مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 338

(29)
جلسة 3 من ديسمبر لسنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ مصطفى الفاروق محمد الشامي ود. أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب وأحمد أمين حسان محمد - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2565 لسنة 32 القضائية

أموال الدولة العامة والخاصة - التعدي على أملاك الدولة - إزالته بالطريق الإداري (ترخيص).
المادة: 970 من التقنين المدني - المادة 26 من قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 معدلاً بالقانون رقم 50 لسنة 1981 - إزالة التعدي الواقع على الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة بالطريق الإداري - المشرع قصد تمكين جهات الإدارة من اقتضاء حقها الثابت بمستندات وأدلة جدية بحمايته بالطريق الإداري - إذا كان البناء على أملاك الدولة بموجب ترخيص أو تصريح فلا تجوز مخالفته حدود ما ورد به من شروط ومواصفات - مخالفة الترخيص أو التصريح يشكل مخالفة الاعتداء على أملاك الدولة - الأثر المترتب على ذلك: إزالة التعدي بالطريق الإداري - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 16 يونيه سنة 1986 أودع الأستاذ ضياء الدين داود المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب توكيل خاص مودع رقم 4408 لسنة 1986 قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2565 لسنة 32 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 24/ 4/ 1986 في الدعوى رقم 911 لسنة 4 القضائية المقامة من...... والذي قضى برفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات.
وبعد أن أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على الوجه المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19/ 12/ 1990 وبجلسة 6/ 2/ 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) وحددت لنظره أمامها جلسة 26/ 3/ 1991 وبعد أن سمعت المحكمة بهذه الجلسة والجلسات التالية ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 18/ 5/ 1982 أقام الطاعن الدعوى رقم 911 لسنة 4 ق بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة طلب في ختامها الحكم بإلزام المدعي عليهم بأن يدفعوا له بصفته مبلغ 7000ج والمصاريف والأتعاب مؤسساً دعواه على أنه بناء على موافقة مجلس مدينة دمياط على تخصيص مساحة مقدارها 72 متراً مربعاً بشارع عمرو بن العاص قسم ثالث دمياط لتكون مقراً للجمعية التعاونية الاستهلاكية المنزلية قام الطاعن بتشييد القواعد والأعمدة الخرسانية لمبنى هذا المقر طبقاً للرسومات المعتمدة من مجلس المدينة وصرف حصة الأسمنت اللازم لذلك مما تكلف 7000ج وذلك تمهيداً لتكملة المبنى بالأخشاب إلا أنه فوجئ في 18/ 6/ 1981 بقيام قوات أمن دمياط وعمال مجلس المدينة بهدم المبنى كاملاً باستعمال البلدوزر وبالقوة المسلحة وهو ما اضطر المدعي بصفته إلى إقامة دعوى إثبات حالة قدم الخبير المنتدب تقريراً فيها أثبت أنه تم إزالة الأعمدة الخرسانية وتكسير الميدة المسلحة أسفل الأعمدة وقدر تكاليف إعادة المباني بمبلغ 1612.35مليمجـ، وأضاف المدعي أن ما قامت به جهة الإدارة من أعمال وإجراءات يخالف حكم القانون ويشكل عملاً ضاراً نجمت عنه خسارة كبيرة للجمعية ليس فقط في قيمة المباني والمنشآت المهدمة - ولكن أيضاً فيما فات من كسب نتيجة عدم إقامة المبنى ومباشرة الجمعية لنشاطها، وخلص المدعي إلى طلب الحكم بطلباته سالفة الذكر.
وبجلسة 24/ 4/ 1986 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات وشيدت قضاءها على أن المدعي خالف الرسومات المعتمدة لإقامة الكشك الخشبي المصرح له به وأقام أحد عشر عاموداً من الخرسانة المسلحة بارتفاع أربعة أمتار تقريباً وعندما طلبت منه إيقاف الأعمال اعترض على ذلك، وبتاريخ 23/ 5/ 1981 - أعلن بصفته عن طريق شرطة المرافق بكتاب مجلس مدينة دمياط الذي تضن مطالبته بالالتزام بما جاء بالرسم الهندسي الموقع منه وإزالة الأعمال المخالفة التي تمت بمعرفته ونظراً لعدم امتثاله لما تقدم صدر القرار رقم 35 لسنة 1981 في 27/ 5/ 1981 بإزالة الأعمال التي قام بها المدعي بصفته ومن ثم فإن القرار المطعون فيه رقم 35 لسنة 1981 قد استند إلى واقعة تعدي المدعي بصفته على أملاك الدولة والتي ثبت صحتها فيكون قد صدر سليماً ومطابقاً لصحيح حكم القانون وبالتالي ينتفي ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة والذي لا تقوم المسئولية الإدارية بدونه إذ لا بد لانعقادها من توافر أركانها الثلاثة من خطأ وضرر وعلاقة سببية وبالتالي تكون الدعوى غير مرتكزة على أساس صحيح من الواقع والقانون حقيقة بالرفض.
وحيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف الواقع والقانون لما شابه من خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبب وإخلال بحق الدفاع ذلك أن هناك علاقة إيجارية قامت بإيجاب وقبول لاستغلال قطعة الأرض المخصصة للجمعية وعدم تحرير العقد لا يعني عدم قيام العلاقة الإيجارية وما دامت قد ثبتت هذه العلاقة فإنه ما كان ينبغي لمجلس المدينة أن ينقضها من طرف واحد إذ يعتبر قيام الجمعية بالبناء على الأرض تعدياً ينشئ لمجلس المدينة حقاً في إزالة المبنى وأن مخالفة شكل المنشآت المصرح بها من مجلس المدينة لا تعطيه حق الإزالة طبقاً للمادة 970 من القانون المدني وهو حق استثنائي، فما كان يجوز للإدارة إزالة المنشآت لأن ما قامت به الجمعية لا يمثل اعتداء أو غصباً لأملاك الدولة الخاصة إذ حيازة الجمعية تستند إلى سبب مشروع تعاقدي لا ينهيه إلى القضاء فضلاً عن أن القرار صدر استناداً لسبب واحد، وليس لسببين كما ذهب الحكم، وهو مخالفة أحكام القانون 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء ولم تشر ديباجة القرار إلى المادة 970 من القانون المدني وإنما جاء بمذكرة القرار المرفقة به ما ادعته مخالفات للقانون رقم 106 لسنة 1976 وذهب الحكم إلى أن قرار الإزالة لا ينفذ إلا بعد العرض على اللجنة المشار إليها بالمادة 16 من القانون سالف الذكر وإذ لم يعرض القرار على تلك اللجنة فإن هذا السبب يكون مردوداً ورغم ما انتهى إليه الحكم من فساد الاستناد إلى القانون رقم 106 لسنة 1976 وتسبيب قرار الإزالة على أساس مخالفة الجمعية للمواصفات المتفق عليها للمباني وإقامة منشآت بلا ترخيص فقد وصفته المحكمة بأنه يعتبر بمثابة تعد على تلك الأموال بما يعد تناقضاً واضحاً بين الأسباب والنتائج، كما خلط الحكم بين أحقية الجمعية الطاعنة في وضع يدها على الأراضي واستنادها إلى صلة تعاقدية تمنع القول بأن وضع اليد يمثل عدواناً وبين إقامة المباني وادعاء مخالفتها للمتفق عليه وهو ما كان ينبغي عرضه على الجنة المبينة بالمادة 16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 أو عرضه على القضاء - وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه والحكم بإلزام المطعون ضدهم متضامنين بأن يؤدوا للطاعن بصفته 7000ج والمصاريف شاملة مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأثناء نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون قدم وكيل الطاعن مذكرة دفاع قرر في ختامها تصميمه على الطلبات مستنداً في ذلك لذات الأسباب المبينة بتقرير الطعن كما قدمت هيئة قضايا الدولة بجلسة 6/ 2/ 1991 مذكرة بدفاع المطعون ضدهم انتهت في ختامها إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات مستندة في ذلك إلى المادة 970 من القانون المدني والمادة 26 من قانون الحكم المحلي التي تقضي بأنه يجوز للمحافظ أن يتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أملاك الدولة العامة والخاصة وإزالة ما يقع عليها من تعديات بالطريق الإداري.
