مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 436

(41)
جلسة 15 من ديسمبر لسنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل محمد زكي فرغلي وأحمد إبراهيم عبد العزيز وفريد نزيه تناغو - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2118 لسنة 32 القضائية

أ - جنسية - شروط التجنس (سلطة تقديرية)
القانون 29 لسنة 1975 بشأن الجنسية - الجنسية المصرية مركز قانوني يتحقق في المواطن المصري بواقع ميلاده أو من خلال إقامة أصوله أو إقامته وفقاً للشروط وللمدة التي حددها القانون - حالة التجنس مركز يستمده الفرد من القانون وليس ثمة تقدير لأحد أو لسلطة في إسباغ وصف المصري على من تتوافر فيه الشروط التي استلزمها المشرع - نتيجة لذلك: لا تملك الجهة الإدارية المختصة تقديراً في إسباغ صفة المصرية على شخص أو حرمانه من هذه الصفة على خلاف حكم القانون - تطبيق.
ب - جنسية - إثبات الجنسية (إثبات).
الجنسية مركز قانوني مستمد من القانون ويتصل بسيادة الدولة. لا يكفي لتوافره مجرد توافر بعض القرائن أو المظاهر التي تحيط عادة بالمتمتعين بها - يتعين توافر الشروط والوقائع القانونية التي يتطلبها القانون في هذا الشأن - مقتضى ذلك: توافر الوقائع القانونية المتطلبة في والد المطعون ضده لثبوت الجنسية المصرية له ومن بعده أبنه - نتيجة ذلك - توافر الشروط المتطلبة قانوناً لثبوت الجنسية المصرية للمطعون ضده - أساس ذلك: استمرار توطين الابن بمصر مكملاً لتوطن والده فيها وارتباط إقامته وعمله ومصدر رزقه بها المستفادة من إقامته المستمرة بالبلاد وغيرها من الوقائع والمظاهر - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 15/ 5/ 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن السيد/ وزير الداخلية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 2118 لسنة 32 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 18/ 3/ 1986 في الدعوى رقم 2414 لسنة 36 قضائية المقامة من السيد/ محمد حسن محمد الشاعر والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإثبات الجنسية المصرية للمدعي مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن للأسباب الواردة في الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وقدم السيد الأستاذ المستشار/........... تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني مسبباً في الطعن وقد انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 11/ 1989 والجلسات التالية حسبما هو مبين بمحاضر جلساتها، وحضر محامي هيئة قضايا الدولة ومحامي المطعون ضده وقدم كل منهما مذكرة بدفاعه وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 21/ 9/ 1991 واستمعت إلى مرافعة الطرفين وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 15/ 12/ 1991 وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص في أن المدعي أقام هذه الدعوى بالصحيفة المودعة بقلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 24/ 3/ 1982 والتي طلب في ختامها الحكم باعتباره متمتعاً بجنسية جمهورية مصر العربية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه المصروفات، وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه ولد بتاريخ 3/ 8/ 1920 بناحية الشيخ زويد برفح سيناء محافظة العريش لأبوين مصريين هما حسن محمد الشاعر ومريم محمد الشاعر، وظل يقيم بناحية الشيخ زويد منذ ولادته بلا انقطاع وعمل بالتجارة وحصل على سجل تجاري برقم 1000 صادر من مكتب السجل التجاري بمحافظة سيناء بتاريخ 23/ 8/ 1956 وساري المفعول كما حصل على البطاقة العائلية برقم 2118 من مكتب سجل مدني الشيخ زويد بتاريخ 27/ 10/ 1964 وحصل قبلها على بطاقات إثبات شخصية صادرة من الجهات الرسمية المصرية كما كان عضواً بهيئة التحرير منذ عام 1950 ومقيداً بجداول الانتخاب المصرية ويمارس حقوقه الانتخابية بصفته مواطناً مصرياً منذ عام 1949 كما حصل على جواز سفر من مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية بوزارة الداخلية برقم 34130 بتاريخ 15/ 9/ 1979 وأضاف أنه مصري الجنسية من سلال مصرية مقيمة بالأراضي المصرية منذ عام 1800 وما قبلها وكان والده يعمل بالتجارة، كما يشهد بذلك مشايخ وأعيان رفح سيناء وكما يدل عليه ملف الأسرة الموجود بوزارة الداخلية ومحافظة سيناء ومن ثم انتهى المدعي إلى طلب الحكم بطلباته السالفة.
