مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 818

(85)
جلسة 18 من فبراير سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ عويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأحمد أمين حسان محمد والدكتور: محمد عبد البديع عسران - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2367 لسنة 33 القضائية

( أ ) رسوم - رسوم محلية - كيفية الإلزام بها - (إدارة محلية).
المادة 37 من قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 - جواز فرض رسوم محلية لحساب خدمات التنمية المحلية - السلطة المنوط بها فرض مثل هذه الرسوم هي المجلس الشعبي المحلي - ضرورة نشر القرار الذي يتضمن فرض مثل هذه الرسوم باعتباره منطوياً على قواعد قانونية بالمعنى العام بالطريقة التي حددها القانون - أساس ذلك: إمكان افتراض علم الكافة به وثبوت صفة الإلزام له - انتفاء مثل هذه الشروط - أثر ذلك: انتفاء الإلزام بأداء مثل هذه الرسوم - تطبيق.
(ب) عقد إداري - التزامات كل من المتعاقدين قبل الآخر
موافقة الجهة الإدارية المتعاقدة على قيام المتعاقد معها باستلام تصاريح مواد البناء من القاهرة مباشرة - عدم إفادة المتعاقد من خدمة مكتب توفير مواد البناء بأسيوط - أثر ذلك: لا إلزام على المتعاقد مع الإدارة بدفع أي مقابل - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 24/ 5/ 1987 أودعت الأستاذة/ كامليا عثمان المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة نائبة عن السيد/ محافظ أسيوط بصفته تقرير الطعن الماثل ضد المطعون ضدهما في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود والتعويضات بجلسة 29/ 3/ 1987 في الدعوى رقم 2894/ 39 ق والذي قضى بإلزام المدعى عليه بصفته - الطاعن - بأن يدفع للمدعيين مبلغ 2570 ألفين وخمسمائة وسبعين جنيهاً والمصروفات وطلب الطاعن بصفته في ختام تقرير الطعن إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهما بالمصاريف عن درجتي التقاضي ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن تقرير الطعن للمطعون ضدهما بتاريخ 1/ 9/ 1990.
وقامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الطعن وقدم مفوض الدولة لدى المحكمة تقريراً ارتأى فيه الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل في موضوع الطعن والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعيين (المطعون ضدهما) المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 3/ 4/ 1991 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 28/ 5/ 1991 حيث نظر الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 21/ 1/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 29/ 3/ 1987 وقرر الطاعن بصفته الطعن عليه بتاريخ 24/ 5/ 1987 ومن ثم يكون الطعن قد أقيم في الميعاد الذي حدده القانون مستوفياً سائر أوضاعه الشكلية ويغدو مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن وقائع النزاع تخلص في أن المدعيين أقاما الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه بصحيفة أودعاها سكرتارية المحكمة بتاريخ 5/ 3/ 1985 طلبا في ختامها الحكم بإلزام الجهة الإدارية بعدم جواز خصم أية مبالغ من مستحقات المدعيين كعمولة لحساب مكتب توفير مواد البناء بأسيوط عن الكميات التي يتم صرفها إليهما مباشرة من منافذ التوزيع بالقاهرة ورد ما يكون قد سبق خصمه على هذا الأساس وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعيان شرحاً لدعواهما إنه قد رست عليهما أكثر من عملية إنشاء مبان حكومية في مناقصات عامة، وقد اشترط المدعيان في العطاءات المقدمة منهما أن يتم تسلمهما للحديد والأسمنت من مراكز توزيعه مباشرة من القاهرة بدلاً من تسلمه من مكتب توفير مواد البناء التابع لمديرية الإسكان والمرافق بأسيوط حرصاً منهما على تسلم الحصص المقررة في مواعيدها حتى يتسنى لهما تنفيذ العمليات المنوطة بهما في مواعيدها ولدى قيام الجهاز المركزي للمحاسبات بالتفتيش على أعمال مديرية الإسكان والمرافق أورد ملاحظة مقتضاها ضرورة تحصيل خمسة جنيهات عن كل طن حديد وثلاثة جنيهات عن كل طن أسمنت يتم صرفه للمدعيين كعمولة لمكتب توفير مواد البناء بأسيوط حتى في حالة قيام المقاول بصرف الحديد والأسمنت من منافذ التوزيع مباشرة بالقاهرة وبناء على ذلك قامت مديرية الإسكان والمرافق بأسيوط بخصم هذه العمولة من المدعيين وذلك على غير أساس سليم من القانون لأن المبالغ التي يتم خصمها كعمولة مقررة كتعويضات لما يتكبده المكتب من نفقات عن نقل هذه المواد من القاهرة إلى أسيوط والثابت أن المدعيين حصلا على هذه المواد من منافذ التوزيع بالقاهرة مباشرة ومن ثم يعتبر خصم هذه العمولة من قبيل الإثراء بلا سبب مما يتعين معه رد ما سبق خصمه كما يعتبر ذلك أيضاً من قبيل الجباية أو فرض الرسوم على خلاف القانون وانتهى المدعيان من ذلك إلى الطلبات السابق بيانها.