ومن حيث إن الماثل في مستندات الدعوى أن المدعي بصفته رئيساً لمجلس إدارة الجمعية التعاونية الاستهلاكية المنزلة لحي ثالث بدمياط تقدم بطلب إلى رئيس مركز دمياط بتاريخ 11/ 5/ 1981 للموافقة على تأجير قطعة الأرض التي سبق تخصيصها كمقر للجمعية وكان المدعي قد قدم الرسم الهندسي لإقامة كشك خشبي على مساحة هذه الأرض ومقدارها 72 متراً على أساس قاعدة خرسانية وميدة وأعمدة خرسانية لا يتجاوز ارتفاعها 50 سم منها 20 سم فوق سطح الأرض، وأقر بتاريخ 5/ 5/ 1981 بأنه سيقوم بالأعمال طبقاً للرسم المعتمد والمصرح له به حسب تعليمات المهندس المختص وأثناء السير في الإجراءات - وقبل تحرير أي عقد مع الطاعن بصفته - وبتاريخ 14/ 5/ 1981 طلبت إدارة التنظيم بمجلس مدينة دمياط من قائد شرطة المرافق تعيين حراسة على قطعة الأرض ملك المجلس وإيقاف المباني التي يقوم بها المدعي لأنه يقوم بأعمال بناء مخالفة للرسم الذي تعهد بتنفيذه ولم يحصل على ترخيص بها حيث لم يصرح له إلا بعمل قواعد للكشك الخشبي فقط، وتنفيذاً لذلك انتقلت شرطة المرافق إلى الأرض وحررت محضراً مؤرخاً 14/ 5/ 1981 ثبت فيه أن المدعي أقام 11 عموداً بارتفاع أربعة أمتار تقريباً، وبتاريخ 23/ 5/ 1981 أعلن المدعي بصفته عن طريق شرطة المرافق بكتاب مجلس مدينة دمياط الذي تضمن مطالبته بالالتزام بما جاء بالرسم الهندسي الموقع منه بحسبان أن ما صدر من الطاعن بصفته من تنفيذ أعمال بناء على أرض الدولة بالمخالفة للأوضاع والحدود المصرح له بها إنما يشكل اعتداء على هذه الأرض بإحداث تغيير جذري في حالتها لا سند له، وإزالة الأعمال التي تمت بمعرفته والالتزام بأن تكون الأعمال كشكاً خشبياً لا مباني وذلك خلال ثلاثة أيام حيث أن الموقع تم تخطيطه لإقامة عمارات سكنية عليه، وأنه في حالة المخالفة سيقوم المجلس بإزالة هذه الأعمال وتحميل المدعي المسئولية، وحرمان الجمعية من هذه المساحة، ثم صدر القرار الإداري رقم 35 لسنة 1981 بتاريخ 27/ 5/ 1981 بإزالة الأعمال التي قام بها المدعي بصفته بالموقع المشار إليه بالمخالفة للرسومات المقدمة والتصريح الصادر له إدارياً وتم تنفيذ هذا القرار بالطريق الإداري في 8/ 6/ 1981.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة الرسم أن قطاعات الأعمدة المصرح بها تبلغ 25 سم وارتفاع 50 سم منها 20 سم فقط فوق منسوب الأرض وأن السقف والسواتر الحاملة له من الخشب.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فإن مخالفته مما تنشط له سلطة جهة الإدارة المخولة لها في المادة 970 من القانون المدني والفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون رقم 50 لسنة 1981 بتعديل قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 في إزالة التعدي الواقع على الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة بالطريق الإداري وإذ صدر قرار رئيس مركز دمياط رقم 35 لسنة 1981 بناء على تفويض محافظ دمياط بإزالة التعدي الواقع على قطعة الأرض المشار إليها فإنه يكون قد استعمل سلطته المخولة له قانوناً.
ولا ينال من ذلك الادعاء بوجود علاقة تعاقدية بين الطاعن وجهة الإدارة إذ خلت الأوراق من أي دليل على وجود مثل هذه العلاقة بل إن الإدارة رفضت صراحة الاستمرار في تخصيص قطعة الأرض للجمعية بعد قيام المدعي بأعمال البناء المخالفة كما لا وجه للنعي على الحكم المطعون فيه بأن التصريح صدر للمدعي بأنه كشك خشبي وأنه في حالة مخالفة المواصفات كان يتعين اللجوء إلى القضاء لإصدار حكم بالإزالة. ذلك أن المشرع عندما سن حكم المادة 970 من القانون المدني قصد تمكين جهات الإدارة اقتضاء حقها الثابت بمستندات وأدلة جدية وخولها حمايته بالطريق الإداري. فإذا كان البناء على أملاك الدولة بموجب ترخيص أو تصريح فلا تجوز مخالفة حدود ما ورد به من شروط ومواصفات وإلا كانت المخالفة اعتداء على أملاك الدولة يعطي الحق لجهة الإدارة في إزالته بالطريق الذي رسمه القانون وما دامت أن واقعة التعدي التي استند إليها القرار المطعون فيه كسبب لإصداره قد استمدت من أصول ثابتة بالأوراق واستخلصت استخلاصاً سائغاً من عناصر تنتجها مادياً وقانونياً فإن هذا القرار يكون سليماً ومتفقاً مع القانون في صحيحه ومن ثم ينتفي ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة الذي يمثل أحد أركان المسئولية الإدارية.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق في قضائه ووافق حكم القانون فيما انتهى إليه من رفض دعوى الطاعن ويكون من ثم هذا الطعن غير قائم على أساس من القانون حقيقاً لذلك برفضه.
ومن حيث إن الطاعن خسر هذا الطعن فقد حق إلزامه بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بمصروفاته.