مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 322

(27)
جلسة 1 من ديسمبر لسنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل فرغلي وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1329 لسنة 33 القضائية

دعوى الإلغاء - شروط قبولها - القرار الإداري. (ترخيص) (دعوى جنائية) (قرار إداري) (منازعة إدارية).
المادة 16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء.
القانون لم يعقد للجهة الإدارية عامة أو اللجنة المنصوص عليها في المادة 16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 خاصة أي اختصاص بتحديد ملزم لقيمة الأعمال المخالفة أو بحساب مقدار الأعمال المخالفة أو بحساب مقدار الغرامة الواجبة أو طريقة تحصيلها - درج العمل على الإدلاء بهذا التقدير ضمن ما يعرض على المحكمة الجنائية بشأن المخالفة تيسيراً عليها عند الفصل في الدعوى الجنائية - أثر ذلك: يجوز لصاحب العقار المجادلة في التقدير أمام المحكمة الجنائية عملاً بالقاعدة العامة المتفرعة عن حق الدفاع والتي تقضي بحرية النفي في المواد الجنائية بجميع طرق الإثبات كما تملك المحكمة الجنائية بسط ولايتها ورقابتها على هذا التقدير بما لها من حرية مطلقة في تكوين عقيدتها - نتيجة ذلك: هذا التقدير يعد من الأعمال التنفيذية المرتبطة بالدعوى الجنائية الخاصة بمخالفات البناء والذي لا يعدو أن يكون تقدير خبره إدارية يوضع تحت تصرف المحكمة الجنائية المختصة باعتبارها الخبير الأعلى في الدعوى الجنائية المعروضة عليها - مقتضى ذلك ولازمه: تقدير الجهة الإدارية لقيمة المخالفات سواء من تلقاء ذاتها أو بناء على رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 هو مجرد عمل خبرة تحضيري يوضع تحت تصرف المحكمة الجنائية للحكم في الدعوى الجنائية ولا ينتج في حد ذاته أثراً قانونياً في حق ذوي الشأن سواء في المجال الإداري أو الجنائي - نتيجة ذلك: لا يعد هذا التقدير قراراً إدارياً بالمعنى الفني الدقيق الذي يسوغ الطعن فيه أمام القضاء الإداري - أساس ذلك: إذا انتفى الإلزام القانوني لعمل الإدارة قبل الأفراد انتفى القرار الإداري - عندما يصل الإجراء التمهيدي والمبدئي لتقدير الإدارة لقيمة الأعمال المخالفة إلى النتيجة والغاية النهائية التي يتعين أن يبلغها طبقاً لأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 فإن هذا التقدير لن ينتج أثره إلا بناء على ما تقرره المحكمة الجنائية بشأن إقرارها قيمة هذه الأعمال كمسألة أولية يبنى عليها تقديرها للغرامة التي توقع على المخالف - الأثر المترتب على ذلك: المنازعة في تقدير قيمة الأعمال المخالفة سواء في صورتها التمهيدية من جهة الإدارة أو في صورتها النهائية لا تعتبر منازعة إدارية بالمعنى المقصود في قانون مجلس الدولة - الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 12/ 3/ 1987 أودع الأستاذ/ أحمد رجب المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد يجدولها تحت رقم 1329/ 33 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 29/ 1/ 1987 في الدعوى رقم 1270/ 40 ق، المقامة من الطاعن ضد المطعون ضده وذلك فيما قضى به من رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات.
