مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ552

(56)
جلسة 4 من يناير سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد المنعم جيرة - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد مجدي محمد خليل وأحمد إبراهيم عبد العزيز ومحمد عزت السيد - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2584 لسنة 36 القضائية

مجالس تأديب - مجلس تأديب العاملين بالمحاكم - إثبات الواقعة وتكييفها - حجية الحكم الجنائي.
يتعين على مجلس التأديب التقيد بالوقائع المنسوبة للمحال كما وردت بتقرير الاتهام - متى انتهى الحكم الجنائي إلى براءة المتهم لعدم الثبوت فلا يجوز لمجلس التأديب معاودة البحث في تلك الوقائع - لا وجه للقول باستقلال المسئوليتين الجنائية والتأديبية أساس ذلك: تعلق المسألة بثبوت أو عدم ثبوت الوقائع وليس بتكييفها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 11/ 6/ 1990 أودع السيد الأستاذ/ محمد شمس الدين الجندي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2584 القضائية في القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بمحكمة أسيوط بجلسة 6/ 5/ 1990 في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 1990 والقاضي بمعاقبة المتهم...... الموظف بنيابة أسيوط الكلية بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه.
وبعد إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة، وتوقيع الجزاء المناسب.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 24/ 10/ 1990 وبجلسة 13/ 11/ 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 7/ 12/ 1991 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن السيدة/....... أبلغت النيابة العامة بأنها زوجة....... بموجب العقد الكنسي الأرثوذكس ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج وأخرجها من منزل الزوجية، فأقامت ضده دعوى نفقة، فرداً لذلك أقام ضدها دعوى تطليق، ثم تنامى إلى علمها أن زوجها تزوج بأخرى مدعياً أنه قد صدر حكم بتطليقها منه، إلا أنه بالاستعلام عما تم في دعوى التطليق تبين أنها قد شطبت ولم يصدر فيها أي حكم قضائي.
وبسؤالها بتحقيقات النيابة العامة قررت بمضمون ما ورد بشكواها وبسؤال والدها........ لم تخرج أقواله عما ورد بأقوالها.
وبسؤال المتهم........ قرر أنه على أثر حدوث خلافات بينه وبين الشاكية زوجته أقام ضدها دعوى تطليق وحضر بعض جلساتها وتغيب عن أحد الجلسات فتوجه إلى السيد...... رئيس القلم الكلي بنيابة أسيوط للأحوال الشخصية الذي طلب مقابلته ثانية ووعده بأن يوكل له محامياً لمباشرة الدعوى مقابل مبلغ مائة جنيه فوافق على ذلك ثم حدد له موعد الحضور إلى مكتبه لاستلام الحكم فحضر إليه في اليوم المحدد فأعطاه...... حكماً في الدعوى 262 لسنة 1984 كلي أحوال شخصية أسيوط بعد أن بصمه بخاتم شعار الجمهورية لنيابة أسيوط الكلية والولاية على النفس وتسلم منه الحكم بعد أن أعطاه مبلغ المائة جنيه المتفق عليها إلى جانب مبلغ عشرة جنيهات أخرى، وأنه عقب ذلك توجه إلى قس الكنيسة التابع لها وعرض عليه الحكم طالباً منه عقد قرانه على زوجة أخرى إلا أن القس رفض ذلك وأخبره بأنه يتعين وضع الصيغة التنفيذية على الحكم من المحكمة فذهب إلى........ وأخبره بما قرره القس، فوعده بأنه سيحضر له قساً آخر يقوم بإجراء مراسم الزواج، وبالفعل حضر إليه..... في المكان والزمان المحددين وكان بصحبته القس الذي قام بإجراء مراسم الزواج على...... وفي حضور أهليته وأهلية الزوجة، وقد تقاضى منه مقابل ذلك مبلغ مائة وستون جنيهاً.
وبسؤال...... أنكر ما هو منسوب إليه مقرراً بأن خاتم شعار الجمهورية الخاص بنيابة أسيوط الكلية للأحوال الشخصية والولاية على النفس عهدته ولا يسلم لأحد.
