أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة السادسة - صـ 162

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ إبراهيم خليل المستشار, وحضور السادة الأساتذة: إسماعيل مجدي, ومحمود إسماعيل, وأنيس غالي, ومصط في كامل المستشارين.

(55)
القضية رقم 1065 سنة 24 القضائية

( أ ) تفتيش. التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي وفقاً للمادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية.ماهيته.
(ب) رشوة.أعمال الوظيفة.شمولها كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من رئيس مختص.
1 - إن التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي على من يقبض عليه في إحدى الحالات المبينة بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية هو إجراء صحيح من إجراءات جمع الاستدلالات التى تلزم للتحقيق وفقاً للمادة 46 من القانون المذكور التى ورد نصها بين نصوص الباب الثانى من الكتاب الأول الذى عنوانه" في الدعوى الجنائية وجمع الاستدلالات والتحقيق" والقول بأن التفتيش المشار إليه في هذه المادة قصد به التفتيش الوقائي, هو تأويل يقع دون صيغة التعميم التى ورد بها النص, وأحال فيها على الأحوال التى يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم.
2 - إن القانون لا يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قانون أو لائحة, وليس في القانون ما يمنع أن يدخل في أعمال الموظف العمومي كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من رئيس مختص.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قبلا على سبيل الرشوة من محمد سليم جابر المبلغ المبين بالمحضر ليمتنعا عن عمل من أعمال وظيفتهما هو تحرير محاضر مخالفات لسيارات شركة أبو الهول في حالة مخالفتها للوائح. وطلبت من غرفة الاتهام أن تحيلهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للمواد 103 و104 و108/ 1 - 3 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات بنى سويف قضت حضورياً بتاريخ 17 من فبراير سنة 1954 - عملاًً بالمواد 103 و104 و108/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من كامل أحمد عنتر ونجيب كامل حنا بالسجن لمدة ثلاث سنين وتغريم كل منهما مائة قرش. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض...الخ


المحكمة

... وحيث إن الوجه الأول المقدم من الطاعنين يتحصل في أن الحكم المطعون فيه يشوبه خطأ في تطبيق القانون, و في بيان ذلك يقولان إنهما دفعا ببطلان إجراءات التفتيش فلم تقبل المحكمة هذا الدفع واستندت في صحة التفتيش إلى المادتين 34 و46 من قانون الإجراءات الجنائية وما ذهبت إليه المحكمة مخالف لما سار عليه الفقه والقضاء من أن التفتيش الذى تنص عليه المادة 46 هو التفتيش الوقاثى الذي يكون الغرض منه حماية رجال الضبطية من اعتداء المقبوض عليه أو مقاومته وهو نوع خاص من التفتيش لا يعد من إجراءات التحقيق بل عمل من أعمال الوقاية يجوز حصوله في أي حالة من حالات القبض ومن أي فرد ولو لم يكن من مأموري الضبطية القضائية، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه علل صحة التفتيش بتعليل آخر بناه على أن المتهمين كانا في حالة تلبس اعتباري بالجريمة لأن الصراف ذهب على أثر تسليم مبلغ الرشوة لأحدهما إلى رجال الضبطية القضائية الذين كانوا على مقربة منه وأنهى إليهم ما وقع مع أن التلبس الاعتباري يقتضى وجود صلة بين الجاني والمجني عليه, وحقيقة الحال في واقعة الدعوى أن ما حدث هو تتبع للجريمة لا لمرتكبها أو هو مجرد التبليغ عن الجريمة بعد أن انقطعت الصلة المادية بين الجاني والمبلغ, وأضاف الطاعنان إلى ما تقدم أنهما دفعا في جميع مراحل الدعوى بأنهما ليسا مختصين بتحرير مخالفات في خطوط