مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 478

(46)
جلسة 28 من ديسمبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد مجدي محمد خليل وأحمد إبراهيم عبد العزيز ومحمد عزت السيد إبراهيم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2250 لسنة 29 القضائية

( أ ) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - مدي جواز التفويض في توقيع الجزاءات التأديبية (إدارة محلية).
قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 معدلاً بالقانون رقم 50 لسنة 1981 - لائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 لسنة 1979.
القاعدة في مجال القانون العام إنه إذا ناط القانون لسلطة معينة اختصاصاً ما فلا يجوز لها أن تنزل عنه أو تفوض غيرها فيه إلا إذا أجاز القانون لها ذلك - أساس ذلك: أن هذه الاختصاصات ليست أعمالاً خاصة يملك المنوط بها التصرف فيها وإنما هي أعمال الدولة - عنيت القوانين واللوائح بالسلطات المختصة ونظمت طريقة أدائها - إذا كانت ولاية التأديب معقودة أصلاً للجهات الرئاسية للموظف بمقتضى حقها في الإشراف والرقابة على أعماله فلا يجوز لمن كان له سلطة تأديبية معينة أن يفوض غيره في مزاولتها بغير نص قانوني خاص يجيز له التفويض في ممارسة هذا الاختصاص بالذات - أساس ذلك: أن للسلطة التأديبية طبيعة خاصة حدت بالمشرع إلى قصر مزاولتها على سلطات معينة ويمتنع التفويض فيها إلا بنص خاص.
(ب) السلطة التأديبية المختصة بمجازاة العاملين بفروع الوزارات في وحدات الإدارة المحلية.
خول قانون الإدارة المحلية المحافظ سلطة تأديبية على جميع العاملين بفروع الوزارات والمصالح القائمة داخل النطاق الإقليمي للمحافظة - أجاز المشرع للمحافظ تفويض بعض سلطاته واختصاصاته إلى رؤساء الوحدات المحلية - حددت اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية نطاق هذا التفويض في حدود شئون الوحدات المحلية - أثر ذلك: لا يجوز للمحافظ أن يفوض رؤساء الوحدات المحلية في توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بفروع الوزارات والخدمات الواقعة في النطاق الإقليمي لهذه الوحدات - أساس ذلك: أن هؤلاء العاملين غير مرءوسين لرؤساء الوحدات المحلية وأن النص الذي ناط بالمحافظ سلطة تأديب العاملين في نطاق المحافظة لم يجز له التفويض في هذا الاختصاص - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 13 من شهر مايو 1983 أودع الأستاذ سليمان خالد المحامي نائباً عن الأستاذ يوسف الشرقاوي المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنة......... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2250 لسنة 19. ق عليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 7/ 4/ 1983 في الطعن رقم 78 لسنة 9 ق والقاضي بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه رقم 21 لسنة 1982 الصادر بتاريخ 16/ 3/ 1982 فيما تضمنه من مجازاة الطاعنة بخصم عشرة أيام من راتبها وحرمانها من راتبها يومي 9و10/ 3/ 1982 وندبها للإدارة التعليمية لمركز ديرمواس مع ما يترتب على ذلك من آثار وقد أعلن المطعون ضدهم بتقرير الطعن في 12/ 8/ 1983.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنة بخصم عشرة أيام من راتبها مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 8/ 2/ 1989، وبجلسة 22/ 3/ 1989 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الرابعة موضوع - التي نظرته بجلسة 29/ 4/ 1989 وبالجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر وبجلسة 5/ 10/ 1991 قررت المحكمة حجز الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة 16/ 11/ 1991 ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن الماثل قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتحصل - حسبما تدلي بها أوراقها في أن الطاعنة........ أقامت الطعن رقم 78 لسنة 9 ق ضد وزير التربية والتعليم ومحافظ المنيا ومدير عام التربية والتعليم بالمنيا ورئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة ديرمواس بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التأديبية بأسيوط بتاريخ 19/ 7/ 1982 طالبه الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الجزاء رقم 21 لسنة 1982 مع ما يترتب على ذلك من آثار على سند من القول بأنه بتاريخ 6/ 4/ 1982 أعلنت بالقرار المطعون فيه الصادر من رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة ديرمواس بمجازاتها بخصم عشرة أيام من راتبها وحرمانها من راتبها عن يومي 9 و10 من مارس 1982 وندبها بصفة مؤقتة للإدارة التعليمية لمركز ديرمواس مع إخطار توجيه التعليم الإعدادي لاتخاذ إجراءات نقلها بعيداً عن مدرسة بني سالم فتظلمت منه في ذات التاريخ وفي 4/ 5 /و26/ 5/ 1982، دفعت الطاعنة على القرار المطعون فيه بمخالفته القانون واستناده إلى وقائع غير صحيحة وصدوره مشوباً بالغلو وعدم التناسب فضلاً عن إهدار حقها بعدم سماع دفاعها فضلاً عن انطوائه على جزاء تأديبي آخر مقنع ليس له مبرراً وهو إبعادها عن التدريس رغم حصولها على مؤهل عال تربوي وندبها للإدارة التعليمية لمركز ديرمواس، ودفع الحاضر عن جهة الإدارة أصلياً بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضدهم الثلاثة الأول واحتياطياً طلب رفض الطعن.
