أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20 – صـ 108

جلسة 13 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(24)
الطعن رقم 1777 لسنة 38 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) مؤسسات عامة. أشخاص اعتبارية. موظفون عموميون. اختلاس. "أموال أميرية. أموال مشروعات خاصة".
جريمة. "أركان الجريمة". قصد جنائي. تزوير. "الأوراق الرسمية". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) المؤسسات العامة هي مرافق عامة يديرها أحد أشخاص القانون العام. العاملون في المؤسسات العامة يعدون من الموظفين أو المستخدمين العامين.
(ب) نطاق سريان المادة 112 عقوبات؟
العامل بالمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز. في حكم الموظف العام.
(ج) متى تتحقق جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 عقوبات؟
(د) سريان المادة 113 مكرراً عقوبات على كل عضو مجلس إدارة أو مدير أو مستخدم في المشروعات الخاصة الواردة بها حصراً ولا تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بأية صفة. خروج العاملين بالمؤسسات العامة عن نطاق المادة 113 مكرراً عقوبات.
المؤسسة العامة. شخصية اعتبارية مستقلة. إتباع أساليب القانون العام في إدارتها. تمتعها بقسط من حقوق السلطة العامة بالقدر اللازم لتحقيق أغراضها.
(هـ) تحدث الحكم استقلال عن القصد الجنائي في جريمة التزوير. غير لازم. ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه.
(و، ز، ح) تزوير. "الأوراق الرسمية". جريمة. فاعل أصلي. اشتراك. "اتفاق. مساعدة". إثبات "إثبات بوجه عام". "قرائن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(و) ماهية الاشتراك بطريق الاتفاق؟
(ز) متى يتحقق الاشتراك بطريق المساعدة؟
(ح) حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته من الأدلة المباشرة أو غير المباشرة. مثال.
1 - المؤسسات العامة على ما يبين من قوانين إصدارها رقم 32 لسنة 1957 ورقم 60 لسنة 1963 و32 لسنة 1966 هي مرافق عامة يديرها أحد أشخاص القانون العام، ومن ثم فإن العاملين فيها يعدون من الموظفين أو المستخدمين العامين.
2 - جرى قضاء محكمة النقض على أن مجال تطبيق المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 يشمل كل موظف أو مستخدم عمومي ومن في حكمه ممن نصت عليهم المادة 111 من قانون العقوبات يختلس مالا تحت يده متى كان المال المختلس قد سلم إليه بسبب وظيفته، ويتم الاختلاس في هذه الصورة متى انصرفت نية الجاني إلى التصرف فيما يحوزه بصفة قانونية من مال سلم إليه أو وجد في عهدته بسبب وظيفته، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عد المتهم الأول باعتباره موظفاً بالمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز في حكم الموظفين العموميين وفقا للفقرة الأخيرة من المادة 111 والمادة 119 من قانون العقوبات وطبق في حقه المادة 112 من هذا القانون، فإنه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.
3 - تتحقق جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات متى كان المال المختلس مسلماً إلى الموظف العمومي أو من في حكمه طبقاً للمادتين 111 و119 من ذلك القانون بسبب وظيفته، يستوي في ذلك أن يكون المال أميرياً أو مملوكاً لأحد الأفراد، لأن العبرة هي بتسليم المال للجاني ووجوده في عهدته بسبب وظيفته، ولما كان المتهم الأول لا يجادل في أنه موظف بالمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز، وقد أثبت الحكم قبله أنه قام بغير حق وبوصفه مديرا للمنشأتين التابعتين لهذه المؤسسة بصرف مبالغ من أموالها المودعة بالبنوك والمسلمة إليه قانوناً بصفته إلى المتهم الثاني بمقتضى شيكات، وذلك بنية اختلاس هذه الأموال، فإن النعي على الحكم بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد.
4 - إن المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات التي أضيفت بالقانون رقم 120 لسنة 1962 لتوافق تطور المجتمع الجديد ولتوائم مقتضياته، إنما تنطبق على كل عضو مجلس إدارة أو مدير أو مستخدم في مشروعات خاصة وردت فيها على سبيل الحصر ولا تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بأية صفة كانت، ومن ثم فإن المؤسسات العامة تخرج بطبيعة تكوينها عن نطاق تطبيق هذه المادة لأن هذه المؤسسات بحسب الأصل أجهزة إدارية لها شخصية اعتبارية مستقلة تنشئها الدولة لتباشر عن طريقها بعض فروع نشاطها العام، وتتبع في إدارتها أساليب القانون العام وتتمتع في ممارستها بقسط من حقوق السلطة العامة بالقدر اللازم لتحقيق أغراضها.
