أحكام النقض – المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1015

جلسة 9 من أكتوبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وإبراهيم الديواني، ومصطفى الأسيوطي، وعبد الحميد الشربيني.

(225)
الطعن رقم 809 لسنة 42 القضائية

(أ , ب) تجمهر. جريمة. "أركانها". مسئولية جنائية. حكم. "تسبيه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
( أ ) جريمة التجمهر. أركانها. المادتان 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914. عدم اشتراط قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين لتوافرها. مثال.
(ب) مناط العقاب على التجمهر وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية. الجنائية.
(جـ , د، هـ) حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". "بياناته. بيانات التسبيب" محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". "شهود". نقض. "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
(جـ) إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلي ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا تعيبه. ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(د) اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم. لا يؤثر في سلامته. أساس ذلك: حق محكمة الموضوع في الاعتماد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد واطراح ما عداها. عدم إيراد الحكم تلك التفصيلات يفيد اطراحة إياها.
(هـ) نقض "نظره والحكم فيه".
عدم تقدم الطاعن. قبل يوم الجلسة. لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها عليه. سقوط طعنه.
1 - حددت المادتان الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 – بشأن التجمهر _ شروط قيام التجمهر قانوناً في أن يكون مؤلفاً من خمسة أشخاص على الأقل وأن يكون الغرض منه ارتكاب جريمة أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو التأثير على السلطات في أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها. ولما كان يشترط إذن لقيام جريمة التجمهر المؤثم بالمادتين الثانية والثالثة من القانون سالف البيان اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلي مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذاً لهذا الغرض وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدي إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر، ولا يشترط لتوافر جريمة التجمهر وجوب قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين إذ أن التجمع قد يبدأ بريئاً ثم يطرأ عليه ما يجعله معاقباً عليه عندما تتجه نية المشتركين فيه إلي تحقيق الغرض الإجرامي الذي يهدفون إليه مع علمهم بذلك. ولما كان الحكم قد دلل بوضوح على توافر العناصر الجوهرية السالف بيانها في حق الطاعنين وكان ما أورده الحكم في مجموعة ينبئ بجلاء على ثبوتها في حقهم، وكانت دلالة ما استظهره الحكم في مدوناته كافية لبيان أركان جريمة التجمهر على ما هي معرفة به في القانون، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في شئ، وإذ كان ما أوردته المحكمة في حكمها يستفاد منه الرد على ما أثاره الدفاع بدعوى عدم توافر الجريمة في حق الطاعنين، فإن النعي عليها بقاله القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع لا يكون سديداً.
2 - مناط العقاب على التجمهر وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية عن الجرائم التي تقع تنفيذاً للغرض منه هو ثبوت علمهم بهذا الغرض.
3 - لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلي ما أورده من أقوال شاهد آخر مادامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
4 - اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم لا تعيبه، ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وفى عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد اطراحه لها.
5 - متى كان الطاعن الثاني لم يتقدم لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها عليه قبل يوم الجلسة المحددة لنظر الطعن , فإنه يتعين الحكم بسقوط الطعن بالنسبة له عملاً بالمادة 41 من القانون رقم 57 لسنة 1959.