أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1201

جلسة 19 من نوفمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسن الشربيني، ومحمود عطيفه، ومحمد عبد المجيد سلامة، وطه دنانة.

(271)
الطعن رقم 669 لسنة 42 القضائية

(أ، ب، جـ) إثبات. "اعتراف". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) حرية محكمة الموضوع في تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه وليد إكراه. مثال لتسبيب سائغ في الرد على الدفاع بأن الاعتراف كان وليد إكراه.
(ب) لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وأن عدل عنه متى اطمأنت إلى صحته.
(ج) الطعن بعدم قيام النيابة العامة بإحالة المتهم المقال بأن الاعتراف المعزو إليه وليد إكراه إلى الكشف الطبي. غير سديد. علة ذلك؟ أنه تعييب لتحقيق النيابة بالنقض دون ما تمسك بطلب استكماله.
(د) إثبات: "اعتراف". حريق عمد. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حرية محكمة الموضوع في أخذها باعتراف المتهم دون أن تلتزم نصه وظاهره. لها أن تستنبط منه وعن غيره من العناصر الأخرى الحقيقة بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، لا يقبل مناقشة دليل بعينه على حدة لتساند الأدلة في المواد الجنائية. يكفي أن تكون في مجموعها مؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها ومنجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه.
مثال لتسبيب سائغ في التدليل على حريق عمد من اعتراف بالسرقة مع أدلة أخرى.
(هـ) حريق عمد. جريمة. "أركانها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات. "معاينة". دفاع الطاعن باعتبار الواقعة جنحة لأن مكان الحريق ليس مسكوناً أو معداً للسكني. التفات الحكم عن ذلك واعتباره محل الحريق معداً للسكني طبقاً للمادة 252/ 1 عقوبات لا يعيبه ما دام الثابت من المفردات المضمومة أن المعاينة أثبتت أن مكان الحريق حجرة مسقوفة من منزل.
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعن الأول من أن الاعتراف المعزو إليه كان وليد إكراه ورد عليه في قوله "إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم الأول - الطاعن الأول - بالجلسة لأنه من قبيل درء المسئولية عن نفسه قراراً من الاتهام وتري أن الاعتراف الصادر منه خالص من كل شائبة وأنه صدر عن طواعية واختيار وقد ساقه - أي هذا الدفاع - قولاً مرسلاً عارياً من دليل، وقد أثبت وكيل النيابة المحقق أنه لم يلحظ به إصابات وقت مناظرته في بدء التحقيق". وما أورده الحكم من ذلك سائغ في القانون ذلك لأن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها.
2 - إذا كانت المحكمة قد اطمأنت إلى اعتراف الطاعن الأول فإن لها أن تأخذ الطاعن الثاني به لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه يعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
3 - لما كان ما يثيره الطاعنان في تقرير الطعن من عدم قيام النيابة العامة بإحالة الطاعن الأول - والمقال أن الاعتراف المعزو إليه كان وليد إكراه - على الكشف الطبي لا يعدو أن يكون تعيبباً لتحقيق النيابة بما ارتأياه فيه من نقص دون أن يتمسكا بطلب استكماله ومن ثم فإن الوجه من الطعن يكون غير سديد.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن الأول بجريمة الحريق العمد على تناقض أقواله عن سبب الحريق وعلى اعترافه بارتكاب جريمة سرقة أجولة الفول السوداني التي أودعها المجني عليه لديه في منزله وعلى ما نقله من تقرير المعمل الكيميائي من أنه تبين من معاينة مكان الحادث أن الحريق ابتدأ في جملة مواضع بالحجرة في وقت واحد، كما عثر تحت الأنقاض على علبة جاز من الصفيح وجد بها آثار تعرض للحرارة وانصهار لبعض أجزائها وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها من ارتكاب الطاعن الأول لجريمة الحريق العمد إخفاء لجريمة السرقة التي اعترف بارتكابها، لما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى سالفة الذكر الحقيقة كما كشف عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الأول الاكتفاء بمناقشة دليل بعينه على حده دون باقي الأدلة لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما أنتهي إليه - وهو ما لم تخطئ المحكمة في تقديره - ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها وتكون منازعة الطاعن في هذا الخصوص في غير محلها.
5 - لما كان منعي الطاعن أن المدافع عنه أثار في مرافعته أن المكان الذي شب فيه الحريق ليس مسكوناً أو معد للسكني الأمر الذي كان يتعين معه اعتبار الواقعة جنحة وكان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن المعاينة لتي أجريت بمحل الحادث أثبتت أن الحريق شب في المنزل رقم.... وفى حجرة مسقوفة فإن الحكم إذ انتهي إلى اعتبار محل الحريق معداً للسكني وأنزل على الواقعة حكم الفقرة الأولي من المادة 252 من قانون العقوبات بكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا ومن ثم فلا يعيبه التفاته عما أثاره الطاعن من أن الواقعة جنحة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 878 سنة 1969 المقيدة بالجدول الكلي برقم 284 سنة 1969 بأنهما في 15/ 2/ 1969 بدائرة قسم أول طنطا محافظة الغربية، الأول: وضع النار عمداً في الغرفة المملوكة له والملحقة بمكان معد للسكن بأن أشعل النار في محتوياتها. الأول والثاني: سرقا أجولة الفول المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لـ........... بواسطة الكسر. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً لمواد الإحالة. فصدر قراره بذلك بتاريخ 28/ 12/ 1969. وادعي...... مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 840 جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً بتاريخ 28/ 3/ 1973 عملاً بالمواد 252/ 1 و317/ 2 - 4 - 5 و32/ 1 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات عن التهمتين المسندتين إليه وقدرت مبلغ عشرة جنيهات أتعاباً للمحامي المنتدب. (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس لمدة ستة شهور عن التهمة المسندة إليه. (ثالثاً) بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ ثمانمائة وأربعين جنيهاً والمصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبني الطعن هو أن الحكم المطعون فيه - إذ دان الطاعن الأول بجريمتي الحريق العمد والسرقة والثاني بجريمة السرقة –-قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وانطوي على خطأ في الإسناد والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول في قضائه بالإدانة على اعتراف الطاعن الأول على الرغم من أن المدافع عنه تمسك بأن هذا الاعتراف كان وليد إكراه وعدل عنه في التحقيقات واطرح الحكم هذا الدفاع تأسيساً على أن وكيل النيابة الذي قام بتحقيق الواقعة أثبت خلو الطاعن الأول من أية آثار لإصابات ظاهرة , وهو ما لا يصلح رداً عليه إذ كان يتعين على المحقق أن يستعين في ذلك بأهل الخبرة, هذا فضلاً عن أن هذا الاعتراف - إن صح - كان قاصراً على جريمة السرقة دون جريمة الحريق، يضاف إلى ما تقدم أن المدافع عن الطاعن الأول أثار في مرافعته أن المكان الذي شب فيه الحريق ليس مسكوناً أو معداً للسكني الأمر الذي كان يتعين معه اعتبار الواقعة جنحة، وهذا كله مما يعيب الحكم ويوجب نقضه. وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عرض لما أثاره الطاعن الأول من أن الاعتراف المعزو إليه كان وليد إكراه ورد عليه في قوله "إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم الأول - الطاعن الأول - بالجلسة لأنه من قبيل درء المسئولية عن نفسه فراراً من الاتهام وتري أن الاعتراف الصادر منه خالص من كل شائبة, وأنه صدر عن طواعية واختيار وقد ساقه - أي هذا الدفاع - قولاً مرسلاً عارياً من دليل، وقد أثبت وكيل النيابة المحقق أنه لم يلحظ به إصابات وقت مناظرته في بدء التحقيق" وما أورده الحكم من ذلك سائغ في القانون ذلك لأن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات, ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها. لما كان ذلك, و كانت المحكمة قد اطمأنت إلى اعتراف الطاعن الأول, فإن لها أن تأخذ الطاعن الثاني به, لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه يعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعنان في تقرير الطعن من عدم قيام النيابة العامة بإحالة الطاعن الأول على الكشف الطبي لا يعدو أن يكون تعيباً لتحقيق النيابة بما ارتأياه فيه من نقص دون أن يتمسكا بطلب استكماله, ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان البين من مطالعة مدونات الحكم المطعون فيه أن الحكم إنما عول على الاعتراف بصدد جريمة السرقة فقط دون أن يتساند إليه كدليل مباشر في قضائه بإدانة الطاعن الأول بجريمة إحداث الحريق ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قاله الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن الأول بجريمة الحريق العمد على تناقض أقواله عن سبب الحريق وعلى اعترافه بارتكاب جريمة سرقة أجولة الفول السوداني التي أودعها المجني عليه لديه في منزله وعلى ما نقله من تقرير المعمل الكيميائي من أنه تبين من معاينة مكان الحادث أن الحريق ابتدأ في جملة مواضع بالحجرة في وقت واحد، كما عثر تحت الأنقاض على علة جاز من الصفيح وجد بها آثار تعرض للحرارة وانصهار لبعض أجزائها, وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها من ارتكاب الطاعن الأول لجريمة الحريق العمد إخفاء لجريمة السرقة التي اعترف بارتكابها لما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى سالفة الذكر الحقيقة كما كشف عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق, ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الأول الاكتفاء بمناقشة دليل بعينه على حده دون باقي الأدلة لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما أنتهي إليه وهو ما لم تخطئ المحكمة في تقديره - ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها, وتكون منازعة الطاعن في هذا الخصوص في غير محلها. لما كان ذلك, وكان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن, أن المعاينة التي أجريت بمحل الحادث أثبتت أن الحريق شب في المنزل رقم.... المملوك للطاعن الأول, وفى حجرة مسقوفة, فإن الحكم إذ انتهي إلى اعتبار محل الحريق معداً للسكني وانزل على الواقعة حكم الفقرة الأولى من المادة 252 من قانون العقوبات, بكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً, ومن ثم فلا يعيبه التفافته عما أثاره الطاعن الأول من أن الواقعة جنحة. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.