5 - القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال، ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه.
6 - الاشتراك بطريق الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، ويتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه.
7 - يتحقق الاشتراك بالمساعدة بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك.
8 - متى كان للقاضي الجنائي مطلق الحرية في تكوين عقيدته من وقائع الدعوى، فإن له إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في خلال الفترة من 23 أغسطس سنة 1965 إلى 15 يونيو سنة 1966 بدائرة مركز إمبابة محافظة الجيزة: المتهم الأول (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع "مدير مطحني دار السلام وكساب التابعين للمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز" اختلس أموالاً مسلمة إليه بسبب وظيفته بأن اختلس مبلغ 17015 ج و580 م سبعة عشر ألف وخمسة عشر جنيهاً وخمسمائة وثمانين مليماً من أموال المطحنين قيمة الشيكات المبينة بالأوراق والمسلمة إليه بحكم وظيفته (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محررات لإحدى المنشآت التابعة لتلك المؤسسة وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها حالة كونه مختصاً بتحرير هذه المحررات بأن أصدر الشيكات المبينة بالتحقيقات للمتهم الثاني (....) وآخر بما يفيد استحقاقهما للمبالغ المدونة فيها على خلاف الحقيقة وأثبت كذباً في كعوب بعض هذه الشيكات ما يفيد أنها دفعت ثمناً لقمح للمطحنين وذلك بقصد @اختلاس المبالغ المدونة في هذه الشيكات موضوع التهمة الأولى – المتهمين الثاني والثالث: اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة الاختلاس موضوع التهمة الأولى بأن اتفقا معه على اختلاس هذه المبالغ وساعداه على ذلك بأن قام أولهما بصرف مبلغ 14353 ج و860 م أربعة عشر ألف وثلاثمائة وثلاثة وخمسين جنيهاً وثمانمائة وستين مليماً قيمة شيكات مزورة أصدرها المتهم الأول بأمره وقام ثانيهما بإثبات بيانات شيكات مزورة قيمتها 11372 ج و60 م إحدى عشر ألف وثلاثمائة واثنين وسبعين جنيهاً وستين مليماً بدفتري بوستة الصندوق والبنك لهذين المطحنين وقد تمت الجريمة فعلاً بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهم الرابع: ارتكب تزويراً في محرر لإحدى المنشآت التابعة للمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت على خلاف الحقيقة في كشف القمح الوارد لمطحن كساب برطي المؤرخ 17 يوليو سنة 1966 ما يفيد ورود أربعمائة إردب قمح كما أثبت هذا البيان المزور في دفتر تموين المطحن وفي باقي مستندات المطحن المبينة بالتحقيقات. المتهم الخامس: ارتكب تزويراً في محرر لإحدى المنشآت التابعة للمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت على خلاف الحقيقة في كشف الإنتاج الخاص بشهر يوليو سنة 1966 الخاص بمطحن كساب برطي ما يفيد ورود أربعمائة إردب قمح للمطحن. وطلبت من مستشار الإحالة أن يأمر بإحالة جميع المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً لنص المواد 40/ 2 - 3 و41 و111/ 6 و112/ 1 - 2 و118 و119 و211 و213 و214/ 1 مكرر من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين جميعا والمادتين 55/ 1 و56/ 1 من القانون ذاته بالنسبة إلى المتهمين الرابع والخامس – أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبعزله من وظيفته – ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات - ثالثاً - ببراءة المتهم الثالث من التهمة المسندة إليه - رابعا - بمعاقبة كل من المتهمين الرابع والخامس بالحبس مع الشغل لمدة سنة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها على كل منهما لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم - خامساً: بتغريم المتهمين الأول والثاني متضامنين مبلغ 14353 ج و860 م أربعة عشر ألفاً وثلاثمائة وثلاث وخمسين جنيهاً وثمانمائة وستين مليماً وبتغريم المتهم الأول وحده أيضاً مبلغ 2661 ج و720 م ألفين وستمائة وواحد وستين جنيهاً وسبعمائة وعشرين مليماً وهو ما يساوي باقي قيمة المبلغ المختلس. فطعن المحامي عن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن فيه بالنقض أيضاً المحامي عن المحكوم عليه الأول... الخ