وبسؤال كل من........ و........ و........ و........ بقلم نيابة أسيوط الكلية للأحوال الشخصية أجمعوا بأن ختم شعار الجمهورية عهدة........ ولا يسلم لأحد.
وبمطالعة ملف الدعوى رقم 262 لسنة 1984 كلي أحوال شخصية أسيوط تبين أنها مرفوعة من....... ضد....... يطلب الحكم له بتطليقها منه للفرقة المتصلة مدة تزيد ثلاث سنوات وقررت المحكمة بجلسة 3/ 6/ 1985 شطب الدعوى كما أورد تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن البصمتين الممهور بهما على الحكم المصطنع المقدم من..... قد أخذتا من ذات قالب خاتم نيابة أسيوط الكلية للولاية على النفس بيد شخص لم يتعود على استعمال ذلك القالب.
وبإحالة المتهم إلى المحاكمة الجنائية قضى بجلسة 13/ 11/ 1989 ببراءته.
وجاء بأسباب حكم محكمة أمن الدولة العليا بأسيوط في قضية النيابة العامة رقم 1328 لسنة 1989 المرفوعة ضد...... أنه لا دليل على أن المتهم حصل على رشوة لاصطناع الورقة المسماة بحكم تطليق لاصطناعها أو المساهمة في اصطناعها اتفاقاً أو تحريضاً أو اصطنعها بنفسه، وقد قام الاتهام على دعامتين أقوال..... وبصمة الختم المحفوظة لدى المتهم، وكلاهما لا يصلح لإدانة المتهم عما نسب إليه ذلك أن البصمتين الممهور بهما على أوراق الحكم المصطنع أخذتا من قالب خاتم نيابة أسيوط إلا أنهما أخذتا بيد شخص لم يتعود على استعمال هذا القالب ولا دليل على أن المتهم حاصل على مبلغ من المال ارتشاء ليصطنع حكماً، فإذا انتفى عن المتهم الاتهام بالرشوة والتزوير فإنه لا مصلحة له في إحضار قس أو من انتحال هذه الصفة.
وبتاريخ 23/ 1/ 1990 أحالت النيابة العامة الطاعن إلى مجلس تأديب العاملين بمحكمة أسيوط لما نسب إليه من جنايتي طلب وأخذ الرشوة والتزوير في المحررات الرسمية الموثقة بالمواد 103 و104 و107 مكرر/ 1 و213 و214 من قانون العقوبات بتسليم الحكم المزور إلى...... للاستعمال مع علمه بتزويره وباعتبار أن مسلك المتهم إنما يشكل إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفته والنيل منها والحط من كرامتها، بالإضافة إلى ما يرتبه من إلحاق ضرر جسيم بالخصوم ويصيبهم في أنفسهم من زعزعة ثقة الجهة التي ينتسب إليها (نيابة الأحوال الشخصية قسم الولاية على النفس).
وبتاريخ 6/ 5/ 1990 قرر مجلس التأديب:
أولاً: رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
ثانياً: معاقبة المتهم......... الموظف بنيابة أسيوط الكلية بالفصل من الخدمة وقد أقام المجلس قراره على أن الدعوى الجنائية تنفصل عن الدعوى التأديبية الناشئة عن الجريمة وهذا الانفصال يعتمد أساساً على اختلاف سبب موضوع الدعويين، فالدعوى الجنائية تستند إلى الجريمة للمطالبة بحق الدولة في العقاب أما الدعوى التأديبية فتستند إلى الخطأ التأديبي وعلى ذلك فصدور حكم بالبراءة في جريمة جنائية لا يمنع من مساءلته عن الفعل الذي وقع منه إذا كان لا يتفق ومقتضيات السلوك الوظيفي والثابت من أقوال...... أنه أعطى المتهم مائة جنيه فقام بتسليمه الحكم المزور بعد أن ختمه أمامه بخاتم شعار الجمهورية الخاص بنيابة أسيوط الكلية والذي ثبت من التحقيقات ومن أقوال المتهم نفسه أن غيره لا يستعمله وأنه يقوم ببصم الأوراق الصادرة من النيابة وأنه لا يسلمه لغيره من الموظفين كما ثبت تعرف...... و...... و...... و...... على المتهم مقررين أنه بذاته هو الذي حضر مع القسيس الذي أجرى عقد زواج........ على...... والمجلس يطمئن إلى هذه الأدلة القائمة في الدعوى.
