مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) – صـ 889

(93)
جلسة 29 من فبراير سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد المنعم عبد العظيم جيره - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد مجدي محمد خليل وأحمد إبراهيم عبد العزيز ومحمد عزت السيد إبراهيم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1657، 1734 لسنة 34 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية - حجية الحكم الجنائي.
حجية الحكم الجنائي تحول كلية دون معاودة البحث حول إسناد الجريمة على النحو والصورة والكيفية التي وردت بتقرير الاتهام الجنائي - استناد حكم المحكمة الجنائية إلى نفي الركن المادي لجريمة هتك العرض والحكم ببراءة المتهم - إذا لم ينف الحكم الجنائي واقعة تواجد الطالبة مع المدرس في حجرة على انفراد فإن ذلك يكفي أن تستعيد المحكمة التأديبية كامل حريتها في تكوين عقيدتها نحو ثبوت هذا الاتهام من عدمه - ثبوت حق التواجد بين المدرس والطالبة يشكل في حقه المخالفة التأديبية - أساس ذلك: وضع المدرس نفسه موضوع الشبهات مما لا يليق مع من يشغل وظيفة تربوية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء 20 من إبريل 1988 أودع الأستاذ/ جاد العبد جاد المحامي نائباً عن الأستاذ/ إميل فهيم المحامي بصفته وكيلاً عن...... و...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1657 لسنة 34 ق في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بجلسة 29/ 2/ 1988 في الدعوى رقم 302 لسنة 29ق المقامة من النيابة الإدارية ضدهما.
والقاضي بمجازاة كل منهما بالوقف عن العمل لمدة شهرين مع صرف نصف الأجر.
وطلبت الطاعنتان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه وببراءتهما مما نسب إليهما، وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضدهما بتاريخ 26 من إبريل 1988.
وفي يوم الأربعاء الموافق 27 من إبريل 1988 أودع الأستاذ/ جرجس مسعود المحامي بصفته وكيلاً عن....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1734 لسنة 34 ق في ذات الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بجلسة 29/ 2/ 1988 في الدعوى رقم 302 ق المقامة من النيابة الإدارية ضده والقاضي بمجازاته بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه وما يترتب عليه من آثار وببراءته مما أسند إليه وأعلن تقرير الطعن للنيابة الإدارية بتاريخ 30 من إبريل 1988.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعنين شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المطعون فيه.
وحدد لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 12/ 12/ 1990 وتم تداولها بالجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر، وقررت الدائرة ضم الطعن رقم 1734 لسنة 34 ق إلى الطعن رقم 1657 لسنة 34 ق ليصدر فيهما حكم واحد كما قررت بجلسة 24/ 4/ 1991 إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الرابعة - التي نظرته بجلسة 25/ 5/ 1991 وبالجلسات اللاحقة عليها، وبجلسة 9/ 11/ 1991 قررت المحكمة حجز الطعنين لإصدار الحكم فيهما بجلسة 4/ 1/ 1992 ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم في الطعنين لجلسة اليوم 15/ 2/ 1992، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتحصل - حسبما تدلي بها الأوراق - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 302 لسنة 29 ق ضد كل من........ وكيل مدرسة النهضة الإعدادية الحديثة بالفيوم من الدرجة الثانية وحالياً بإدارة الفيوم التعليمية و...... ناظرة مدرسة النهضة الإعدادية الحديثة من الدرجة الثانية و....... الأخصائية الاجتماعية بمدرسة النهضة الإعدادية الحديثة من الدرجة الثالثة بإيداع أوراق الدعوى قلم كتاب المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بتاريخ 10/ 2/ 1987 متضمنة تقريراً باتهامهم بأنهم خلال العام الدراسي بدائرة مديرية التربية والتعليم بالفيوم خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي وسلكوا مسلكاً لا يتفق وواجبات الوظيفة ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة وذلك بأن الأول: وضع نفسه موضع الشبهات والخزي بتصرفاته بما لا يتفق مع من يشغل وظيفة تربوية بأن تواجد بطريقة مشبوهة في حجرة مغلقة مع الطالبة/....... بالصف الأول الإعدادي للبنات خلال فترة عمله بالمدرسة المذكورة والثانية: ساعدت الأول في مسلكه المشين ولم تخطر رئاستها بتلك التصرفات الجارحة والثالثة: ساعدت الثانية على إخفاء ما سلكه الأول من أفعال مشينة، ورأت النيابة الإدارية أن المذكورين قد ارتكبوا المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المادتين 76/ 301 و78/ 1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 وطلبت محاكمتهم طبقاً لأحكام هاتين المادتين وبمواد الاتهام.