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي اختلاس أموال مملوكة لمنشأتين تابعتين للمؤسسة العامة للمطاحن وارتكاب تزوير في محررات لإحدى المنشآت التابعة لتلك المؤسسة، قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه اعتبر الطاعن موظفاً عاماً وطبق في حقه المادة 112 من قانون العقوبات مع أن الثابت أنه موظف بمؤسسة المطاحن والمضارب، وأموالها ليست أموالاً عامة ومن ثم فإذا صحت الجريمة المسندة إليه فإن المادة 113 مكرر من قانون العقوبات تكون هي الواجبة التطبيق، وجاء الحكم قاصراً عن بيان واقعة الدعوى وعن الإحاطة بدفاع الطاعن، ولم يرد على ما أثاره الدفاع عنه من انتفاء نية تملك المبالغ التي صرفت والتي كان القصد من صرفها شراء آلات وأدوات وسيارة للمطحن، وقد تحقق بالفعل شراء بعضها كما في صفقة "السيور" وقد كان على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع للتحقق من مدى صحته أو أن ترد عليه رداً سائغاً. كما أثار الدفاع أنه حتى ولو لم يستقم جدلاً أن المبالغ قد صرفت لشراء شيء من تلك الأدوات وإنما جرى أخذها بنية ردها فإن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات لانتفاء نية الاختلاس أصلاً. وقد جاءت أسباب الحكم قاصرة عن إطراح هذا الدفاع وخاطئة عندما قالت بأن الطاعن هو صاحب اليد على الأموال المودعة بالبنك بوصفه صاحب الصفة في الصرف منها رغماً عن أن هذه اليد لا تقوم له ولا تتوافر له هذه الصفة، ولم يتحدث الحكم عن قصد التزوير وشاب أسبابه الغموض والإبهام والتواتر، وذلك كله مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الاختلاس والتزوير اللتين دين الطاعن بهما، وأقام عليهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكانت المؤسسات العامة على ما يبين من قوانين إصدارها رقم 32 لسنة 1957 ورقم 60 سنة 1963، ورقم 32 سنة 1966 هي مرافق عامة يديرها أحد أشخاص القانون العام، ومن ثم فإن العاملين فيها يعدون من الموظفين أو المستخدمين العامين، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أن مجال تطبيق المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 يشمل كل موظف أو مستخدم عمومي ومن في حكمه ممن نصت عليهم المادة 111 من قانون العقوبات يختلس مالاً تحت يده متى كان المال المختلس قد سلم إليه بسبب وظيفته، ويتم الاختلاس في هذه الصورة متى انصرفت نية الجاني إلى التصرف فيما يحوزه بصفة قانونية من مال سلم إليه أو وجد في عهدته بسبب وظيفته، فإن الحكم المطعون فيه وإذ عد الطاعن باعتباره موظفاً بالمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز في حكم الموظفين العموميين وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 111، والمادة 119 من قانون العقوبات، وطبق في حقه المادة 112 من هذا القانون يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح، ولا محل لما يثيره الطاعن في انطباق المادة 113 مكرراً على واقعة الدعوى ذلك لأن هذه المادة التي أضيفت بالقانون رقم 120 لسنة 1962 لتوافق تطور المجتمع الجديد ولتوائم مقتضياته، إنما تنطبق على كل عضو مجلس إدارة أو مدير أو مستخدم في مشروعات خاصة وردت فيها على سبيل الحصر لا تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بأية صفة كانت. ومن ثم فإن المؤسسات العامة تخرج بطبيعة تكوينها عن نطاق تطبيق هذه المادة لأن هذه المؤسسات بحسب الأصل أجهزة إدارية لها شخصية اعتبارية مستقلة تنشئها الدولة لتباشر عن طريقها بعض فروع نشاطها العام وتتبع في إدارتها أساليب القانون العام وتتمتع في ممارستها بقسط من حقوق السلطة العامة بالقدر اللازم لتحقيق أغراضها. لما كان ذلك، جه
وكانت جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات تتحقق متى كان المال المختلس مسلماً إلى الموظف العمومي أو من في حكمه طبقا للمادتين 111 و119 من ذلك القانون بسبب وظيفته يستوي في ذلك أن يكون المال أميرياً أو مملوكاً لأحد الأفراد لأن العبرة هي بتسليم المال للجاني ووجوده في عهدته بسبب وظيفته، وكان الطاعن لا يجادل في أنه موظف بالمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز، وقد أثبت الحكم أنه قام بغير حق - وبوصفه مديراً للمنشأتين التابعتين لهذه المؤسسة بصرف مبالغ من أموالها المودعة بالبنوك والمسلمة إليه قانوناً بصفته إلى المتهم الثاني بمقتضى شيكات، وذلك بنية اختلاس هذه الأموال، فإن