أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 800

جلسة 30 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد عادل مرزوق، ومحمد وهبة، وأحمد طاهر خليل.

(175)
الطعن رقم 1349 لسنة 45 القضائية

مواد مخدرة. إثبات. "قرائن". "بوجه عام". جريمة. "أركانها"، قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- كفاية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة.
- القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر. توافره. بتحقق الحيازة المادية مقرونة بالعلم بكنه المادة المخدرة. استخلاص هذا العلم. موضوعي. متى كان سائغاً.
- سوابق المتهم. عدم صلاحيتها بذاتها دليلاً على ثبوت الاتهام وإن دلت على ميله الإجرامي.
- عدم جواز النعي على المحكمة لاحتمال ترجح لديها. بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها. الجدل الموضوعي أمام محكمة النقض. غير جائز.
يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة لأن المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى وأحاط بأدلتها عن بصر وبصيرة – لما كان ذلك – وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانوناً، وكان الفصل في ثبوته أو تخلفه هو من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام يقيم قضاءه بذلك على ما يسوغه، وكانت المحكمة قد خلصت بعد تمحيصها للواقعة استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردتها إلى تخلف علم المطعون ضدها الأولى بأن في حقيبتها مخدراً لانتفاء علمها بوجود القاع السحري بالحقيبه وهو تدليل سائغ يستقيم به قضاء الحكم وله صداه في الأوراق على ما يبين من المفردات المضمومة، إذ أن رجال الجمرك لم يكتشفوا وجود القاع السحري المخبأ به المخدر المضبوط إلا بعد فتح الحقيبة ونزع قاعها وهو أمر لم يكن في وسع المطعون ضدها الأولى تبينه مع ما هو ثابت في التحقيق من استلامها الحقيبة بحالتها مغلقة دون فتحها، وكانت سوابق المتهم وإن كانت تدل على ميله الإجرامي إلا أنها لا تصلح بذاتها دليلاً على ثبوت الاتهام، وكان ما استخلصه الحكم من أن حضور المطعون ضده الثاني للمطار كان لاستلام البضاعة المشتراة لحسابه وليس لاستلام المخدر المجلوب هو أحد الاحتمالات التي يتسع لها تفسير مسلكه، وكان من المقرر أنه لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناءً على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها، لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله. لما كان ذلك، وكان سائر أوجه الطعن جدلاً موضوعياً صرفاً لا يثار لدى محكمة النقض، فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم 30 من أكتوبر سنة 1971 بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة. (أولاً) جلبا جوهراً مخدراً (أفيوناً) إلى جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. (ثانياً) المتهمة الأولى أيضاً شرعت في تهريب البضائع المبينة بالتحقيقات بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة، وذلك بأن حاولت إدخالها إلى جمهورية مصر العربية ودون أن تدفع الرسوم الجمركية المطلوبة ولم تتم الجريمة لضبطها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بالنسبة للمتهمة الأولى وغيابياً بالنسبة للمتهم الثاني ببراءة كل من المتهمين مما أسند إليهما ومصادرة المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن حاصل ما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهما من تهمة جلب المخدر إلى مصر قد شابه قصور وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه عول في قضائه على انتفاء علم المطعون ضدها الأولى بوجود المخدر في القاع السحري بالحقيبة التي كانت معها دون أن يتعرض لما شهد به رجال الجمارك من أنهم استرابوا في هذه الحقيبة لسمك قاعها أكثر من المألوف لوجود القاع السحري بها مما لا يخفي أمره على المطعون ضدها، ولأن ما كانت تحويه الحقيبة من ملابس بقصد الاتجار فيها لم يكن يتجاوز قيمته ثمانية جنيهات، وهو مبلغ لا يغطي نفقات الرحلة، فضلاً عما دلت عليه صحيفة حالتها الجنائية من وجود سابقة لها في مخدرات وكل هذا يقطع بعلمها بأنها كانت تحمل مخدراً وأنها أرسلت خصيصاً لهذا الغرض. كما عول الحكم في قضائه ببراءة المطعون ضده الثاني على عدم قيام الدليل على أنه قصد من إيفاد المطعون ضدها إلى بيروت جلب المخدر إلى مصر دون أن يعرض لقول المطعون ضدها الأولى وزميلتيها...... و...... بأنه أوفدهن إلى بيروت لإحضار ملابس للاتجار فيها – رغم ما اتضح من تفاهة قيمة الملابس على ما سلف بيانه – هذا فضلاً عن انتظاره لهن في المطار عند العودة