مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 470

(45)
جلسة 24 من ديسمبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ مصطفى الفاروق محمد الشامي ود. أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب عويس وأحمد أمين حسان محمد - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 216 لسنة 37 القضائية

( أ ) عامل بالقطاع العام - تأديب - الدعوى التأديبية - الحكم فيها - تسبيبه (دعوى)
المحكمة التأديبية ليست ملزمة بأن تتعقب دفاع الطاعن في وقائعه وجزئياته للرد على كل منها ما دامت قد أبرزت إجمالاً الحجج التي كونت منها عقيدتها مطرحة بذلك ضمناً الأسانيد التي قام عليها دفاعه - تطبيق.
(ب) عامل بالقطاع العام - تأديب - الجزاءات التأديبية - مشروعيتها.
للسلطات التأديبية ومنها المحاكم التأديبية سلطة تقدير درجة خطورة الذنب الإداري وما يناسبها من جزاء - مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو في تقدير الجزاء - من صور الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره - إذا ثبت للمحكمة أن المخالفة تشكل ذنباً إدارياً ومالياً تكشف عن إصرار المخالف عما دأب عليه من إهمال ترتب عليه تعريض أموال الشركة للضياع رغم سبق مجازاته عند مخالفات سابقة مماثلة فإن مجازاته بعقوبة الإحالة للمعاش تتناسب مع درجة خطورة الذنب الإداري - النعي بالغلو لا يصادف صحيح القانون - لا ينال من ذلك استرداد الشركة للمبلغ المسروق - أساس ذلك: إعادة المبلغ المسروق لا ينفي وقوع المخالفة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 8/ 12/ 1990 أودع الأستاذ/ محمد عبد المنعم مكرم المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/........ بالتوكيل رقم 3139 أ.ج لسنة 1990 عام دمنهور تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 1/ 12/ 1990 في الدعوى رقم 955 لسنة 31 ق والذي قضى بمجازاة الطاعن بعقوبة الإحالة إلى المعاش.
وقد طلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يتم الفصل في الطعن - ثانياً: بصفة أصلية بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه - ثالثاً: بصفة احتياطية بتعديل الجزاء من إحالة الطاعن إلى المعاش إلى عقوبة الخصم من مرتبه وفي أي الحالات الحكم بما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده بالمصاريف.
وبعد إعلان تقرير الطعن للمطعون ضده بتاريخ 15/ 12/ 1990 لدى هيئة قضايا الدولة التي تنوب قانوناً عن صاحب الصفة في الطعن أحيل إلى هيئة مفوضي الدولة التي قامت بتحضيره وأودعت تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة لمدير عام النيابة الإدارية بالجيزة لرفعه على غير ذي صفة ثانياً: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالجلسات المشار إليها بالمحاضر حيث قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة" لنظره بجلسة 9/ 7/ 1991 فنظرته بهذه الجلسة وما تلاها من جلسات على الوجه المبين بالمحاضر إلى أن قررت بجلسة 15/ 10/ 1991 إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها أصدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد أقيم في الميعاد القانوني مستوفياً الأوضاع الشكلية المقررة فمن ثم يتعين الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن واقعات الطعن - حسبما يبين من الأوراق - تلخص في أنه بتاريخ 12/ 6/ 1989 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية تقرير اتهام ضد الطاعن وآخرين جاء بها بالنسبة للطاعن بصفته أمين خزينة - مستودع كفر الدوار من الدرجة الثانية أنه خلال المدة من 1/ 7/ 1985 إلى 6/ 9/ 1986 بمنطقة البحيرة بشركة مطاحن وسط غرب الدلتا لم يؤد العمل المنوط به بدقة وأمانة ولم يحافظ على أموال الجهة التي يعمل بها بأن لم يودع كافة المبالغ المحصلة بمعرفته والواردة من مبيعات المستودع إلى البنك لحساب الشركة وظهور عجز بعهدته قدر حتى 3/ 9/ 1986 بمبلغ 35975 جنيهاً مما مكن مجهول من سرقة بعض المبالغ من خزينة المستودع على النحو المبين بالأوراق قد أرفقت النيابة بتقرير الاتهام مذكرة بموضوعه وأسانيد ثبوته وملف القضية رقم 1144 لسنة 1988 شركات الإسكندرية.