السير التى تمر بها سيارات شركة أبو الهول فرد الحكم على هذا الدفع بأن التنظيم الإداري لمناطق الاختصاص لا يسلب حقاً ولا يمنع سلطة الكونستابل المرور وهذا الرد غير سليم لأنه يجعل من سلطة الكونستابل أن يحرر المحاضر عن مخالفات تقع في غير دائرة المركز أو المديرية التى يعمل فيها, وهو أمر غير مقبول وقال الطاعن الأول في التقرير الثاني المقدم منه إن الذي ثبت من التحقيق أن سيارات شركة أبو الهول تعمل بمديرية بنى سويف في خط سير يبدأ من نقطة المرور الأولى"نقطة السحارة" وتسير في خطوط تابعة لمركز ببا في حين أن عمل الطاعن الأول مقصور على مركز بوش وليس له اختصاص في مركز ببا وعلى ذلك تكون جريمة الرشوة غير قائمة لتخلف أحد أركانها وقد قرر مدير عام المرور بمحضر الجلسة أن الاختصاص يوزع بين الكونستبلات بمعرفة مفتش المرور بالمديرية فإذا قام أحدهم بعمل خارج اختصاصه فإن هذا العمل يكون باطلاً كما قدم الدفاع عن الطاعن منشوراً صادراً من وزارة الداخلية يحرم على الكونستبلات تحرير محاضر مخالفات داخل نطاق البندر وهو غير تابع لإدارة المرور العامة بالقاهرة وعلى ذلك يكون ما ذهب إليه الحكم من أن مفتش المرور بالمديرية كلف المتهمين بأن يجعلا نقطة مرور بندر بنى سويف نقطة مواصلة لمراقبة الطريق ما بين نقطة مرور بني سويف ونقطة مرور دنديل لا يقوم على أساس سليم ويكون التكليف الذى أصدره مفتش المرور قد وقع باطلاً لأن تلك المسافة تدخل في اختصاص رجال مرور البندر وهم غير تابعين لإدارة المرور العامة بالقاهرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى التى دان بها الطاعنين ثم رد على الدفع ببطلان التفتيش بقوله"إن المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه في حالات عددها الشارع حصراً بهذا المادة ومنها الجنايات ومؤدى هذا أن القبض على المتهم جائز لمأمور الضبطية القضائية سواء كان متلبساً بها أو في غير حالة تلبس متى كان ثمة دلائل كافية على اتهامه وليس من ريب في أن تقدير هذه الدلائل هو من شأن مأمور الضبط القضائي ويكون خاضعاً في ذلك لرقابة محكمة الموضوع ... كما أنه ليس من ريب في أنه في الأحوال التى يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم, فإنه يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه على ما تنص عليه المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية وترى هذه المحكمة أن نص هذه المادة 46 في وروده على هذا النحو من إطلاقه لا يمكن قصره على حالة بعينها دون أخرى وإلا كان تخصيصاً بغير مخصص وعلى هذا فإن الثابت من استعراض الوقائع فيما سلفت الإشارة إليه أن اليوزباشى جمال أحمد حسين واليوزباشى أحمد فؤاد جبر كانا على رأس أفراد القوة المرابطة بفناء الجراج بسيارة الإسعاف, وأنه قد هرع إليهما يوسف إبراهيم درويش صراف شركة سيارات أبو الهول وأبلغهما أنه قدم رشوة لكونستابلين حضرا إليه من نافذة تطل على الشارع فعجل الضابطان بالخروج من مخبئهما فشاهدا المتهمين على مقربة من نافذة مكتب الشركة وعلى قيد خطوات منها بما لا يدع مجالاً للشك في وقوع جناية الرشوة إذ لايمكن لرجل الضبط القضائي أن يتصور أي احتمال لحضور المتهمين لمكتب صراف الشركة والاتصال به إلا اليقين بما أبلغهما به الصراف من وقوع حادث الرشوة, وترى المحكمة أن ما عرض للضابطين سالفي الذكر يكفي في الدلالة على اتهام المتهمين حين ذاك, ويبرر القبض عليهما وبالتالي تفتيشهما" ولما كان واضحاً من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استخلص في منطق سليم أن الدلائل التى ارتكن إليها رجال الضبطية القضائية في إجراء القبض على الطاعنين وتفتيشهما هى دلائل كافية وقضى بناء على ذلك برفض الدفع وصحة التفتيش, ولما كان التفتيش الذى يجريه مأمور الضبط القضائي على من يقبض