أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20– صـ 85

جلسة 13 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود عطيفه.

(18)
الطعن رقم 1763 لسنة 38 القضائية

( أ ) سبق إصرار.
سبق الإصرار. ماهيته؟ إثبات توافره؟
(ب) سبق إصرار. اشتراك. اتفاق. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها.
(ج) جريمة. "أركانها". باعث. حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
الباعث ليس ركناً من أركان الجريمة. الخطأ فيه. لا تأثير له في سلامة الحكم.
1 - استقر قضاء محكمة النقض على أن سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
2 - إن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها، وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار.
3 - الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها والخطأ فيه – بفرض وقوعه – لا يؤثر في سلامة الحكم، ما دام قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها بما أورده على ثبوتها في حقه من أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في يوم 28 أغسطس سنة 1966 بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة القاهرة: (أولاً) قتلوا فهيمه مصطفى صابر عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتلها وأعدوا لذلك سكيناً وتوجهوا إلى منزل المجني عليها وما أن ظفروا بها حتى أمسكوا بها وانهال المتهم الأول عليها طعناً بالسكين فأصيبت بالإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. (ثانياً) أحدثوا بسعدية صالح أحدثوا بسعدية صالح إمام عمداً الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لها علاج أقل من عشرين يوماً. المتهم الأول أيضا: (1) أحث عمداً بأوعاد محمد ماضي جمعه الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقرر لها علاج أقل من عشرين يوماً (2) أحدث عمداً بمحيي إسماعيل السيد الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقرر لها علاأحدأأتاتلالمتلاتلبج أقل من عشرين يوماً. (3) أحدث عمداً بعبد الله علي محمد الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقرر لها علاج أقل من عشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 2 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات (ثانياً) بمعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث والرابع بالسجن ثلاث سنوات وذلك على اعتبار أن المتهمين أحدثوا بفهيمه مصطفى جابر الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتلها ولكن الضرب أفضى إلى موتها وكان ذلك مع سبق الإصرار. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين الأول والثاني وإن قررا بالطعن في الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسباباً فيكون طعنهما غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثالث قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن وآخرين بجريمة الضرب المفضي إلى موت مع سبق الإصرار قد أخطأ في الإسناد وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأنه دان الطاعن بالاستناد إلى أقوال كل من النسوة الثلاث أوعاد محمد ماضي وسعدية صالح إمام وفهيمه مصطفى جابر، ونسب إلى الأولى منهن أنها قررت في التحقيقات أقوالاً عن كيفية وقوع الاعتداء على المجني عليها الأولى ودور كل من الجناة في الجريمة التي دينوا بها، في حين أن أقوال كل منهن في التحقيقات مغايرة ولا تتفق مع ما حصله الحكم منها، ثم إن الحكم أرجع سبب الحادث إلى رغبة المتهمين في ارتكاب الفحشاء مع المجني عليها الأولى وباقي النسوة والاستيلاء على نقودهن، مع أنه ثابت من محضر ضبط الواقعة أنه ورد على لسان بعض شهود عينهم الطاعن في طعنه، سبب آخر للحادث وهو رغبة المحكوم عليه الأول في تطهير المنطقة من شرور المجني عليها الأولى وإبعاد أذاها عن شقيقه، هذا وأن ما أورده الحكم في معرض استظهاره لظرف سبق الإصرار في حق الطاعن غير سائغ ولا يوفره وليس له أصل في الأوراق، كما أن المحكمة لم تعن ببيان ظروف اتفاق المتهمين على الاعتداء على المجني عليها الأولى الذي أشارت إليه في مدونات حكمها وكيفية حصوله مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن وآخرين قضى بإدانتهم قد بيتوا النية واتفقوا فيما بينهم