أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20 – صـ 69

جلسة 13 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(14)
الطعن رقم 1630 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) جريمة. تزوير. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
( أ ) لم يعين القانون طريقاً معيناً لإثبات التزوير.
(ب) النعي على المحكمة عدم إجرائها تحقيقاً لم يطلب منها، غير جائز.
(ج، د) جريمة. "أركان الجريمة". شروع. نصب. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) مجرد البدء في استعمال وسيلة الاحتيال قبل المجني عليه. يتحقق به جريمة الشروع في النصب.
(د) اعتبار مباشرة وسيلة الاحتيال بالفعل شروعاً. كشف المجني عليه احتيال الجاني وامتناعه عن تسليمه المال أو تسليمه له لسبب آخر في نفسه. لا أثر له في قيام الجريمة.
(هـ) جريمة. "جريمة مستحيلة".
كون المجني عليه أحد رجال الشرطة السريين لا يجعل الجريمة مستحيلة. شرط ذلك؟
(و) قصد جنائي. نصب. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم لزوم التحدث عن ركن القصد الجنائي على استقلال. شرط ذلك؟
1 - لم يجعل القانون الجنائي طريقاً معيناً لإثبات التزوير.
2 - ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
3 - يتحقق الشروع في النصب بمجرد البدء في استعمال وسيلة الاحتيال قبل المجني عليه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين أعدوا شيكاً مزوراً بمبلغ عشرة آلاف دولار مسحوباً على بنك أمريكا فرع سويسرا واشتركوا في عرضه للبيع على الشاهد الذي تظاهر بقبول هذا العرض وسارع إلى إبلاغ رجال مكتب مكافحة تهريب النقد بوزارة الداخلية الذين طلبوا منه مسايرة المتهمين وتقديم أحد المرشدين السريين لهم على أنه المشتري للشيك وأعدوا كميناً بأحد الفنادق لضبطهم. وبعد أن زودوا المرشد السري بمبلغ من النقد المصري بما يقابل قيمة الشيك وتم اللقاء بينه وبين المحكوم عليهما الآخرين في الفندق، قاموا بضبط أولهما وهو يسلم الشيك إلى المرشد السري، ثم بان لرجال الشرطة بعد الضبط أن الشيك مزور، فإن ما حصله الحكم على الصورة السالفة البيان تتحقق به جريمة الشروع في النصب كما هي معرفة في القانون.
4 - الأصل أن مباشرة وسيلة الاحتيال بالفعل تعد شروعاً معاقباً عليه حتى ولو فطن المجني عليه إلى احتيال الجاني فكشفه وامتنع عن تسليمه المال أو سلمه بالفعل ولكن لسبب آخر في نفسه. ولما كان المجني عليه في هذه الدعوى حسبما وقفت وقائعها عنده هو المرشد السري الذي لم يكشف أن الشيك مزور إلا بعد ضبطه وقد كان الغرض من عمل الكمين أصلاً هو ضبط الطاعن وزميليه متلبسين بجريمة التعامل في نقد أجنبي، فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تحدد شخصية المجني عليه الذي كان مقصوداً أصلاً بهذا الاحتيال للتحقق من مدى تأثير الطرق الاحتيالية فيه وانخداعه بها ما دام أن الجريمة قد وقفت عند حد الشروع وما دامت الطرق الاحتيالية التي استعملها الجاني من شأنها أن تخدع الشخص المعتاد في مثل ظروف المجني عليه، وما دام أن الجريمة قد خاب أثرها لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه.
5 - إن كون المجني عليه أحد رجال الشرطة السريين لا يجعل الجريمة مستحيلة ما دام لم يثبت أنه كانت لديه معلومات خاصة عن نشاط الجاني المريب في هذه الجريمة وأنه استعان بهذه المعلومات لكي يقبض عليه فيها مما يعتبر مؤثراً في تقدير معيار الاحتيال.
6 - لا يلزم التحدث عن ركن القصد الجنائي في جريمة النصب على استقلال ما دام الحكم قد أورد الوقائع بما يدل على أن مراد المتهمين كان ظاهراً وهو اقتراف الجريمة بقصد سلب مال المجني عليه وحرمانه منه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في 5 مارس سنة 1963 بدائرة قسم قصر النيل: شرعوا في الاستيلاء على المبلغ المبين بالمحضر والمملوك لمجهول وكان ذلك بالاحتيال لسلب ثروة المجني عليه باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهامه بوجود واقعة مزورة هي وجود شيك صحيح معهم بعملة أجنبية وصالح للصرف والاستيلاء بالعملة المحلية على خلاف الحقيقة وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو اكتشاف أمرهم. وطلبت عقابهم بالمادة 336/ 1 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح قصر النيل الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس كل من المتهمين شهراً واحداً مع الشغل وكفالة ثلاثة جنيهات لوقف التنفيذ بلا مصروفات جنائية. فاستأنف المتهمون هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – بعد أن أضافت تهمة تزوير الشيك موضوع التهمة الأولى قضت حضورياً عملاً بالمواد 215 و236/ 2 و32/ 2 من قانون العقوبات بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضي فيه بالقبول والنقض والإحالة بالنسبة إلى الطاعن وإلى المحكوم عليهما الآخرين. أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. عارض، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم الغيابي الاستئنافي المعارض فيه بلا مصاريف. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الشروع في نصب، قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الحكم ومحاضر الجلسات قد خلت مما يفيد فض المحكمة للمظروف المحتوي على الشيك المدعى بتزويره مما يبدو معه أنها فضته في غيبة المتهمين واطلعت عليه دون أن تشركهم في هذا الإطلاع وتسمع دفاعهم في شأنه ولم تجر المحكمة تحقيقاً تتثبت به بالوسائل الفنية من تزوير ذلك الشيك كما لم يحدد الحكم شخص المجني عليه في الدعوى وساير الاتهام في أنه مجهول مع أن وجود مجني عليه في جريمة النصب أمر لازم حتى تقاس عليه وتوزن به الطرق الاحتيالية التي استعملت معه. هذا إلى أن الحكم قد خلا من بيان الفعل المادي الذي ارتكبه الطاعن، ولم يبين الأدلة التي بني قضاءه عليها ولا مؤدى الاعتراف المنسوب صدوره إلى الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين، ولم يستظهر القصد الجنائي في الجريمة المسندة إليهم، وجاءت أسبابه مشوبة بالغموض والإيهام بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للوجه الأول من أوجه الطعن أن المظروف المحتوي على الشيك المزور قد فض بالجلسة التي صدر فيها الحكم الاستئنافي الغيابي، وأثبت رئيس المحكمة على المظروف إطلاعها عليه، وبقى المظروف بعد ذلك مفضوضاً ضمن أوراق الدعوى المطروحة أمام المحكمة. ولما كان الثابت بالحكم أن المحكمة – في حدود سلطتها التقديرية – قد اقتنعت باعتراف المتهمين في محضر الضبط بتزوير الشيك وبعلمهم بتزويره عند شروعهم في بيعه، وكان الطاعن لم يدع أن المظروف كان مغلقاً في جلسة المرافعة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أو أنه طلب من المحكمة أن تطلعه على الشيك المزور وحيل بينه وبين الإطلاع عليه وسماع دفاعه في شأنه بما يفنده، وكان للمحكمة أن تستند إليه في حكمها كعنصر من عناصر الدعوى ما دام كان مطروحاً على بساط البحث أمامها، فليس للطاعن أن ينعى على الحكم عدم إطلاع المحكمة على هذا الشيك، وعرضه عليه. لما كان ذلك، وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات التزوير طريقاً معيناً، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق معين للتثبت من صحة الشيك أو عدم صحته، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين أعدوا شيكاً مزوراً بمبلغ عشرة آلاف دولار مسحوباً على "بنك أمريكا" فرع سويسرا واشتركوا في عرضه للبيع على الشاهد سيد إبراهيم عطا الذي تظاهر بقبول هذا العرض وسارع إلى إبلاغ رجال مكتب مكافحة تهريب النقد بوزارة الداخلية الذين طلبوا منه مسايرة المتهمين وتقديم أحد المرشدين السريين لهم على أنه المشتري للشيك وأعدوا كميناً بفندق شبرد لضبطهم وبعد أن زودوا المرشد السري بمبلغ من النقد المصري بما يقابل قيمة الشيك وتم اللقاء بينه وبين المحكوم عليهما الآخرين في الفندق، قاموا بضبط أولهما وهو يسلم الشيك إلى المرشد السري، ثم بان لرجال الشرطة بعد الضبط أن الشيك مزور، فإن ما حصله الحكم على الصورة السالفة البيان تتحقق به جريمة الشروع في النصب كما هي معرفة في القانون، ذلك أن الشروع يتحقق بمجرد البدء في استعمال وسيلة الاحتيال قبل المجني عليه. ولما كان المجني عليه في هذه الدعوى حسبما وقفت وقائعها عنده هو المرشد السري الذي لم يكتشف أن الشيك مزور إلا بعد ضبطه وقد كان الغرض من عمل الكمين أصلاً هو ضبط الطاعن وزميليه متلبسين بجريمة التعامل في نقد أجنبي – وكان الأصل أن مباشرة وسيلة الاحتيال بالفعل تعد شروعاً معاقباً عليه حتى ولو فطن المجني عليه إلى احتيال الجاني فكشفه وامتنع عن تسليمه المال أو سلمه بالفعل ولكن لسبب آخر في نفسه. لما كان ما تقدم، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي لم تحدد شخصية المجني عليه الذي كان مقصوداً أصلاً بهذا الاحتيال للتحقق من مدى تأثير الطرق الاحتيالية فيه وانخداعه بها ما دام أن الجريمة قد وقفت عند حد الشروع وما دامت الطرق الاحتيالية التي استعملها الجاني من شأنها أن تخدع الشخص المعتاد في مثل ظروف المجني عليه، وما دام أن الجريمة قد خاب أثرها لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه، ولا محل للقول بأن هذه الجريمة مستحيلة لكون المجني عليه هو أحد رجال الشرطة السريين ما دام لم يثبت أنه كانت لديه معلومات خاصة عن نشاط الجاني المريب في هذه الجريمة وأنه استعان بهذه المعلومات لكي يقبض عليه فيها مما يعتبر مؤثراً في تقدير معيار الاحتيال. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد الوقائع بما يدل على أن مراد الطاعن وزميليه كان ظاهرا وهو اقتراف الجريمة بقصد سلب مال المجني عليه وحرمانه منه، فإن التحدث عن ركن القصد الجنائي على استقلال يكون غير لازم. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي – المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه – قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الشروع في النصب التي دان الطاعن بها وأقام عليها في حقه أدلة مستمدة من أقوال سيد إبراهيم عطا، ومما أثبته الضابطان عبد الحليم المحلاوي وجلال مهنا في محضريهما بما تضمناه من أن الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين قد اعترفوا بأن الشيك مزور وكانوا يعلمون بتزويره وبأنهم كانوا يرغبون في بيعه، ومن أقوال الرائدين أحمد كامل عارف ومحمد عبد المقصود، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.