أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 731

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد عادل مرزوق، ويعيش محمد رشدي، وأحمد موسى.

(161)
الطعن رقم 1213 لسنة 45 القضائية

(1 - 4) مواد مخدرة. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل" نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) عقيدة المحكمة تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني. مثال.
الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم. هو ما يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(2) سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل. لا يضيع أثره. ما دام له أصل ثابت في الأوراق. مثال.
(3) تقدير الأدلة. من إطلاقات محكمة الموضوع.
(4) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. غير جائز.
1 – من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني، وأن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، لما كان ذلك، وكان المعنى المشترك بين شهادة مأمور الجمرك بأن الطاعن كان يحمل في يده الحقيبة التي ضبط المخدر بها وبين ما قرره العريف في التحقيقات من أن هذه الحقيبة كانت مع الطاعن وكانت مثبتة بإقراره الجمركي هو معنى واحد في الدلالة على أن الطاعن هو صاحب الحقيبة التي ضبط بها المخدر – يستوي في ذلك أن يكون محرزاً إياها أو حائزاً لها – وهو المعنى الذي يتحقق به جلبه جوهر المخدر مع تحقق سائر أركان هذه الجريمة التي لا يماري في توافرها، فإنه لا يضير الحكم أن يكون قد أحال في إيراده أقوال العريف السري إلى مضمون ما حصله من شهادة مأمور الجمرك، و لا يعيبه من بعد أن يكون قد أسند إلى هذا العريف تأكيده بأن الطاعن كان يحمل بيده الحقيبة التي ضبط المخدر بقاعها، ما دام الأمر الذي قصد الحكم إلى إثباته إنما هو نسبة هذه الحقيبة إلى الطاعن، وهي الحقيقة التي استقرت في عقيدة المحكمة والتي تتلاقى عندها أقوال كل من الشاهدين في جوهرها على حد سواء.
2 – لما كان ما استند إليه الحكم من إقرار الطاعن لمندوب المباحث على مسمع من مأمور الجمرك وفي حضوره بأن الحقيبة المذكورة ملكه، له سنده من شهادة هذا الأخير بالجلسة بأن مندوب المباحث سأل الطاعن عن الحقيبة فأقر بأنها تخصه، فإنه لا تثريب على الحكم، إذ هو لم يفصح عن مصدر هذا الإقرار لأن سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل لا يضيع أثره ما دام له أصل ثابت في الأوراق.
3 – لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الأدلة والأخذ بما ترتاح إليه منها، والتعويل في قضائها على قول للشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى، ولو خالف قولاً آخر له أو لشاهد آخر، دون بيان العلة، إذ مرجع الأمر في ذلك كله إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه، لما كان ذلك، فإن كافة ما يثيره الطاعن حول أخذ الحكم بما ورد بشهادة مأمور الجمرك أمام المحكمة من إقراره بملكيته للحقيبة لا يكون مقبولاً لما فيه من مصادرة لحرية محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتكوين معتقدها في الدعوى.
4 – لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهدين وصحة تصويرهما للواقعة، وهي ليست ملزمة بأن تتعقب الدفاع في كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه فترد عليه، وكان الدفاع لم يبد بجلسة المحاكمة ما يثيره من إغفال مأمور الجمرك والمحقق إثبات محتويات الحقيبة الظاهرة، ومثله لا يثار لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 29 مارس سنة 1973 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية جلب إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً (حشيشاً) دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و3 و33/ 1 و36 من القانون رقم 182 سنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 سنة 1966 والبند 12 من الجدول 1 المرافق. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعن المحكوم في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهر مخدر قد شابه خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأنه أسند إلى العريف السري أنه شهد في التحقيقات بمضمون ما شهد به مأمور الجمرك الذي قرر أن الطاعن كان يحمل في يده الحقيبة التي ضبط بها المخدر، في حين أن العريف لم يذكر ذلك، وإنما قال إن الحقيبة كانت مع الطاعن، وكان مثبتة بإقراره الجمركي، وهو قول لا يؤدي إلى نسبة الحقيبة التي ضبط بها المخدر بالذات إلى الطاعن، ومع ذلك فقد ساوى الحكم بين هذا القول وبين شهادة مأمور الجمرك وعول عليه في الإدانة. هذا إلى أن الحكم اطمأن إلى أن الطاعن أقر لمندوب المباحث على مسمع من مأمور الجمرك وفي حضوره بملكيته للحقيبة دون أن يفصح عن أنه قصد الاعتماد في ذلك على ما شهد به مأمور الجمرك بالجلسة من أن مندوب المباحث سأل الطاعن عن الحقيبة فأقر بأنها تخصه، ودون أن يستظهر سبب عدول مأمور الجمرك عما سبق أن قرره في التحقيقات من أن الطاعن لم يتكلم أمامه، وسبب ترجيحه لهذا العدول رغم تناقضه مع ما قرره العريف كذلك في التحقيقات من أنه لم يسمع الطاعن يقول شيئاً. وأخيراً فبالرغم من إنكار الطاعن ملكيته للحقيبة ومع أنه لا يعقل أن يحملها وهو يعلم أن بها مخدراً وأنه مقود إلى التفتيش، هذا بالإضافة إلى إغفال مأمور الجمرك والمحقق إثبات محتوياتها الظاهرة للتحقق من أنها تحوي متعلقات الأمر الذي يشكك في صلته بها ويساند إنكاره، فإن الحكم لم يعرض لدلالة ذلك كله عند الرد على هذا الإنكار.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل شهادة مأمور الجمرك بما مؤداه أن الطاعن قدم من بيروت على الباخرة، وكان يحمل في يده حقيبة دبلوماسية "سامسونيت" سوداء اللون ولها بطاقة حمراء من الداخل ضبط بأسفل قاعها جوهر المخدر، أحال في إيراده أقوال العريف السري في التحقيقات إلى مضمون ما شهد به مأمور الجمرك، ثم خلص من ذلك إلى أنه يطمئن إلى أقوال هذين الشاهدين اللذين أكدا في شهادتهما أن الطاعن كان يحمل هذه الحقيبة التي ضبط المخدر بقاعها – لما كان ذلك، وكان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني، وأن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، وكان المعنى المشترك بين شهادة مأمور الجمرك بأن الطاعن كان يحمل في يده الحقيبة التي ضبط المخدر بها وبين ما قرره العريف في التحقيقات من أن هذه الحقيبة كانت مع الطاعن وكانت مثبتة بإقراره الجمركي هو معنى واحد في الدلالة على أن الطاعن هو صاحب الحقيبة التي ضبط بها المخدر - يستوي في ذلك أن يكون محرزاً إياها أو حائزاً لها - وهو المعنى الذي يتحقق به جلبه جوهر المخدر مع تحقق سائر أركان هذه الجريمة التي لا تماري في توافرها، فإنه لا يضير الحكم أن يكون قد أحال في إيراده أقوال العريف السري إلى مضمون ما حصله من شهادة مأمور الجمرك، و لا يعيبه من بعد أن يكون قد أسند إلى هذا العريف تأكيده بأن الطاعن كان يحمل بيده الحقيبة التي ضبط المخدر بقاعها، ما دام الأمر الذي قصد الحكم إلى إثباته إنما هو نسبة هذه الحقيبة إلى الطاعن، وهي الحقيقة التي استقرت في عقيدة المحكمة والتي تتلاقى عندها أقوال كل من الشاهدين في جوهرها على حد سواء. لما كان ذلك، وكان ما استند إليه الحكم من إقرار الطاعن لمندوب المباحث على مسمع من مأمور الجمرك وفي حضوره بأن الحقيبة المذكورة ملكه، له سنده من شهادة هذا الأخير بالجلسة بأن مندوب المباحث سأل الطاعن عن الحقيبة فأقر بأنها تخصه، فإنه لا تثريب على الحكم إذ هو لم يفصح عن مصدر هذا الإقرار لأن سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل لا يضيع أثره ما دام له أصل ثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الأدلة والأخذ بما ترتاح إليه منها، والتعويل في قضائها على قول للشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالف قولاً آخر له أو لشاهد آخر، دون بيان العلة، إذ مرجع الأمر في ذلك كله إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه، فإن كافة ما يثيره الطاعن حول أخذ الحكم بما ورد بشهادة مأمور الجمرك أمام المحكمة من إقراره بملكيته للحقيبة لا يكون مقبولاً لما فيه من مصادرة لحرية محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتكوين معتقدها في الدعوى - لما كان ما تقدم، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهدين وصحة تصويرهما للواقعة، وهي ليست ملزمة بأن تتعقب الدفاع في كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه فترد عليه، وكان الدفاع لم يبد بجلسة المحاكمة ما يثيره من إغفال مأمور الجمرك والمحقق إثبات محتويات الحقيبة الظاهرة، ومثله لا يثار لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحكمة، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.