وقد نظرت الدعوى لدى محكمة القضاء الإداري على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حيث صرحت المحكمة للمدعيين بتعديل طلباتهما فقاما بتعديلها بصحيفة أعلنت للمطعون ضده بتاريخ 13/ 8/ 1986 حيث طلبا قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برد المبالغ التي استقطعتها الجهة الإدارية المدعى عليها كمصاريف إدارية لحساب مكتب توفير مواد البناء عن المواد التي صرفها المدعيان من منافذ التوزيع بالقاهرة عن عملية إنشاء مبنى مصلحة الكيمياء بأسيوط وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 29/ 3/ 1987 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام المدعى عليه بصفته (الطاعن) بأن يدفع للمدعيين مبلغ 2570 ألفين وخمسمائة وسبعين جنيهاً والمصروفات.
أقامت المحكمة قضاءها على أن الخصم من مستحقات المدعيين عما صرف لهما من أسمنت وحديد من منافذ التوزيع بالقاهرة لحساب مكتب توفير مواد البناء بأسيوط إنما يستند إلى اللائحة الداخلية لهذا المكتب حسبما أفصح عن ذلك تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات المودعة صورته حافظة مستندات الجهة الإدارية المقدمة لجلسة 22/ 2/ 1987 التي قضت بأن يضاف إلى ثمن الحديد والأسمنت 10% مصاريف إدارية وعائد للمكتب بواقع 5 جنيهات لطن الحديد، و500مليم لطن الأسمنت انتهت المحكمة إلى القول بأنه ما كان للائحة داخلية لم تصدر بقانون أو بناء على قانون أن تقرر فريضة مالية على المواطنين المتعاملين مع المكتب أياً كان مسمى هذه الفريضة إذ لا يتأتى نشوء مثل هذا الالتزام إلا بسند من التشريع موافق لصحيح القانون أو بناء على نص اتفاقي ولا مراء في أنه لو ساغ من قبيل الجدل المجرد اقتضاء مثل هذه الفريضة باعتبارها مصاريف إدارية أو تعويضات للمكتب عما يتكبده من نفقات لنقل مواد البناء من منافذ التوزيع بالقاهرة إلى مقر المكتب بأسيوط تيسيراً على طالبيها وبابتغاء جعلها أقرب منالاً، فإن اقتضاءها من المدعيين الذين لا تجادل جهة الإدارة المدعى عليها في أنهما قاما بالنقل من القاهرة إلى أسيوط على نفقتهما يكون أمراً غير مبرر وبالتالي يكون إلزامهما بأداء هذا الجعل المالي فاقداً سنده التشريعي ومبرره في آن معاً وعليه يكون الخصم من مستحقاتهما على غير أساس سليم من القانون ويضحى ما خصم منهما متعيناً رده.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا الحكم فقد طعن عليه بالطعن الماثل مقيماً إياه على سند من القول بأن الحكم المطعون فيه خالف مقتضى التطبيق الصحيح للقانون لأن المبالغ التي تم خصمها من المدعيين تضمنتها اللائحة الداخلية لمكتب توفير مواد البناء بأسيوط بوصفه أحد المشروعات التي أقامتها المحافظة لهدف توفير مواد البناء لخدمة مواطني ومقاولي المحافظة ولهذا المكتب موازنة مستقلة وجهاز إداري لازم لتنظيم العمل به ومن ثم يقوم بتحصيل مصاريف إدارية من قيمة مواد البناء التي يعمل على توفيرها طبقاً لما تقرره اللوائح المالية والمخزنية وليست مقابل ما يتكبده من نفقات نقل، وأضاف الطاعن أنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن المبالغ التي تم خصمها من المدعيين فريضة مالية دون سند تشريعي إذ إن الفريضة المالية أي الرسم هو ما يحصل عليه أحد الأشخاص العامة جبراً وكرهاً من الفرد نظير أو مقابل خدمة معينة قدمت إليه وعنصر الإكراه لا يتوافر في الدعوى الماثلة حيث يربط الطاعن والمطعون ضدهما علاقة تعاقدية، وبذلك تكون المصاريف الإدارية التي تم خصمها من مستحقاتهما لها سندها القانوني من العقد واللائحة الداخلية لمكتب توفير مواد البناء وانتهى الطاعن من ذلك إلى الطلبات السابق بيانها.