وقدم المدعي تأييداً لدعواه حافظتي مستندات طويت على شهادة ميلاده وشهادة قيده بجداول الانتخابات وبطاقة إثبات شخصية وصورة من بطاقته العائلية وصورة من سجله التجاري وصورة من جواز سفره وشهادة من مصلحة وثائق السفر والهجرة تفيد بأنه مصري الجنسية تبعاً لوالده، ومستندات أخرى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة نائبة عن وزارة الداخلية مذكرة طلبت فيها رفض الدعوى واستندت فيها إلى أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي، في شأن تمسكه بالجنسية المصرية طبقاً للقانون، أما المستندات التي قدمها فهي لا تكفي لثبوت تمتعه بالجنسية المصرية إذ لم يثبت توطنه بمصر هو أو والده اعتباراً من عام 1904 حتى عام 1929 طبقاً لقوانين الجنسية المتعاقبة، كما قدمت هيئة قضايا الدولة حافظتي مستندات طويت على رد وزارة الداخلية ومحاضر انعقاد اللجنة الاستشارية لبحث جنسية أهالي سيناء والملف رقم 23/ 38/ 2585.
وبجلسة 18/ 3/ 1986 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإثبات الجنسية المصرية للمدعي وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وأسست المحكمة حكمها على أن المستفاد من نصوص التشريعات التي نظمت أحكام الجنسية المصرية أن المشرع تطلب لثبوت الجنسية توافر ثلاثة شروط مجتمعة الشرط الأول: التوطن في مصر قبل أول يناير 1948 أو قبل يناير 1900 أو قبل الخامس من نوفمبر 1904 على حسب الأحوال، وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع، والشرط الثاني: المحافظة على الإقامة في مصر حتى تاريخ العمل بقانون الجنسية الواجب التطبيق، والشرط الثالث: عدم انتماء الشخص لدولة أجنبية وأضافت المحكمة أن المدعي قدم حافظة مستندات اشتملت على شهادة ميلاده بمصر وشهادة من مشايخ وأعيان رفح سيناء بأنه مصري الجنسية وشهادة قيده بجداول الانتخابات المصرية وبطاقة إثبات الشخصية الخاصة به وصورة من بطاقته العائلية وصورة من شهادة الغرفة التجارية بمزاولة التجارة وصورة من السجل التجاري وخطاباً من مصلحة وثائق السفر والهجرة إلى محافظة شمال سيناء بتاريخ 14/ 11/ 1983 تفيد أن المدعي مصري الجنسية تبعاً لوالده المصري المقيد تحت رقم 23/ 38/ 2585.
وأضافت المحكمة أنه بالاطلاع على الملف رقم 23/ 38/ 2585 الخاص بـ/ حسن محمد الشاعر والد المدعي تبين أن اللجنة المشكلة لبحث جنسية أهالي سيناء عام 1956 انتهت في تقريرها المرفق صورته بالملف إلى أنه يعتبر مصرياً كل من الأشخاص الوارد أسماؤهم بالبند أولاً من قرار اللجنة وضمنهم حسن محمد الشاعر وأضافت محكمة القضاء الإداري في حكمها أن جهة الإدارة لم تجحد صحة المستندات التي تقدم بها المدعي وإنما أشارت في ردها على الدعوى إلى أن جنسية والد المدعي أعيد النظر فيها بمناسبة بحث جنسية المدعي بمعرفة لجنة أخرى عام 1964 ونظراً لأنه قد تبين لهذه اللجنة الأخيرة الخطأ الذي شاب القرار عام 1956 فقد أصدرت قرارها في 20/ 12/ 1964 بعدم اعتبار المدعي متمتعاً بالجنسية المصرية لعدم تمتع والده بها.