وبجلسة 1/ 12/ 1990 حكمت المحكمة التأديبية بمجازاة الطاعن بعقوبة الإحالة إلى المعاش تأسيساً على أن ما نسب إليه من عدم قيامه بإيداع كافة المبالغ المحصلة بمعرفته والواردة من مبيعات المستودع بالبنك لحساب الشركة وظهور عجز بعهدته قدر حتى 3/ 9/ 1986 بمبلغ 35975 جنيهاً كان من شأنه إن عرض بعض المبالغ للسرقة التي حدثت لخزينة المستودع وقد ثبت ذلك في حقه مما ورد بالأوراق وباعترافه بالتحقيقات بالتراضي في إيداع المبالغ المحصلة أولاً بأول ومن أقوال من سمعت أقوالهم بالتحقيقات وفيما تضمنه تقرير لجنة فحص أعماله عن الفترة من 1/ 7/ 1986 حتى 6/ 9/ 1986، كما أن الثابت من الأوراق أنه سبق التحقيق معه وإدانته إدارياًَ عن التراخي في إيداع المبالغ المحصلة وتجزئة إيداعها من قبل، وفي مجال تقدير العقوبة قالت المحكمة أن ما آثاره المحال وثبت في حقه طبقاً للأسباب المتقدمة يجعل استمراره في الوظيفة متعارضاً والصالح العام كما فيه من تعريض مستمر لضياع المال العام واغتياله الأمر الذي يفقد شرط الصلاحية للاستمرار في تولي أعباء الوظيفة مما لا مناص معه من التنحية بينه وبينها ومن ثم يتعين مجازاته بالجزاء الذي يتناسب مع ما ثبت في حقه والذي قدرته المحكمة بعقوبة الإحالة إلى المعاش.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد نعى عليه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه للأسباب الآتية: -
أولاً: أن طبيعة عمل الطاعن أن يتلقى المبالغ المتحصلة طوال اليوم ومن الثابت أن البنوك لا تقبل الودائع بعد الساعة الواحدة ظهر وفي يوم 3/ 9/ 1986 تلقى الطاعن مبالغ كان من المفروض أن يودعها بالبنك في اليوم التالي وهو يوم 4/ 9/ 1986 وتصادف في نفس مساء يوم 3/ 9/ 1986 أن قرر رئيس مجلس الوزراء أن يكون يوم الخميس 4/ 9/ 1986 عطلة رأس السنة الهجرية بدلاً من يوم الجمعة 5/ 9/ 1986 وهو بطبيعته عطلة رسمية أسبوعية - وبقيت المبالغ المتحصلة بالخزينة أيضاً ليوم السبت 6/ 9/ 1986 لأنه لم يتيسر توريدها للبنك باعتباره عطلة للبنوك وكان من المفروض أن تودع يوم الأحد الموافق 7/ 9/ 1986 إلا أن الثابت أن واقعة سرقة الخزينة قد حدثت ليلة 5/ 9/ 1986 أي خلال العطلات المشار إليها وخلص الطاعن من ذلك أنه لم يكن ثمة تأخير عمدي من جانبه في إيداع المبالغ المتحصلة بالبنك وإنما كان تأخير فرضته القوة القاهرة - كما أن العرف جرى في هذه الشركة بالذات على تأخير الإيداعات بالبنوك لقلة الأيدي العاملة وزيادة العبء الواقع على عاتق أمناء الخزائن وقد تقاعست المحكمة عن الرد عن الدفاع الخاص بأيام العطلات الثلاث التالية ليوم 3/ 9/ 1986 مما يعد قصوراً في التسبيب. ثانياً: أن المحكمة لم تقم بالاطلاع على مذكرة الطاعن ومستنداته إطلاعاً دقيقاً ولم يتحصل علمها بدفاعه.
