أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20 – صـ 104

جلسة 13 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(23)
الطعن رقم 1772 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) موانع العقاب. مسئولية جنائية. قصد جنائي. "القصد العام". مواد مخدرة. قانون. "تفسيره".
( أ ) الغيبوبة المانعة من المسئولية. ماهيتها؟
(ب) تناول المواد المخدرة أو المسكرة اختياراً أو عن علم بحقيقة أمرها. لا يؤثر في توافر القصد الجنائي العام.
(ج، د) جريمة. "أركان الجريمة". ضرب. "ضرب أفضى إلى موت". قصد جنائي. "القصد الخاص". "القصد العام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) عدم تطلب القانون قصداً خاصاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت.
(د) العبرة في القصد الخاص هي بحقيقة الواقع عدم كفاية الأخذ بالاعتبارات والافتراضات القانونية لإثبات قيامه.
1 - إن الأصل – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها.
2 - يجري القانون حكم المدرك التام الإدراك على من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة مختاراً أو عن علم بحقيقة أمرها، مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه في الجرائم ذات القصد العام ومن ثم فإنه يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها.
3 - لا يتطلب القانون في جريمة الضرب المفضي إلى الموت قصداً خاصاً. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن تناول المسكر باختياره – وهو ما لم يجادل الطاعن فيه بوجه الطعن – فإنه ليس له من بعد أن يعيب على الحكم قعوده عن بحث درجة هذا السكر الاختياري ومبلغ تأثيره في إدراكه وشعوره في صدد جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دين بها ما دام القانون لا يستلزم فيها قصداً خاصاً اكتفاء بالقصد العام لعدم جدوى هذا البحث.
4 - إن الشارع لا يكتفي في ثبوت القصد الخاص بالأخذ باعتبارات وافتراضات قانونية بل يجب التحقق من قيامه من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، ومن ثم فإنه لا محل للتسوية بين الجرائم ذات القصد العام وتلك التي يتطلب فيها قصداً جنائياً خاصاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 24 يونيو سنة 1967 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: قتل مهدي صديق السيد عبد الجواد عمداً بأن طعنه بسكين قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الوارد في قرار الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن خمس سنوات وذلك على اعتبار أنه أحدث بالمجني عليه الجرح الموصوف بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتله ولكن الجرح أفضى إلى موته. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد أخطأ في الإسناد وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه عول ضمن ما عول عليه – في إطراحه دفاعه بقيام حالة الدفاع الشرعي – على أقوال الشاهد عيسى محمد عيسى وأسند إليه على خلاف أقواله بمحضر الجلسة أن الطاعن غادر المكان الذي كان يجلس فيه مع المجني عليه والشهود ثم عاد ومعه السكين وطعن بها المجني عليه، في حين أن أقوال هذا الشاهد بها تضمنت أن أحد الشهود كان يلاحق الطاعن من قبل إحضاره السكين واعتدائه على المجني عليه بما يوفر قيام حالة الدفاع الشرعي، كما دفع الطاعن بأنه كان في حالة سكر أفقده الرشد ومع أن الحكم سلم بأنه كان ثملا بعد أن شرب الخمر، إلا أنه لم يبحث مدى أثر تلك الحالة على شعوره وإدراكه، لأنه ينبني على فقدانه شعوره – حتى في حالة السكر الاختياري – إعفاءه من العقاب لعدم توافر القصد الجنائي لديه، وهذا القصد يكون منتفياً في هذه الحالة في الجرائم العمدية عموماً، يستوي في ذلك الجرائم ذات القصد العام أو ذات القصد الخاص ولا محل للتفرقة بينهما، لأن الأصل في الأحكام أن تبنى على أساس الحقيقة الواقعة وليس على أساس من النظريات والفروض وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، عرض إلى دفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي وأطرحه استنادا إلى ما ثبت لديه من شهادة شهود الإثبات ومنهم عيسى محمد عيسى من أنهم إذ طردوه من مجلسهم فقد غادر متوعداً إياهم بإحضار سكين للاعتداء عليهم، ثم عاد ومعه السكين وطعن بها المجني عليه. لما كان ذلك، وكانت شهادة عيسى محمد عيسى - وعلى ما يبين من مراجعتها بمحضر الجلسة - تتطابق وما أورده الحكم بشأنها وما استخلصه منها من أن الطاعن كان البادئ بالعدوان وبما تنتفي معه حالة الدفاع الشرعي. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن من رمي الحكم بعيب الخطأ في الإسناد وما يرتبه على ذلك من قيام حالة الدفاع الشرعي لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد أحيل إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى انتفاء القصد الخاص وهو نية إزهاق الروح وانتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت، وكان القانون لا يتطلب في هذه الجريمة قصداً خاصاً، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن تناول المسكر باختياره وهو ما لم يجادل الطاعن فيه بوجه الطعن - لما كان ذلك فإنه ليس له من بعد أن يعيب على الحكم قعوده عن بحث درجة هذا السكر الاختياري ومبلغ تأثيره في إدراكه وشعوره في صدد جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دين بها ما دام القانون لا يستلزم فيها قصداً خاصاً اكتفاء بالقصد العام لعدم جدوى هذا البحث، ذلك أن الأصل - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها ومفهوم ذلك أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة مختاراً أو عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها، فالقانون في هذه الحالة يجري عليه حكم المدرك التام الإدراك، مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه في الجرائم ذات القصد العام ولا محل للتسوية بين هذه الجرائم وتلك التي يتطلب القانون فيها قصداً جنائياً خاصاً ذلك لأن الشارع لا يكتفي في ثبوت هذا القصد بالأخذ باعتبارات وافتراضات قانونية بل يجب التحقق من قيامه من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.