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 15 ديسمبر سنة 1968 بدائرة مركز بلقاس محافظة الدقهلية: اشتركوا في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على النفس حالة كونهم يحملون آلات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة، بأن تجمعوا حاملين العصي والفئوس وفروع الأشجار بقصد التعدي على المشرف الزراعي لمنطقة الإصلاح الزراعي بالمعصرة ورجاله فوقعت منهم تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر مع العلم به الجرائم الآتية: تعدوا بالقوة والعنف على موظفين عموميين هم...... مشرف زراعة المعصرة و...... خفراء الإصلاح الزراعي بها، فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية وكان ذلك أثناء تأدية وظائفهم وبسببها. طلبت عقابهم بالمادتين 136 و137 من قانون العقوبات والمادتين 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر وادعي المجني عليه الأول مدنياً قبل المتهمين الأول والثاني وطلب الحكم بإلزامهما بقرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح بلقاس الجزئية قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بمواد الاتهام (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس سنة واحدة مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً. (ثانياً) بحبس كل من المتهمين الآخرين ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات. (ثالثاً) إلزام المتهمين الأول والثاني بأن يدفعا متضامنين للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. فاستأنف المحكوم عليهم هذا الحكم، ومحكمة المنصورة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1971 بقبول الاستئناف شكلاً وفى موضوع الدعوى الجنائية بتعديل الحكم المستأنف وبحبس المتهم الأول ثلاثة أشهر مع الشغل وكل من المتهمين الآخرين شهراً مع الشغل وفى موضوع الدعوى المدنية بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهمين بالمصاريف المدنية الاستئنافية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الوكيل عن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني لم يتقدم لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها عليه قبل يوم الجلسة المحددة لنظر الطعن – على ما ثبت من بيان النيابة العامة – فإنه يتعين الحكم بسقوط الطعن بالنسبة له عملاً بنص المادة 41 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطعن المقدم من باقي الطاعنين قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبني الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضي بإدانة الطاعنين بجريمة الاشتراك في تجمهر قد شابه خطأ في تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب كما انطوى على خطأ في الإسناد، ذلك بأن الطاعنين أسسوا دفاعهم على أن الأركان القانونية لتلك الجريمة غير متوافرة في الواقعة موضوع الدعوى، إذ أن المستفاد من أقوال المجني عليهم أن قيام مشرف الإصلاح الزراعي ومن كان بصحبته من خفراء ورجال الإصلاح الزراعي بمنع الطاعنين وغيرهم من الأهالي عن إدارة سواقيهم أدى إلي وقوع هرج عارض بغير ترتيب سابق أو علم بما قد يحدث وأن تجمع الأهالي كان بسبب الاستغاثات المتبادلة الناجمة عن منع الري، غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع إيراداً ورداً وجاءت مدوناته قاصرة عن استظهار أركان الجريمة، هذا فضلاً عن أنه لم يورد مؤدى أقوال جميع الشهود الذين اعتمد على أقوالهم في قضائه بإدانة الطاعنين وأحال في بعضها إلي أقوال غيرهم، بل أنه أوجز بعضها وأورد بعضاً منها بما يخالف الثابت في الأوراق، إذ أن أحداً من الشهود لم يذكر أن الطاعنين كانوا على علم بالغرض من التجمهر ولم يحدد أحد منهم أي الطاعنين بالذات هو الذي أحدث إصابته، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الإبتدائى - الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه – قد حصل واقعة الدعوي بما مؤداه أن مندوب الإصلاح الزراعي ببلقاس أبلغ بوقوع تجمهر من الأهالي بغرض تعطيل تنفيذ رجال الإصلاح الزراعي للتعليمات الصادرة إليهم في شأن زراعة الأرض قطناً وأن اعتداء قد وقع على مشرف المنطقة وشيح خفرائها وخفيرين من خفرائها أثناء قيامهم بتنفيذ تلك التعليمات ثم أورد الحكم أقوال المشرف الزراعي التي تجمل في أنه بمروره على الأراضي الزراعية بمكان الحادث أبصر بالمتهم الأول (الطاعن الأول) يدير ساقية لري أرضه ولما طلب منه الكف عن ذلك لأن نظام الدورة الزراعية يقضى بزراعتها قطناً امتنع وحرض أهالي القرية الذين كانوا قد تجمعوا حاملين عصياً وفروع أشجار وأدوات حفر (كواريك) فاعتدي عليه كل من المتهمين (الطاعنين) الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بالضرب بالعصي على رأسه وجسمه فأحدثوا إصاباته، وقال الحكم عندما عرض لأقوال شيح خفراء الإصلاح الزراعي أنه "قرر بمضمون ما تقدم" وأنه أضاف أن المتهمين (الطاعنين) من الأول إلي الثامن والحادي عشر اعتدوا عليه بالضرب فأحدثوا إصابته وأورد الحكم عن أقوال أحد خفراء الإصلاح الزراعي إنه "شهد بما يتلاقي وما تقدم" وأن المتهمين (الطاعنين) الرابع والتاسع هما اللذان اعتديا عليه بالضرب وأحدثا إصاباته وأنه شاهد كلاً من المتهمين (الطاعنين) الثاني والخامس والعاشر