وبجلسة 7/ 4/ 1983 قضت المحكمة التأديبية بأسيوط بعدم قبول الطعن في مواجهة المطعون ضدهم الثلاثة الأول لرفعه على غير ذي صفة، وبقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وشيدت المحكمة قضاءها برفض الطعن على أن القرار المطعون فيه قد صدر بمجازاة الطاعنة بخصم عشرة أيام من راتبها لما نسب إليها من انصرافها يومي 9/ 10 من مارس 1982 دون إذن أو عذر ولإبدائها سلوكاً شاذاً لا يليق بالعملية التعليمية بتوجيه إهانات وألفاظ نابية لبعض العاملين من زملائها في وجود المحقق بالإضافة إلى اتهامها بالاستيلاء على آلة تصوير تخص أحد تلاميذ المدرسة وأنه قد استبان صحة ما نسب إليها من أقوال ناظر المدرسة ووكيلها وسكرتيرها وأمين المعمل وقد رفضت الطاعنة الإدلاء بأقوالها في التحقيق دون سبب وبهذا يكون القرار المطعون فيه قد استند إلى أسباب سائغة تطمئن المحكمة إلى توافقها ومتطلبات الصالح العام وحسن سير المرفق على نحو يقتضي مساءلتها على الوجه الذي انتهت إليه جهة الإدارة.
ومن حيث إن ذلك الحكم لم يلق قبولاً لدى الطاعنة فبادرت بالطعن الماثل عليه مؤسسة طعنها على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وخطئه في تطبيقه وتأويله فضلاً عن قصور في التسبيب وفساده في الاستدلال إذ صدر قرار مجازاتها دون التصدي لعدم مشروعيته لصدوره ممن لا يملك إصداره ولا يختص بتوقيع الجزاء وهو رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة ديرمواس وعلى خلاف ما يقضي به قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة من أن الاختصاص بتوقيع الجزاء بالخصم من المرتب يكون لشاغلي الوظائف العليا وما عدا ذلك يكون للسلطة المختصة، ومصدر القرار ليس شاغلاً لوظيفة من الوظائف العليا فضلاً عن تجاوز القرار المطعون فيه الحدود المقررة قانوناً بتضمنه ندب ثم نقل الطاعنة للإدارة التعليمية وقد بنى على تحقيق فاسد أغفلت فيه الضمانات القانونية واتسم بعدم الحيدة وأسقط تحقيق واقعة خطيرة نسبت إليها باستيلائها على آلة تصوير لأحد التلاميذ فلم يتم سؤالها بشأنها وقد خلا القرار من التسبيب.
ومن حيث إن الثابت من مراجعة الأوراق أنه نسب إلى الطاعنة انصرافها من عملها بدون إذن يومي 9 و10 من مارس 1982 وإبداؤها سلوكاً شاذاً لا يليق بالعملية التعليمية يتمثل في توجيهها إهانات وألفاظ نابية لبعض العاملين من زملائها في وجود المحقق واستيلائها على آلة تصوير تخص أحد تلاميذ المدرسة التي تعمل بها، وأن جهة الإدارة أجرت تحقيقاً انتهت فيه إلى ثبوت ما تقدم في حق الطاعنة، فصدر القرار المطعون فيه رقم 21 لسنة 1982 في 16/ 3/ 1982 من رئيس مركز ديرمواس بحرمانها من راتبها عن اليومين المذكورين ومجازاتها بخصم عشرة أيام من راتبها لما نسب إليها وندبها لديوان الإدارة التعليمية بصفة مؤقتة وإخطار توجيه العلوم بالتعليم الإعدادي باتخاذ إجراءات نقل الطاعنة.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه رقم 21 لسنة 1982 بمجازاة الطاعنة قد صدر من رئيس الوحدة المحلية لمركز ديرمواس بتفويض من محافظ المنيا الصادر بالقرار رقم 269 لسنة 1986، لرؤساء الوحدات المحلية للمراكز كل في دائرة اختصاصه في إصدار القرار بحفظ التحقيق وتوقيع الجزاء بالإنذار أو بالخصم من المرتب فيما لا يجاوز ثلاثين يوماً في السنة وبحيث لا تزيد مدته في المرة الواحدة عن خمسة عشر يوماً.
ومن حيث إن القاعدة في مجال القانون العام إنه إذا ناط القانون بسلطة معينة اختصاصاً ما فلا يجوز لها أن تنزل عنه أو تفوض غيرها فيه إلا إذا أجاز القانون لها ذلك لأن هذه الاختصاصات ليست أعمالاً خاصة يملك المنوط بها التصرف فيها وإنما هي أعمال الدولة، وقد عنيت القوانين واللوائح بالسلطات المختصة بها ونظمت طريقة أدائها، وإذا كانت ولاية التأديب معقودة أصلاً للجهات الرئاسية للموظف بمقتضى حقها في الإشراف والرقابة على أعماله فإنه لا يجوز - تبعاً لذلك - لمن كان له سلطة تأديبية معينة أن يفوض غيره في مزاولتها بغير نص قانوني خاص يجيز له التفويض في ممارسة هذا الاختصاص بالذات وذلك لما للسلطة التأديبية من طبيعة خاصة حدت بالمشرع إلى قصر مزاولتها على سلطات معينة يمتنع التفويض فيها إلا بنص خاص.
