أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة السادسة - صـ 277

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ إبراهيم خليل وكيل المحكمة, وحضور السادة الأساتذة: مصطفى فاضل ومصطفى حسن, وحسن داود, ومصطفى كامل المستشارين.

(94)
القضية رقم 1183 سنة 24 القضائية

( أ ) إثبات. خبراء. للمحكمة أن تفاضل بين تقاريرهم فتأخذ بما تراه وتطرح ماعداه.
(ب) حكم. خطؤه في رقم المادة المطبقة. بيان الواقعة وقضاؤه بعقوبة تشملها المادة الواجب تطبيقها. لا بطلان.
1 - للمحكمة أن تفاضل بين تقارير الخبراء, وتأخذ منها ما تراه وتطرح ما عداه, إذ أن أمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه.
2 - إن الخطأ في رقم المادة التى طبقتها المحكمة لا يترتب عليه بطلان الحكم ما دام أنه وصف الفعل وبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - إميل جورجى حنا (الطاعن) و2 - راغب حسين أحمد السوادى و3 - محمود عبد المنعم عسقلانى و4 - عبد الحميد يوسف عبد النبى و5 - خليل يوسف عبد النبى و6 - محمود يوسف عبد النبى و7 - أحمد محمد الدرديرى و8 - عبد الرؤوف عبد الله و9 - حلمي ساويرس فانوس و10 - يسى غطاس منصور و11 - غبور جورجى غبريال و12 - محمود فرج علي و13 - أحمد موسى و14 - فارس جورجى غبريال بأنهم فى عامي 1950 و1951 بدائرة مركز سمالوط المتهم الأول ارتكب تزويراً في أوراق عرفية هى استمارات بنك التسليف الزراعي الخاصة بتصريح تسليم القمح بوضعه إمضاء مزوراً لأمين الشونة راغب حسين السوادى وبجعله واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن دون بالاستمارات أن الحائزين قد قاموا بتوريد القمح المطلوب منهم حالة كونهم لم يقوموا بالتوريد مع علمه بذلك. والمتهم الثانى ارتكب تزويراً في أوراق عرفية هى استمارات بنك التسليف الخاصة بتصريح بتسليم القمح يجعله واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بالاستمارات أن الحائزين قد قاموا بتوريد القمح المطلوب منهم حالة كونهم لم يقوموا بالتوريد مع علمه بذلك. وباقي المتهمين من الثالث إلى الأخير: اشتركوا بطريقي التحريض والاتفاق مع المتهمين الأول والثاني فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن حرضوهما واتفقوا معهما على ارتكابها فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وتلك المساعدة. وطلبت النيابة عقابهم بالمواد 40/ 1 – 2 و41 و213 من قانون العقوبات. ومحكمة سما لوط الجزئية عدلت التهمة بالنسبة للمتهم الثانى راغب حسين بجعلها أنه ارتكب تزويراً في أوراق عرفية هى استمارات بنك التسليف الخاصة بتصريح تسليم القمح بجعله واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بالاستمارات أن الحائزين قد قاموا بتوريد القمح المطلوب منهم حالة كونهم لم يقوموا بالتوريد مع علمهم بذلك, كما عدلت الوصف بالنسبة للباقين باشتراكهم مع الأول والثاني. وبعد أن أنهت سماعهم قضت في 14 من نوفمبر سنة 1953عملاً بمواد الاتهام غيابياً للمتهم العاشر وحضورياً لباقي المتهمين أولاً: بحبس كل من أيميل جورجى وراغب حسين وأحمد موسى سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لكل منهم. وثانياً: بحبس كل من محمود عبد المنعم عسقلانى وعبد الحميد يوسف عبد النبي وأحمد محمد درديرى ستة شهور مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لكل منهم بلا مصاريف. وثالثاً: ببراءة باقي المتهمين مما نسب إليهم. فاستأنف المحكوم عليهم, وقيد استئنافهم برقم 3703 سنة 1953, ومحكمة المنيا الابتدائية نظرت هذا الاستئناف وقضت حضورياً بقبوله شكلاً وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للمتهمين الأول والثالث والرابع والخامس وإلغائه بالنسبة للمتهمين الثاني والأخير وبراءتهما مما نسب إليهما عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن السبب الأول من الطعن يتحصل فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون, إذ دان الطاعن بجريمة التزوير, مع أن الثابت أنه لم يكتب سوى البيانات المعترف بها فى التحقيق بناء على إملاء رئيسه أمين الشونة. ولما كانت الأوراق العرفية لا تكتسب حجيتها إلا بالإمضاء, وكان الحكم لم يثبت أن الطاعن هو الذى وقع بالإمضاء المزورة, فإن الحكم إذ دانه بجريمة التزوير يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم الاستئنافى بعد أن عرض لأقوال الشهود, خلص إلى أن التهمة ثابتة قبل المتهم الأول(الطاعن) باعترافه فى جميع أدوار التحقيق, وبالجلسة الأخيرة بأنه كتب الاستمارات المزورة، ومن أقوال حليم عبد الله سليمان ومحمد حسن قطب التى تخلص فى أنهما سلما المتهم استماراتهم وفرق السعر ليقوم بالتوريد نيابة عنهما, ثم رد إليهما استماراتيهما وأتضح تزويرهما, أما بالنسبة لما ساقه المتهم في دفاعه من أن المتهم الثانى وهو رئيسه كان يعطيه الاستمارات لتسديد البيانات التى يقدمها إليه, وأنه لا يعلم بأن هذه البيانات مزورة - هذا القول منه يكذبه أنه باعترافه فى تحقيق النيابة من أنه المتولي مراقبة الحبوب والمحاصيل الداخلة والخارجة من باب الشونه, ويمسك الدفتر الخاص بذلك, فإن كان حقيقة ما يقوله من أنه لا يعرف بأن الاستمارات التى كان يمليها عليه المتهم الثانى لا تطابق الحقيقة والواقع, للاحظ بأنها لا تتفق بحال من الأحوال مع حركة دخول الغلال إلى الشونة, خصوصاً وقد بلغت كمية الغلال التى ثبت فى الاستمارات التى اكتشف أنها مزورة فى تحقيق النيابة, والكمية التى أجرت فحصها, أن هذه الكمية بلغت 2632 إردباً و6 كيلات وذلك بخلاف الاستمارات التى زورت ولم تكتشف, ومن ذلك ترى المحكمة أن هذا المتهم كان يعلم علماً أكيداً بأن الاستمارات التى كانت تدون بياناتها لم يورد القمح الذى أثبت فيها أنه تورد فعلاً, كل ذلك بغض النظر عن التحقيق الإداري الذى أجراه المتهم الثالث عشر وأقوال المتهم ومن سمعت شهادتهم من صغار موظفى البنك" - ويبين من هذا الذى أورده الحكم أن الطاعن أثبت بيانات فى الاستمارات يعلم بأنها مزورة وأنه استلم استمارتين مع فرق السعر وردهما لصاحبيهما بعد أن أثبت بهما حصول التوريد, وتبين تزويرهما, مما تتحقق به جريمة التزوير التى دانه الحكم بها - ولا يؤثر في ذلك أن يكون الحكم الابتدائي أثبت أن الإمضاء المزورة المنسوبة لرئيس الشونة ليست بخط المتهم, إذ سيان أن يوقعها هو بخطه أو يكلف غيره بتوقيعها, ما دام قد أثبت بها بيانات يعلم أنها مزورة.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم شابه القصور من سبعة وجوه. الأول: إذ لم يتناول ما دفع به الطاعن من انتفاء جريمة التزوير للسبب السابق, كما لم يتناول إثبات علم الطاعن بأن البيانات التى كتبها لا تطابق الحقيقة. الوجه الثانى: إذ لم يبين توافر أركان التزوير المعنوي الذى دان به الطاعن. الوجه الثالث: إذ جاء بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم الاستئنافى مقدمات لا تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها, ذلك بأنه نفى أن الطاعن هو الذى زور إمضاء أمين الشونة, ولم تتعرض المحكمة الاستئنافية فى أسباب حكمها فيما يختص ببراءة الشونة لهذه الناحية.
ومن حيث إن هذه الوجوه الثلاثة مردودة بما جاء فى الرد على السبب الأول, إذ يبين فيه أن الحكم تناول دفاع الطاعن, ورد عليه وبين أركان التزوير, وأثبت توافرها, كما أثبت علم الطاعن بالتزوير.
ومن حيث إن الوجه الرابع يتحصل فى أن المحكمة الاستئنافية قضت ببراءة راغب حسين أمين الشونة, وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من إدانة الطاعن, مع أن شأن راغب حسين فى الدعوى هو شأن الطاعن. وقد تناولتهما التهمة بوصفهما فاعلين أصلين.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن إدانة الطاعن بالتزوير لا يستتبع بطريق اللزوم إدانة رئيسه أمين الشونة الذي قضى الحكم الاستئنافى ببراءته, لما تبين له من أن الأدلة ضده يحوطها الشك ولا تؤدى إلى إدانته.
