أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 755

جلسة 24 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوي، رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسن علي المغربي، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وقصدي إسكندر عزت، وإسماعيل محمود حفيظ.

(167)
الطعن رقم 1234 لسنة 45 القضائية

(1) تبغ. دخان. دعوى جنائية. "تحريكها". نيابة عامة. استدلال. تحقيق "التحقيق بمعرفة النيابة".
إيجاب صدور طلب من وزير الخزانة أو من ينيبه لتحريك الدعوى الجنائية في جرائم القانون 92 لسنة 1964. قيد على حرية النيابة. كسلطة تحقيق. دون غيرها من جهات الاستدلال.
بدء تحريك الدعوى الجنائية. بتحقيق النيابة. كسلطة تحقيق.
(2) تبغ. جريمة. "أركانها". قصد جنائي.
متى يتحقق القصد الجنائي في جريمة تهريب التبغ؟
1 – لما كانت المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ قد نصت على أنه "لا يجوز رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أية إجراءات في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلا بطلب مكتوب من وزير الخزانة أو من ينيبه". وكان الخطاب في هذه المادة - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - موجهاً من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية في الدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق، ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً من الشارع بتنفيذ قانون تهريب التبغ والمنوط بها من بعد، توجيه الطلب إلى النيابة العامة للبدء في إجراءات الدعوى الجنائية، وهي لا تبدأ إلا بما تتخذه هذه النيابة من أعمال التحقيق في سبيل تسييرها تعقباً لمرتكبي الجرائم باستجماع الأدلة عليهم وملاحقتهم برفع الدعوى وطلب العقاب ولا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم. ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به جهات الاستدلال ولو في حالة الجريمة المتلبس بها، إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية بل هي من الإجراءات الأولية التي تسلس لها، سابقة على تحريكها والتي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق وتحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على الوجه الصحيح دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لرفعها إذا لا يملك تلك الدعوى في الأصل غير النيابة العامة وحدها، لما كان ما تقدم وكانت إجراءات الاستدلال التي قام بها رئيس مأمورية إنتاج أسيوط قد تمت استناداً إلى الحق المخول أصلاً لرجل الضبط القضائي وبدون ندب من سلطة التحقيق مما لا يرد عليه قيد الشارع في توقفها على الطلب ومن ثم لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو طلب وكيل عام الجمارك باتخاذ إجراءات الضبط في حد ذاتها من بياناته ولا من عدم تثبت المحكمة من أمره.
2 – أن القصد الجنائي في جريمة تهريب التبغ يتحقق بتعمد ارتكاب الفعل المادي المكون لها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم أول يوليه سنة 1972 بدائرة مركز الغنايم محافظة أسيوط: ضبط زارعاً الدخان المبين بالمحضر بدون تصريح من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2/ 1 و3 من القانون رقم 92 لسنة 1964. وادعت مصلحة الجمارك مدنياً بمبلغ 8250 جنيهاً على سبيل التعويض قبل المتهم. ومحكمة جنح صدف الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم مائة جنيه والمصادرة وإلزامه أن يؤدي تعويضاً قدره ثمانية آلاف ومائتان وخمسون جنيهاً لمصلحة الجمارك عن المساحة المنزرعة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة أسيوط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة زراعة تبغ قد شابه بطلان وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه استند إلى صدور طلب باتخاذ الإجراءات في الدعوى وإذن آخر برفعها في حين أن ذلك الطلب كان خالياً من تاريخ إصداره ومن حدود ومساحة الأرض المطلوب تفتيشها ومن ختم شعار الدولة وذيل بإمضاء غير مقروءة نسبت إلى وكيل عام مصلحة الجمارك، ولم تتحقق المحكمة من صحة هذا الطلب ومن صدوره قبل اتخاذ الإجراءات، في حين أن خلوه من تاريخ إصداره إنما يرجع إلى صدوره بعد اتخاذ الإجراءات في الدعوى من ضبط وتفتيش مما يبطلها، ولا يصححها صدور الإذن برفع الدعوى في 3 من يونيه سنة 1973 طالما أن الواقعة كانت قد حدثت في أول يوليه سنة 1972، وفضلاً عن ذلك فقد تمسك الطاعن بأنه لم تكن له زراعة البتة في حوض العامري حيث تم الضبط وأن حدود الأرض الواردة في محضر الضبط لا تخصه ومساحتها لا تجاوز ستة قراريط، وقدم شهادة من الجمعية التعاونية وأخرى من الاتحاد الاشتراكي للبلدة تؤيد هذا الدفاع وطلب ندب خبير زراعي لتحقيقه إلا أن المحكمة أطرحته بأسباب غير سائغة، هذا علاوة على أن الطاعن دفع بعدم علمه بأن تلك الزراعة المضبوطة هي زراعة دخان لأنها تشابه زراعة الفلفل فردت المحكمة على هذا الدفاع بأسباب قاصرة ليس لها أصل في الأوراق إذا استندت في هذا الخصوص إلى سبق الحكم على الطاعن في جريمة مماثلة على الرغم من خلو الأوراق من صحيفة الحالة الجنائية له، وأخيراً فإن الحكم قضى بإلزامه بأن يؤدي لمصلحة الجمارك 8250 جنيهاً تعويضاً ومن بيان عناصره أو قيمة ووزن شجيرات التبغ المضبوطة وعلى الرغم من خلو محضر الضبط من البيانات المعينة على تقدير التعويض.
