أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 786

جلسة 30 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى محمود الأسيوطي، و عادل محمد مرزوق، ومحمد وهبه، وأحمد طاهر خليل.

(173)
الطعن رقم 1244 لسنة 45 القضائية

(1 - 4) سرقة. "سرقة بإكراه". شروع. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "شهود". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) القصد الجنائي في جريمة السرقة. قوامه: علم الجاني وقت ارتكاب الفعل أنه يختلس منقولاً مملوكاً للغير من غير رضائه بنية تملكه. التحدث عنه استقلالاً. غير لازم. ما دامت مدونات الحكم تنبئ به.
استخلاص نية السرقة وإثبات الارتباط بينها وبين الإكراه. موضوعي. طالما كان سائغاً.
(2) عدم التزام المحكمة بإجراء تحقيق لم يطلب منها.
للمحكمة استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها.
(3) خطأ الحكم في الاسناد. لا يعيبه. طالما لم يتناول ما يؤثر في سلامته.
ثبوت أن المسروق ليس ملكاً للسارق. كفايته لمعاقبته على سرقته.
(4) لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشهود وتقديرها. المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. عدم قبولها.
1 – لما كان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكابه الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه، ولما كان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وأدلتها وما رد به على دفاع الطاعن يكشف عن توفر هذا القصد لديه، وكان التحدث عن نية السرقة استقلالاً في الحكم أمراً غير لازم ما دامت الواقعة الجنائية كما أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه. وكان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية الشروع في السرقة بإكراه بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون وكان استخلاص نية السرقة من الأفعال التي قارفها الطاعن على النحو السالف بيانه، وكذا إثبات الارتباط بين السرقة والإكراه هو من الموضوع الذي يستقل به قاضية بغير معقب ما دام قد استخلصهما مما ينتجهما، فإن ما يجادل فيه الطاعن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، فإن الحكم إذا انتهى إلى إدانة الطاعن بجناية الشروع في السرقة بالإكراه لا يكون قد خالف القانون بما ينحسر عنه دعوى الخطأ في تطبيقه.
2 – من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بإجراء تحقيق لم يطلب منها، لما كان ذلك، وكانت منازعة الطاعن في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل الفصل فيه بغير معقب طالما أنها تناولت دفاعه وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه كما هي الحال في الدعوى المطروحة.
3 – لما كان ما يثيره الطاعن في شأن عدم جواز استدلال الحكم المستمد من وصف المجني عليه لمحتويات الجوالين على ملكيته للمسروقات لإدلائه بأقواله بعد فضهما على عكس ما أثبته الحكم. مردوداً بأن خطأ الحكم في هذا الصدد على فرض حصوله لا يؤثر في سلامته ما دام الثابت بالحكم أن المضبوطات ليست مملوكة للطاعن حسبما تنبئ عنه مدوناته، ذلك بأنه من المقرر أنه يكفي للعقاب على جريمة السرقة ثبوت أن المسروق ليس ملكاً للمتهم.
4 – لما كان ما يثيره الطاعن من منازعة في القوة التدليلية لشهادة شاهدي الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها بما لا تناقض فيه مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض لما هو مقرر من سلطة محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتقديرها. والأصل أنه متى أخذت المحكمة بشهادة شاهدة، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 2 يونيه سنة 1971 بدائرة مركز مغاغة محافظة المنيا شرع في سرقة البضائع المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات لـ......... بطريق الإكراه على المجني عليه بأن طعنه بمطواة لشل مقاومته لإتمام جريمة السرقة وكان ذلك بالطريق العام وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه والجريمة متلبساً بها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر ذلك ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 و46 و315/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات بلا مصروفات جنائية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن (المحكوم عليه) بجناية الشروع في السرقة بالإكراه قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الواقعة كما اشتملت عليها التحقيقات لا تعدو أن تكون ضربا وتماسكا لقيام النزاع بين الطاعن والمجني عليه على ملكية جوالي البضاعة المدعي سرقتها بيد أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن بجناية الشروع بإكراه رغم انعدام نية السرقة، إذن أن الأمر في واقعه هو مجرد إدعاء كاذب من المجني عليه على ما تنبئ عنه الأوراق وظروف الواقعة وزمانها ومكانها مما كان يقتضي من المحكمة أن تجري تحقيقاً لاستجلاء حقيقة الأمر توصلاً لمعرفة الحقيقة، هذا إلى أن الحكم جاء قاصراً في بيان ركن القصد الجنائي وإقامة الدليل عليه كما جاءت مدوناته معماه لا يبين منها نوع الجريمة التي دان الطاعن بها وما إذا كانت جريمة سرقة تامة أم مجرد شروع فيها. هذا إلى أن المحكمة أعرضت عن دلالة الشواهد التي ساقها الطاعن لنفي قصد السرقة ولم ترد عليها، وأطرحت دفاعه بأنه المالك للجوالين بأسباب غير سائغة واعتمدت في ملكية المجني عليه لهما على الدليل المستمد من وصفه لمحتوياتهما قبل فضهما وعلى أقوال شاهدي الإثبات في حين أن الثابت أن الجوالين فتحاً بمعرفة الضابط أمام المجني عليه قبل أن يدلي هذا الأخير بأقواله مما يذهب بصلاحية الدليل المستمد من هذا الاستعراف، كما أن شهادة شاهدي الإثبات لا تنهض دليلاً صالحاً لأن يعول عليه، فأولهما أقحم في الدعوى للإدلاء بالأقوال التي لقنت إليه بدلالة تراخيه في أداء الشهادة إلى ما بعد ضبط الواقعة بأكثر من خمسة عشر ساعة وانصبت شهادة ثانيهما على نزاع حول ملكية لا يعرف حقيقتها. وأخيراً فإن الحكم رد على دفاع الطاعن بعدم قيام صلة بين الاعتداء والسرقة رداً غير سائغ.