واستطردت المحكمة أن ما انتهت إليه جهة الإدارة في ردها يتناقض مع ما أثبتته اللجنة المشكلة عام 1956 من ثبوت الجنسية المصرية لوالد المدعي وتأيد ذلك بالكتاب الصادر من مصلحة وثائق السفر والهجرة إلى محافظة شمال سيناء بتاريخ 14/ 11/ 1983 والذي يفيد بأن المدعي مصري الجنسية تبعاً لوالده المصري المقيد ملفه برقم 23/ 38/ 2585، كما لم تبين جهة الإدارة الخطأ الذي شاب قرار اللجنة المذكورة، وأضافت أنه تبين للمحكمة من جماع ما تقدم من وقائع ومستندات أن الشروط اللازمة لاكتساب الجنسية المصرية وفقاً لأحكام قوانين الجنسية قد توافرت في حق المدعي مما يتعين معه الحكم بإثبات الجنسية المصرية له، ومن ثم انتهت محكمة القضاء الإداري إلى القضاء بحكمها السالف.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وذلك أنه طبقاً لقوانين الجنسية المصرية فإنه يشترط ثبوت الإقامة المستمرة في البلاد خلال المدة من 1914 حتى 1929 طبقاً للقانون رقم 19 لسنة 1929، إلا أن شرط الإقامة المستمرة في البلاد غير متوافر من جانب والد المطعون ضده الذي لا يعد متمتعاً بالجنسية المصرية وتبعاً لذلك لا يعد أيضاً ابنه المطعون ضده المولود بتاريخ 3/ 8/ 1920 حسبما ذكر متمتعاً بهذه الجنسية وذلك ما أكدته اللجنة المشكلة عام 1964 والتي صوبت الخطأ الذي وقعت فيه اللجنة السابقة المشكلة عام 1956، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف ذلك فإنه يكون خليقاً بالإلغاء، ومن ثم انتهت الجهة الإدارية الطاعنة إلى طلب الحكم بطلباتها السالفة الذكر.
ومن حيث إن المادة (6) من الدستور تنص على أن الجنسية المصرية ينظمها القانون وبامتداد الحلول العامة التي قصرها المشرع الدستوري على المصريين سواء حق تولي المناصب والوظائف العامة أو مباشرة حق الانتخاب أو الترشيح لمجلسي الشعب والشورى أو بتحمل مسئولية وشرف التجنيد دفاعاً عن مصر وللدستور بما تضمنه القوانين تنفيذ المبادئ التي قررها يبين أن صفة المصري من بين المراكز الأساسية التي تضمنها الدستور والقانون وفقاً لما أرساه من أسس جوهرية للنظام العام الدستوري والقانون المصري.
ومن حيث إنه قد بدأ التنظيم القانوني للجنسية المصرية منذ سنة 1929 بالمرسوم بقانون الصادر في 26/ 5/ 1926 بعد أن أصبح لمصر الحق في تنظيم جنسيتها نتيجة لاستقلالها عن الدولة العثمانية واستمر العمل به حتى صدر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1926 المنظم للجنسية المصرية، ثم تلاه القانون رقم 160 لسنة 1950 الذي بقى نافذاً حتى صدور القانون رقم 391/ 1956 وبعد الوحدة مع سوريا صدر القانون رقم 82 لسنة 1958 وتلاه بعد الانفصال القانون 26/ 1975.
ومن حيث إن القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية ينص في المادة الأولى على أن: "المصريون هم: -
أولاً: المتوطنون في مصر قبل 5 من نوفمبر سنة 1914 من غير رعايا الدول الأجنبية المحافظون على إقامتهم حتى تاريخ العمل بهذا القانون وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع وإقامة الزوج مكملة لإقامة الزوجة.
ثانياً: من كان في 22 فبراير سنة 1958 متمتعاً بالجنسية المصرية طبقاً لأحكام لقانون رقم (391) لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية.
ثالثاً: من كسب جنسية الجمهورية العربية المتحدة طبقاً لأحكام القانون رقم (82) لسنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة.
وينص هذه القانون في المادة الثانية على أن "يكون مصرياً: - (1) من ولد لأب مصري.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية كانت تنص على أن المصريين هم
أولاً: المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 المحافظون على إقامتهم فيها حتى تاريخ نظر هذا القانون ولم يكونوا من رعايا الدول الأجنبية وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع وإقامة الزوج مكملة لإقامة الزوجة متى كانت لديهم نية التوطن.