على الاعتداء على المجني عليها الأولى فهيمه مصطفى جابر انتقاماً منها لرفضها الاستجابة إلى ما سبق أن طلبوه منها من ارتكاب الفحشاء ومع باقي النسوة اللاتي يحضرن إليها وإمدادهم بالمال فجمعوا شملهم وقصدوا إلى منزلها وكان أولهم....... قد أعد سكيناً أخفاه في جيبه وما أن ظفروا بها حتى أمسك بها الطاعن وآخرون واستل الأول سكيناً من جيبه وانهال عليها طعناً في عدة مواضع من جسمها محدثا بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياتها دون أن يقصد من ذلك قتلها – ثم تابع اعتداءه على المجني عليهما أوعاد محمد ماضي وسعديه صالح إمام اللتين كانتا في منزل المجني عليها الأولى آنذاك كما اعتدى على عبد الله علي محمد ومحيي إسماعيل السيد اللذين حضرا على صوت الاستغاثة وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعن وزملائه المحكوم عليهم أدلة مستمدة من أقوال المجني عليهم في محضر ضبط الواقعة وتحقيقات النيابة ومن أقوال باقي شهود الإثبات ومما جاء بتقرير الصفة التشريحية والتقارير الطبية الشرعية، وبعد أن حصل الحكم مؤدى هذه الأدلة بما يتطابق مع ما أورده عن واقعة الدعوى وفي صورة منسقة لا تناقض فيها وتتفق وسلامة ما استخلصته منها – عرض إلى ظرف سبق الإصرار وكشف عن توافره في حق الطاعن وزملائه في قوله "وحيث إن ركن سبق الإصرار لدى المتهمين – من بينهم الطاعن – ثابت من ظروف الدعوى وملابساتها ذلك أن المتهمين اجتمعوا وقصدوا مسكن المجني عليها ومع أولهم سكيناً أعدها للاعتداء عليها ثم اقتحموا مسكنها وفاجأوها بالاعتداء على الصورة السالف بيانها دون سبب وقتي يدعوا لذلك وبعد أن سألها أولهم عن سبب عدم تركها المسكن وقد أحدث بها أولهم ثمانٍ وعشرين إصابة بالسكين بينما الباقون يمسكون بها ليمكنوه من الاعتداء بما يدل على التشفي والحقد الدفين في نفوسهم وبالتالي سبق اتفاقهم على اقتراف الجريمة بما يتفق معه مساءلتهم جميعاًًًًًًًًً عن نتيجة الضرب الذي حصل الاتفاق عليه". ولما كان يبين من ذلك أن الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن وزملائه المحكوم عليهم جميعاً واتفاقهم السابق على الاعتداء على المجني عليها الأولى ومن يتواجد في منزلها من النسوة، وكان الطاعن لم ينف عن نفسه في أسباب طعنه عدم تواجده على مسرح الجريمة مع باقي زملائه وبالذات أثناء واقعة اعتداء المحكوم عليه الأول على المجني عليها الأولى بل على النقيض من ذلك فقد سلم في طعنه بما قررته المجني عليها أوعاد محمد ماضي جمعه في تحقيقات النيابة من أنه والمحكوم عليه الثالث كانا قد أمسكا بالمجني عليها الأولى بقصد سرقة نقودها دون أن يقصدا إيقاع الأذى بها واقتصرت منازعته لها فيما عادت إليه هذه الشاهدة ونسبته إليه من أنه كان يضرب المجني عليها الأولى المذكورة بقدميه. كما سلم كذلك بما قررته المجني عليهما سعدية صالح إمام وعبد الله علي محمد من مشاهدتهما له على مسرح الجريمة وقت حصولها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر ظرف سبق الإصرار من إجماع الطاعن وزملائه المحكوم عليهم سوياً وتوجههم إلى منزل المجني عليها الأولى ومع أولهم سكيناً متفقين على الاعتداء عليها ثم اقتحامهم المسكن ومفاجأتهم للمجني عليها الأولى بالاعتداء عليها دون سبب وقتي يدعوهم لذلك. ولما كان قضاء محكمة النقض مستقراً على أن سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، وعلى أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد من قالة الخطأ في الإسناد والقصور والفساد في الاستدلال لا يكون سديداً. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من دعوى الخطأ في بيان سبب الحادث فمردود بأن الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها والخطأ فيه - بفرض وقوعه - لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وزملائه المحكوم عليهم بما أورده على ثبوتها في حقهم من أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وإذ دلل الحكم على توافر ظرف سبق الإصرار والاتفاق السابق على الاعتداء على المجني عليها الأولى ومن يتواجد بمنزلها من النسوة تدليلاً سليماً ولم يكن سبب الجريمة عنصراً من العناصر التي استند عليها في ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم جميعه فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.