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد في بيانه لواقعة الدعوى "... أنه بتاريخ 2/ 6/ 1971 أثناء سير المجني عليه......... بشارع عبد العظيم ببلدة مغاغة يتبع عربة يد عليها جوالين بداخلهما بضاعته المبينة بالتحقيقات، تعرض المتهم........ – الطاعن – لقائد العربة المذكورة وقام بإلقاء الجوالين على الأرض بقصد الاستيلاء عليهما لنفسه مدعياً أنهما مملوكين له، ولما أن قاومه المجني عليه طعنه المتهم المذكور بمطواة كانت معه قاصداً من ذلك شل مقاومته والاستيلاء على الجوالين بما فيهما من بضاعة والفرار بها لولا أن أدركه المارة ومنعوا المتهم من إتمام جريمته، وقد ترك الإكراه بالمجني عليه جرحاً قطعياً بالجبهة". ثم ساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه في حق الطاعن على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه وشاهدي الإثبات - وهما معاون إشارات محطة مغاغة والحمال – والتقرير الطبي الموقع على المجني عليه، وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. ثم عرض لدفاع الطاعن والتصوير الذي قام عليه هذا الدفاع وأطرحه في قوله "ولا تعول المحكمة على إنكار المتهم ولا على ما ادعاه من أن جوالي البضاعة مملوكين له وتفسر ذلك برغبته في التخلص من المسئولية خصوصاً وقد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه وأدلة الإثبات المقدمة". ثم أضاف الحكم في موضع آخر منه "وحيث إن ادعاء المتهم بأن جوالي البضاعة مملوكين له فمردود بما ثبت بمحضر ضبط الواقعة لدى سؤال المجني عليه عن محتويات الجوالين قبل فضهما حيث قام بتحديد البضاعة الموجود بهما تفصيلاً وتبين مطابقة أقواله لما هو موجود بالجوالين، بينما سئل المتهم عنها في تحقيق النيابة فقرر أنه لا يعرف أعدادها ولا أوصافها" كما استطرد الحكم وهو في صدد الرد على دفاع الطاعن بأن الاعتداء لم يكن بقصد الهروب بالمسروقات ورد عليه بما يفنده وبما يفيد قيام الارتباط بينه وبين السرقة بقوله "وحيث إنه لما كان الثابت أن المتهم قد اعتدى بالمطواة على المجني عليه بعد أن قام فعلاً بإنزال الجوالين من على العربة فإن هذا الاعتداء تتوافر به جريمة الشروع في السرقة بإكراه، ذلك أنه لا يلزم في الاعتداء الذي تتوافر به الجريمة المذكورة أن يكون الاعتداء سابقاً أو مقارناً لفعل الاختلاس بل يكفي أن يكون كذلك ولو أعقب فعل الاختلاس متى كان قد تلاه مباشرة وكان الغرض منه النجاة بالشيء المختلس، وهو ما توفر في حق المتهم". ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أثبت على الطاعن بالوقائع التي بينها ارتكابه جناية الشروع في السرقة بالإكراه وبين واقعتها بما تتوافر به جميع عناصرها القانونية من نية معقودة لديه وأفعال مادية وقعت منه تؤدي إلى الجريمة مباشرة وسبب لا دخل لإرادته فيه حال بينه وبين إتمام قصده مما يبرئ الحكم من قالة الغموض والإبهام التي رماه الطاعن بها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكابه الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه، ولما كان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وأدلتها وما رد به على دفاع الطاعن يكشف عن توفر هذا القصد لديه، وكان التحدث عن نية السرقة استقلالاً في الحكم أمراً غير لازم ما دامت الواقعة الجنائية كما أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه. وكان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية الشروع في السرقة بإكراه بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون، وكان استخلاص نية السرقة من الأفعال التي قارفها الطاعن على النحو السالف بيانه، وكذا إثبات الارتباط بين السرقة والإكراه هو من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام قد استخلصهما مما ينتجهما حسبما تقدم، فإن ما يجادل فيه الطاعن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، فإن الحكم إذا انتهى إلى إدانة الطاعن بجناية الشروع في السرقة بالإكراه لا يكون قد خالف القانون بما ينحسر عنه دعوى الخطأ في تطبيقه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بإجراء تحقيق لم يطلب منها، وكانت منازعة الطاعن في الصورة التي اعتنقها المحكمة للواقعة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل الفصل فيه بغير معقب، طالما أنها تناولت دفاعه وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه كما هي الحال في الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن عدم جواز استدلال الحكم المستمد من وصف المجني عليه لمحتويات الجوالين على ملكيته للمسروقات لإدلائه بأقواله بعد فضهما على عكس ما أثبته الحكم، مردوداً بأن خطأ الحكم في هذا الصدد على فرض حصوله لا يؤثر في سلامته ما دام الثابت بالحكم أن المضبوطات ليست مملوكة للطاعن حسبما تنبئ عنه مدوناته على التفصيل المار ذكره، ذلك بأنه من المقرر أنه يكفي للعقاب على جريمة السرقة ثبوت أن المسروق ليس ملكاً للمتهم. لما كان ذلك، وكان يثيره الطاعن من منازعة في القوة التدليلية لشهادة شاهدي الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها بما لا تناقض فيه مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض. لما هو مقرر من سلطة محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتقديرها. والأصل أنه متى أخذت المحكمة بشهادة شاهد، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.