وبجلسة 29/ 2/ 1988 أصدرت المحكمة التأديبية حكمها المطعون فيه قاضياً بمجازاة........ بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة، وبمجازاة........ و........ بالوقف عن العمل لمدة شهرين مع صرف نصف الأجر وشيدت المحكمة قضاءها على أن من المبادئ المستقرة في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن لكل من الدعويين الجنائية والتأديبية مجالها وأهدافها المستقلة وأن تبرئة المتهم من الناحية الجنائية لا تحول دون مساءلته تأديبياً متى ثبت أن حكم البراءة كان بسبب عدم كفاية الأدلة وليس مرجعه عدم ثبوت الواقعة وأن الثابت من مطالعة الحكم الجنائي الصادر بجلسة 25/ 12/ 1985 من محكمة جنايات الفيوم في القضية رقم 5181 لسنة 1983 الفيوم رقم 94 لسنة 1983 كلي والذي قضى ببراءة........ من تهمة هتك عرض الطالبة........ أن سند البراءة هو تطرق الشك إلى يقين المحكمة في دليل الإسناد لما وجدته من تناقض أقوال الشهود مع بعضهم وتردد المجني عليها في أقوالها ووصفها لما حدث بينهما وبين المتهم وتناقضها في أقوالها، وإن البراءة للسبب المتقدم لا تحول دون المساءلة التأديبية، ولما كانت النيابة الإدارية قد أجرت تحقيقاً بالقضية رقم 1000 لسنة 1986 الفيوم بشأن الوقائع المنسوبة للمتهمين شهد فيه مفتش التحقيقات بمديرية التربية والتعليم وبعض الطالبات بأن......... قد حاول يوم 3/ 2/ 1983 الاعتداء على الطالبة سحر بالقوة وأنه تواجد معها بحجرة الدراسة بمفردها حال وجود باقي الطالبات بفناء المدرسة في حصة التربية الرياضية ومن ثم ثبت يقيناً ما نسب إليه بتقرير الاتهام وإذ شهدت في التحقيق كل من مدرسة التربية الرياضية ومدرسة الرياضيات والأخصائية الاجتماعية بوصول أخبار الواقعة محل المخالفة المنسوبة للمذكور للمخالفة الثانية....... قبل يوم 19/ 2/ 1983.
