك: من واجب كل مصري كما أنه من مسئولية كل سلطات الدولة والمصالح بصفة خاصة والوزارات العامة ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الأجهزة الإدارية المختصة إزالة أي تعد عليها فور وقوعه - نتيجة ذلك: جميع أجهزة الدولة مطالبة كل في حدود اختصاصه برعاية حرمة الملكية العامة أو الخاصة للدولة بحماية ما عهد إليها به من أراضي أو أملاك مملوكة للشعب والذود عنها وإزالة أي تعد عليها وبصفة خاصة إذا كانت هذه الأراضي أو الأملاك مخصصة للنفع العام وذلك مهما كان سند الادعاء بملكيتها أو الاستئثار بالانتفاع بها نتيجة ذلك يقع باطلاً ولا أثر له كل تصرف يقع على هذه الأراضي بالبيع أو الإيجار أو غير ذلك من التصرفات المنبثقة عن حق الملكية - الادعاء بأية حقوق أخرى على الأراضي المخصصة للنفع العام تأتي في المرتبة التالية لحقوق المجتمع في الذود عن مخصصاته ودفع أي تعد أو عدوان عليها - إيصالات الإيجار إذا كانت تصلح سنداً في الانتفاع المؤقت بأموال الدولة الخاصة فإنها لا تنهض دليلاً على الحق في الانتفاع بالأموال المخصصة للنفع العام والتي تتحدد العلاقة فيها بين الإدارة والمواطن في حدود الترخيص المؤقت الذي يصدر من الإدارة طبقاً للقوانين واللوائح والشروط الواردة به – تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 27/ 1/ 1987 أودعت الأستاذة/ فايزة عبد الفتاح عبد المقصود المحامية نيابة عن هيئة الآثار قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 734/ 33 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 4/ 12/ 1986 في الدعوى رقم 1247 لسنة 34 ق المقامة من المطعون ضدها ضد الطاعن والذي قضى بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير طعنه قبول الطعن شكلاً وبصفه مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي موضوع الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه واستمرار سريان قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة بإزالة تعدي المطعون ضدها على الأرض الأثرية بحوض الوقف رقم (6) المطرية بالقاهرة.
وقدم السيد الأستاذ عبد الرحمن هاشم مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن بدائرة فحص الطعون جلسة 5/ 2/ 1990 حيث نظر الطعن بالجلسة المذكورة وبالجلسات التالية حتى تقرر بجلسة 15/ 7/ 1990 إحالته إلي المحكمة الإدارية العليا وقد تم تداول الطعن ومناقشة أدلته التفصيلية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر حجزه للنطق بالحكم بجلسة اليوم 1/ 12/ 1991 وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 30/ 3/ 1980 أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 1247 لسنة 34 ق أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" ضد كل من الطاعن ووزير الثقافة طالبة في ختامها الحكم بإلغاء قرار هيئة الآثار المصرية رقم 10 لسنة 1980 فيما تضمنه من إزالة تعدي المدعية على الأرض محل النزاع مع إلزامها بالمصروفات، وذلك استناداً إلى أنها حائزة للأرض المدعى باعتدائها عليها - وأقامت عليها بناء من دور واحد مكون من خمس حجرات وأربعة محلات تجارية وتحوزها منذ عام 1944 بسند قانوني، إلا إنها فوجئت بصدور القرار المطعون فيه بإزالة السور المحيط بقطعة الأرض، دفعت على القرار المطعون فيه صدوره مخالفاً للقانون لأنها حائزة للأرض بسند قانوني منذ عام 1944 ولم يوضح القرار سنده في إزالة التعدي وقد اتهمتها الهيئة من قبل بالتعدي على أرض أثرية وحصلت على أربعة أحكام بالبراءة من هذه التهمة وعقبت الهيئة على الدعوى بمذكرة جاء بها أن السيدة المذكورة وزوجها المرحوم....... قد تعديا على أرض الآثار في مساحة قدرها (200) متراً بتقسيم ميدان المسلة بالمطرية وذلك بإقامة أكشاك خشبية بهذه الأرض للإقامة بداخلها ونظراً لأزمة المساكن وتوسلات المعتديين فقد رخصت المصلحة للمرحوم......... زوج المدعية الانتفاع بهذه الأرض بشرط عدم البناء عليها، وذلك في عام 1966 ثم تقدم المذكور بالترخيص له بقطعة أرض أخرى إلا أن هذا الطلب رفض بتاريخ 7/ 8/ 1971 ثم بدأت المدعية في الإفصاح عن نيتها في الإعداد بتشوين مواد بناء وذلك بتاريخ 2/ 7/ 1971 وتم إبلاغ شرطة المطرية وتحرر لها عدة جنح لتعديها على الأرض الأثرية، وفي عام 1974 قامت ببناء عدة دكاكين بالطوب الأحمر والمسلح على خلاف شروط الترخيص وقامت الهيئة بتاريخ 31/ 10/ 1974 بإلغاء الترخيص.
