أحكام النقض – المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1052

جلسة 15 أكتوبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: حسن الشربيني، ومحمود عطيفة، ومحمد عبد المجيد سلامة، وطه دنانة.

(235)
الطعن رقم 854 لسنة 42 القضائية

( أ ) مواد مخدرة. قصد جنائي. جريمة. "أركانها". إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر لا يتوافر بمجرد تحقق الحيازة المادية. يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه هو من الجواهر المخدرة. للقاضي استظهاره من ظروف الدعوي وملابساتها على أي نحو يراه ما دام يتضح من مدوناته توافره توافراً فعلياً. مثال في مواد مخدرة.
(ب) إثبات. "بوجه عام". قوة الأمر المقضي.
تقدير الدليل في دعوي لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى. علة ذلك ؟
قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقة دون الأدلة المقدمة في الدعوى.
انتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفتين موضوعاً وسبباً.
(ج) جلب. مواد مخدرة. جريمة. "أركانها". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن ما لا يقبل منها". حكم." تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المراد بجلب المخدر استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس. هذا المعني يلابس الفعل المادي إلا إذا كان الجوهر المخدر لا يفيض عن حاجته أو استعماله الشخصي. تقدير ذلك من سلطة محكمة الموضوع التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً ومستمداً من أوراق الدعوى . الجدل في ذلك موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. مثال.
(د) أسباب الإباحة وموانع العقاب. "الحالة المنصوص عليها في المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر أركان الجريمة". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفوع. "الدفع بالإعفاء من العقاب".
محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها. عدم تمسك الطاعن أمام المحكمة بحقه في الإعفاء إعمالاً للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 ليس له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض.
(هـ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
النعي بتعويل الحكم على أقوال شاهد مع افتقارها إلى دليل يدعمها جدل في تقدير الدليل تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.
1- لا يتوافر القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر لمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه هو من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانوناً ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوي وملابساتها على أي نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدوناته توافره توافراً فعلياً، وإذ كان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوي وملابساتها وبرر به اقتناعه بعلم الطاعن بأن أحجار البطاريات التي ضبطت معه كانت تحوى مخدراً كافياً في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق فإن ما يثيره الطاعن في شأن جهله بكنه المادة المخدرة ونعيه على الحكم بالفساد في الاستدلال يكون غير سديد، وما دامت المحكمة قد أقامت قضاءها – في هذا الشأن – على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض.
2- تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقة دون الأدلة المقدمة في الدعوى ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفتين موضوعاً وسبباً.
3- إذ عاقب المشرع في المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس، وهذا المعني يلابس الفعل المادي المكون للجريمة, إلا إذا كان الجوهر المخدر لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي وتقدير ذلك مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً ومستمداً من أوراق الدعوى. ولما كان الحكم قد أثبت أن الكمية المضبوطة تزن كيلو جراماً وستين جراماً وانتهى إلى أن المحكمة تعتقد في يقين جازم أن الطاعن أقبل إلى الديار المصرية جالباً معه المخدر بقصد طرحه للتداول ودلل على ذلك بأدلة مؤدية تكفي لحمل قضائه، فإن ما يثيره الطاعن في شأن القصد من الجلب والتدليل على ذلك بمقدار المضبوط من المخدر لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
4- محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها، فإذا هو لم يتمسك أمام المحكمة بسبب الإعفاء فلا يكون له أن ينعي على حكمها إغفاله التحدث عنه، وإذ كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه في الإعفاء من العقوبة إعمالاً للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل فليس له من بعد أن يثير هذا لأول مرة أمام النقض.
5- النعي على الحكم أنه عول على أقوال الشاهد مع افتقارها إلى دليل يدعمها ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3 يناير سنة 1971 بدائرة قسم المينا محافظة الإسكندرية: جلب إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة جوهراً مخدراً "حشيشاً" دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و3 و33/ 1 و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 الملحق به. فقرر ذلك في 20 فبراير سنة 1971، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً بتاريخ 11 مايو سنة 1971 عملاً بالمادتين 381/1 و304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 30 من قانون العقوبات ببراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 25 من أكتوبر سنة 1971 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الإسكندرية للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة نظرت الدعوى من جديد وقضت حضورياً بتاريخ 14 مارس سنة 1972 عملاً بالمواد 1 و2 و3 و33/1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه والمصادرة، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبني الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهر مخدر قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول على أقوال الرائد....... مع افتقادها إلى الدليل الذي يدعمها ويؤيد صحتها وذلك بأسباب غير مؤدية على توافر علم الطاعن بكنه المادة المضبوطة معه, كما أنه في قضائه بالإدانة قد ناقض حكماً آخر له حجيته هو الحكم الصادر ببراءة شخص آخر في قضية مماثلة هي قضية الجناية رقم 72 لسنة 1970 النزهة. هذا إلى أن الكمية المضبوطة من المخدر لا تكفي للدلالة على أن القصد من جلبها هو طرحها للتعامل ولم يعمل الحكم في حق الطاعن حكم الإعفاء المقرر بالمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل مع أن الثابت أنه أرشد عن اسم من سلمه المخدر في الخارج.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر التي دان الطاعن بها وأقام عليها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والمعاينة ومن تقرير المعمل الكيماوي بالطب الشرعي وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر لا يتوافر بمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه هو من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانوناً ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدوناته توافره توافراً فعلياً، وكان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وملابساتها وبرر به اقتناعه بعلم الطاعن بأن أحجار البطاريات التي ضبطت معه كانت تحوى مخدراً كافياً في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق، فإن ما يثيره الطاعن في شأن جهله بكنه المادة المخدرة ونعيه على الحكم بالفساد في الاستدلال يكون غير سديد وما دامت المحكمة قد أقامت قضاءها – في هذا الشأن – على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن القضاء في دعوى مماثلة بالبراءة مردوداً بأن تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقة دون الأدلة المقدمة في الدعوى ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفتين موضوعاً وسبباً. لما كان ذلك وكان المشرع إذا عاقب في المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل على جلب المواد المخدرة قد دل على أن المراد بجلب المخدر استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس، وهذا المعني يلابس الفعل المادي المكون للجريمة، إلا إذا كان الجوهر المخدر لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي وتقدير ذلك مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأي عن رقابة محكمة النقض متي كان استخلاصها سليماً ومستمداً من أوراق الدعوى. ولما كان الحكم قد أثبت أن الكمية المضبوطة تزن كيلو جراماً وستين جراماً وانتهي إلى أن المحكمة تعتقد في يقين جازم أن الطاعن أقبل إلى الديار المصرية جالباً معه المخدر بقصد طرحه للتداول، ودلل على ذلك بأدلة مؤدية تكفى لحمل قضائه فإن ما يثيره الطاعن في شأن القصد من الجلب والتدليل على ذلك بمقدار المضبوط من المخدر لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها فإذا هو لم يتمسك أمام المحكمة بسبب الإعفاء، فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عنه وكان الثابت أن الطاعن لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه في الإعفاء من العقوبة إعمالاً للمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل، فليس له من بعد أن يثير هذا لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان منعاه على الحكم أنه عول على أقوال الشاهد مع افتقارها إلى دليل يدعمها ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.