عليه في إحدى الحالات المبينة بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية هو إجراء صحيح من إجراءات جمع الاستدلالات التى تلزم للتحقيق وفقاً للمادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية التى ورد نصها بين نصوص الباب الثانى من الكتاب الأول الذى عنوانه" في الدعوى الجنائية وجمع الاستدلالات والتحقيق". أما ما يذهب إليه الطاعن من أن التفتيش المشار إليه في هذه المادة قصد به التفتيش الوقائي, فهو تأويل يقع دون صيغة التعميم التى ورد بها النص, وأحال فيها على الأحوال التى يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم, لما كان ذلك, فإن قضاء الحكم المطعون فيه برفض الدفع هو قضاء صحيح في القانون, وإذا كان الحكم قد استطرد بعد ذلك إلى التحدث عن حالة التلبس,فإن هذا الاستطراد لا يؤثر على سلامة الأساس القانونى الذى أقيم عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد رد أيضاً على الدفع الذى دفع به الطاعنان من أنهما غير مختصين بتحرير محاضر المخالفات للسيارات التابعة لشركة أبى الهول بما قاله من أن مفتش مرور مديرية بنى سويف هو المنوط بتوزيع العمل بين الكونستبلات وأنه كلف المتهمين بأن يجعلا نقطة مرور بنى سويف نقطة مواصلة حتى يتسنى لهما مراقبة الطريق ما بين نقطة مرور بنى سويف ونقطة مرور دنديل, ويبين من هذا الذى قاله الحكم أن مفتش المرور بالمديرية هو الموظف المختص بتقسيم العمل بين رجال المرور, وأنه في حدود سلطته قد كلف المتهمين بمراقبة مسافة من الطريق فمد بذلك اختصاصهما إلى هذا الجزء, وهما بحكم عملهما خاضعان لأوامر وتعليمات رئيسهما مفتش المرور ومن واجبهما القيام بما يعهد به إليهما من أعمال الوظيفة والقانون لا يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قانون أو لائحة وليس في القانون ما يمنع أن يدخل في أعمال الموظف العمومي كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من رئيس مختص, لما كان ذلك, فان ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له أساس.
وحيث إن الوجه الأخير من طعن الطاعن الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه معيب بالقصور وبالإخلال بحق الطاعن في الدفاع فقد طلب استدعاء الصاغ محمود أمين حافظ مفتش مرور المديرية لمناقشته في تحديد اختصاص المتهمين وعلى الأخص بالنسبة إلى مسافة الكيلو متر التى تقع من داخل بندر بنى سويف إلى نقطة المرور الأولى بالمديرية, ومناقشته فيما ورد بالمنشور الصادر من وزارة الداخلية كما أبدى الدفاع ضرورة الإطلاع على دفاتر شركة سيارات أبى الهول لمعرفة مبلغ ما زعمه صاحب الشركة من زيادة المخالفات في الأشهر الأخيرة عما سبقها, فلم تجب المحكمة ما طلبه الدفاع ولم ترد عليه.
وحيث إنه بالرجوع إلى محضر الجلسة يبين أن وكيل الطاعن بعد أن أتمت المحكمة سماع شهادة الشاهد الأول, طلب حضور مفتش المرور لسماع أقواله بشأن تحديد اختصاص كل من الكونستابلين المتهمين ,ولما ترافع بعد ذلك عرض لشهادة الشاهد المذكور(مفتش مرور مديرية بنى سويف) وأبدى ملاحظاته بشأنها طبقاً لما رآه في مصلحة موكله, ولم يتمسك في مرافعته بما سبق أن أبداه للمحكمة من طلب سماع الشاهد. لما كان ذلك. وكان الدفاع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة فحص كشوف المخالفات, بل إنه اقتصر على القول بأنه" كان يجب أن يبحث كشوف المخالفات لمعرفة "إذا كانت هناك حقاً زيادة من عدمه" وليس في هذا القول شيء يستدل به على أن الطاعن يطلب الإطلاع على دفاتر الشركة أو تحقيق واقعة زيادة المخالفات , كما جاء بوجه الطعن, ولم تر المحكمة من جانبها داعياً لتحقيق هذه الواقعة. لما كان ذلك فإن ما يشكو منه الطاعن من الإخلال بحقه في الدفاع ومن القصور في التسبيب لا يكون مقبولاً.