ومن حيث إن الوجه الخامس يتحصل فى أن المحكمة الاستئنافية أهملت طلباً تقدم به الطاعن, هو استجواب سعد علي الموظف المختص بعملية الفوارغ, عن إمضائه تحت كلمة " الفوارغ". وطلب إجراء المضاهاة عليها لمعرفة هل الإمضاء بتوقيع سعد علي أو بتوقيع الطاعن, مع ما لذلك من أثر فى الدعوى. ويتحصل الوجه السادس فى أن المحكمة أغفلت طلباً آخر تقدم به الطاعن وهو إجراء المضاهاة على أرقام درجتي نظافة اللوط المذكور بالاستمارات ورقم الإيصال, بمقولة إن الطبيب الشرعي قرر بعدم إمكان المضاهاة عليها, مع أن الطاعن قدم تقريراً استشارياً يفيد إمكان ذلك, وكان يتعين على المحكمة مناقشة الخبير الاستشاري فى مواجهة الطبيب الشرعي للوصول إلى الحقيقة, ويتحصل الوجه السابع فى أن المحكمة الاستئنافية أخذت بتقرير خبير الطب الشرعي بأن الإمضاء المنسوبة لراغب حسين ليست بتوقيعه, مع أن هذه النتيجة لم يصل إليها خبير الطب الشرعي نتيجة استعمال وسائل فنية, ومع أن الحكم الابتدائي والتقرير الاستشاري المقدم من الطاعن, أثبتا أن التوقيع لأمين الشونه, وكان على المحكمة إما أن تستبعد تقرير الطب الشرعي, أو أن تعيد له المأمورية لإجراء المضاهاة بالوسائل الفنية.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن للمحكمة أن تفاضل بين تقارير الخبراء, وتأخذ منها ما تراه, وتطرح ما عداه إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بالتقرير المقدم من قسم أبحاث التزوير والتزييف, لما رآه من " أنه بنى على فحص دقيق ومضاهاة سليمة لأوراق الاستكتاب" ولم يأخذ بالتقرير الاستشاري فيما جاء به من أن الأرقام الواردة تحت رقم اللوط والنظافة والتصريح ليست بخط المتهم "لأن هذء الأرقام عبارة عن خطوط رأسية أو أفقية وليس لها لازمة خطية معينة يمكن معها إجراء المضاهاة " لما كان ذلك, وكانت الأسباب التى أخذ بها الحكم سائغة, فإن ما يثيره الطاعن إن هو إلا جدل موضوعي لا محل له أمام محكمة النقض, أما ما يقوله بصدد عدم استجابة المحكمة إلى ما طلبه الدفاع عن الطاعن من استجواب سعد علي وإجراء المضاهاة على الإمضاءات المنسوبة إليه, فمردود بأن المحكمة - وقد اقتنعت بإدانة الطاعن للأسباب السائغة التى أوردتها - لا حرج عليها إذا هى أهملت هذا الطلب ولم تشر إليه فى حكمها, مما مفاده أنها رأت أنه عديم الأثر فى النتيجة التى انتهت إليها.
وحيث إن الطاعن يقول أخيراً إن الحكم الاستئنافى لم يورد النص القانونى الذى حكم بموجبه بإدانة الطاعن, مع أن النيابة طلبت تطبيق المادة 213 من قانون العقوبات, وهى خاصة بالتزوير فى الأوراق الرسمية.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن الحكم الاستئنافى قضى بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه بالنسبة للطاعن, وهذا الحكم وإن كان قد دان الطاعن بموجب مادة الاتهام, وهى المادة 213 من قانون العقوبات, إلا انه أثبت أن النيابة العامة نسبت إلى الطاعن أنه ارتكب تزويراً في أوراق عرفية, هى استمارات بنك التسليف الزراعي الخاصة بتصريح تسليم القمح, وقضى بمعاقبة الطاعن بالحبس سنة مع الشغل, ولما كان الخطأ فى رقم المادة التى طبقتها المحكمة لا يترتب عليه بطلان الحكم, ما دام أنه وصف الفعل بأنه تزوير فى أوراق عرفية, وما دام أنه بين الواقعة المستوجبة للعقوبة بالحكم, بياناً كافياً, وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها, فإن هذا الوجه يكون على غير أساس.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.