ثالثاً: بالافتراض الجدلي بصحة الواقعة وخطأ الطاعن فإنه يجب أن يتناسب الجزاء مع الخطأ خاصة وإن المبلغ قد سدد بالكامل وإنه لا يوجد ثمة عجز كما أنه صدر قرار من الشركة بإبعاده عن أعمال الخزينة وهو ما يزكى الطلب الاحتياطي من الاكتفاء بتوقيع جزاء بالخصم من مرتبه أسوة بباقي المحالين خاصة وإن مجرد العجز حتى ولو كان صحيحاً فإنه لا يشكل جريمة وأثناء تداول الطعن بالجلسات قدم الطاعن مذكرة دفاع بجلسة 3/ 4/ 1990 قال فيها إن سبب العجز راجع إلى حادث السرقة بكسر باب المستودع وتحطيم الخزينة وشقها من أعلى حسب اعتراف الجناة بالكسر والسرقة ومن ثم فإن العجز في العهدة لم يكن للطاعن يد فيه ومرد إلى حادث السرقة وهو قوة قاهرة بالنسبة لصاحب العهدة وأن عدم توريد المبالغ المتحصلة كان بسبب خارج عن إرادته واستطرد قائلاً في مذكرة دفاعه أن الحكم المشار إليه شابه الغلو في تقدير الجزاء إذ على فرض أن ثمة تراخ في التوريد فإن ذلك لا يستوجب - توقيع الجزاء بالإحالة إلى المعاش. وانتهى في ختام مذكرته إلى طلب الحكم له بالطلبات المبينة بتقرير الطعن.
ومن حيث إنه بالاطلاع على الأوراق والمستندات الخاصة بالمنازعة يبين أنه بتاريخ 5/ 9/ 1986 اكتشف حارس مستودع دقيق كفر الدوار التابع لشركة مطاحن وسط غرب الدلتا أن باب المخزن مفتوح والخزينة مكسورة وحدثت سرقة بها، وأن الطاعن بصفته أميناً لتلك الخزنة أبلغ بهذه الواقعة للنيابة العامة التي باشرت التحقيق حيث انتهت إلى ثبوت فتح باب المخزن عنوة في غيبة أمين المخزن وعدم ثبوت استيلاء المذكورين على ما بداخل المستودع واستبعدت النيابة العامة شبهة جريمة الإضرار بالمال العام من الأوراق. وأن التحريات التي أجراها قسم مكافحة السرقات بالإسكندرية دلت على قيام.........، ........، ........ بسرقة المستودع والاستيلاء من الخزينة الحديدية الموجودة به على مبلغ 15 ألف جنيه عن طريق كسر سقف الخزينة وعودتهم إلى الإسكندرية مرة أخرى حيث قاموا باقتسام المبلغ وانتهت النيابة العامة إلى تقديم المذكورين إلى المحاكمة الجنائية نتيجة سرقة خزينة المستودع وعلى أثر حدوث هذه الواقعة صدر قرار رئيس مجلس إدارة الشركة رقم 595 في 23/ 9/ 1986 بتشكيل لجنة لفحص أعمال أمين الخزينة (الطاعن) عن الفترة من 1/ 7/ 1985 وحتى 6/ 9/ 1986 وقد تضمن التقرير الذي أعدته اللجنة أن الطاعن لم يوقع على فواتير أو كشوف البيع المرسلة للمنطقة فضلاً عن عدم استكمال البيانات الأساسية من تفقيط المبالغ المحصلة وذكر رقم إيصال الإيداع وعدم تسلسل دفاتر الفواتير وتأخير إيداع النقدية بالبنك وإنه كان لا يقوم في ذات اليوم أو اليوم التالي بالإضافة إلى تجزئة الإيداع فلا يقوم بإيداع المبالغ المحصلة بالكامل وترتب على ذلك أن الإيداع أصبح أقل بكثير من المتحصلات النقدية