وحيث إنه يبين من المفردات المضمومة أن محضر ضبط واقعة زراعة التبغ المنسوبة إلى الطاعن حرره في أول يوليو سنة 1972 رئيس مأمورية إنتاج أسيوط وأثبت فيه واقعة الضبط ثم سأل الطاعن في محضره المؤرخ 3 يوليو سنة 1972 ولم يتخذ أي إجراء من النيابة العامة حتى صدر الطلب من مراقب مأموريات ضرائب الإنتاج بالأقاليم برفع الدعوى الجنائية في 3 يونيه سنة 1973 بناءً على التفويض الصادر بشأنه بالقرار رقم 13 لسنة 1965 من وزير الخزانة، ولما كان رفع الدعوى إلى المحكمة المختصة في مواد المخالفات والجنح يتم بطريق تكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجزئية فقد حركت النيابة العامة الدعوى في 13 من سبتمبر سنة 1973 وهو تاريخ إعلان الطاعن بالحضور أمام محكمة جنح صدفا الجزئية، وهو أول إجراء قامت به النيابة في شأن واقعة تهريب التبغ المنسوبة للطاعن، لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ قد نصت على أنه "لا يجوز رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أية إجراءات في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلا بطلب مكتوب من وزير الخزانة أو من ينيبه". وكان الخطاب في هذه المادة – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - موجهاً من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية في الدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق، ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً من الشارع بتنفيذ قانون تهريب التبغ والمنوط بها من بعد، توجيه الطلب إلى النيابة العامة للبدء في إجراءات الدعوى الجنائية، وهي لا تبدأ إلا بما تتخذه هذه النيابة من أعمال التحقيق في سبيل تسييرها تعقباً لمرتكبي الجرائم باستجماع الأدلة عليهم، وملاحقتهم برفع الدعوى وطلب العقاب ولا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم. ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به جهات الاستدلال ولو في حالة الجريمة المتلبس بها، إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية بل هي من الإجراءات الأولية التي تسلس لها سابقة على تحريكها والتي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق وتحرياً للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على الوجه الصحيح دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لرفعها إذا لا يملك تلك الدعوى في الأصل غير النيابة العامة وحدها، لما كان ما تقدم، وكانت إجراءات الاستدلال التي قام بها رئيس مأمورية إنتاج أسيوط قد تمت استناداً إلى الحق المخول أصلاً لرجل الضبط القضائي وبدون ندب من سلطة التحقيق مما لا يرد عليه قيد الشارع في توقفها على الطلب ومن ثم لا جدوى مما يثيره من خلو طلب وكيل عام الجمارك باتخاذ إجراءات الضبط في حد ذاتها من بياناته ولا من عدم تثبت المحكمة من أمره، لما كان ذلك، وكان القانون الجنائي - فيما عدا الأحوال التي استلزم المشرع فيها طرقاً معينة في الإثبات - وليس من بينها حالة الدعوى المطروحة - قد فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر من حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع كل دليل وظروفه وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى إقرار الطاعن بزراعة المساحة التي تليت عليه حدودها والتي تبلغ 2 ف و6 ط و3 س وأطرح أقوال شاهدي النفي وما قدمه الطاعن من مستندات تخالف ذلك فلا تثريب عليها في هذا الشأن ما دام من سلطتها أن تأخذ من أي بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها، ولما كان من المقرر أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لدى المحكمة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك وكان الحكم قد عرض لما طلبه الدفاع من ندب خبير لمعاينة الأرض التي جرى فيها الضبط وأطرحته المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله، لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة تهريب التبغ يتحقق بتعمد ارتكاب الفعل المادي المكون لها وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعن من عدم توفر القصد الجنائي في حقه بدعوى أنه كان يعتقد أن تلك الزراعة لنبات الفلفل وأطرحت المحكمة هذا الدفاع بأدلة سائغة لها أصل صحيح من الأوراق ويكفي في الرد على ما أثاره الطاعن في هذا الصدد ويسوغ به استظهار القصد الجنائي لتلك الجريمة التي دين بها، لما كان ما تقدم، وكان يبين من صريح نص البند (أ) من الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ أنه إذ قضى بأن يكون التعويض هو "مائة وخمسين جنيهاً عن كل قيراط أو جزء منه مزروع أو مستنبت منه تبغ" قد جعل المناط المساحة المزروع أو المستنبت فيها التبغ ذاتها دون أي اعتبار للكمية المزروعة منه في تلك المساحة وإذ كان الحكم قد أثبت أن شجيرات التبغ كانت مزروعة في مساحة 2 ف و6 ط و3 س وقضى بالتعويض على أساس هذه المساحة بواقع مائة وخمسين جنيهاً عن كل قيراط أو جزء منه فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه بالقصور لعدم بيان عناصر التعويض الذي قضى به أو لعدم بيان قيمة ووزن شجيرات التبغ المضبوط حيث الشأن في غير حالة الدعوى الماثلة – كل هذا – يكون في غير محله ومن ثم فإن الطعن يكون برمته مستوجباً الرفض مما يتعين معه مصادرة الكفالة عملاً بحكم المادة 36 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.