أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثالث - السنة 40 - صـ 288

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمود شوقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد مكي، ماهر البحيري، محمد جمال حامد وأنور العاصي.

(368)
الطعن رقم 388 لسنة 57 القضائية

(1) التزام "الأعذار". تعويض. عقد. حكم.
أعذار المدين. شرط لاستحقاق التعويض. عدم لزومه متى أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين. المادتان 218، 220/ 1 مدني. (مثال في التزام هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بإصلاح التليفون).
(2) عقد "عقد الإذعان". محكمة الموضوع.
عقد الإذعان. تضمينه شروطاً تعسفية. مؤداه. حق القاضي في تعديلها أو إعفاء الطرف المذعن منها. لمحكمة الموضوع تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً من عدمه. (مثال بشأن شرط الإعفاء من المسئولية الوارد بعقد اشتراك التليفون).
(3) تعويض "الخطأ" مسئولية "المسئولية العقدية". عقد.
استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية من سلطة محكمة الموضوع متى كان سائغاً. عدم تنفيذ المدين التزامه التعاقدي. اعتباره خطأ يرتب مسئوليته. استخلاص الحكم - بما ثبت من تقرير الخبير - من تعطيل التليفون عدة مرات ولمدد طويلة دون إصلاحه في الوقت المناسب. أنه - في ذاته - خطأ موجب لمسئولية الهيئة. سائغ وكاف لحمل قضائه.
(4) تعويض. مسئولية "المسئولية العقدية". عقد.
التعويض عن المسئولية العقدية. اقتصاره على الضرر المباشر المتوقع. شموله ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب. م 221/ 1 مدني. تفويت الفرصة. أمر محقق وجوب التعويض عنه. تقدير التعويض من مسائل الواقع. حسب الحكم أن يبين عناصر التعويض المستوجب للمسئولية ولا عليه إن قدره جملة.
1 - مفاد نص المادتين 218، 220/ 1 من القانون المدني أنه ولئن كان التعويض لا يستحق إلا بعد أعذار المدين ما لم ينص على غير ذلك، إلا أنه لا ضرورة لهذا الأعذار إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين، لما كان ذلك وكان الثابت من عقد تركيب واستعمال التليفون المبرم بين الطرفين أن الهيئة الطاعنة التزمت تركيب وصيانة الخط التليفوني، وكانت طبيعة هذا الالتزام تقتضي أن تتخذ الهيئة الطاعنة ما يلزم من الأعمال الفنية لإصلاح هذا الخط في الوقت المناسب وفور إخطار المشترك بالعطل حتى تمكنه من استعماله بما يحقق له الغرض الذي هدف إليه من التعاقد، ومن ثم فإن تأخير الهيئة الطاعنة في تحقيق الاتصال التليفوني في الوقت المناسب من شأنه أن يرتب مسئوليتها عن إخلالها بهذا الالتزام ولا يكون أعذارها واجباً بعد فوات هذا الوقت إذ لا ضرورة للأعذار كنص المادة 220 من القانون المدني في هذه الحالة، وكان الحكم المطعون فيه قد أستند إلى الثابت من تقرير الخبير أن التليفون تعطل عدة مرات ولفترات طويلة في المدة من...... وحتى...... بسبب قطع الكابل الأرضي، وإذ لم تقم الهيئة بإصلاح هذه الأعطال وفات الوقت ووقع الضرر فإنه لا ضرورة للأعذار، فلا على الحكم المطعون فيه إن التفت عن دفاع الطاعنة بشأن هذا الأعذار ولم يرد عليه.
2 - مؤدي النص في المادة 149 من القانون المدني أنه إذا تضمن العقد الذي تم بطريق الإذعان شروطاً تعسفية فإن للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها وفقاً لما تقضي به العدالة، ومحكمة الموضوع هي التي تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً أم لا. وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد انتهى بأسباب سائغة إلى اعتبار الشرط الوارد بالبند الثاني من العقد شرطاً تعسفياً رأى الإعفاء منه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن جدل موضوعي غير مقبول.
3 - استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر هو ما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى ولما كان عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي يعتبر خطأ في حد ذاته يرتب المسئولية. وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات خطأ الطاعنة إلى قوله أن "...... الثابت...... بتقرير الخبير المقدم......... تعطل التليفون العديد من المرات........ مدداً طويلة....... وأن هذه الأعطال كانت بسبب عطل الكابل أو انقطاع الكابل..... وانقطاع الهوائي، وهي أعطال كان في مكنة الهيئة........ إصلاحها في الوقت المناسب دون تراخ أو إهمال أمتد لمدة طويلة بغير مبرر، والهيئة....... لديها من الأجهزة المتخصصة لمعرفة وتحديد كل عطل بحيث يمكن إصلاحه من الخارج........ الأمر الذي يؤكد أن الهيئة قد أخلت إخلالاً واضحاً بالتزاماتها العقدية فإن الحكم يكون قد استخلص من تعطل التليفون عدة مرات ولمدد طويلة دون إصلاحه في الوقت المناسب أنه - في ذاته - الخطأ الموجب لمسئولية الهيئة الطاعنة وإذ كان هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق وكافياً لحمل قضائه، فإن النعي على الحكم بهذه الأسباب يكون على غير أساس.