فبلغ الرصيد المتبقي لديه عن شهر مايو 1986 مبلغ 84065.335 جنيهاً مما بلغ الفرق بين الإيرادات والإيداعات والذي يمثل الرصيد المتبقي لديه ولم يقم بتوريده مبلغ 16362.218 جنيهاً في نهاية شهر يوليو 1986 كما بلغ الرصيد المتبقي لديه في نهاية شهر أغسطس سنة 1986 مبلغ 33332.815 جنيهاً وذلك كله خلال الفترة السابقة مباشرة على وقوع حادث السرقة حيث بلغ الرصيد المتبقي لديه في 6/ 9/ 1986 اليوم التالي لوقوع الحادث مبلغ 56734.900 وهي الفترة التي قدم عنها للمحاكمة التأديبية بناء على تقرير الاتهام المقدم من النيابة الإدارية. ولا شك أن من شأن ذلك جميعاً أن يفند ادعاءات الطاعن في دفاعه من أن التأخير في التوريد كان خلال الأيام الأولى فقط من شهر سبتمبر 1986 حتى تاريخ حادث السرقة في 5/ 9/ 1986 وأنها كانت عطلات رسمية والطاعن في ذلك لا يوضح أو يبدي دفاعاً عن أسباب التأخير في توريد المبالغ المشار إليها للبنك خلال الشهور السابقة على أيام العطلات الواقعة في بداية شهر سبتمبر 1986 مما يؤكد صحة المخالفة المنسوبة إليه في هذا الخصوص إضافة إلى ما هو ثابت من تحقيقات الجهة الإدارية والنيابة الإدارية وأقوال من سمعت أقوالهم في التحقيقات والتي تلخص كلها في أن الطاعن غير منتظم في الإيداعات الخاصة بالمبالغ التي يقوم بتحصيلها من العملاء يومياً ولا يودعها البنك في ذات اليوم أو اليوم التالي وكان التأخير في الإيداع يصل لمدد تزيد على عشرة أيام فضلاً عن تجزئة الإيداع حيث لا يودع كامل المبالغ الموردة إليه بالبنك وعلى نحو ما ورد ضمن أقوال الطاعن عند التحقيق معه فإنه كان يقوم بالتوريد في أوقات منتظمة، وإذا كان قد أرجع ذلك إلى عدمه العمالة الكافية وإلى ضغط العمل ولقيامه بالعمل بمفرده بالمستودع بيد أن هذا الدفاع مرود بأن كثرة الأعمال ليست من الأعذار التي تتخلف معها المسئولية الإدارية خاصة في المسائل المالية وشئون صون العهد وخاصة أيضاً وأن الطاعن سبق التحقيق معه في وقائع مماثلة سابقة على الفترة المقدم عنها للمحاكمة التأديبية وتمت إدانته إدارياً عن إهماله وتراخيه في إيداع المبالغ المحصلة وتجزئه إيداعاتها مما قطع بثبوت المخالفات المنسوبة إليه في تقرير الاتهام بالدعوى الماثلة، وهي ذاتها عدم إيداع كامل المبالغ المحصلة بمعرفته والواردة من مبيعات المستودع بالبنك لحساب الشركة الأمر الذي كان من شأنه أن عرض بعض المبالغ للسرقة التي حدثت لخزينة المستودع على النحو سالف البيان....، ومن ثم يكون ما انتهت إليه المحكمة في حكمها المطعون فيه من إدانة سلوك الطاعن قائماً على سنده الصحيح من الواقع والقانون حيث استخلصت النتيجة التي انتهت إليها من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق - تؤدي إلى أن المخالفة المنسوبة إليه ثابتة في حقه يقيناً.
