أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة السادسة - صـ 304

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ إبراهيم خليل وكيل المحكمة, وبحضور السادة الأساتذة: مصطفى فاضل, ومصطفى حسن, وحسن داود, ومصطفى كامل المستشارين.

(102)
القضية رقم 1149 سنة 24 القضائية

( أ ) إثبات. الدليل غير المباشر. يكفى.
(ب) حكم. تسبيبه.دفاع موضوعي. الرد صراحة على كل جزئية يثيرها. غير لازم.
(ج) حكم. تسبيبه. دفاع شرعي. نفيه بأسباب مؤدية إلى ذلك. مثال.
(د) سلاح. الإعفاء من العقاب المشار إليه فى المادة 31 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر. عدم سريان حكمه على الماضى.
1 - لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها, بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج, مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
2 - إن المحكمة غير ملزمة بمتابعة الدفاع والرد صراحة على كل جزئية يثيرها, ما دام الرد مستفاداً ضمناً من الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الإثبات التى أوردها الحكم.
3 - إذا كانت المحكمة قد نفت قيام حالة الدفاع الشرعي التى تمسك بها المتهم بقولها " إنه بسقوط ما يدعيه المتهم من أنه ضبط المجني عليه يسرق عنباً, فلا محل لما يتمسك به الدفاع عن المذكور من اعتباره فى حالة دفاع شرعي" فإن هذا الرد سائغ وكاف لنفى تلك الحالة, إذ ما دامت المحكمة قد حصلت من ظروف الدعوى أن واقعة سرقة العنب, وهى أساس الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي, هي واقعة مختلفة ولا أصل لها, فإن ذلك ينطوي على انتفاء قيام حالة الدفاع الشرعي بجميع الصور المبينة فى القانون.
4 - إن الإعفاء من العقاب المشار إليه فى المادة 31 من القانون رقم 394 لسنة 1954 الصادر في 8 من يوليه سنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر, لا يستفيد منه الأشخاص الذين وجدوا قبل سريان هذا القانون حائزين أو محرزين أسلحة نارية أو ذخائر معاقباً على حيازتها أو إحرازها بغير ترخيص طبقاً للقانون رقم 58 لسنة 1949, وقد أفصح الشارع عن هذا المعنى حين نص صراحة فى الفقرة الثانية من المادة 31 ( أ ) التي أضفيت إلى القانون رقم 394 لسنة 1954 بمقتضى القانون رقم 546 لسنة 1954 الصادر في 31 أكتوبر سنة 1954 على أن الإعفاء من العقاب المشار إليه فى هذه المادة لا يسرى على كل من تم ضبطه حائزاً أو محرزاً لأسلحة نارية أو ذخائر بغير ترخيص قبل بدء سريان هذا القانون, وهو نص تفسيري للتشريع السابق, كما أوضحت ذلك مذكرته الإيضاحية.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية الطاعن بأنه - أولاً - قتل بدران أبو اليزيد رشوان عمداً مع سبق الإصرار على ذلك بأن بيت النية على قتله واستدرجه إلى الحديقة حراسته ثم انهال عليه بجسم صلب راض ثقيل قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الاصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وثانياً: أحرز سلاحاً نارياً (بندقية مششخنة) تطلق الرصاص بدون ترخيص. وثالثاً: أحرز ذخائر(طلقات