النعي على الحكم بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية الاختلاس لدى الطاعن فأثبتها في حقه بقوله. "وحيث إن المحكمة لا تعول على دفاع المتهم الأول (الطاعن) ذلك أن دفع المبالغ للمتهم الثاني بالشيكات رغم استمراره مدة سنة كاملة فإن المتهم الأول استمر في هذه العملية دون أن يورد المتهم الثاني شيئاً ولأنه لم يثبت أن أياً من آلات وسيارات المطحن كان في حاجة إلى إصلاح كما أنه لم يثبت أنه كان في احتياج لسيارة ولم يوضح المتهم الأول في أقواله على التحديد الآلات والسيارات المعينة التي دفع المبالغ من أجل إحضار قطع الغيار والموتورات لها ولأن المتهم الأول لم يثبت في كعوب الشيكات عند إصدارها أن قيمتها ثمن قطع غيارات وموتورات سيارات ثم إثباته في هذه الكعوب في مطحن كساب عند قرب استلام المدير الجديد الشاهد الثاني إدارته منه أن القيمة ثمن قمح على خلاف الواقع بالإضافة إلى أن القيد الذي تم في الدفاتر تم على أساس أن المبالغ الصادر بها الشيكات هي ثمن قمح واستمرار المتهم الأول في القيام بهذه العملية في المطحن الثاني الذي نقل إليه من مطحن دار السلام وعدم قيام المتهم الأول بإخطار أحد من المسئولين بالمؤسسة بالمطحن بقيامه بهذه العملية" ثم قول الحكم بعد ذلك "إن نية الاختلاس ثابتة في حق المتهم الأول بعد أن أهدرت المحكمة دفاعه الذي مقتضاه أنه سلم الشيكات بعد قيامه بتحريرها إلى المتهم الثاني الصادرة لصالحه الشيكات والذي قام بصرفها وذلك لشراء قطع غيار للمطحن بقيمتها". فإن هذا الذي أورده الحكم من أدلة وشواهد سائغ وكاف للتدليل على ثبوت قصد الاختلاس
. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان باقي ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى والتحقيقات التي تمت فيها لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعا.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة الاختلاس قد شابه قصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه لم يستظهر بالنسبة للطاعن طريقة الاشتراك في الجريمة ولم يبين عناصر الاتفاق المكون له والأدلة على ثبوته في حق الطاعن. وقد جاء الحكم خلواً من بيان علم الطاعن بظروف الجريمة وإلمامه بها. هذا إلى أن صرف الطاعن لقيمة الشيكات يعد عملاً لاحقاً لقيام جريمة الاختلاس وهو ما لا يتوافر به الاشتراك بالمساعدة التي تستلزم أن تكون بفعل معاصر لارتكاب الجريمة وليس لاحقاً لها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها، وأورد مؤدى أقوال الطاعن بما مفاده أنه اعترف باستلامه قيمة جميع الشيكات المحررة باسمه لشراء موتورات لعربات النقل، وأنه كان يعلم بأن النقود التي تسلمها هي من أموال المطحنين، وأنه لم يدفع شيئاً كعربون لشراء هذه الآلات دلل الحكم على ثبوت اشتراك الطاعن مع المتهم الأول في جريمة الاختلاس بقوله "وحيث إن اشتراك المتهم الثاني (الطاعن) مع المتهم الأول ثابت في حقه من إصدار المتهم الأول الشيكات لصالحه وقيامه بصرف قيمتها بعد إذ أهدرت المحكمة دفاع المتهم الأول الذي مقتضاه أن المتهم المذكور سلم المبالغ قيمة الشيكات للمتهم الثاني لإحضار قطع غيار للآلات وموتورات للسيارات مع عدم وجود أية معاملات أو صلة بين المتهم الثاني وبين المطحنين اللذين عمل المتهم الأول مديراً لهما على التعاقب ولا صحة لما ذكره الدفاع من أن المتهم تاجر قطع غيار وإنما هو حسبما جاء في أقواله صاحب ورشة سمكرة وادعى أنه سيستورد القطع المطلوبة عن طريق الغير من الخارج فإن ما أورده الحكم فيما تقدم يتوافر به الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة، ذلك أن الاشتراك بطريق الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، ويتم غالبا دون مظاهر خارجية أو أعمال محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه وإذا كان للقاضي الجنائي مطلق الحرية في تكوين عقيدته من وقائع الدعوى، فإن له إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره. ولما كانت الأدلة والقرائن التي ساقها الحكم للتدليل على اشتراك الطاعن بطريق الاتفاق والمساعدة من شأنها أن تؤدي إلى ثبوته، في حقه، وكان الاشتراك بالمساعدة إنما يتحقق بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل في الواقع إلى جدل في موضوع الدعوى وفي تقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.