4 - طبقاً لنص المادة 221 من القانون المدني يقتصر التعويض في المسئولية العقدية على الضرر المباشر متوقع الحصول، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، ولا يمنع القانون أن يحسب في الكسب الفائت ما كان المضرور يأمل الحصول عليه من كسب ما دام لهذا الأمل أسباب مقبولة، ذلك أنه إذا كانت الفرصة أمر محتملاً فإن تفويتها أمر محقق يجب التعويض عنه.
5 - تقدير التعويض يعتبر من مسائل الواقع التي لا يلتزم فيها قاضي الموضوع إلا بإيضاح عناصر الضرر الذي من أجله قضي بالتعويض وكان الحكم المطعون فيه..... قد انتهى صحيحاً إلى ثبوت إخلال الهيئة الطاعنة بالتزاماتها العقدية بما يوجب مسئولياتها فألزمها بتعويض الأضرار التي لحقت بالمطعون ضده من جراء هذا الخطأ والمتمثلة - كما أورد في مدوناته - في أدائه للاشتراك دون مقابل، وتعذر الاتصال به كطبيب يحتاج في تعامله مع مرضاه للاتصال التليفوني في كل وقت من الأوقات، وإذ كانت هذه الأضرار لا تخرج عن كونها أضراراً مادية مباشرة متوقعة فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين عناصر الضرر الذي قضي بالتعويض عنه ولا يعيبه بعد ذلك أن قدر التعويض جملة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى 6435/ 1983 مدني الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الهيئة الطاعنة بأن تؤدي إليه مبلغ خمسة آلاف جنيه........ وقال بياناً لذلك أن التليفون الذي قامت بتركيبه في عيادته تعطل عدة مرات منذ 26/ 12/ 1981 ولفترات طويلة ولم تقم الهيئة الطاعنة بإصلاحه رغم إخطارها في كل مره وإنذارها بتاريخ 11/ 11/ 1981، وقد أصيب من جراء ذلك بأضرار مادية ومعنوية يقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به، فأقام الدعوى ومحكمة أول درجة بعد أن ندبت خبيراً وقدم تقريره وأحالت الدعوى إلى التحقيق حكمت بتاريخ 14/ 1/ 1986 برفض الدعوى، استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف 188 لسنة 42 ق، وبتاريخ 16/ 12/ 1986 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الهيئة بتعويض مقداره ألف جنيه، طعنت الهيئة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن النعي في غير محله، ذلك أن مفاد نص المادتين 218، 220/ 1 من القانون المدني أنه ولئن كان التعويض لا يستحق إلا بعد أعذار المدين ما لم ينص على غير ذلك، إلا أنه لا ضرورة لهذا الأعذار إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين، لما كان ذلك وكان الثابت من عقد تركيب واستعمال التليفون المبرم بين الطرفين أن الهيئة الطاعنة التزمت تركيب وصيانة الخط التليفوني، وكانت طبيعة هذا الالتزام تقضي أن تتخذ الهيئة الطاعنة ما يلزم من الأعمال الفنية لإصلاح هذا الخط في الوقت المناسب وفور إخطار المشترك بالعطل حتى تمكنه من استعماله بما يحقق له الغرض الذي هدف إليه من التعاقد، ومن ثم فإن تأخير الهيئة الطاعنة في تحقيق الاتصال التليفوني في الوقت المناسب من شأنه أن يترب مسئوليتها عن إخلالها بهذا الالتزام ولا يكون أعذارها واجباً بعد فوات هذا الوقت إذ لا ضرورة للأعذار كنص المادة 220 من القانون المدني في هذه الحالة، وكان الحكم المطعون فيه قد استند إلى الثابت من تقرير الخبير أن التليفون تعطل عدة مرات ولفترات طويلة في المدة من 19/ 8/ 1981 وحتى 9/ 10/ 1984 بسبب قطع الكابل الأرضي، وإذ لم تقم الهيئة بإصلاح هذه الأعطال وفات الوقت ووقع الضرر فإنه لا ضرورة للأعذار، فلا على الحكم المطعون فيه إن التفت عن دفاع الطاعنة بشأن هذا الأعذار ولم يرد عليه.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأن البند الثاني من عقد الاشتراك تضمن شرطاً بإعفائها من المسئولية وهو شرط جائز قانوناً. كما حدد قيمة التعويض الذي يستحق في حالة حدوث العطل بقيمة الاشتراك عن تلك المدة، فلا يجوز للمضرور أن يطالب بتعويض يزيد عن القدر المتفق عليه، إلا أن المحكمة اعتبرت الاتفاق في شقه الأول شرطاً تعسفياً فألغته، والتفتت عن دفاع الطاعن بشأن الشق الثاني منه مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول غير مقبول، ذلك أن مؤدي النص في المادة 149 من القانون المدني إنه إذا تضمن العقد الذي تم بطريق الإذعان شروطاً تعسفية فإن للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها وفقاً لما تقضي به العدالة، ومحكمة الموضوع هي التي تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً أم لا. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد انتهى بأسباب سائغة إلى اعتبار الشرط الوارد بالبند الثاني من العقد شرطاً تعسفياً رأى الإعفاء منه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن جدل موضوعي غير مقبول، والنعي في وجهه الثاني غير صحيح، ذلك أن ما تضمنه البند الثاني من العقد من أنه........ وللمشترك الحق في مطالبة الهيئة بقيمة الاشتراك عن المدة التي انقطع فيها الاتصال التليفوني حسب اللوائح والتعليمات المعمول بها في الهيئة لا يعني حرمانه من الحق في التعويض عما يلحقه من ضرر نتيجة هذا الانقطاع ومن ثم فلا على المحكمة إن هي التفتت عن دفاع الطاعن في هذا الشأن.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالأسباب الثاني والخامس والسادس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومخالفة الثابت من الأوراق، وفي بيان ذلك تقول أن البين من تقرير الخبير المقدم في الدعوى أن أغلب الأعطال في تليفون المطعون ضده كانت بسبب أجنبي، وعدم تمكن المسئولين من الإصلاح لغلق المكان وأن بعض الأعطال قد تم إصلاحها فور الإبلاغ عنها، وقد تمسكت الهيئة الطاعنة بانتفاء مسئوليتها، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى بالتعويض دون أن يبين الخطأ الذي نسبه إليها والمصدر الذي استظهر منه ثبوته وعلاقته بالضرر المدعى به، الأمر الذي يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر هو ما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى، ولما كان عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي يعتبر خطأ في حد ذاته يرتب المسئولية. وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات خطأ الطاعنة إلى قوله أن..... الثابت..... بتقرير الخبير المقدم........ تعطل التليفون العديد من المرات...... مدداً طويلة...... وأن هذه الأعطال كانت بسبب عطل الكابل أو انقطاع الكابل........ وانقطاع الهوائي وهي أعطال كان مكنة الهيئة....... إصلاحها في الوقت المناسب دون تراخ أو إهمال أمتد لمدد طويلة بغير مبرر، والهيئة....... لديها من الأجهزة المتخصصة لمعرفة وتحديد كل عطل بحيث يمكن إصلاحه من الخارج........ الأمر الذي يؤكد أن الهيئة قد أخلت إخلالاً واضحاً بالتزاماتها العقدية...... فإن الحكم يكون قد استخلص من تعطل التليفون عدة مرات ولمدة طويلة دون إصلاحه في الوقت المناسب أنه في ذاته الخطأ الموجب لمسئولية الهيئة الطاعنة، وإذ كان هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق وكافياً لحمل قضائه، فإن النعي على الحكم بهذه الأسباب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسببين الرابع والسابع على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن ما يطالب المطعون ضده بتعويضه هو ضرر احتمالي لأصله له بنشاط الهيئة وليس نتيجة مباشرة لتعطل الاتصال التليفوني لا يصح التعويض عنه وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتعويض هذا الضرر المدعى به. وقدر مبلغ التعويض جملة، ودون أن يبين العناصر المكونة للضرر الذي يجب أن يدخل في حساب التعويض فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله. ذلك أنه طبقاً لنص المادة 221 من القانون المدني يقتصر التعويض في المسئولية العقدية على الضرر المباشر متوقع الحصول ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، ولا يمنع القانون أن يحسب في الكسب الفائت ما كان المضرور يأمل الحصول عليه من كسب ما دام لهذا الأمل أسباب مقبولة، ذلك أنه إذا كانت الفرصة أمراً محتملاً فإن تفويتها أمر محقق يجب التعويض عنه. وإن تقدير التعويض يعتبر من مسائل الواقع التي لا يلتزم فيها قاضي الموضوع إلا بإيضاح عناصر الضرر الذي من أجله قضي بالتعويض لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف القول في الرد على الأسباب السابقة قد انتهى صحيحاً إلى ثبوت إخلال الهيئة الطاعنة بالتزاماتها العقدية بما يوجب مسئوليتها فألزمها بتعويض الأضرار التي لحقت بالمطعون ضده من جراء هذا الخطأ والمتمثلة كما أورد في مدوناته في أدائه للاشتراك دون مقابل، وتعذر الاتصال به كطبيب يحتاج في تعامله مع مرضاه للاتصال التليفوني في كل وقت من الأوقات، وإذ كانت هذه الأضرار لا تخرج من كونها أضرار مادية مباشرة متوقعة فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين عناصر الضرر الذي قضي بالتعويض عنه ولا يعيبه بعد ذلك أن قدر التعويض جملة ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.