أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 38

جلسة 6 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(9)
الطعن رقم 2030 لسنة 38 القضائية

( أ ) طعن. "أثر الطعن". استئناف. عقوبة. تعويض. محاماة. "أتعاب محاماة".
اقتصار قاعدة عدم جواز إضارة الطاعن بطعنه على العقوبة والتعويض. خروج أتعاب المحاماة عنها.
(ب، ج) إثبات. "إثبات بوجه عام". تزوير. "تزوير الأوراق العرفية". خيانة الأمانة في الأوراق الممضاه على بياض.
(ب) تزوير المتهم في الأوراق الممضاة على بياض المسلمة إليه. إثباته بطرق الإثبات كافة.
(ج) عدم تقيد المحكمة الجنائية بقواعد الإثبات المدنية إلا عند الفصل في مسألة مدنية تعد عنصراً من عناصر الجريمة المطروحة.
مطالبة صاحب الإمضاء على بياض أن يثبت كتابة ما يخالف المدون بالبياض. غير صحيحة في القانون.
(د) إثبات. "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير المانع الأدبي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير المانع الأدبي الذي يجيز الإثبات بالبينة. موضوعي.
(هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". جريمة. دعوى جنائية. دعوى مدنية. قوة الأمر المقضي. حكم. "حجيته".
ليس للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها. أساس ذلك؟
(و، ز، ح، ط، ي) إجراءات المحاكمة. محكمة أول درجة. محكمة ثاني درجة. إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(و) حق المحكمة في الاستغناء عن سماع الشهود. مشروط بقبول المتهم أو المدافع عنه.
(ز) وجوب تلاوة أقوال الشهود الغائبين إذا طلب المتهم أو المدافع عنه ذلك.
(ح) عدم إجراء محكمة ثاني درجة تحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه أو لاستكمال نقص في إجراءات محكمة أول درجة.
(ط) حجز المحكمة القضية للحكم. عدم التزامها بإعادة الدعوى للمرافعة لإجراء تحقيق فيها.
(ي) شرط التعويل على أقوال الشهود التي وردت في التحقيقات؟
(ك) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(ل) حكم. "نطاقه". "حجيته".
العبرة في الكشف عن حقيقة ما قضي به الحكم. هي بحقيقة الواقع.
1 - قاعدة عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه لا تتعدى العقوبة المحكوم بها عليه أو التعويض المقضي بإلزامه به، بحيث لا يجوز الحكم بعقوبة أشد من العقوبة التي قضى بها الحكم السابق، كما لا يجوز للمحكمة أن تتجاوز في تقدير التعويض الناشئ عن الجريمة بالمبلغ الذي كان قد قدر في الحكم المنقوض، أما أتعاب المحاماة فإن تقديرها يرجع إلى ما تبينته المحكمة من الجهد الذي بذله المحامي في الدعوى وما تكبده المحكوم عليه من أتعاب لمحاميه، والأمر في هذا التقدير لمحكمة الموضوع دون غيرها، ومن ثم فلا تثريب عليها في تقديرها أتعاباً للمحاماة تزيد عن تلك السابق تقديرها بالحكم السابق نقضه.
2 - تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تقتضي من صاحب الإمضاء إلا إعطاء إمضائه المكتوب على تلك الورقة إلى شخص يختاره، وهذه الواقعة المادية منقطعة الصلة بالاتفاق الصحيح المعقود بين المسلم وأمينه على ما يكتب بعد في تلك الورقة بحيث ينصرف إليه الإمضاء وهذا الاتفاق هو الذي يجوز أن يخضع لقواعد الإثبات المدنية كشفاً عن حقيقته، أما ما يكتب زوراً فوق الإمضاء فهو عمل محرم يسأل مرتكبه جنائياً متى ثبت للمحكمة أنه قارفه.