وبجلسة 4/ 12/ 1986 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها الطعين القاضي بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات، وأقامت قضائها على أن المقصود بالتعدي الذي أجازت المادة 970 مدني إزالته بطرق التنفيذ المباشر هو العدوان المادي الذي يتجرد من أي أساس قانوني يستند إليه، أما إذا تمثل الأمر في الادعاء بحق قانوني على مال من أموال الدولة وكان لهذا الادعاء بظاهره من الأسباب والأسانيد القانونية، وجحدت الإدارة هذا الحق أو أنكرته على مدعية فإنه والحال هذه ترتد الأمور إلى حالتها الطبيعية وتكون أمام نزاع قانوني بين الإدارة وأصحاب الشأن حول حق من الحقوق وتنحسر عن الإدارة سلطتها الاستثنائية في إزالة التعدي بالتنفيذ المباشر ويتعين عليها رفع الأمر إلى القضاء المختص ليحسم ما دار بينها وبين أصحاب الشأن من نزاع قانوني، فإذا كان الثابت أن الجهة الإدارية قد رخصت للمدعية "المطعون ضدها" للانتفاع بأرض النزاع وأن المدعية قد حصلت من الهيئة على عقد بذلك كما قدمت إيصالات إيجار قطعة أرض مساحتها 620 متراً فإن وضع يدها في هذه الحالة لا يعد من قبيل التعدي الذي أجازت المادة (970) مدني إزالته بالطريق المباشر وإنما تكون محل نزاع بين المدعية وجهة الإدارة وعلى الأخيرة أن تلجأ في هذا الشأن إلى القضاء لحسم هذا النزاع.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون قد أخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية: -
أولاً: أن الترخيص الذي كان ممنوحاً للمطعون ضدها قد ألغي قبل صدور قرار الإزالة بست سنوات ولم تطعن على إلغائه، فضلاً عن أن الأرض التي وقع عليها التعدي موضوع القرار ليست عن نفس المكان موضوع الترخيص وإنما عن مكان آخر بعيد عنه حيث أقامت سوراً على مساحة (100متر) مجاورة للأرض موضوع الترخيص الملغي.
ثانياً: أن القرار المطعون فيه لا ينسحب على الأرض موضوع الترخيص حيث تضمن السور المقام على الأرض المنافع العامة الواقعة بحوض الوقف رقم 6 والبعيد كل البعد عن موضوع الترخيص الملغي وذلك لتعديلها على الأرض الأثرية وقد صدر ضدها أحكام بالعقوبة المنصوص عليها في القانون بالغرامة والإزالة.
ثالثاً: أن الترخيص الممنوح لها من قبل والذي ألغي في عام 1974 لا يسري في مواجهة هيئة الآثار لمخالفته لنص المادة (20) من القانون رقم 117 لسنة 1983 الخاص بحماية الآثار والذي حظر الترخيص بالبناء في الأراضي الأثرية.