ثانياً: من ذكروا في المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1950 كانت تنص على أن يعتبر مصرياً 1 - ............
2 - المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1948 أو كانوا محافظين على إقامتهم العادية حتى 10 من مارس سنة 1929 ولم يكونوا من رعايا الدول الأجنبية.
3 - الرعايا العثمانيون المولودون في الأراضي المصرية من أبوين مقيمين فيها إذا كانوا قد حافظوا على إقامتهم العادية فيها حتى 10 من مارس سنة 1929 ولم يكونوا جنسية أجنبية.
4 - الرعايا العثمانيون المولودون في الأراضي المصرية والمقيمون فيها الذين قبلوا المعاملة بقانون الخدمة العسكرية سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدل ولم يدخلوا في جنسية أجنبية متى حافظوا على إقامتهم العادية في مصر إلى 10 مارس 1929.
5 - الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في الأراضي المصرية في 5 نوفمبر 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى 10 مارس 1929 سواء كانوا بالغين أو قصر.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المعمول به من 10 من مارس 1929 تنص على أنه يعتبر داخلاً بالجنسية المصرية بحكم القانون
أولاً:.................
ثانياً: كل من يعتبر في تاريخ العمل بهذا القانون مصرياً بحسب حكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيو سنة 1900 وقد نصت المادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه على أن المصريين هم (أولاً) المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على محل إقامتهم فيه.
(ثانياً) رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى حافظ الرعايا المذكورون على محل إقامتهم فيه. (ثالثاً) رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بموجب قانون القرعة العسكرية المصري سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدلية. (رابعاً) الأطفال المولودون بالقطر المصري من أبوين مجهولين.
ومن حيث إنه قد استقرت الأحكام والدساتير المتعاقبة منذ دستور سنة 1923 حتى دستور 1971 والقوانين المنظمة للجنسية المصرية حتى القانون النافذ رقم 29 لسنة 1975 على أن الجنسية المصرية مركز قانوني يتحقق في المواطن المصري بواقع ميلاده أو من خلال إقامة أصوله أو إقامته وفقاً للشروط وللمدد التي حددها القانون وهي في حالة التجنس مركز يستمده الفرد من القانون وليس ثمة تقدير لأحد أو لسلطة في إسباغ وصف المصري على من تتوفر فيه الشروط التي استلزمها المشرع للتمتع بشرف هذه الصفة بمجرد توفر الشروط التي تضمنها القانون لذلك ولا تملك الجهة الإدارية المختصة تقديراً في إسباغ صفة المصرية على شخص أو حرمانه من هذه الصفة على خلاف حكم القانون وما حتمه في هذا الشأن.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق والمستندات أنه في عام 1956 شكلت لجنة إدارية برئاسة عضو من مجلس الدولة وعضوية أحد كبار الضباط بإدارة التفتيش العام بوزارة الداخلية وآخرين وذلك للبحث في مدى ثبوت الجنسية المصرية لبعض أهالي سيناء من عدمه، وقد انتقلت هذه اللجنة إلى العريش ورفح وعقدت اجتماعاتها بحضور وكيل محافظة سيناء، ومأمور قسم سيناء الشمالي ومعاون مباحث المحافظة وقامت اللجنة بالاستماع إلى معلوماتهم وملاحظاتهم في هذا الشأن، كما أطلعت اللجنة على ملف الموضوع المحفوظ بالمحافظة، كما قامت اللجنة أيضاً بمعاينة مساكن الأهالي المذكورين وأراضيهم، وانتهت اللجنة في تقريرها المؤرخ 14/ 3/ 1956 إلى ثبوت الجنسية المصرية للأشخاص المذكورين في محضرها وضمنهم السيد/ حسن محمد الشاعر (والد المطعون ضده) تحت رقم مسلسل (15) ملف رقم 23/ 38/ 2585، كما استبعدت اللجنة ثبوت هذه الجنسية لآخرين ذكرتهم في محضرها، كما رأت بالنسبة لآخرين عدم كفاية المعلومات الواردة منهم وطلبت تحريات المباحث عن كل واحد منهم بشأن تاريخ ومحل ميلاده ومحل إقامته وعمله هو ووالده وجده في المدة من عام 1914 حتى 1929 ومدى تمتع كل منهم بالجنسية الفلسطينية. (حافظة مستندات وزارة الداخلية).