وأهملت في القيام بما يقتضه موقعها الإداري والرئاسي بالمدرسة بصفتها ناظرة المدرسة ولم تخطر رئاستها بما حدث أو بما وصل إلى علمها بشأنه واستمرت في تقاعسها حتى اتصل بها مدير عام مديرية التربية والتعليم بالفيوم يسألها عن حقيقة ما حدث وأمرها بألا تغادر المدرسة قبل أن ترسل إليه مذكرة رسمية بالموضوع ومن ثم فقد ثبت ما نسب إليها بتقرير الاتهام، وإذ قررت الطالبة المجني عليها ووكيل المدرسة والأخصائية الاجتماعية بأن المخالفة الثالثة قد أعدت محضراً بأقوال نسبتها للمجني عليها وذكرت فيه أنه تم في حضور الأخصائية المذكرة بينما قامت هي بتوقيع المحضر بدلاً منها ومؤدي ذلك ثبوت الاتهام المنسوب إليها ثبوتاً يقينياً، وما ثبت في جانب المخالفين يعد مخالفة مسلكية وخروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي وماساً بكرامة الوظيفة طبقاً للقانون وما جرى به العرف العام ويشكل مخالفات إدارية طبقاً لنصوص قانون العاملين المشار إليها مما يستوجب مساءلتهم تأديبياً وتوقيع الجزاء التأديبي المناسب وخلصت المحكمة إلى قضاءها المتقدم بمجازاتهم على النحو الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الأول رقم 1657 لسنة 34 ق المقام من....... على الحكم المطعون فيه هو القصور ومخالفة الثابت بالأوراق لأنه وإن كان من المقرر والمستقر عليه أن الدعوى التأديبية مستقلة تماماً عن الدعوى الجنائية وأن لكل منهما طبيعته وظروفه وبالتالي لا تكون للأحكام الجنائية حجية على الدعوى التأديبية فإن ذلك مرهون بألا يكون الحكم الجنائي قد فصل في الأمر المقدم بشأنه الموظف للمحاكمة التأديبية فإن كان الحكم الجنائي قد فصل في تلك المسألة كانت له الحجية على الدعوى التأديبية، لما كانت الطاعنتان قد قدمتا للمحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 4351 لسنة 1985 الفيوم بوصف أنهما حال كونهما قد علما بوقوع جناية وكان لديهما ما يحملهما على الاعتقاد بوقوعها أعانا الجاني على الفرار من وجه القضاء وذلك بإخفائهما أدلة الجريمة وعدم الإبلاغ عنها، وكان الحكم في تلك الجنحة قاضياً ببراءتهما واستظهرت المحكمة في أسباب حكمها أن المتهمتين لم ترتكبا الواقعة المنسوبة إليهما إذ أن كل منهما قد فعلت ما تمليه عليها أصول وظيفتها فقد قامت...... بإبلاغ....... بالواقعة فور علمها بها وأن الأخيرة قد علمت جاهدة على تقصي حقيقتها حتى وصل نبأها للجهة الإدارية التي تراسها الأمر الذي ترى معه المحكمة القضاء ببرائتهما مما نسب إليهما، كما أن حكم جنايات الفيوم الصادر في الجنائية رقم 5181 لسنة 1983 الفيوم جاء قاضياً ببراءة........ من الاتهام مؤسساً ذلك على الشك وعدم الاطمئنان لصحة التهمة المسندة إليه لانتفاء الركن المادي للجريمة وللتناقض والتضارب البين بين أقوال المجني عليها في تحقيقات النيابة عنها بجلسة المحاكمة وللتناقض في أقوال باقي شهود الإثبات بينهم البعض وبينهم والمجني عليها ولعدم معقولية وقوع الحادث بالصورة في المكان الذي قالت به المجني عليها. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنتين بمقولة ثبوت المخالفة في حقهما رغم البراءة المقضي بها بالحكم الصادر في الجنحة المقيدة ضدهما واستناده في ذلك إلى ثبوت قيامهما بما تمليه عليهما واجبات وظيفتهما قد خالف الثابت في الأوراق وجاء قاصراً في أسبابه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الثاني رقم 1734 لسنة 34 ق المقام من........ على الحكم المطعون فيه هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه لإهداره حجية الحكم الجنائي الصادر من محكمة جنايات الفيوم بتبرئته براءة لم تؤسس على عدم كفاية الأدلة كما خلص إلى ذلك الحكم المطعون فيه بل استندت البراءة على أن المحكمة يسايرها الشك وعدم الاطمئنان لصحة التهمة أي إن الحكم الجنائي انتهى في قضائه إلى عدم صحة الاتهام وبالتالي إلى عدم ثبوته في حق الطاعن فتكون له الحجية أمام المحكمة التأديبية وتلتزم بها ما دام قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والتأديبية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، وإذا كانت النيابة الإدارية قد نسبت للطاعن أنه وضع نفسه موضوع الشبهات والخزي بتصرفاته بما لا يليق مع من يشغل وظيفة تربوية بأن تواجد مع الطالبة المذكورة بطريقة مشبوهة في حجرة مغلقة خلال فترة عمله بالمدرسة فقد فاته أن هذه التهمة قد قطعت الحكم الجنائي بعدم صحتها وعدم ثبوتها في حق الطاعن الأمر الذي كان يستلزم تبعاً لذلك القضاء ببراءته لعدم صحة الواقعة وعدم ثبوتها في حق الطاعن وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على حكم محكمة جنايات الفيوم في قضية النيابة رقم 5181 لسنة 1983 ق الفيوم رقم 94 لسنة 1983 أن التهمة التي أحيل بها....... من النيابة العامة لمحكمة الجنايات تتحصل في قيامه بهتك عرض....... والتي تبلغ السادسة عشرة من عمرها بالقوة حالة كونه ممن لهم سلطة عليها وذلك بأن جذبها عنوة من يدها وكمم فاها وطرحها أرضاً وجثم فوقها وقد أسست المحكمة حكمها ببراءة المذكور من هذه التهمة على أنه يسايرها الشك وعدم الاطمئنان في صحة التهم المسندة إلى المتهم للأسباب الآتية: 1) أن المجني عليها قد أقرت صراحة بالجلسة أن المتهم لم يتطاول إلى أي مكان في جسمها يعد عورة وإذ كانت جريمة هتك العرض تتحقق بكل فعل مخل بالحياء يستطيل إلى جسم المجني عليها وعوراتها ويخدش عاطفة الحياء عندها ومن ثم كان الركن المادي لجريمة هتك العرض منتفياً (2) التناقض والتضارب البين في أقوال المجني عليها في تحقيقات النيابة العامة عنها بجلسة المحاكمة (3) التناقض في أقوال باقي شهود الإثبات بينهم البعض وبينهم وبين المجني عليها (4) أن الحادث حسبما صورته المجني عليها يقع في أحد الفصول بالطابق الثاني ويطل على طرقة وتجاوره عدة فصول وأثناء يوم دراسي ولما كان ذلك فإن الوضع الطبيعي للأمور أن أي شخص إذا ما أصابه أذى أن يستنجد فينجد فإذا ما قررت المجني عليها أنها حاولت الاستغاثة فلم يسمعها أحد لكان ذلك أمراً غير مقبول هذا بالإضافة إلى أن مكان الحادث على النحو سالف البيان لا يمكن ولا يتصور عقلاً ولا منطقاً للشخص العادي أمام ظروف المكان أن يرتكب مثل هذه الفعلة بتلك الكيفية التي قررتها المجني عليها خاصة وأنها قررت أنها استغرقت ما بين الربع والنصف ساعة ولما كان ما تقدم وكان الشك قد تسرب إلى يقين المحكمة في دليل الإسناد فإن المحكمة تقضي بالبراءة عملاً بالمادة 304 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجنائية وتقضي المادة 304 فقرة 1 التي أشار إليها حكم محكمة الجنايات بأنه "إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرح عنه إذا كان محبوساً من أجل هذه الواقعة وحدها.
ومن حيث إنه يبين بجلاء من استقراء حيثيات حكم محكمة الجنايات أنه ينصرف إلى اتهام الطاعن بجريمة هتك عرض الطالبة...... وأنه قد انتهى إلى براءة الطاعن من تلك التهمة استناداً إلى أسباب عدة أولها ما أقرت به المجني عليها من أن المتهم لم يتطاول إلى أي مكان في جسمها يعد عورة مما ينتفي معه الركن المادي لجريمة هتك العرض أما الأسباب الأخرى التي استند إليها حكم محكمة الجنايات لبراءة المتهم تتحصل في عدم اطمئنان المحكمة وتسرب الشك إليها في وقوع جريمة هتك العرض بالكيفية التي ذكرتها المتهمة.