وحيث إن الطاعن الثانى يعيب على الحكم المطعون فيه في الوجه الأول من طعنه , خطأه حين اعتبر قوله "مقدرش أقول أخذت أو ما أخذ تش " اعترافاً مع إجماع الشهود على أنه أنكر ما أسند إليه.
وحيث إن ما يقوله الطاعن في هذا الوجه غير صحيح , إذ الثابت من الحكم أن الطاعن أنكر ما أسند إليه , وأسس إدانته هو وزميله الطاعن الأول على الأدلة المستخلصة من شهادة الشهود والتى ثبت منها في يقين قاطع - كما قال الحكم - اقتراف المتهمين لما أسند إليهما.
وحيث إن سائر ما جاء بالوجه الأول وما تضمنه الوجه الثانى من الطعن بشأن الدفع ببطلان التفتيش والمنازعة في اختصاص الطاعنين بتحرير محاضر الجلسات فقد سبق الرد عليه.
وحيث إن الطاعن الثانى يبنى الوجه الأخير من طعنه على أن الواقعة التى أسندها الحكم إليه, لا يعاقب القانون عليها وذلك أن الحكم أثبت أن الطاعن الأول وحده هو الذى قبض مبلغ الرشوة وأودعها جيبه وغادر النافذة وسار في الطريق أما هو(الطاعن الثانى) فلم يجر بينه وبين زميله حديث ولا هو أخذ شيئاً ولا قام بعمل يدل على اشتراكه في الجريمة أما سيره مع الطاعن الأول فلا ينم بذاته على تداخله في الجريمة وليس بمستغرب وهو زميل للطاعن الأول أن يماشيه في الطريق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجناية الرشوة التى دان الطاعن وزميله بها وقال في هذا البيان" إن زكريا عوض طانيوس المحاسب بشركة سيارات أبى الهول التقى بكل من كامل أحمد عنتر ونجيب كامل حنا(الطاعن) بموقف سيارات بندر بنى سويف, وكان ذلك في يوم سابق بنحو أسبوعين على وقوع الحادثة في 5 يونيه سنة 1952و في أثناء تبادله وإياهما الحديث عرض لزيادة المخالفات في الأيام الأخيرة فقالا له (إن اتصلحتم انتم نتصلح إحنا والمخالفات تقل) فاتفق معهما على أن يتصل بصاحب الشركة الشيخ محمد سليم جابر الذى اتصل به فعلاً والذي تظاهر بالموافقة على نقدهما إتاوة". ولما كان الحكم قد أورد على ثبوت واقعة الرشوة في حق الطاعنين أدلة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها كما تحدث بعد سرد هذه الأدلة عن دور الطاعن الثانى في الجريمة بقوله"إن الثابت فيما سلفت الإشارة إليه أنه كان بصحبة المتهم الأول عند مقابلتهما لزكريا عوض طنيوس محاسب الشركة واتفاق الأول منهما على الإتاوة مقابل التجاوز عن تحرير محاضر مخالفات وكان هذا المتهم الثانى بصحبة المتهم الأول وقد وقفا معاً على نافذة المكتب وطلب الأول منهما على مرأى ومسمع منه - على ما شهد الشاهد يوسف إبراهيم درويش و زكريا عوض طنيوس - جنيهين صرح بأن أحدهما له والأخر لزميله الذى بجواره, وكان ذلك رداً على ما استفهم عنه الشاهد يوسف إبراهيم درويش إن كان يريد اقتضاء نصيبه وحده أو هو وزميليه معاً ثم فوق ذلك كله ما بدا من هذا المتهم الثانى عقب ضبطه من الرجاء بالصفح عنه وبأنه لا يمكن أن يقطع بإنكار أو اعتراف. ولما كان ما قاله الحكم من ذلك تتحقق به جريمة الرشوة كما هى معرفه به في القانون, فان الطعن برمته لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.