ومن حيث إن الثابت من الأعمال والإجراءات والأبحاث التي قامت بها هذه اللجنة أن ما استندت وانتهت إليه من ثبوت الجنسية المصرية لعدد من الأهالي المذكورين وبرفض ثبوتها للطائفة الثانية منهم وباستيفاء الأبحاث للطائفة الثالثة منهم كان بناءً على ما استظهرته مما قدم إليها من مستندات وأجرته من تحريات وبيانات من أن إقامة كل منهم مع والده في الفترة من عام 1914 حتى 1929، ومن ثم جاء ما انتهت إليه في هذا الشأن بالنسبة لثبوت الجنسية المصرية لوالد المطعون ضده باعتباره من الطائفة الأولى المشار إليها والتي تثبت لدى اللجنة إقامة أفرادها بمصر في الفترة المشار إليها والتي أوجب القانون تحققها فيمن تثبت له الجنسية المصرية عن طريق إقامة الأصول طبقاً للبند أولاً من المادة الأولى من القانون رقم 160 لسنة 1950 بشأن الجنسية المصرية وما تلاه من أحكام مماثلة وفي قوانين الجنسية المتعاقبة حتى البند أولاً من المادة الأولى من القانون رقم 26 لسنة 1975 سالف الذكر المشار إليه على أن المصريين هم (أولاً) المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على محل إقامتهم فيه.
(ثانياً) رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى حافظ الرعايا المذكورون على محل إقامتهم فيه (ثالثاً) رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بموجب قانون الخدمة العسكرية سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدلية (رابعاً) الأطفال المولودون بالقطر المصري من أبوين مجهولين.
ومن حيث إن إقامة والد المطعون ضده بمصر اعتباراًَ من عام 1914 تعد ثابتة على النحو السالف البيان بناء على البحث الجدي والمستقصي الذي قامت به اللجنة السالفة وأثبتته بمحاضرها عام 1956 ومن ثم فإن الجنسية المصرية تعد ثابتة في حقه طبقاً للقانون رقم 160 لسنة 1950 الساري في هذا الوقت والذي كان ينصفه إذ قد توافرت في والد المطعون ضده واقعة الإقامة والتوطن في مصر على النحو السالف وهي الواقعة القانونية التي يشترطها القانون لتمتعه بالجنسية المصرية، وهي التي عقدت اللجنة المشار إليها لاستظهارها وأثبتتها في تقريرها عام 1956 مما فحصته من مستندات وتحققت منه في السجلات وما أجرته من مقابلات ومعاينات على النحو الوارد في محاضر أعمالها وعليه فإنه يعتبر مصرياً إعمالاً لنصوص القانون السالفة.
ومن حيث إنه ما دام أن الجنسية المصرية تعد ثابتة لوالد المطعون ضده على النحو السالف فإن الأخير يعد مصرياً طبقاً للقانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية المعمول به حالياً وذلك باعتباره قد توافرت فيه الشروط الواردة في المادتين الأولى والثانية منه، بعد أن ثبت في حقه التوطن في مصر قبل 5 من نوفمبر 1914 وبصفة مستمرة حتى الآن ولأن إقامة والده تعد مكملة لإقامته طبقاً لما أوردته المادة الأولى من هذا القانون وبحكم ولادته لأب مصري طبقاً للمادة الثانية من هذا القانون.