وأودع المستشار الدكتور حسني درويش مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19/ 2/ 1990 حيث نظر بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى قررت الدائرة في 15 يوليو سنة 1990 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وقد تم تداول الطعن ومناقشة أدلته التفصيلية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر حجزه للنطق بالحكم بجلسة 1/ 12/ 1991، وفيها صدر الحكم وقد أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - تتحصل حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 23/ 12/ 1985 أقام الطاعن الدعوى رقم 1270/ 40 ق، أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" وطلب في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من المدعى عليه بتاريخ 10/ 10/ 1985 فيما تضمنه من تحديد قيمة المخالفة بمبلغ 217205.100مليمجـ مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك تأسيساً على أنه آثر تقدمه إلى الجهة الإدارية بطلب وقف الإجراءات في مخالفة التنظيم في العقار الذي يملكه والكائن بشارع محمد سالم المتفرع من شارع الهرم طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 30 لسنة 1983 والقاضي بالتجاوز عن إزالة الأعمال المخالفة، تسلم خطاب الجهة الإدارية والمرفق به القرار المطعون فيه رقم 675 لسنة 1985 والمتضمن تقدير قيمة الأعمال المخالفة بمبلغ 217205.100مليمجـ فتظلم من القرار المطعون فيه إلا أن الجهة الإدارية لم تجبه إلى تظلمه، ونعى الطاعن على القرار صدوره مخالفاً للقانون للأسباب الآتية: -
أولاً: أن اللجنة المختصة قدرت سعر المتر من المباني المخالفة بمبلغ 70ج مع أن العقار قد تم بناؤه في أول عام 1979 ومن ثم يخضع لقرار محافظ الجيزة الذي يحدد سعر المتر بمبلغ 25 جنيهاً.
ثانياً: قررت اللجنة مسطح الدور الواحد بمساحة 492.83 متراً مع أن مساحة المسطح في الطبيعة هي 427 متراً.
ثالثاً: ذكرت اللجنة أن الأدوار المخالفة خمسة أدوار في حين أنها أربعة أدوار فقط مما أضاف إلى المخالفة 1000 متر بغير حق.
رابعاً: مسطح الفيلا بالأدوار العليا 560 متراً مربعاً بينما قدرته اللجنة بمسطح قدره 638 متراً مربعاً.
هذا فضلاً عن أن اللجنة لم تراع أن العقار بأكمله مخصص لسكن الأسرة وليس للاستثمار وأن العقار قائم على أسس هندسية سليمة ومن ثم لم يصدر قرار بإزالته.
وقد أجابت الجهة الإدارية على الدعوى بتقديم حافظة مستندات ومذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لانتفاء القرار الإداري تأسيساً على أن اللجنة التي تقوم بتقدير قيمة الأعمال المخالفة طبقاً للقانون رقم 30 لسنة 1983 إنما تصدر تقريراً يودع ملف الدعوى الجنائية دون أن يترتب أي أثر على المركز القانوني للمدعي الذي يتحدد نهائياً أمام المحكمة الجنائية كما أن اللجنة وهي لجنة محايدة قد روعي في تشكيلها ضم ذوي الخبرة والكفاءة في هذا المجال قد قدرت قيمة الأعمال بمبلغ 217205.10مليمجـ ولا يجوز للمحكمة أن تحل محلها فيما هو متروك لها من تقدير.
وبجلسة 29/ 1/ 1979 قضت محكمة أول درجة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات، وأقامت قضاءها على ما ثبت لها من ظاهر الأوراق من أن المدعي حصل على ترخيص رقم 223 لسنة 1979 ببناء دورين بالأرضي إلا أنه أقام دوراً أرضياً بالإضافة إلى دور مسروق وخمسة أدوار متكررة ودورين فيلا بالمخالفة للترخيص ولاشتراطات المنطقة السياحية وبمعاينة هذه الأعمال بمعرفة اللجنة الفنية المشكلة بقرار محافظ الجيزة رقم 413/ 1983، تبين للجنة أن إجمالي قيمة الأعمال المخالفة تقدر بمبلغ 217205.1مليمجـ بواقع (70) جنيهاً للمتر الواحد نظراً لأن مساحة المباني المخالفة تبلغ 3102.93 متراً مربعاً وقد اعتمد هذا التقرير من محافظ الجيزة الأمر الذي يوفر في حقه أركان القرار الإداري المسوغ للطعن فيه أمام مجلس الدولة، إلا أنه وقد صدر هذا القرار في حدود السلطة المخولة للجنة واستوفى كافة شرائطه القانونية فقد صدر مشروعاً حصيناً من الإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله حيث إن الحكم برفض طلب وقف