وأثناء تداول الطعن أمام دائرة فحص الطعون قدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة بدفاعه صمم فيها على ما جاء بصحيفة الطعن ولدى نظر الطعن أمام المحكمة قدم الحاضر عن المطعون ضدهما مذكرة بدفاعه رداً على الطعن وعلى ما انتهى إليه مفوض الدولة.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي النزاع على أن المبالغ التي تم خصمها من المطعون ضدهما موضوع الدعوى والطعن الماثلين هي 2570 جنيهاً وهو المبلغ الذي قضى به الحكم المطعون فيه للمطعون ضدهما كما أنه لا خلاف بينهما على أن هذه المبالغ هي التي خصمت لصالح مكتب توفير البناء بمحافظة أسيوط.
ومن حيث إنه مهما يكن أساس تقرير تلك المبالغ وبصرف النظر عن سند شرعيتها فإن المحقق أن تحملها منوط بقيام الفرد بالتعامل مع المكتب تسلم الحديد أو الأسمنت في مدينة أسيوط، يستوي في ذلك أن تعتبر تلك المبالغ مصاريف إدارية مقابل نفقات نقل الحديد والأسمنت من القاهرة إلى أسيوط.
ومن جهة أخرى فإنه وإن كانت المادة 37 من قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 قد أجازت للسلطات المحلية فرض رسوم لحساب خدمات التنمية المحلية، وبافتراض أن مكتب توفير مواد البناء بأسيوط مشروع يقوم بخدمة محلية لما يجوز معه فرض رسوم لصالحه بمناسبة أداء هذه الخدمة فإن الأوراق قد خلت تماماً مما يفيد أن الرسوم المقررة لصالح هذا المكتب والتي تم خصمها من مستحقات المطعون ضدهما قد تقررت بموجب السلطة التي ناط بها القانون فرض مثل هذه الرسوم وهي المجلس الشعبي المحلي لمحافظة أسيوط في الحالة الراهنة، وفضلاً عن ذلك فقد خلت الأوراق أيضاً مما يفيد نشر القرار الذي تضمن فرض هذه الرسوم باعتباره منطوياً على قواعد قانونية بالمعنى العام بالطريقة التي حدها القانون حتى يمكن افتراض علم الكافة به وثبوت صفة الإلزام له، ومن ثم لا يكون اعتبار ما ورد بنظام المكتب من فرض المبالغ المشار إليها على المتعاملين معه من قبيل اللائحة الواجبة النفاذ في مواجهة الكافة لافتقار هذا النظام لمقومات وجود اللائحة الأمر الذي ينتفي معه التزام المطعون ضدهما بهذه المبالغ على ذلك الأساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى مدى التزام المطعون ضدها بهذه المبالغ باعتبارهما متعاقدين مع جهة الإدارة فإن الثابت من أمر التشغيل الصادر لهما لتنفيذ العملية محل التعاقد أن هذا الأمر قد تضمن في البند الأول منه أن تصرف للمتعاقدين - أي المطعون ضدهما - تصاريح مواد البناء من حديد وأسمنت بأنواعه على الشركات بالقاهرة.
ومؤدى ذلك أن الجهة الإدارية المتعاقدة قد وافقت على قيام المطعون ضدهما بتسلم تصاريح مواد البناء من القاهرة مباشرة وبذلك لا يكونان قد أفادا من خدمة مكتب توفير مواد البناء بأسيوط في تسليم حصصهما من مواد البناء اللازمة للعملية الأمر الذي ينتفي معه مناط التزامهما بأي مقابل من خدمات المكتب وبالتالي يكون معه قيام جهة الإدارة بخصم هذا المقابل من مستحقاتهما مخالفاً للقانون ويتعين تبعاً لذلك رد المبالغ التي خصمت منهما على هذا الأساس إليهما مقدارها 2570 جنيهاً على ما هو ثابت في الأوراق.
ومن حيث إنه وقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة ألزم الجهة الإدارية الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضدهما هذا المبلغ فإن الحكم يكون قد جاء سليماً مطابقاً للقانون ويكون الطعن الماثل عليه لا سند له متعين الرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته طبقاً للمادة 186 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعن بالمصروفات.