نارية) مما يستعمل فى الأسلحة حالة كونه غير مرخص له بإحراز السلاح وحيازته. وطلبت من غرفة الاتهام بمحكمة أسيوط الابتدائية إحالته إلى محكمة جنايات أسيوط لمحاكمته بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات و1 و5 و9/ 3 و10 و12 من القانون رقم 58 لسنة 1949 والجدول"ب"المرفق , فقررت الغرفة بذلك في 27 من سبتمبر سنة 1952. وادعى أبو اليزيد رشوان بحق مدنى وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً, أولاً: بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة سبع سنوات عن التهمة الأولى عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات لأنه ضرب المجني عليه عمداً بجسم صلب فأحدث به الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي الشرعي ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وثانياً: بمعاقبته بالسجن ثلاث سنوات عن التهمتين الثانية والثالثة والمصادرة عملاً بالمواد 1 و9/ 3 و12 من القانون رقم 58 لسنة 1949, وبالجدول"ب"المرفق بهذا القانون بالنسبة للتهمة الثانية, وبالمواد 5 و10 و12 من هذا القانون بالنسبة للتهمة الثالثة مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات, وثالثاً: بإلزام المتهم بأن يدفع للمدعى مدنياً قرشاً صاغاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش أتعاب محاماة.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى أوجه الطعن الأربعة الأولى هو أن الحكم المطعون فيه فضلاً عن تناقضه وقصوره فى التسبيب مسخ الوقائع وحملها ما لا تحتمل, ذلك بأنه بعد أن ذكر أن الطاعن اصطحب المجني عليه وقت الغروب وجد جثة المجني عليه هامدة ومصاباً في رأسه من آلة كالفأس بعد نحو ثماني ساعات لم يعلم ما ذا جرى فى خلالها - بعد أن ذكر الحكم ذلك, اتخذ من هذه الحلقة المفقودة دليلاً على أن الطاعن هو الذى اعتدى على المجني عليه فى تلك الفترة مفترضاً وقوع نزاع فيها بينهما أدى إلى هذا الاعتداء دون أن يبين الدليل على هذا النزاع المفترض, أما استناد الحكم فى إدانة الطاعن إلى عدم صحة دفاعه, فإنه مخالف لقواعد الإثبات فى القانون الجنائي التى توجب على سلطة الاتهام إثبات الواقعة الجنائية على المتهم قبل أن يبدى دفاعه إلا إذا كان معترفاً, وعدم صحة الدفاع هو والإنكار سواء لا يصلح أيهما دليلاً على ثبوت الادانه, هذا إلى أن استدلال الحكم بالكشف الطبي على نفى واقعة السرقة التي يدعيها الطاعن هو استدلال فاسد, لأن ثبوت أن إصابة المجني عليه حدثت من فأس وليس من عيار ناري لا يتعارض ولا ينفى وقوع السرقة, إذ من الجائز أن يكون المجني عليه قد ضرب من آخر, ثم أحسن الطاعن بحركة فى الحديقة فأطلق النار, ولما سمع أنين المجني عليه بعد ذلك ظن أنه أصيب من الأعيرة التى أطلقها, وهو تصوير محتمل لا دليل على عدم صحته, وكذلك أخطأ الحكم فى الاستدلال حين اعتبر أن الطاعن قد قلب الحقيقة بقوله إنه لم يعرف شخصية المجني عليه بعد إطلاق الأعيرة, مع أن الثابت من الأوراق أن شيخ الخفراء قد استحال عليه أيضاً التعرف على شخصية المجني عليه فى الظلام.
.. وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه " أن المجني عليه بدران أبو اليزيد رشوان كان يشتغل فى مغرب يوم 15 أغسطس سنة 1951 مع أخيه رضوان أبو اليزيد رشوان فى ري زراعة لهما بناحية الهمامية بمركز البدارى بمديرية أسيوط, إذ قدم المتهم سرى موسى محمد, ودعا المجني عليه ليدخن تمباك وانصرفا معاً سائرين بالجهة القبلية نحو حديقة فاكهة لوالد المتهم ولعميه عباس وإسماعيل مساحتها نحو اثني عشر فداناً, وفى أحد أركانها مسكن لوالد المتهم ويقوم المتهم بحراستها, ومضت بضع ساعات منذ أن سار المتهم مع المجني عليه لم يعرف فيها شيء من أمرهما, إلا أن المجني عليه ضرب أثناءها بضربة آلة كالفأس بخلف رأسه نتجت عنها وفاته, ووقف المتهم عند الجثة بالحديقة وذهب والد المتهم حوالي منتصف الليل وأبلغ العمدة بأنه بينما كان ابنه المتهم يمر بحديقته ليلاً وجد بها لصوصاً, وأنه أطلق عليهم أعيرة أصابت هناك لصاً لا يعرفه, وكلف العمدة شيخ الخفراء أحمد سليمان حسن وبعض الخفراء بالذهاب لمحل الحادث ووجدا المجني عليه ملقى بالحديقة متوفى, وبجانبه المتهم فضبطوه وضبطوا معه بندقيته الموصوفة بالتحقيقات وبتقرير الطبيب الشرعي والتى اعترف بأنها له وأربع طلقات غير مطلقة وجدت بالحديقة غير بعيد من مكان الجثة, وعثر رجال البوليس فى صباح اليوم التالي على ثلاثة أظرف مطلقة على مقربة من ذلك المكان, وقال المتهم إنها هي التي كان أطلقها نحو من خشي أن يكونوا لصوصاً, ولم يسفر التحقيق على وجه مؤكد عن سبب الحادث, وترى المحكمة - لما سيشار إليه بعد - أن نزاعاً وقتياً ثار بين المتهم والمجني عليه أدى بالأول لضرب الأخير بمثل فأس ضربتين إحداهما بظهر سلاحه في رأسه والأخرى بحد السلاح, فلما وجد المتهم أن المجني عليه قد توفى وهو معه وبعد أن استصحبه أمام أخيه وغيره من الشهود, لجأ المتهم إلى تصوير الحادث بما يدعيه فى دفاعه من أنه (المتهم) كان يطلق النار صوب لصوص سمع حركتهم بالحديقة فهربوا وأصيب من بينهم المجني عليه, مما قطع بكذبه التقرير الطبي عن سبب الوفاة". وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة فى حق الطاعن أدلة سائغة مقبولة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى رتبها عليها, ومن هذه الأدلة التى أوردها ما شهد به أخو المجني عليه من أن الطاعن حضر إليه فى حقله وقت الغروب ودعا أخاه للتدخين معه واستصحبه وسار به فى الطريق الموصل للحديقة, ووجود المجني عليه بعد ذلك قتيلاً في حديقة والد الطاعن التى يحرسها هذا الأخير, وما دل عليه تقرير الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليه هى نتيجة الضرب بفأس على رأسه, وتخبط الطاعن فى دفاعه واعترافه فى التحقيقات بأن وفاة المجني عليه كان نتيجة إصابته من عيار ناري أطلقه من بندقيته عندما سمع صوتاً بين أشجار الحديقة ظنه لصاً, وما استخلصته المحكمة من ظروف الواقعة من نفى واقعة السرقة التى يدعيها الطاعن, ومن أن اعتداءه على المجني عليه لم يكن على الصورة التى رواها بدلالة ما أثبته الكشف الطبي من أن الإصابات التى وجدت بالمجني عليه ليست نارية, كما يدعى الطاعن, ولكنها حدثت من الضرب بفأس, ولما كان يبين من ذلك أن المحكمة فى حدود سلطاتها التقديرية قد وزنت أدلة الدعوى وقدرتها, ثم رتبت عليها ما رأته مؤدياً إليه من ثبوت الواقعة فى حق الطاعن, وكان لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها, بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج, مما تكشف لها من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات, فان المجادلة فى ذلك إنما ترد على موضوع الدعوى ومبلغ كفاية الأدلة فيها مما لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس هو أن الدفاع عن الطاعن أثار أمام محكمة الجنايات أن واقعة استصحاب