التنفيذ سوف يؤدي إلى محاكمة الطاعن عن مخالفة واحدة من جهتين مختلفتين المحكمة والجهة الإدارية مما يتعارض مع ما كفله الدستور له من ضمانات إذ الثابت من حكم محكمة الجيزة الاستئنافية الصادر في عام 1985 أنه أيد الحكم بالغرامة والإزالة ثم يأتي قرار محافظ الجيزة بالغرامة وسوف يؤدي ذلك إلى أن الطاعن سوف يدفع الغرامة عن واقعة واحدة أكثر من مرة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون لم يعقد للجهة الإدارية عامة، أو اللجنة المنصوص عليها في المادة 16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 خاصة، أي اختصاص بتحديد ملزم لقيمة الأعمال المخالفة أو بحساب مقدار الأعمال المخالفة، أو بحساب مقدار الغرامة الواجبة أو طريقة تحصيلها، وإنما درج العمل على الإدلاء بهذا التقدير ضمن ما يعرض على المحكمة الجنائية بشأن المخالفة تيسيراً عليها عند الفصل في الدعوى الجنائية وأنه من ثم يجوز لصاحب العقار المجادلة في التقدير أمام المحكمة الجنائية عملاً بالقاعدة العامة المتفرعة عن حق الدفاع والتي تقضي بحرية النفي في المواد الجنائية بجميع طرق الإثبات، كما تملك المحكمة الجنائية بسط ولايتها ورقابتها على هذا التقدير، بما لها من حرية مطلقة في تكوين عقيدتها، وعلى ذلك فإن هذا التقدير يعد من الأعمال التنفيذية المرتبطة بالدعوى الجنائية الخاصة بمخالفات البناء والذي لا يعدو أن يكون تقدير خبرة إدارية يوضع تحت تصرف المحكمة الجنائية المختصة باعتبارها الخبير الأعلى في الدعوى الجنائية المعروضة عليها، ومقتضى ذلك ولازمه أن تقدير الجهة الإدارية لقيمة المخالفات سواء من تلقاء ذاتها أو بناء على رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 هو مجرد عمل خبرة تحضيري يوضع تحت تصرف المحكمة الجنائية للحكم في الدعوى الجنائية، ولا ينتج في حد ذاته أثراً قانونياً في حق ذوي الشأن، سواء في المجال الإداري أو الجنائي ومتى كان ذلك فإنه لا يعد قراراً إدارياً بالمعنى الفني الدقيق، الذي يسوغ الطعن فيه أمام القضاء الإداري، بحسبانه لا يشكل إيضاحاً لجهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني، متى كان ممكناً وجائزاً شرعاً ابتغاء تحقيق مصلحة عامة، وإذا انتقى ركن الالتزام القانوني في عمل الإدارة للأفراد، انتفى القرار الإداري وإن سُمي التصرف قراراً لانتفاء التأثير الإلزامي والجبري في المراكز القانونية لذوي الشأن كما هو الحال في الطعن الماثل، فإذا ما أضيف إلى ذلك أنه عندما يصل الإجراء التمهيدي والمبدئي لتقدير الإدارة لقيمة الأعمال المخالفة إلى النتيجة والغاية النهائية التي يتعين أن يبلغها طبقاً لأحكام القانون رقم 106/ 1976 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 فإن هذا التقدير لن ينتج أثره إلا بناء على ما تقرره المحكمة الجنائية بشأن إقرارها قيمة هذه الأعمال كمسألة أولية يبنى عليها تقديرها للغرامة التي توقع على المخالف، ومن ثم فإنه في جميع الأحوال - وطبقاً لنصوص القوانين القائمة - لن تكون المنازعة في تقدير قيمة هذه الأعمال سواء في صورتها التمهيدية من جهة الإدارة أو في صورتها النهائية - منازعة إدارية بالمعنى المقصود في قانون مجلس الدولة وبالتالي فلا محل أساساً لقبولها.
ومن حيث إن الحكم الطعين وقد قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبولها استناداً إلى توافر أركان القرار الإداري في القرار المطعون فيه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وأصبح حرياً بالإلغاء مما يتعين معه تعديل الحكم والقضاء بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي المصروفات طبقاً للمادة 184 مرافعات.
ومن حيث إن إلغاء الحكم أو تعديله على الوجه المتقدم لا يعد كسباً للطاعن في طعنه الماثل حيث إن الحكم المطعون فيه وإن قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى فقد انتهى إلى رفض طلب المدعي بوقف تنفيذ القرار - الأمر الذي لن يترتب نتيجة لإلغاء الحكم في تحقيق النتيجة التي يرتجيها الطاعن. ومن ثم يتعين إلزامه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى وألزمت الطاعن بالمصروفات.