ومن حيث إنه ولئن كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن سلطة الدولة في إزالة التعدي على أموالها الخاصة تجد حدها الطبيعي في أن يتجرد التعدي على أملاكها من كل سند قانوني، فإذا كان لهذا التعدي ما يظاهره من أسباب أو أسانيد قانونية ولو كانت محل نزاع من الجهة الإدارية سقطت في مجال التطبيق سلطتها الاستثنائية في التنفيذ المباشر بإزالة التعدي على أملاكها وتعين عليها اللجوء إلى القضاء للانتصاف على قدم المساواة مع باقي المواطنين، إذا كان هذا هو ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة فإنه يتعين التفرقة في هذا المجال بين أموال الدولة الخاصة التي تمارس عليها الدولة كل حقوق الملكية ومن بينها نقل ملكيتها إلى المواطنين، وبين الأموال العامة المخصصة للنفع العام، وهي أموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم فالأصل الذي قرره الدستور للملكية العامة وهي ملكية الشعب حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن طبقاً للقانون باعتبارها سنداً لقوة الوطن وأساساً ومصدراً لرفاهية الشعب المواد 29، 30، 33 وبناء على ذلك فإنه من واجب كل مصري كما أنه من مسئولية كل سلطات الدولة في إطار ما قرره الدستور وسيادة القانون أساس الحكم في الدولة وخضوع الدولة للقانون في أي تصرف يصدر عنها تحت رقابة القضاء (المواد 64، 65، 68، من الدستور) والمصالح بصفة خاصة الوزارات العامة ووحدات الإدارة المحلية وحدها من الأجهزة الإدارية المختصة - بالسهر على حمايتها والمبادرة إلى إزالة أي تعد عليها فور وقوعه باعتبارها الأمينة على مصالح وحقوق المجتمع والمسئولة عن حماية ممتلكات الشعب والمنوط بها تحقيق سيادة القانون في إطار الشرعية وفي حدود اختصاصها ومسئوليتها اللذان يحتمان عليها المبادرة إلى القضاء على أي انتهاك لحرماته وسلطتها في دفع التعدي وإعادة الملكية العامة أو الخاصة للدولة إلى المجتمع ليست سلطة استثنائية خارجة على قاعدة المساواة بين الإدارة والمواطنين أمام القانون بما يتفرع عليها من خطر استعادة أي حق عند النزاع أو من خلال اللجوء إلى القضاء للذود عن أملاكها الخاصة بل هي سلطة أصيلة تنبثق من التزامها بسيادة القانون والدفاع باسم المجتمع عن ممتلكاته وأمواله ومقدساته وكل ما خصص له لتحقيق أهدافه، ومن ثم فإن جميع أجهزة الدولة مطالبة كل في حدود اختصاصه رعاية لحرمة الملكية العامة أو الخاصة للدولة بحماية ما عهد إليها به من أراضي أو أملاك مملوكة للشعب والزود عنها وإزالة أي تعد عليها وبصفة خاصة إذا كانت هذه الأراضي أو الأملاك المخصصة للنفع العام وذلك مهما كان سند الادعاء بملكيتها أو الاستئثار بالانتفاع بها إذ يقع باطلاً ولا أثر له كل تصرف يقع على هذه الأراضي بالبيع أو الإيجار أو غير ذلك من التصرفات المنبثقة عن حق الملكية كما أن الادعاء بأية حقوق أخرى على الأراضي المخصصة للنفع العام تأتي في مرتبة تالية لحقوق المجتمع في الفرد عن مخصصاته ودفع أي تعد أو عدوان عليها ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضدها قد آل إليها حق إشغال قطعة أرض مساحتها مائتا (200) متر بزمام المطرية ضمن القطعة رقم 21 بحوض الوقف رقم 6 أمام ميدان المسلة، وللسكن بصفة مؤقتة وذلك بموجب الترخيص المرفق صورته بالأوراق والصادر من هيئة الآثار لصالح زوجها.......... المرحوم والذي وصى فيه على أن مدة الترخيص خمس سنوات من 1/ 11/ 1965 وتنتهي في 31/ 10/ 1970، وعلى الايقام على الأرض إلا المباني الخفيفة التي يسهل إزالتها عند إلغاء الترخيص إلا أن المطعون ضدها ظلت شاغلة للمساحة المذكورة دون اعتراض هيئة الآثار إلى أن قامت بهدم المبنى الذي تسكن فيه وهو من الطوب اللبن طبقاً لشروط الترخيص وأعادت بناءه بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح فقامت هيئة الآثار من جانبها بإبلاغ الشرطة في 28/ 7/ 1974 لتحرير محضر لها بالتعدي على الآثار بما يخالف الترخيص وبتاريخ 10/ 9/ 1977 أخطرتها الهيئة بأن الترخيص قد تم إلغاؤه اعتباراً من 31/ 10/ 1974 حيث إن الهيئة لم توافق على تجديده لمدة تالية وفي 8/ 6/ 1978 قامت المطعون ضدها ببناء سور بارتفاع 2 متر حول المباني التي أقامتها وفي مواقع تبعد عن المساحة التي كانت مخصصة لها بمقتضى الترخيص الملغي وبمساحة قدرها 93 متراً، فصدر القرار المطعون فيه رقم 10 لسنة 1980 من رئيس هيئة الآثار متضمناً إزالة التعدي الواقع من السيدة/......... على أرض الآثار بمنطقة المطرية والمتمثل في إقامة سور حول هذه الأرض وما يستجد من تعديات عند تنفيذ هذا القرار فأقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 1247/ 34 ق طالبة إلغاءه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن القرار المطعون فيه والذي كان مطروحاً إلغاؤه أمام محكمة القضاء الإداري وإنما ينحصر أثره في إزالة السور الذي قامت المطعون ضدها ببنائه بارتفاع 2 متر خارج نطاق المباني محل الترخيص الملغي طبقاً لما هو ثابت من الخريطة المساحية والمعتمدة لموقع الآثار في حوض الوقف رقم (6) والمرفقة بالأوراق.
ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضدها لم يكن لها أصل حق في الأرض التي أقامت عليها السور المشار إليه سواء بمقتضى الترخيص الملغي أو بمقتضى عقد إيجار سابق ومن ثم فإن إقامتها السور على الوجه الثابت بالأوراق، فضلاً عن أنه يفتقد السند القانوني لإقامته بغير إذن أو ترخيص من الجهة المختصة، فإنه يشكل بذاته الجريمة المنصوص عليها في المادة (30) من القانون رقم 215 لسنة 1951 بشأن حماية الآثار والتي أكدها وشدد العقاب عليها القانون رقم 117/ 1983، ولا وجه لما تدعيه المطعون ضدها من أنها قد أحيلت إلى المحاكمة أكثر من مرة وقضت المحكمة ببراءتها من التهمة الموجهة إليها ولا وجه لذلك، إذ أن الأحكام المشار إليها والمرفق صورها بالأوراق إنما تتعلق بالمباني التي أقامتها بالأرض محل الترخيص المبني، ولا تتعلق بالسور الذي أقامته على أرض الآثار على الوجه الذي يحجب الرؤية ويمنع الأجهزة المختصة من مراقبة المطعون ضدها ومن إجراء الحفريات داخل نطاق السور بحجة إعداد التوصيلات الكهربائية والصحية، وما عساه أن يترتب على هذه الحفريات من اكتشافات أثرية تستأثر بها على خلاف القانون الأمر الذي يتنافى بطبيعته - أياً كانت وجهة النظر الجنائية - مع حق الدولة في تملك آثارها وحماية تراثها من العبث به بأية صورة من الصور التي أشارت إليها المادة 30 من القانون رقم 215 لسنة 1951، والمادة 43 من القانون رقم 117/ 1983 بشأن حماية الآثار، وقد تأكد ذلك بالحكم على المطعون ضدها في الجنحة رقم 5425 جنح المطرية بالغرامة والإزالة.
ومن حيث إنه بناء على جميع ما سلف بيانه فإن الظاهر أن القرار المطعون فيه قد صدر على أساس سليم من القانون حصيناً من الإلغاء، وإذ انتهى الحكم الطعين إلى إلغائه استناداً إلى قيام علاقة إيجارية متنازع عليها تسوغ للمطعون عليها حق الانتفاع بالأرض بشكل من الأشكال فإنه يكون قد أخطأ في تحصيل الوقائع تحصيلاً صحيحاً ووافياً وتحديد القرار المطعون فيه تحديداً سليماً ودقيقاً، وجانبه بلوغ الفهم الصحيح للوقائع وسلامة تكييفها القانوني، ولا يكفيه لإسقاط سلطة الإدارة في التنفيذ المباشر بإزالة التعدي القول بقيام شبهة علاقة إيجارية بين هيئة الآثار والمطعون ضدها على مساحة 600 متراً استناداً إلى صور الإيصالات المقدمة منها ذلك أن هذه الإيصالات الإيجار إذا كانت تصلح سنداً في الانتفاع المؤقت بأموال الدولة الخاصة فإنها لا تنهض دليلاً على حقها في الانتفاع بالأموال المخصصة للنفع العام والتي تتحدد العلاقة فيها بين الإدارة والمواطن في حدود الترخيص المؤقت الذي يصدر من الإدارة طبقاً للقوانين واللوائح والشروط الواردة به وإذ قررت الإدارة إلغاء الترخيص بانتهاء مدته من ناحية، ومخالفة المطعون ضدها لشروطه من ناحية أخرى، فإن المطعون ضدها تفقد كل حق في إقامة أية مبان سواء في نطاق المساحة المرخص لها بها أو خارجها وإلا جاز للسلطة المختصة بل يتعين عليها إزالة تعديها على الأرض المخصصة للنفع العام وذلك على خلاف الأراضي الخاصة المملوكة للدولة، وإذ يلتزم الحكم الطعين بصحيح الواقع وحقيقة الحال كما خلف الفهم الصحيح لأحكام الدستور والقانون وأخضع المال العام لأحكام المال الخاص المملوك للدولة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وأضحى هذا الحكم بإهداره لحقيقة الواقع وتجاوزه لصحيح أحكام القانون خليقاً بالإلغاء الأمر الذي يتعين معه الحكم بإلغائه مع القضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إن المطعون ضدها قد خسرت الدعوى فإنها تلزم بمصروفاتها عملاً بنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضدها بالمصروفات.