الطاعن للمجنى عليه إلى الحديقة لا تستقيم مع ما دلت عليه المعاينة من أن الكرمة التى كان يزحف المجني عليه تحتها ترتفع عن الأرض نحو70سم, فلا يتصور وقوع الاعتداء عليه وهو فى هذا الوضع, ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع الجوهري, فشاب حكمهما القصور, أما ما أثاره الدفاع بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي, فقد رد عليه الحكم رداً قاصراً, لأنه لم يتناول ما إذا كان الطاعن بعد سماعه الصوت فى العنب قد تخوف من فعل يحدث منه الموت أو جراح بالغة طبقاً للمادتين 249 و250 من قانون العقوبات, وسكوت الحكم عن الرد على هذه الصورة من صور الدفاع الشرعي عن النفس يجعله مشوباً بالقصور المبطل له.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن المحكمة غير ملزمة بمتابعة الدفاع والرد صراحة على كل جزئية يثيرها إذ الرد مستفاد ضمناً من الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الإثبات التى أوردها الحكم. ولما كانت المحكمة قد نفت قيام حالة الدفاع الشرعي التى تمسك بها الطاعن بقولها: " إنه بسقوط ما يدعيه المتهم من أنه ضبط المجني عليه يسرق عنباً, فلا محل لما يتمسك به الدفاع عن المذكور من اعتباره فى حالة دفاع شرعي" وكان هذا الرد سائغاً وكافياً لنفى قيام تلك الحالة إذ ما دامت المحكمة قد حصلت من ظروف الدعوى أن واقعة سرقة العنب, وهى أساس الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي هى واقعة مختلفة ولا أصل لها, فان ذلك ينطوي على انتفاء قيام حالة الدفاع بجميع الصور المبينة فى القانون.
وحيث إن مبنى الوجه السادس هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ حين دان الطاعن بالتهمتين الثانية والثالثة على الرغم من أنه دفع بأنه معفى من العقاب طبقاً لقرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 31 من يناير سنة 1954, والمادة الخامسة من قانون العقوبات, ذلك لأن هذا القرار أعفى من العقاب من يجوز أو يحرز أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات بغير ترخيص إذا قدمها فى خلال السبعة الأيام التى نص عليها فيه, غير أن الحكم رفض هذا الدفع وقضى بالإدانة استناداً إلى أسباب مخالفة للقانون, منها أن الطاعن لم يقدم السلاح طائعاً مختاراً على النحو الذى عناه القرار المذكور وإنما قدمه فى حدود التهمة التى دار التحقيق معه عنها، وهو استناد خاطئ إذ القرار قد رتب الإعفاء على مجرد تقديم السلاح بغض النظر عن الباعث على تقديمه.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن الإعفاء من العقاب المشار إليه فى المادة 31 من القانون رقم 394 لسنة 1954 الصادر في 8 من يوليه سنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر لا يستفيد منه الأشخاص الذين وجدوا قبل سريان هذا القانون حائزين أو محرزين أسلحة نارية أو ذخائر معاقباً على حيازتها أو إحرازها بغير ترخيص طبقاً للقانون رقم 58 لسنة 1949 وقد أفصح الشارع عن هذا المعنى حين نص صراحة فى الفقرة الثانية من المادة 31 ( أ ) التي أضيفت إل القانون رقم 394 لسنة 1954 بمقتضى القانون رقم 546 لسنة 1954 الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1954 على أن الإعفاء من العقاب المشار إليه فى هذه المادة لا يسرى على كل من تم ضبطه حائزاً أو محرزاً لأسلحة نارية أو ذخائر بغير ترخيص قبل بدء سريان هذا القانون, وهو نص تفسيري للتشريع السابق, كما أوضحت ذلك مذكرته الإيضاحية - لما كان ذلك, وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن جريمتي إحراز السلاح وإحراز الذخيرة اللتين نسبتا إلى الطاعن قد وقعتا فى ليلة 6 من أغسطس سنة 1951 أي قبل صدور القانون المتقدم الذكر, فإن الحكم إذ عاقبه عنهما يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.