ومن حيث إنه ولئن كان قانون الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 قد خول المحافظ سلطة تأديبية على جميع العاملين بفروع الوزارات والمصالح القائمة داخل النطاق الإقليمي للمحافظة، كما أجاز له تفويض بعض سلطاته واختصاصاته إلى رؤساء الوحدات المحلية، إلا أنه لما كانت اللائحة التنفيذية لذلك القانون والصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 لسنة 1979 والمعدلة بالقرار رقم 314 لسنة 1982 قد عنيت بتحديد نطاق هذا التفويض في شئون الوحدات المحلية، ومن ثم فلا يجوز للمحافظ أن يفوض رؤساء الوحدات المحلية في توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بفروع الوزارات والخدمات الواقعة في النطاق الإقليمي لهذه الوحدات إذ أنهم غير مرءوسين لرؤساء الوحدات المحلية من ناحية ولأن التفويض في مجال التأديب لا يجوز إلا بنص خاص من ناحية أخرى وهو ما لم تقض به نصوص القانون الذي منح المحافظ اختصاصاً أصيلاً في تأديب العاملين في نطاق المحافظة ولم يجز له التفويض فيه.
ومن حيث إنه استناداً على ما سبق يكون القرار المطعون فيه والصادر بمجازاة الطاعنة غير مشروع لمخالفته للقانون بما يجعله خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه بالإضافة لما تقدم فإن ما نسبته جهة الإدارة للطاعنة من أمور كانت ركيزة مساءلتها غير ثابت في حقها فواقعة انصرافها من عملها دون إذن أو عذر يومي 9 و10 من مارس 1982 بحسبانها من قبيل الإخلال بواجبات الوظيفة قد جاء بالأوراق ما يدحضها إذ الثابت بها أن الطاعنة قد تقدمت بطلب لناظر المدرسة التي تعمل بها في 9/ 3/ 1982 أورت به أنها حضرت صباح ذلك اليوم للمدرسة ووقعت بدفتر الحضور غير أنه انتابها إعياء دعاها لطلب تحويلها لأقرب وحدة صحية لتوقيع الكشف الطبي عليها وتقرير مدة الراحة اللازمة لها في ضوء حالتها المرضية كما عاودت الطاعنة التقدم لناظر المدرسة في اليوم التالي الموافق 10/ 3/ 1982 بطلب له لاحتساب اليومين أجازة عارضة لما واجهته خلالهما من متاعب وظروف غير أن المذكور لم يلق بالاً لذلك مما جعلها تبادر بإرسال برقية لوزير التربية والتعليم في 11/ 3/ 1982 تشكو له فيها سوء معاملة المسئولين لها بالمدرسة رغم حضورها وانتظامها، وعلى ذلك فلا يمكن القول - باتباعها ما سلف - قد أخلت بمقتضيات وظيفتها بأن انقطعت عن عملها - دون إذن أو عذر - في اليومين المشار إليهما.
أما عن الأمر الثاني الذي نسب للطاعنة وهو إبدائها سلوكاً شاذاً لا يليق بالعملية التعليمية يتمثل في توجيهها إهانات وألفاظ لبعض العاملين من زملائها فقد أجدبت أوراق الطعن الماثل ما ينهض دليلاً على ذلك ومن ثم يخلو هذا الاتهام من دليل إسناد يبرره في حق الطاعنة الأمر الذي يتعين الالتفات عنه.
ومن حيث إنه عن الأمر الثالث الذي نسب للطاعنة من استيلائها على آلة تصوير تخص أحد تلاميذ المدرسة التي تعمل بها، فإن الأوراق تذهب إلى عكس ذلك، إذ بها ما يفيد أن الطاعنة قد بادرت بالشكاية لناظر المدرسة من محاولة أحد التلاميذ التقاط صورة فوتوغرافية لها بآلة تصوير كانت معه مما حدا بها إلى أخذها منه - فور ذلك - وتسليمها لناظر المدرسة بمقتضى إيصال منه قدمته بعد ذلك للمحقق ثم شفعت ذلك بشكوى قدمتها لمدير الإدارة التعليمية وسطرت فيها ظروف الواقعة المشار إليها وتمت إحالة تلك الشكوى لإدارة الشئون القانونية بالإدارة، وبالتالي فليس ثمة ما توخذ به الطاعنة في هذا المقام.
ومن حيث إنه لما سلف يكون القرار المطعون فيه رقم 21 لسنة 1982 قد جاء مفتقراً لما يبرره من أسباب قانونية مما يجعله مخالفاً القانون جديراً بإلغائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد خالف النظر السابق حين قضى برفض الطعن المقام من الطاعنة ومن ثم وجب القضاء بإلغائه، وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثاره.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.