ومن حيث إن القرائن التي حوتها مستندات المطعون ضده وإن كانت بمفردها غير كافية قانوناً لإثبات الجنسية باعتبار أن الجنسية مركز قانوني مستمد من القانون ويتصل بسيادة الدولة ولا يكفي لتوافره مجرد توافر بعض القرائن أو المظاهر التي تحيط عادة بالمتمتعين بها وإنما يتعين توافر الشروط والوقائع القانونية التي تطلبها القانون في هذا الشأن، إلا أنه وقد توافرت الوقائع القانونية المتطلبة في والد المطعون ضده لثبوت الجنسية المصرية له ومن بعده ابنه المطعون ضده، فإن الوقائع والمظاهر التي حوتها مستندات الأخير أكدت أيضاً ما أثبتته اللجنة المنعقدة عام 1956 في تقريرها، إذ يبين من هذه الأدلة والمستندات استمرار توطن المطعون ضده في مصر مكملاً توطن والده فيها، وارتباط إقامته وعمله ومصدر رزقه بها، وذلك بإقامته المستمرة بالبلاد وقيده بالسجل التجاري بمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء وممارسته لحقه الانتخابي بالعريش بعد قيده بجداول الانتخابات بها، وحصوله على بطاقة عائلية من مكتب السجل المدني بالناحية، ثم حصوله على جواز سفر من مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية بوزارة الداخلية، بل وإقرار هذه المصلحة في كتبها إلى محافظة شمال سيناء عام 1983 بأن المطعون ضده مصري تبعاً لجنسية والده المصري المقيد تحت رقم 23/ 38/ 2585 وهو ذات رقم الملف الذي أشارت إليه اللجنة المنعقدة عام 1956 في تقريرها، الأمر الذي يؤكد في مجموعه توافر الشروط المتطلبة قانوناً لثبوت الجنسية المصرية للمطعون ضده، بعد أن ثبتت هذه الجنسية لوالده أيضاً.
ومن حيث إنه لا يقدح في ذلك ما أشارت إليه الجهة الإدارية الطاعنة سواء في ردها على الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أو في تقرير طعنها أمام هذه المحكمة من أن اللجنة الثانية المشكلة عام 1964 انتهت إلى عدم ثبوت الجنسية المصرية للمطعون ضده أو والده وهي بذلك قد صححت قرار اللجنة الأولى المنعقدة عام 1956 بعد أن تبين لها الخطأ الذي شاب قرار هذه اللجنة إذ يرد على هذا بأنه وإن كان من صحيح حكم القانون إنه مادام لم تتوافر الشروط اللازمة قانوناً للتمتع بالجنسية المصرية على النحو الذي حدده المشرع الدستوري والعادي فإنه لا تثبت الجنسية المصرية لأحد حتى لو انقضت على التصرف الإداري الذي يتضمن ذلك على خلاف القانون فترة الطعن أمام القضاء الإداري لعدم تحصن هذا التصرف الذي لا يعد قانوناً منشئاً لهذا المركز القانوني على أي وجه حيث ينشأ من القانون ذاته وحيث إنه لما كان الثابت من محاضر اللجنة الثانية المنعقدة في عام 1964 أنها لم تطلع على ملف والد المطعون ضده سالف الذكر، كما لم تشر إلى قرار اللجنة الأولى أو تفنده أو تفند الأسباب التي قام عليها، وإنما جاء محضرها خالياً من ذلك وبالتالي فإن قرارها لم يثبت قيامه على سند مستخلص استخلاصاً معقولاً من واقع الحال الخاص بالمطعون ضده أو حالة والده ولاشك أنه مما يجافي المنطق الصحيح ويتعارض مع الحق والحقيقة القول بأنها صححت أو تبينت خطأ اللجنة السابقة عليها، لأنها لم تطلع وتفحص الملفات السابقة وما انتهت إليه الأبحاث واللجان السالفة عليها وتفندها إن رأت بالدليل الواقعي والسليم ما يخالفها، ومادام أن الثابت أن تقرير اللجنة المنعقدة عام 1964 قد جاء مبتسراً ولا سند يقوم عليه ولا يطمئن إليه في هذا الشأن فإنه لا ينال من جديد الأبحاث والتحقيقات والمعاينات التي أجرتها اللجنة الأولى المنعقدة عام 1956 والتي ظاهرتها الدلائل والمستندات السالفة والتي تنطق كلها بأحقية المطعون ضده في ما يتمسك به من ثبوت الجنسية المصرية تبعاً لثبوتها لوالده على النحو السالف وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه صحيحاً وسليماً في منطوقه.
ومن حيث إنه تبين مما سلف بيانه من أسباب أن الطعن الماثل لا يستند إلى أساس صحيح من القانون أو الواقع ومن ثم فإنه يكون خليقاً بالرفض موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.