بمكان الحادث، كما عرض لأقوال خفير آخر بقوله "إنه بسؤاله لم تخرج أقواله عن مضمون ما سلف" وأن المتهمين (الطاعنين) الثاني والخامس ضرباه وأحدثا إصاباته، ولما عرض الحكم لأقوال شاهدين من شهود الحادث قال إن أحدهما "قرر بما يتفق في جملته والأقوال سالفة الذكر" وأنه "بمثل ذلك أيضاً قرر الشاهد الآخر"، ثم أثبت الحكم أنه تبين من الإطلاع على التقارير الطبية الخاصة بالمجني عليهم الأربعة أن بهم إصابات تحتاج لعلاج يقل عن عشرين يوماً بالنسبة لهم جميعاً عدا المشرف الزراعي الذي أعجزته إصابته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً، ثم تصدى الحكم للتطبيق القانوني على واقعة الدعوى في قوله "وحيث إن التهمة قد تكاملت الأركان والعناصر القانونية حسبما هي معرفة به في صحيح القانون وقد أضحى إسنادها للمتهمين أمراً متيقناً وذلك من أقوال الشهود سالفى الذكر ومؤداها أن المتهمين كافة كانوا ضمن المشتركين في التجمهر وقد وقع منهم التعدي على رجال الإصلاح الأربعة سالفى الذكر أثناء وبسبب تأديتهم أعمال وظائفهم وأنهم – أي المتهمين – كانوا يحملون آلات وأدوات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة وأن جريمة التعدي قد وقعت منهم تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر مع العلم به فضلاً عما أوردته التقارير الطبية المشار إليها من وجود إصابات بالمجني عليهم وتطمئن المحكمة لتلك الأقوال ولما أثبت بهذه التقارير، ومن ثم ترى معاقبة المتهمين عما أسند إليهم عملاً بمواد الاتهام". لما كان ذلك وكانت المادتان الثانية والثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر حددتا شروط قيام التجمهر قانوناً في أن يكون مؤلفاً من خمس أشخاص على الأقل وأن يكون الغرض منه ارتكاب جريمة أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو التأثير على السلطات في أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها وأن مناط العقاب على التجمهر وشرط تضامن المتجمهرين في المسئولية عن الجرائم التي تقع تنفيذاً للغرض منه هو ثبوت علمهم بهذا الغرض, وكان يشترط إذن لقيام جريمة التجمهر المؤثم بالمادتين الثانية والثالثة من القانون سالف البيان اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم علي خمسة أشخاص إلي مقارفة الجرائم التي وقعت تنفيذاً لهذا الغرض وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور وأن تكون الجرائم التي ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامي من طبيعة واحدة ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدى إليها السير الطبيعي للأمور وقد وقعت جميعها حال التجمهر, ولا يشترط لتوافر جريمة التجمهر وجوب قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين إذ أن التجمع قد يبدأ بريئاً ثم يطرأ عليه ما يجعله معاقباً عليه عندما تتجه نية المشتركين فيه إلى تحقيق الغرض الإجرامي الذي يهدفون إليه مع علمهم بذلك. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بوضوح على توافر العناصر الجوهرية السالف بيانها في حق الطاعنين, وكان ما أورده الحكم في مجموعه ينبئ بجلاء على ثبوتها في حقهم, وكانت دلالة ما استظهره الحكم في مدوناته ـ على نحو ما سلف ـ كافية لبيان أركان جريمة التجمهر على ما هي معرفة به في القانون فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في شئ وإذ كان ما أوردته المحكمة في حكمها يستفاد منه الرد على ما أثاره الدفاع بدعوى عدم توافر الجريمة في حق الطاعنين فإن النعي عليها بقاله القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع لا يكون سديداً. لما كان ذلك, وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها, ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم, ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وفى عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد إطراحه لها. وكان يبين من مطالعة المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم من أقوال الشهود له مأخذ صحيح من الأوراق, مما ينحسر معه عن الحكم دعوى الخطأ في الإسناد , وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بياناً وافياً وأورد على ثبوتها في حق الطاعنين أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها, وكان ما يثيره الطاعنون في طعنهم ينحل إلى منازعة موضوعية في العناصر السائغة التي استقت منها المحكمة معتقدها في الدعوى ويرتد في حقيقته إلى جدل موضوعي في تقديرها للأدلة المقبولة التي أوردتها وفى مبلغ اطمئنانها إليها وهو ما لا يجوز مصادرة المحكمة في عقيدتها في شأنه والخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون علي غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.