ومن حيث إنه لا مراء في أن احترام حجية الحكم الجنائي تحول كلية دون معاودة البحث حول إسناد جريمة هتك عرض الطالبة على النحو وبالصورة والكيفية التي ذكرتها المجني عليها في الاتهام الجنائي والتي سلف بيانها تفصيلاً إلا إنه من الواضح أن حكم المحكمة الجنائية لم ينف واقعة تواجد المتهم والمجني عليها في غرفة الفصل على انفراد - الأمر الذي لولاه ما كان هناك أدنى مجال لأن تنطلق تلك الأقاويل وتتداول تلك الشائعات التي ملأت المدرسة بل المنطقة التعليمية بالمحافظة ووصلت إلى المحافظة ولاكت سمعة طالبة أرسلت من قبل أهلها وذويها إلى دار العلم لتتلقى العلم والأدب لا لتمزق سمعتها وتلطخ سيرتها وتتناقل الألسن أمرها وأمر المتهم تهويلاً أو تهويناً مما حدث.
ومن حيث إنه يبين مما سبق إذا كانت حجية الحكم الجنائي تعمل آثارها بالنسبة لجريمة هتك العرض إلا أنها لا تعمل بالنسبة لواقعة تواجد المتهم في غرفة مقفلة مع إحدى الطالبات وبذلك تظل للمحكمة التأديبية كامل حريتها في تكوين عقيدتها نحو ثبوت هذا الاتهام أو نفيه.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية قد أقنعت في ضوء الأدلة التي استخلصتها - والتي لا رقابة للمحكمة الإدارية العليا عليها - إلى ثبوت واقعة التواجد في حق المتهم ومن ثم تكون الجريمة التأديبية التي أحيل من أجلها للمحاكمة التأديبية والتي تتمثل في أنه قد وضع نفسه موضع الشبهات والخزي بتصرفاته مما لا يليق مع من يشغل وظيفة تربوية بأن تواجد بطريقة مشبوهة في حجرة مغلقة مع الطالبة....... مما استحق معه الجزاء الذي أوقعته المحكمة التأديبية عليه لقاء ما اقترف من إثمٍ ويكون الطعن على الحكم الصادر بتوقيع الجزاء غير قائم على أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن الطعن المقام من...... و....... على الحكم التأديبي الصادر ضدها فإنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون عليه في شقه الخاص بالطاعنين إن الاتهام الذي وجه إلى....... يتحصل في أنها باعتبارها ناظرة المدرسة الإعدادية التي وقعت بها الأمور المنسوبة إلى....... قد ساعدته في مسلكه المشين ولم تخطر رئاستها بتلك التصرفات الجارحة كما أن الاتهام الذي وجه إلى...... إنها بصفتها أخصائية اجتماعية بالمدرسة التي يعمل بها....... ساعدت...... ناظرة المدرسة على إخفاء ما سلكه....... من أفعال مشينة - وقد أقام الحكم أسباب إدانته....... على أن خمسة من الشهود من العاملين بالمدرسة قد شهدوا جميعاً بوصول أخبار الواقعة محل المخالفة إلى المتهمة قبل يوم 19/ 2/ 1983 وأنها أهملت في القيام بما يقتضيه موقعها الإداري والرئاسي بالمدرسة بصفتها ناظرة المدرسة ولم تخطر رئاستها بما حدث أو بما وصل إلى علمها بشأنه واستمرت في تقاعسها عن تأدية واجبها حتى اتصل بها مدير عام مديرية التربية والتعليم بالفيوم يسألها عن حقيقة ما حدث وأمرها ألا تغادر المدرسة قبل أن ترسل إليه مذكرة رسمية بالموضوع وبذلك يكون ما نسب إلى المتهمة بتقرير الاتهام قد ثبت يقيناً في حقها وبالنسبة....... فقد أوضح الحكم إن كلاً من الطالبة المجني عليها....... أية وكيل المدرسة...... قد شهدا بأن المتهمة الثالثة زورت محضراً بأفعال نسبتها إلى المجني عليها إذ ذكر في المحضر إنه تم بحضور/........ وتوقيعها وقد اعترفت المتهمة بأن التوقيع الموجود على المحضر والمنسوب إلى فائق أبو العلا هي التي وقعته بدلاً عنها وليس توقيع المذكورة وعللت المتهمة هذا التصرف من جانبها بأن....... سمعت منها ما أشيع بشأن الموضوع ومؤدى ذلك ثبوت الاتهام المنسوب إليها ثبوتاً يقينياً.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من محكمة جنح الفيوم في القضية رقم 4351 لسنة 1985 جنح بندر الفيوم ضد...... و...... الذي تتمسك الطاعنتان بأن حجيته تحول دون مساءلتهما تأديبياً - أن الاتهام الذي ساقته النيابة العامة ضد المذكورتين يتحصل في أنهما اتهمتا بأنهما حال كونهما قد علما بوقوع جناية. وكان لديهما ما يحمل على الاعتقاد بوقوعها أعانا الجاني على الفرار من وجه القضاء وذلك بإخفائها أدلة الجريمة وعدم الإبلاغ عنها على النحو المبين بالأوراق وقد انتهت محكمة جنح الفيوم بعد استعراض الوقائع والأدلة إلى أن المتهمين لم ترتكبا الواقعة المنسوبة إليهما وأن كلاً منهما قد فعلت ما تملية عليها أصول وظيفتها فقد قامت المتهمة الثانية بإبلاغ الأولى بالواقعة فور علمها بها وإن الثانية قد عملت جاهدة على تقصي حقيقتها حتى وصل نبؤها للجهة الإدارية التي ترأسها الأمر الذي ترى المحكمة الحكم ببراءة المتهمين مما نسب إليهما.
من حيث إنه لا مناص من أعمال حجية الحكم الجنائي فيما انتهى إليه من تبرئة المتهمة........ بصفتها ناظرة المدرسة التي كان يعمل بها....... من الإهمال في القيام بما يقتضيه موقعها الإداري والرئاسي بالمدرسة فالتماثل واضح بين الجريمة الجنائية التي برئت منها...... أمام محكمة الجنح والجريمة التأديبية التي بسببها مما يصم الحكم التأديبي في شقه الخاص بإيقاع الجزاء على...... مخالفة القانون المتمثل في إهدار حجية الحكم الجنائي واجبة الاحترام من كل قضاء آخر.
أما وبالنسبة....... أثبت الحكم الجنائي في حقها أنها قامت فور علمها بالواقعة المنسوبة إلى...... بإبلاغ الناظرة عنها وبذلك تكون قد فعلت كل ما تملية عليها أصول وظيفتها بالنسبة لهذا الموضوع وبذلك يكون الحكم الجنائي قد دحض المخالفة التأديبية التي نسبت إليها وهي مساعدة الناظرة على إخفاء ما سلكه...... من أفعال مشينة ذلك رغم أن الواقعة التي نسبها الحكم التأديبي....... التي استند إليها لإثبات الاتهام بمساعدة الناظرة على إخفاء مسلك....... هذه الواقعة والتي تتمثل في قيام....... بتزوير محضر أقوال نسبتها إلى الطالبة...... واصطنعت توقيع زميلتها..... هذه الواقعة والتي يصح أن تكون بذاتها محلاً للمساءلة التأديبية لن يتعرض لها الحكم الجنائي إثباتاً أو نفياً إلا أن ذلك لا ينفي أن الحكم التأديبي في النهاية أوقع عليها الجزاء عن ذات الاتهام الذي برأها منه الحكم الجنائي ما يصم الحكم التأديبي بالبطلان.
من حيث إنه يخلص مما سبق أن الحكم الجنائي وقد انتهى إلى تبرئه كل من...... و...... من تهمة مساعدة...... على إخفاء مسلكه وأثبت في حقهما قيامهما بكل ما تمليه عليهما أصول وظيفتهما ومن ثم يكون الحكم التأديبي الصادر ضدها عن ذات الاتهام قد شابه البطلان الموجب لإلغائه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين الماثلين شكلاً.
وفي الموضوع برفض الطعن رقم 1734 لسنة 34 المقام من...... في الطعن رقم 1657 المقام من...... بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءتهما مما نسب إليهما