ومن حيث إنه عما أثاره الطاعن في طعنه من أن المحكمة لم تقم بالاطلاع على مذكرة الطاعن ومستنداته إطلاعاً دقيقاً ولم يتصل علمها بدفاعه فهذا القول عار من الصحة حيث انتهت المحكمة في الحكم المطعون فيه أن الطاعن حضر شخصياً وبوكيل عنه وأنه بجلسة 6/ 1/ 1990 قدم الحاضر عنه (وعن آخر) ثلاث حوافظ مستندات ومذكرتين بدفاع المحال الأول والثاني (الطاعن) طلب فيهما الحكم ببراءة كل منهما وذلك استناداً لما أورده فيهما من أسباب، وهذا في حد ذاته كاف بسداد الحكم المطعون فيه حسبما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أن المحكمة التأديبية ليست ملزمة بأن تتعقب دفاع الطاعن في وقائعه وجزئياته للرد على كل منها ما دامت قد أبرزت إجمالاً الحجج التي كونت منها عقيدتها مطرحة بذلك ضمناً الأسانيد التي قام عليها دفاعه، الأمر الذي يتعين معه الالتفات عما آثاره الطاعن في هذا الصدد.
ومن حيث إنه عما جاء بتقرير الطعن من النعي على الحكم المطعون فيه بالغلو في تقدير الجزاء إذ أوقع على الطاعن عقوبة الإحالة إلى المعاش في حين أوقع على باقي المحالين عقوبة الخصم من المرتب فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن السلطات التأديبية ومنها المحاكم لها سلطة تقدير درجة خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بلا معقب عليها في ذلك وأن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره.
ومن حيث إن سند الطاعن في هذا الدفع هو أن المحكمة قد أوقعت عليه عقوبة الإحالة إلى المعاش وجازت باقي المحالين بعقوبة الخصم من المرتب وهذا الاستناد في غير محله لأنه وقد استظهرت المحكمة في حقه المخالفة المنسوبة إليه وهي تشكل ذنباً إدارياً ومخالفة مالية تكشف عن إصراره على ما دأب عليه من إهمال شديد ترتب عليه تعريض أموال الشركة للضياع بالرغم من سبق مجازاته إدارياً عن وقائع مماثلة إلا أنه لم يرتدع ولم يكترث بمدى خطورة مسلكه في الاحتفاظ بالمبالغ المحصلة وعدم إيداعها بالبنك في حساب الشركة مما أتاح العبث بأموالها على النحو السالف بيانه، وبهذا يغدوا استمراره في الوظيفة متعارضاً مع الصالح العام لما فيه من استهانة وخطر متعمد على أموال الشركة وإذ قضت المحكمة التأديبية بمجازاته بعقوبة الإحالة إلى المعاش فإن تقديرها للجزاء يكون متناسباً مع درجة خطورة الذنب الإداري المتمثل في المخالفة المنسوبة إليه.
والثابتة في حقه ومن ثم فإن النعي عليه بالغلو لا يصادف صحيح القانون أو الواقع ولا يغير من ذلك ادعاء الطاعن أن الشركة استردت المبلغ المسروق وعدم مسئوليته عن سرقته، لأن هذا الادعاء لا ينفي عن الطاعن ارتكاب المخالفة موضوع الطعن، وبالتالي يكون طلب الطاعن الاحتياطي بتعديل الجزاء إلى عقوبة الخصم بالمرتب بدلاً من الإحالة إلى المعاش. غير قائم على سند سليم من القانون واجب الرفض.
ومن حيث إنه وقد ثبت ما تقدم جميعه فإن المخالفة المنسوبة للطاعن تكون ثابتة في حقه وهي تشكل خروجاً منه على مقتضى واجبات وظيفته يسوغ تأديبه عنه وإذ قضت المحكمة التأديبية بمجازاته عنها على النحو المشار إليه فإن حكمها يكون قد صدر متفقاً وحكم القانون ويكون الطعن عليه في غير محله متعين الرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.