3 - لا تتقيد المحكمة وهي تفصل في الدعوى الجنائية بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤها في الدعوى يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية هي عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للفصل فيها، فإذا كانت المحكمة ليست في مقام إثبات عقد مدني بين المتهم وصاحب الإمضاء - كما هو الشأن في الدعوى المطروحة - وإنما هي تواجه واقعة مادية هي مجرد تسليم الورقة واتصال المتهم بها عن طريق تغيير الحقيقة فيها افتئاتاً على ما اجتمع اتفاقهما عليه، فلا يقبل من المتهم أن يطالب صاحب الإمضاء بأن يثبت بالكتابة ما يخالف ما دونه هو زوراً قولا منه بأن المستند المدعى بتزويره تزيد قيمته على عشرة جنيهات، إذ أن مثل هذا الطلب وما يتصل به من دفاع لا يكون مقبولاً إذ لازمه أن يترك الأمر في الإثبات لمشيئة مرتكب التزوير وهو لا يقصد إلا نفي التهمة عن نفسه الأمر الممتنع قانوناً لما فيه من خروج بقواعد الإثبات عن وضعها.
4 - المادة 403 من القانون المدني تجيز الإثبات بالبينة في حالة وجود مانع أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي، وقيام هذا المانع أو عدم قيامه يدخل في نطاق الوقائع، فتقديره متروك لقاضي الموضوع تبعاً لوقائع كل دعوى وملابساتها، ومتى أقام قضاءه بذلك - كما هو الحال في الدعوى - على أسباب مؤدية إليه، فلا تجوز المناقشة في ذلك أمام محكمة النقض.
5- من المقرر وفقا للمادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك أن الأصل أن المحكمة الجنائية مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهي في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها لا يمكن أن تتقيد بأي حكم صادر من جهة أخرى مهما كانت، وذلك ليس فقط على أساس أن مثل هذا الحكم لا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للدعوى الجنائية لانعدام الوحدة في الخصوم أو السبب أو الموضوع، بل لأن وظيفة المحاكم الجنائية والسلطة الواسعة التي خولها القانون إياها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل اكتشاف الواقعة على حقيقتها كي لا يعاقب برئ أو يفلت مجرم، ذلك يقتضي ألا تكون مقيدة في أداء وظيفتها بأي قيد لم يرد به نص في القانون.
6 - للمحكمة وفقاً لنص المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، وإذ كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب أي منهما أمام محكمة أول درجة سماع الشهود، فإنه يعد نازلاً عن سماعهم.
7 - تلاوة أقوال الشهود الغائبين هي من الإجازات، فلا تكون واجبة إلا إذا طلب المتهم أو المدافع عنه ذلك.
8 - إن محكمة ثاني درجة إنما تحكم بحسب الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى هي لزوما لإجرائه أو لاستكمال نقص في إجراءات المحاكمة أمام محكمة أول درجة.
9 - المحكمة غير ملزمة بعد حجز القضية للحكم بإعادتها إلى المرافعة لإجراء تحقيق فيها بناء على طلب مقدم إليها في فترة حجزها للحكم.
10 - لا جناح على المحكمة إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة.
11 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولهم من الشبهات كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
12- إذا كان ما ورد بالنسخة الأصلية للحكم المطعون فيه من منطوق مغاير لذلك الثابت بمحضر الجلسة بإغفال النص على بطلان الحكم المستأنف وكان لم يوقع عليه في الميعاد القانوني وقضت محكمة النقض بنقض الحكم الاستئنافي لأنه تبنى منطوق ذلك الحكم الباطل مؤيداً له في شقه المتعلق بالدعوى المدنية ومعدلاً له في شقه الآخر المتعلق بالدعوى الجنائية مما اعتبر تسليماً من الطاعن بوجود الحكم الباطل صحيحاً في منطوقه مردوداً إلى أسبابه، فإنه لا يعدو أن يكون من قبيل الخطأ المادي الذي وقع فيه أمين سر الجلسة سهواً وهو بمعرض نقل ذلك المنطوق من رول المحكمة بعد أن التبس عليه الأمر بين منطوق الحكم المنقوض ومنطوق الحكم المطعون فيه، ولما كانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع، وكان لازم ذلك هو الاعتداد بما تبين يقيناً من محضر الجلسة ورول القاضي من أن منطوق الحكم قد جرى في الدعوى الجنائية بالنص على 1 - بطلان الحكم المستأنف. 