ليتسلم منهن الحقائب بعد سداده الرسوم الجمركية ويغتنم ما بها من مخدر تربو قيمته على آلاف الجنيهات مما يقطع بأن المخدر وضع له في الحقيبة ليتسلمه. وإذ لم تتفطن المحكمة لكل هذه الأدلة، فإنها تكون قد قضت في الدعوى دون أن تحيط بها وتلم بأدلتها وظروفها عن بصر وبصيرة مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المطعون ضدها الأولى وصلت إلى ميناء القاهرة الجوي قادمة من بيوت وأن مأمور الجمرك اشتبه في إحدى حقيبتها لسمك قاعها وبنزعه اكتشف رجال الجمرك وجود قاع سحري عثروا تحته على ثمانية لفافات تحوي مادة يشتبه في أن تكون أفيوناً وهو ما تأكد من تحليلها وتزن 1015 جراماً، وأشار إلى أن المطعون ضدها الأولى نفت علمها بأن تلك الحقيبة كانت تحوي أفيوناً وسرد ما ذكرته من أن المطعون ضده الثاني وأخرى تدعى...... قد أوفداها هي وكل من...... و......... إلى بيروت لإحضار بضائع منها يسلمها لهن شخصان يدعيان....... و....... وذلك مقابل خمسة عشر جنيهاً لكل منهن وأنهن سافرن من الإسكندرية في يوم 25/ 10/ 1971 بحراً إلى بيروت حيث قابلهن هذين الشخصين ثم عدن منها جواً إلى القاهرة يوم 30/ 10/ 1971 أثر تسلمهن منهما الحقائب المحتوية على البضائع في مطار بيروت، وأن المطعون ضده الثاني كان في انتظارهن وقد أرشدن عنه وتم ضبطه، وانتهى الحكم إلى تبرئة المطعون ضدهما بقوله "وحيث إن التهمتين المسندتين إلى كل من المتهمين محل شك كبير، فعلم المتهمة الأولى بأن حقيبتها المشار إليها التي قدمت بها من بيروت إلى القاهرة تحوي مخدراً غير محقق لأن المخدر كان مخفياً تحت قاع سحري بتلك الحقيبة، ولم يتم كشفه إلا بعد نزع ذلك القاع ولأن كل من زميلتها....... و....... اللتين كانتا قادمتين معها من بيروت إلى القاهرة قد صادقتاهما فيما قالته أن المدعوين...... و...... قد سلماها الحقيبة المذكورة ضمن الحقائب المحتوية على البضائع التي سلماها إليهن في بيروت حال مغادرتهن لمطارها تنفيذاً للاتفاق الذي أبرمته مع المتهم الثاني، ....... لإيفادهن إلى بيروت لاستحضار بضائع منها مقابل خمسة عشر جنيهاً لكل منهن ولأن...... أيدتهن في إبرام هذا الاتفاق، ولا يدل على هذا العلم ما جاء بتحريات المباحث أنها من المسجلين في تجارة المخدرات وكذلك فإنه لا دليل على أن المتهم الثاني قد قصد من إيفاد المتهمة الأولى إلى بيروت جلب مخدرات منها إلى مصر فإن المتهمة الأولى وزميلتها،...... لم يقلن إلا أنه شارك في إيفادها إلى بيروت لاستحضار بضائع منها، كما أنه لم يسلمها الحقيبة المحتوية على المخدر في بيروت، بل لقد سلمها إليها المدعوان....... و....... ولا يستفاد من فعلهما هذا حتى وهما صديقان ولا من انتظاره قدوم المتهمة الأولى وزميلتها بمطار القاهرة وهو أمر طبيعي، إذ مرجعه إيفاده لهن لاستحضار بضائع من بيروت – لا يستفاد من هذين الأمرين مشاركته لهذين الشخصين في جلب المخدرات ما دام الاتفاق لم يتضمن ذلك أصلاً". لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة، لأن المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى وأحاط بأدلتها عن بصر وبصيرة. وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانوناً، وكان الفصل في ثبوته أو تخلفه هو من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام يقيم قضاءه بذلك على ما يسوغه، وكانت المحكمة قد خلصت بعد تمحيصها للواقعة استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردتها إلى تخلف علم المطعون ضدها الأولى بأن في حقيبتها مخدراً لانتفاء علمها بوجود القاع السحري بالحقيقة وهو تدليل سائغ يستقيم به قضاء الحكم وله صداه في الأوراق على ما يبين من المفردات المضمومة، إذ أن رجال الجمرك لم يكتشفوا وجود القاع السحري المخبأ به المخدر المضبوط إلا بعد فتح الحقيبة ونزع قاعها وهو أمر لم يكن في وسع المطعون ضده الأولى تبينه مع ما هو ثابت في التحقيق من استلامها الحقيبة بحالتها مغلقة دون فتحها، وكانت سوابق المتهم وإن كانت تدل على ميله الإجرامي، إلا أنها لا تصلح بذاتها دليلاً على ثبوت الاتهام، وكان ما استخلصه الحكم من أن حضور المطعون ضده الثاني للمطار كان لاستلام البضاعة المشتراة لحسابه وليس لاستلام المخدر المجلوب هو أحد الاحتمالات التي يتسع لها تفسير مسلكه، وكان من المقرر أنه لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناءً على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها، لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله. لما كان ذلك، وكان سائر أوجه الطعن جدلاً موضوعياً صرفاً لا يثار لدى محكمة النقض، فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض.