أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 751

جلسة 24 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوي رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسن علي المغربي، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وقصدي إسكندر عزت، وإسماعيل محمود حفيظ .

(166)
الطعن رقم 1233 لسنة 45 القضائية

(1) إثبات. "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقدير ظروف الإدلاء بها. موضوعي.
(2) ضرب. "ضرب أحدث عاهة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير وقوع الجريمة". جريمة. "أنواعها". إثبات. "بوجه عام. خبرة".
- عاهة مستديمة. معناها في مفهوم المادة 240 عقوبات.
- تقدير قيام العاهة. موضوعي. أساس ذلك؟
1 – وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن، وحام حولها من شبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة المحكمة النقض عليها.
2 – أنه وإن كان القانون لم يرد فيه تعريف للعاهة المستديمة واقتصر على إيراد بعض أمثلة لها، إلا أن قضاء محكمة النقض قد جرى على ضوء هذه الأمثلة على أن العاهة في مفهوم المادة 240 من قانون العقوبات هي فقد أحد أعضاء الجسم أو أحد أجزائه أو فقد منفعته أو تقليلها أو تقليل قوة مقاومته الطبيعية بصفة مستديمة. كذلك لم يحدد القانون نسبة معينة للنقص الذي يكفي وقوعه لتكوينها، بل ترك الأمر في ذلك لتقدير قاضي الموضوع يبت فيه بما يتبينه من حالة المصاب وما يستخلصه من تقرير الطبيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 6 من أكتوبر سنة 1971 بدائرة مركز بركة السبع محافظة المنوفية. (أولاً) ضرب......... بعصا على ذراعه الأيمن فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي الإعاقة المبينة بالتقرير الطبي الشرعي بالساعد الأيسر مما يعد عاهة مستديمة وتقلل من كفاءته على العمل. (ثانياً) ضرب كلاً من....... و....... فأحدث بكل منهما الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الابتدائي والتي أعجزت كلاً منهما عن أعماله الشخصية مدة لا تزيد على العشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمادتين 240/ 1 و242/ 1 من قانون العقوبات، فقرر ذلك، ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المواد 17 و32 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب الذي نشأت عنه عاهة مستديمة قد شابه قصور في التسبيب، وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن المحكمة لم تعرض لما أثاره الطاعن من أن المجني عليه طعنه بمطواة أحدثت به جرحاً نافذاً بالتجويف الصدري يعجزه عن قالة الاعتداء على المجني عليه، وقد أخذت بأقوال ابن المجني عليه وزوجته وعولت عليها رغم تعارضها مع أقوال المجني عليه بالتحقيقات وأطرحت بقول غير سائغ ما أبداه الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه ضد اعتداء المجني عليه الذي بادره بالعدوان – وأخذته بتلك الجريمة رغم أن حالة المجني عليه لما تصبح نهائية ودون أن تستجيب إلى طلب الدفاع بإعادة عرض المجني عليه على الطبيب الشرعي لبيان ماهية العاهة ومداها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب الذي نشأت عنه عاهة مستديمة التي دان الطاعن بها. وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه وزوجته وولده، ومن التقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي. وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك - وكان الحكم قد استخلص الإدانة من الأدلة السائغة التي أوردها بما لا تناقض فيه، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن، وحام حولها من شبهات - كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة المحكمة النقض عليها - وكان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم لإغفاله التصدي إلى ما آثاره من أن المجني عليه كان قد طعنه بمطواة أحدثت به جرحاً نفذ إلى التجويف الصدري يعجزه عن ارتكاب الاعتداء المسند إليه - مردوداً بأن الأصل أن محكمة الموضوع لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، فترد على كل شبهة يثيرها – وحسبها أن تقيم الدليل على مقارفته الجريمة التي دين بها بما يحمل قضاءها، وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه في تقديره – لما كان ذلك – وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن القائم على حالة الدفاع الشرعي بقوله "... أما دفاعه المبني على حالة الدفاع الشرعي فإنه دفاع غير سديد لأن المتهم – الطاعن – هو الذي بادر بالاعتداء على المجني عليه وابنه وزوجته ولم يكن يرد اعتداء وقع عليه..." – لما كان ذلك - وكان ما أورده الحكم فيما تقدم صحيحاً في القانون ويكفي في تبرير ما انتهى إليه من انتفاء حالة الدفاع الشرعي، ذلك لأن محكمة الموضوع بما لها من سلطة في تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها لتعلق ذلك بموضوع الدعوى قد نفت قيام حالة الدفاع الشرعي بأسباب كافية وسائغة، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد – لما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر العاهة بقوله: "وثبت من التقرير الطبي الشرعي أن المجني عليه تخلفت لديه من جراء إصابة ذراعه الأيمن عاهة مستديمة بالساعد الأيمن – هي التيبس والإعاقة في حركة الذراع في جميع الاتجاهات... "كما عرض لدفاع الطاعن بشأن طلب إحالة المجني عليه إلى الطبيب الشرعي وأطرحه بقوله "إن المحكمة تلتفت عنه إذ تبين أن حالته الاصابية أصبحت نهائية وتخلف لديه من جراء اعتداء المتهم عليه عاهة مستديمة". لما كان ذلك، وكان القانون لم يرد فيه تعريف للعاهة المستديمة واقتصر على إيراد بعض أمثلة لها إلا أن قضاء محكمة النقض قد جرى على ضوء هذه الأمثلة على أن العاهة في مفهوم المادة 240 من قانون العقوبات هي فقد أحد أعضاء الجسم أو أحد أجزائه أو فقد منفعته أو تقليلها أو تقليل قوة مقاومته الطبيعية بصفة مستديمة. كذلك لم يحدد القانون نسبة معينة للنقص الذي يكفي وقوعه لتكوينها، بل ترك الأمر في ذلك لتقدير قاضي الموضوع يبيت فيه بما يتبينه من حالة المصاب وما يستخلصه من تقرير الطبيب، ومن ثم فإنه لا جدوى مما يجادل فيه الطاعن من أن حالة المجني عليه لما تصبح نهائية، ومن عدم استجابة المحكمة إلى طلب إعادة عرض المجني عليه على الطبيب الشرعي لبيان ماهية العاهة وتقدير مداها ما دام أن ما انتهى إليه الحكم من ذلك، إنما يستند إلى الرأي الفني الذي قال به الطبيب الشرعي وخلص منه إلى إن حالة الإصابة أصبحت نهائية ونشأت لديه من جراء اعتداء المتهم عليه عاهة مستديمة فيكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن في غير محله - لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين رفضه موضوعاً.