2 - بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم إصدار الحكم. وفي الدعوى المدنية بتأييد الحكم المستأنف، وكان ذلك قد تأكد بما ورد بأسباب الحكم التي تكمل منطوقه في هذا الشأن، وكان الطاعن لا يدعي في طعنه أن هذا الاختلاف يغاير حقيقة ما حكمت به المحكمة، فإن هذا الخطأ في النقل لا يؤثر في سلامة الحكم ولا يعيبه ولا يقدح في صحته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال الفترة من سبتمبر سنة 1960 حتى 11 أبريل سنة 1962 بدائرة مركز الشهداء محافظة المنوفية. أؤتمن على نموذج لعقد إيجار أطيان زراعية موقع عليه على بياض من كل من علي محمود مرعي وشقيقه محمد محمود مرعي فخان الأمانة وملأ بياناته مما ترتب عليه حصول ضرر على المذكورين بأن أثبت على خلاف الحقيقة استئجارهما لقطعة أرض زراعية لمدة ثلاث سنوات تبدأ من سنة 1956 حتى سنة 1959 بالأجرة التي حددها ثم طالبهما قضائياً بهذا المبلغ. وطلبت معاقبته بالمادة 340 من قانون العقوبات. وادعى علي محمود مرعي مدنياً بقرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة جنح الشهداء الجزئية نظرت الدعوى وأمامها دفع الحاضر مع المتهم بعدم جواز الإثبات بالبينة كما دفع بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها بأمر أداء ثم قضت حضورياً بمادة الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وتغريمه خمسين جنيهاً وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع إلى المدعي المدني قرشاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - سمعت الاستئناف وأمامها دفع الحاضر مع المتهم بما سبق أن دفع به أمام محكمة أول درجة كما دفع ببطلان الحكم المستأنف لعدم ختمه في الميعاد القانوني ثم قضت حضورياً بقبوله شكلاً وفي الموضوع بالنسبة إلى الدعوى الجنائية بتعديل الحكم المستأنف بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ هذا الحكم وبالنسبة إلى الدعوى المدنية برفضها وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم المصاريف المدنية الاستئنافية و100 قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضى بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. والمحكمة المذكورة بهيئة استئنافية أخرى قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بالنسبة للدعوى الجنائية بتعديل الحكم المستأنف بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة المقضي بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم وبالنسبة للدعوى المدنية برفضها وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة خيانة ائتمان الإمضاء المسلمة على بياض، قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك بأنه قضى بمقابل عن أتعاب المحاماة يزيد عما قضى به الحكم السابق نقضه على خلاف ما يوجبه القانون من أن الطاعن لا يضار بطعنه كما أن الطاعن دفع بعدم جواز إثبات عكس ما هو مدون بعقد الإيجار إلا بالكتابة وبأنه استصدر حكماً مدنياً حائزاً لقوة الأمر المقضي في شأن ثبوت استئجار المطعون ضده للأرض عن سنوات 1959 و1960 و1961 ويعتبر حجة في شأن قيام المديونية في ذمته وفي صحة عقد الإيجار مما لا يجوز له التنصل منه أو الطعن عليه، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع بعلة قيام المانع الأدبي من الحصول على الكتابة حين أن قرائن الحال بينة الدلالة على انتفاء ذلك المانع الذي لم يدع به المطعون ضده من قبل أن يدفع به الدعوى المدنية المرفوعة ضده وأخيه استنادا إلى ذلك العقد مما ينم عن اختلاق هذا الدفاع. هذا وقد التفتت المحكمة عما ضمنه الدفاع عن الطاعن بمذكرته المقدمة إليها من وجوب سماع الشهود بمعرفتها لاسيما وأنهم لم يسمعوا من قبل قولاً منها باقتناعها بأقوال الشهود الذين سمعتهم النيابة مع أن قالة هؤلاء بالنيابة قد انصبت على تحقيق وضع اليد على العين وليس على تحرير العقد على بياض وهو الأمر المطلوب إثباته، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أنه قضى بذات العقوبة ونفس التعويض السابق القضاء بهما من قبل في الحكم المنقوض، وأنه قدر أتعاب المحاماة عن الدعوى المدنية بثلاثمائة قرش خلافاً للحكم السابق الذي قدرها بمائة قرش. لما كان ذلك، وكانت قاعدة عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه لا تتعدى العقوبة المحكوم بها عليه أو التعويض المقضي بإلزامه به بحيث لا يجوز الحكم بعقوبة أشد من العقوبة التي قضى بها الحكم السابق، كما لا يجوز للمحكمة أن تتجاوز في تقدير التعويض الناشئ عن الجريمة بالمبلغ الذي كان قد قدر في الحكم المنقوض؛ أما أتعاب المحاماة فإن تقديرها يرجع إلى ما تبينته المحكمة من الجهد الذي بذله المحامي في الدعوى وما تكبده المحكوم له من أتعاب لمحاميه، والأمر في هذا التقدير لمحكمة الموضوع دون غيرها، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة في تقديرها أتعاباً للمحاماة تزيد عن تلك السابق تعيينها بالحكم السابق نقضه.