ومن حيث إن مبنى الطعن أنه من المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن الحكم الجنائي حجة فيما يتعلق بوقوع الجريمة والمقصود بوقوع الجريمة هو الوجود المادي والقانوني لها، فإذا انتهى الحكم الجنائي إلى أن الجريمة لم تقع أصلاً، فلا يجوز لأي محكمة أخرى أن تناقش وقوع الفعل، والواضح من قرار الاتهام أن جهة الإدارة أحالت الطاعن إلى المحاكمة التأديبية عن ذات الفعل محل الاتهام الجنائي والذي قضت فيه المحكمة بالبراءة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن وقائع طلب وأخذ رشوة والتزوير في المحررات الرسمية وتسليم الحكم المزور إلى...... مع العلم بتزويره، المنسوبة إلى المتهم بقرار الاتهام والذي أدين عنها بقرار مجلس التأديب الصادر في 6/ 5/ 1990 سبق أن أحيل الطاعن عنها إلى المحكمة الجنائية وقضت المحكمة بجلسة 13/ 11/ 1989 ببراءته منها لعدم الثبوت، وقالت المحكمة في حكمها "أنه لا دليل على أن المتهم حصل على رشوة لاصطناع الورقة المسماة بحكم تطليق لاصطناعها أو المساهمة في اصطناعها اتفقاً أو تحريضاً أو اصطنعها بنفسه.... ولا دليل على أن المتهم حصل على مبلغ من المال ليصطنع حكماً له فإنه والحالة هذه ما كان يجوز لمجلس التأديب أن يعود إلى المجادلة في إثبات الوقائع التي سبق لحكم جنائي حاز قوة الأمر المقضي أن نفي وقوعها، فيشكك في صحة ما قضى به الحكم وغنى عن البيان أن المسألة هنا تتعلق بثبوت وقائع بعينها أو عدم ثبوتها لا بتكييف وقائع بأنها وإن لم تكن جريمة جنائية فإنها تكون جرماً تأديباً حتى يصح الاحتجاج باستقلال الجريمتين عن بعضهما، وإذا كان مجلس التأديب وقد شعر بموطن الضعف في قراره في خصوص ثبوت جرائم الرشوة والتزوير قبل المتهم بعد أن برأة الحكم الجنائي أراد أن يقيم قراره على ما تبينه من أن المتهم خالف في مسلكه ما تفرضه عليه وظيفته من سلوك قويم وأنه يسلك بتصرفاته مسلكاً لا يتفق مع الاحترام الواجب لوظيفته ولم يحافظ على كرامتها ولم يصن الأمانة التي أودعت لديه وهي خاتم جهة عمله، فاستخدمه استخداماً سيئاً لتحقيق مصالح شخصية وكسب مادي، وذلك أن واقعة عدم المحافظة على الخاتم الخاص بجهة العمل - كجريمة تأديبية - لم يشملها قرار الاتهام الذي شمل ما نسب إلى المتهم من جنايتي طلب وأخذ الرشوة والتزوير في المحررات الرسمية، كما أن المجلس لم يواجه المتهم بها، وبالتالي لا يجوز لمجلس التأديب مجازاته بشأنها وإن كان يمكن إحالته للتحقيق عنها كجريمة تأديبية مستقلة عن الجرائم التي وردت بقرار الاتهام.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كما تقدم فقد تعين القضاء بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع ببراءة...... مما نسب إليه.