أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20 – صـ 25

جلسة 6 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري, وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل, ومحمود عطيفه, والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(6)
الطعن رقم 1913 لسنة 38 القضائية

(أ, ب, ج) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة. "إطاعة المرءوس لأمر رئيسه". موانع العقاب. "حالة الضرورة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". موظف عام. اختلاس أموال أميرية.
( أ ) عدم امتداد طاعة الرئيس لمرءوسه إلى ارتكاب الجرائم. الدفع القانوني الظاهر البطلان. لا يستأهل رداً.
(ب) حالة الضرورة التي تسقط المسئولية. مناطها؟
(ج) القول بارتكاب الجرم انصياعاً لرغبة الرؤساء. غير جائز. وجوب مساءلة المرءوس.
(د) دفوع. "الدفع بحالة الضرورة". نقض. "أوجه الطعن. ما لا يقبل منها".
إثارة الدفع بحالة الضرورة أمام النقض لأول مرة. غير مقبول.
1 – من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على مرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان مما لا يستأهل من المحكمة رداً.
2 – الأصل أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله, فليس للمرء أن يرتكب أمراً محرماً ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما ارتكبه.
3– لا يسوغ من المتهم القول باضطراره إلى ارتكاب الجرم انصياعاً لرغبة رؤسائه في العمل حتى يتستروا على ما ارتكبه ما دام أن أفعال الاختلاس والتزوير والاستعمال التي أتاها من قبل عمداً واتجهت إليها إرادته واستمر موغلاً في ارتكابها وانتهت المحكمة إلى إدانته بها – هي أعمال غير مشروعة ونية الإجرام فيها واضحة مما لا يشفع للمتهم ما يدعيه من عدم مسئوليته.
4 – متى كان لا يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المتهم أثار أنه كان في حالة ضرورة ألجأته إلى ارتكاب ما نسب إليه من جرائم, فإنه لا تقبل منه إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه منذ عام 1957 حتى 17 أبريل سنة 1967 بدائرة مركز شبين القناطر محافظة القليوبية أولاً: بصفته موظفاً عمومياً "وكيل مكتب بريد شبين القناطر" اختلس المبالغ المبينة بالتحقيقات وقدرها 43083 ج و177 م ثلاثة وأربعون ألفاً وثلاثة وثمانون جنيهاً ومائة وسبعة وسبعون مليماً لهيئة صندوق توفير البريد والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع. ثانياً: بصفته سابقة البيان ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أوراق رسمية دفتري (1 و2) إيصالات الإيداع 4 و5 وكشوف الإيداع 6 ر, وإيصالات السحب 5 ر وكشوف المسحوبات اليومية 3 ر, إيصالات استلام دفاتر التوفير للمراجعة وإيصالات 7ر, والمبينة بالتحقيقات حال تحريرها المختص بوظيفته وكان ذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أثبت فيها على خلاف الحقيقة إيداع سليمان حنين خليل وآخرين لمبالغ تقل عن تلك التي أودعها فعلاً وسحب صلاح أحمد محمد وآخرين مبالغ تزيد عن تلك التي سحبوها فعلاً وذلك لسد اختلاس الفرق سالف البيان (ثالثاً) استعمل الأوراق المزورة سالفة البيان بأن قدمها لذوي الشأن بهيئة صندوق توفير البريد لمراجعتها مع علمه بتزويرها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيود والوصف الواردين بتقرير الاتهام فصدر قراره بذلك. وادعى مدنياً كل من السيدة أليس كامل فانوس والأستاذ شفيق زكي بصفته ولياً طبيعياً على ابنته القاصر فكيهه شفيق بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. كما ادعت مدنياً فتحية عبد السلام الفقي عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات بنها قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 111/ 1 و112/ 1, 2 و118 و119 و214 و32 من قانون العقوبات. (أولاً) بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة وبتغريمه مبلغ 43083 ج و 170 م وبعزله من وظيفته وإلزامه برد مبلغ ثلاثة وأربعين ألفاً وثلاثة وثمانين جنيهاً ومائة وسبعين مليماً إلى هيئة صندوق توفير البريد. (ثانياً) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعاوى المدنية المرفوعة من كل من السيدة إليس كامل فانوس والأستاذ شفيق زكي بصفته ولياً طبيعياً على القصر فكيهه شفيق زكي وفتحية عبد السلام الفقي عن نفسها وبصفتها وصية على القصر عادل وحسين ويحيى ومحمود أولاد المرحوم محمد سعيد الفقي وصابحة صالح يونس وعطيات محمد إبراهيم الصفتي ووطنية محمد إبراهيم الصفتي ومحمد بهيم اليماني ومحمد التهامي سالم وإلزام كل من المدعين المذكورين مصروفات الدعوى المدنية الخاصة به. (ثالثاً) بإثبات ترك المدعين المذكورين للدعاوى المدنية المرفوعة على وزيري الاقتصاد والمواصلات بصفتهما وإلزام كل منهما مصروفاتها. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم اختلاس أموال مسلمة إليه بسبب وظيفته بصفته من الأمناء على الودائع والتزوير في محررات رسمية واستعمالها قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب, ذلك بأنه استند في الإدانة على اعتراف للطاعن بارتكاب هذه الجرائم أدلى به في التحقيقات مع أنه عزا ارتكابه لها إلى حالة الإكراه المنصوص عليها في المادة 61 من قانون العقوبات لإضراره إلى الاندفاع في الجرم بتشجيع من رؤسائه الذين انتهزوا فرصة وقوعه في خطأ عامي 1957, 1960 لابتزاز المال منه مقابل عدم التبليغ عنه وكان يتعين على الحكم وقد أشار إلى ذلك في مدوناته أن يمحص هذا الدفاع ويرد عليه بما يفنده وأن يبين أيضاً الوقائع المنسوبة لرئيسي الطاعن وهما....... و....... المفتشين بهيئة البريد بغتة إياها بالشبهات حتى تستبين محكمة النقض ما إذا كانت هذه الوقائع تشكل إكراهاً مانعاً من العقاب من عدمه أما وهو لم يفعل فإنه يكون معيباً متعيناً نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ودلل على ثبوتها في حقه بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ومن بينها اعتراف (للطاعن) أدلى به في التحقيقات حصل مؤداه في قوله. "وقد اعترف المتهم (الطاعن) تفصيلاً في تحقيقات النيابة أكثر من مرة باختلاسه المبالغ التي أسفر عنها تقرير لجان الفحص سابقة البيان إذ كانت النيابة تواجهه بما توصلت إليه بين حين وآخر كما اعترف بتزوير إيصالات الإيداع ودفاتر القيد بالمكتب وإيصالات السحب وتزوير توقيع أصحاب الشأن لمداراة الاختلاس وقد عزا ذلك كله إلى أنه قد وقع في بعض الأخطاء منذ سنة 1957 وقد كشف عن بعضها أحد مفتشي هيئة صندوق البريد ويدعى... فاضطر إلى تقديم رشوة له لكي يتستر عليه ثم حدث بعد ذلك عام 1960 أن طلب أحد المودعين سحب عشرة جنيهات من دفتر توفيره الذي كان قد عبث به تزويراً وذلك أثناء وجود مفتش المنطقة المدعو... والمفتش الآخر المدعو... وأنه ارتبك حينئذ واضطر إلى الإفصاح سر لأولهما عن أن دفتر العميل ليس له رصيد وأنه اختلسه فانتهز هذا الأخير الفرصة وطمأنه وطلب إليه أن يدفع للعميل عشرة جنيهات من جيبه وكان هذا الحادث بداية لابتزاز هذين المفتشين لأمواله ومطالبته بعد ذلك بكثير من المبالغ فكان يختلسها من أموال التوفير خوفاً من إفشائهما لجرمه وضماناً لسكوتهما عن أفعاله." وأضاف الحكم إلى ذلك قوله: "وقد اعترف المتهم بذلك كله وعلله باضطراره للاندفاع في الجرم بعد أن كان جرمه بسيطاً في البداية بتشجيع من مفتش هيئة صندوق البريد ورؤسائه في العمل الذين حلا لهم أن يشاركوه الغنم الحرام حتى أنه لم يصل إلى يده منه إلا القليل حسب زعمه". ثم استبعد الحكم ما ذكره الطاعن من وقائع تتصل بمشاركة مفتشي الهيئة له في جرائمه وعلمهما بها بما أورده في قوله: "فقد تناول التحقيق ما نسب إليهما ولم يسفر عن شيء ينسب إليهما وإن كان ما نسبه المتهم إليهما قد يرقى إلى حد الشبهات والقرائن التي لا مجال في تقديرها في الدعوى المماثلة" لما كان ذلك, وكان لا يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أثار أنه كان في حالة ضرورة ألجأته إلى ارتكاب ما نسب إليه من جرائم فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. ومع ذلك فإن الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله فليس للمرء أن يرتكب أمراً محرماً ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما ارتكبه. ولما كان اعتراف الطاعن الذي حصل الحكم مؤداه والذي لا ينازع الطاعن في صحته – لا يوفر في صحيح القانون حالة الضرورة التي تدرأ عنه مسئوليته الجنائية عما اقترفه من أفعال ولا تتوافر به شروط انعقادها, وكان لا يسوغ من الطاعن القول باضطراره إلى ارتكاب الجرم انصياعاً لرغبة رؤسائه في العمل حتى يتستروا على ما ارتكبه ما دام أن أفعال الاختلاس والتزوير والاستعمال التي أتاها من قبل عمداً واتجهت إليها إرادته واستمر موغلاً في ارتكابها وانتهت المحكمة إلى إدانته بها – هي أعمال غير مشروعة ونية الإجرام فيها واضحة مما لا يشفع للطاعن ما يدعيه من عدم مسئوليته. هذا فضلا عن أنه من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على مرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان مما لا يستأهل من المحكمة رداً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.