أما ما يثيره الطاعن بشأن ما تردى فيه الحكم من إجازة إثبات عكس الثابت بالكتابة بشهادة الشهود لوجود المانع الأدبي من الحصول على الدليل الكتابي فالواضح من مدونات الحكم أنه عرض لهذا الدفع وسلم بصحته قانوناً إلا أنه ذهب إلى جواز الإثبات بشهادة الشهود لأن المجني عليه كان مضطراً لتسليم المتهم العقد موقعاً عليه على بياض حتى يمكنه الحصول على المساحة المؤجرة التي هو في أشد الحاجة إلى زراعتها للحصول على قوته وقوت أولاده مما يقوم معه توافر المانع الذي كان يستحيل معه الحصول من قبل هذا المتهم على ورقة مكتوبة بما فوضه كتابته فيها، لما كان ذلك وكان تسليم الورقة الممضاة على بياض هو واقعة مادية لا تقتضي من صاحب الإمضاء إلا إعطاء إمضائه المكتوب على تلك الورقة إلى شخص يختاره وهذه الواقعة المادية منقطعة الصلة بالاتفاق الصحيح المعقود بين المسلم وأمينه على ما يكتب فيما بعد في تلك الورقة بحيث ينصرف إليه الإمضاء وهذا الاتفاق هو الذي يجوز أن يخضع لقواعد الإثبات المدنية كشفاً عن حقيقته أما ما يكتب زوراً فوق الإمضاء فهو عمل محرم يسأل مرتكبه جنائياً متى ثبت للمحكمة أنه قارفه. ولا تتقيد المحكمة وهي تفصل في الدعوى الجنائية بقواعد الإثبات المقررة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤها في الدعوى يتوقف على وجوب الفصل في مسألة مدنية هي عنصر من عناصر الجريمة المطروحة للفصل فيها. فإذا كانت المحكمة ليست في مقام إثبات عقد مدني بين المتهم وصاحب الإمضاء كما هو الشأن في الدعوى المطروحة وإنما هي تواجه واقعة مادية هي مجرد تسليم الورقة واتصال المتهم بها عن طريق تغيير الحقيقة فيها افتئاتاً على ما اجتمع اتفاقهما عليه، فلا يقبل من المتهم أن يطالب صاحب الإمضاء بأن يثبت بالكتابة ما يخالف ما دونه هو زوراً قولا منه بأن السند المدعى بتزويره تزيد قيمته على عشرة جنيهات. فمثل هذا الطلب وما يتصل به من دفاع لا يكون مقبولاً إذ لازمه أن يترك الأمر في الإثبات لمشيئة مرتكب التزوير وهو لا يقصد إلا نفي التهمة عن نفسه الأمر الممتنع قانوناً لما فيه من خروج بقواعد الإثبات عن وضعها. لما كان ذلك، فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه خلافاً لذلك الرأي من عدم جواز إثبات جريمة خيانة ائتمان الإمضاء المسلمة على بياض للطاعن بغير الكتابة متى كان المحرر الممهور به هذا التوقيع تزيد قيمته على عشرة جنيهات يكون بمنآى عن الصواب، بيد أن هذا التفسير الخاطئ الذي تردى فيه الحكم ليس بذي أثر في سلامته ما دام قد انتهى إلى جواز إثبات هذه الجريمة بالبنية بالنظر إلى قيام المانع الأدبي الذي حال دون الحصول على دليل كتابي ذلك أن المادة 403 من القانون المدني تجيز الإثبات بالبنية في حالة وجود مانع أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي وقيام هذا المانع أو عدم قيامه يدخل في نطاق الوقائع فتقديره متروك لقاضي الموضوع تبعاً لوقائع كل دعوى وملابساتها ومتى أقام قضاءه بذلك كما هو الحال في الدعوى على أسباب مؤدية إليه فلا تجوز المناقشة في ذلك أمام محكمة النقض ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك يكون في غير محله، ولا محل لما يحتج به الطاعن من صدور أحكام مدنية حائزة لقوة الشيء المقضي في شأن صحة عقد الإيجار المنسوب إليه خيانة ائتمان الإمضاء المسلم إليه على بياض لما هو مقرر وفقا للمادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك أن الأصل أن المحكمة الجنائية مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وهي في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها لا يمكن أن تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت، وذلك ليس فقط على أساس أن مثل هذا الحكم لا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للدعوى الجنائية لانعدام الوحدة في الخصوم أو السبب أو الموضوع بل لأن وظيفة المحاكم الجنائية والسلطة الواسعة التي خولها القانون إياها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل لها اكتشاف الواقعة على حقيقتها كي لا يعاقب برئ أو يفلت مجرم ذلك يقتضي ألا تكون مقيدة في أداء وظيفتها بأي قيد لم يرد به نص في القانون. لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكم الاستئنافية أن الطاعن طلب بنفسه أو بلسان الحاضر معه سماع أي شهود وكان للمحكمة وفقا للمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه وكان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب أي منهما أمام محكمة أول درجة سماع الشهود مما يعد معه نازلاً عن سماعهم، وكانت تلاوة أقوال الشهود الغائبين هي من الإجازات، فلا تكون واجبة إلا إذا طلبها المتهم أو المدافع عنه وهو ما لا يطلبه أيهما من المحكمة وكانت محكمة ثاني درجة إنما تحكم بحسب الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى هي لزوما لإجرائه أو لاستكمال نقص في إجراءات المحاكمة أمام محكمة أول درجة وكانت المحكمة غير ملزمة - بعد حجز القضية للحكم - بإعادتها إلى المرافعة لإجراء تحقيق فيها بناء على طلب مقدم إليها في فترة حجزها للحكم، وكان لا جناح على المحكمة من بعد إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولهم من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان كل ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد كله يكون في غير محله. هذا وغنى عن البيان أن ما ورد بالنسخة الأصلية للحكم المطعون فيه من منطوق مغاير لذلك الثابت بمحضر الجلسة بإغفال النص على بطلان الحكم المستأنف وكان لم يوقع عليه في الميعاد القانوني وقضت محكمة النقض بنقض الحكم الاستئنافي لأنه تبنى منطوق ذلك الحكم الباطل مؤيدا له في شقه المتعلق بالدعوى المدنية ومعدلاً له في شقه الآخر المتعلق مما اعتبر تسليماً منه بوجود الحكم الباطل صحيحاً في منطوقه مردود إلى أسبابه فإنه لا يعدو أن يكون من قبيل الخطأ المادي الذي وقع فيه أمين سر الجلسة سهواً وهو بمعرض نقل ذلك المنطوق من رول المحكمة بعد أن التبس عليه الأمر بين منطوق الحكم المنقوض ومنطوق الحكم المطعون فيه، ولما كانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع وكان لازم ذلك هو الاعتداد بما يتبين يقيناً من محضر الجلسة ورول القاضي من أن منطوق الحكم قد جرى في الدعوى الجنائية بالنص على 1 - بطلان الحكم المستأنف 2 - بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم إصدار الحكم وفي الدعوى المدنية بتأييد الحكم المستأنف، وكان ذلك قد تأكد بما ورد بأسباب الحكم التي تكمل منطوقه في هذا الشأن وكان الطاعن لا يدعي في طعنه أن هذا الاختلاف يغاير حقيقة ما حكمت به المحكمة فإن هذا الخطأ في النقل لا يؤثر في سلامة الحكم ولا يعيبه ولا يقدح في صحته.
وحيث إنه لما سلف يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.