أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة السادسة - صـ 323

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ إبراهيم خليل وكيل المحكمة, وحضور السادة الأساتذة: مصطفى فاضل, وحسن داود, ومحمود إسماعيل, ومصطفى كامل المستشارين.

(106)
القضية رقم 1216 سنة 24 القضائية

( أ ) إثبات. تقارير طبية. حرية المحكمة في تقديرها.
(ب) إثبات. شهود. الأخذ بأقوالهم في التحقيق الابتدائي وإن خالفت أقوالهم بالجلسة. جائز.
(ج) حكم.عدم التوقيع في الثمانية الأيام التالية لصدوره. لا بطلان.
1 - للمحكمة باعتبارها الخبير الأعلى أن تأخذ بتقرير طبي متى اطمأنت إليه واقتنعت بما ورد فيه وأن تطرح تقريراً آخر يخالفه, دون أن تكون ملزمة بالاستجابة إلى طلب الدفاع مواجهة الأطباء بعضهم ببعض أو مناقشتهم والاستعانة فى الترجيح بغيرهم.
2 - للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشهود فى التحقيق الابتدائي وإن خالفت أقوالهم بالجلسة دون أن تكون ملزمة ببيان سبب ذلك أو تعديل عدول الشهود عن أقوالهم الأولى.
3 - إن قضاء محكمة النقض قد استقر على أن عدم توقيع الحكم فى ميعاد الثمانية الأيام من تاريخ صدوره لا يترتب عليه بطلانه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل جابر درويش عسر عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن عقد العزم على قتله وأعد لذلك سلاحاً قاتلاً " فأساً" وتوجه إلى مكان الحادث وترقب له ليتوصل إلى قتل المجني عليه حتى إذا ما ظفر به ضربه بالفأس عدة ضربات فى مواضع قاتلة من جسمه وعلى رقبته ووجهه وعضده فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات. فقررت بذلك, ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً - عملاً بمواد الاتهام - مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة سعد علي صبيح بالأشغال الشاقة المؤبدة.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول هو الإخلال بحق الدفع, ذلك بأن الطاعن تقدم لمحكمة الموضوع بتقرير طبي استشاري من الدكتور محمد أحمد سليمان جاء فيه أن وفاة المجني عليه هى نتيجة الالتهاب الرئوي الحاد الموصوف بتقرير الصفة التشريحية, وأن هذا الالتهاب فى الراجح نشأ عن حالة مرضية لا علاقة لها بالإصابات التى كان المجني عليه قد شفى منها تماماً عند خروجه من المستشفى قبل وفاته بنحو شهرين ودعم الطبيب رأيه بأسانيد فنية بينها في تقريره, وفند ما ذهب إليه مفتش صحة المركز والطبيب الشرعي الذى شرح الجثة من أن المجني عليه أصيب بمرض التتانوس الجراحي وأن الوفاة كانت مصحوبة بتسمم دموي صديدي من امتصاص عفن من الجرح ولذلك طلب الدفاع عن الطاعن استدعاء هذا الطبيب الاستشاري لمناقشته بحضور الطبيب الشرعي أو إرسال القضية إلى كبير الأطباء الشرعيين للوقوف على حقيقة سبب الوفاة, غير أن المحكمة اكتفت باستدعاء الطبيب الشرعي المساعد وهو مرءوس للطبيب الشرعي الذى أجرى الصفة التشريحية مناقشته في غيبة الطبيب الاستشاري ثم قضت بإدانة الطاعن.
وحيث إنه يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن قدم للمحكمة تقريراً طبياً استشارياً من الدكتور محمد أحمد سليمان وطلب من المحكمة استدعاء الأطباء الشرعيين لمناقشتهم أو إرسال القضية إلى مكتب الطب الشرعي ليقدم تقريراً مرجحاً وأرسلت المحكمة فى طلب الطبيب الشرعي ثم شرعت فى سماع شهود الدعوى, وبعد أن فرغت من سماعهم حضر الدكتور إسماعيل كامل الطبيب الشرعي بمكتب شبين الكوم وأطلعته المحكمة على ملف القضية وعلى التقرير الطبي الاستشاري ثم ناقشته بعد ذلك فأيد النتيجة التى انتهى إليها تقرير الصفة التشريحية من أن الوفاة نتيجة إصابة العنق ومضاعفاتها, وخالف الرأي الذى انتهى إليه الطبيب الاستشاري فى تقريره من أن الوفاة نتيجة التهاب رئوي حاد لا صلة له بالإصابة, وعقب الدفاع عن الطاعن على ذلك بأنه يتمسك بطلب مناقشة الطبيب الاستشاري. لما كان ذلك, وكانت المحكمة قد تعرضت لهذا الطلب الذى تقدم به الدفاع قبل المرافعة وردت عليه بقولها "إن المحكمة ترى الأخذ بما ذهب إليه الطبيب الشرعي الذى شرح الجثة والطبيب الشرعي الذى سئل فى الجلسة وليس أدل على صحة رأيها من وجود تقيحات بالقصبة الهوائية مما يفيد أن الجرح لا يزال موجوداً ولا ترى ما يدعو لاستدعاء الطبيب الذى كتب التقرير الاستشاري أو غيره فإن فيه مضيعة وتعطيلاً للدعوى دون حاجة تستوجبه". وكان ما قالته المحكمة من ذلك إنما يدخل فى حدود سلطتها التقديرية للأدلة المطروحة أمامها إذ أن لها باعتبارها الخبير الأعلى أن تأخذ بتقرير طبي متى اطمأنت إليه واقتنعت بما ورد فيه وأن تطرح تقريراً آخر يخالفه دون أن تكون ملزمة بالاستجابة إلى طلب الدفاع مواجهة الأطباء بعضهم ببعض أو مناقشتهم والاستعانة فى الترجيح بغيرهم ما دامت هي قد وجدت فيما أدلى به الطبيب الشرعي ما أوضح لها الأمر بما يكفى لاقتناعها به, لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى باقي أوجه الطعن هو أن المحكمة أسست قضاءها بإدانة الطاعن على أقوال الشهود فى محضر البوليس وفى تحقيق النيابة رغم أنهم عدلوا عنها أمام المحكمة دون أن تتعرض لبيان سبب هذا العدول, هذا فضلاً عن أن شيخ الخفراء قرر بالجلسة أن الطاعن مصاب بجنون متقطع مما كان يتعين معه على المحكمة أن تحقق ما إذا كان الطاعن يعتبر مسئولاً عن أعماله الجنائية أو غير مسئول, يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يختم ويودع فلم كتاب المحكمة فى مدى ثمانية أيام من تاريخ صدوره كما تقضى بذلك المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه لما كان للمحكمة فى سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشهود فى التحقيق الابتدائي وإن خالفت أقوالهم بالجلسة دون أن تكون ملزمة ببيان سبب ذلك أو تعليل عدول الشهود عن أقوالهم الأولى, وكان يبين من محضر الجلسة أن الدفاع عن الطاعن لم يدفع بانعدام مسئوليته ولم يطلب تحقيق مداها حتى ينعى على المحكمة عدم التعرض لهذا الدفاع. لما كان ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن عدم توقيع الحكم فى ميعاد الثمانية الأيام من تاريخ صدوره لا يترتب عليه بطلانه, فإن ما يثيره الطاعن فى طعنه لا يكون له وجه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.