أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20 – صـ 118

جلسة 13 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، أنور أحمد خلف.

(25)
الطعن رقم 1955 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) قانون. "سريانه من حيث الزمان". "القانون الأصلح". دقيق. رده. تموين. قرارات وزارية. إثبات. "إثبات بوجه عام".
( أ ) تغاير مواصفات الرده على توالي القرارات الوزارية الصادرة بتحديدها لا يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم، ما دامت جميعها متفقة على تحديد مواصفات لاستخراجها وتأثيم عدم مطابقتها لهذه المواصفات.
(ب) عدم اشتراط القرار رقم 90 لسنة 1957 في شأن استخراج الدقيق وصناعة الخبز المعدل وجوب فحص العينة بطريقي النخل والتحليل الكيمائي معا وأن تكون المخالفة في نسبتين على الأقل من النسب المقررة للمواصفات.
(ج) إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير آراء الخبراء".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. أمر موكول إلى قاضي الموضوع.
1 - إن مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجنائي يحكم ما يقع في ظله من جرائم إلى أن تزول عنه القوة الملزمة بقانون لاحق ينسخ أحكامه وهذا هو ما قننته الفقرة الأولى من المادة الخامسة من قانون العقوبات بنصها على أن "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها". أما ما أوردته المادة المشار إليها في فقرتها الثانية من أنه "ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره"، فإنما هو استثناء من الأصل العام يؤخذ في تفسيره بالتضييق ويدور وجوداً وعدماً مع العلة التي دعت إلى تقريره لأن المرجع في فض التنازع بين القوانين من حيث الزمان هو قصد الشارع الذي لا تجوز مصادرته فيه. ولما كان التأثيم في جريمة استخراج ردة معدة لرغيف العجين غير مطابقة للمواصفات يكمن أساساً في مخالفة أمر الشارع بالتزام مواصفات معينة في استخراج الردة، وكانت القرارات التموينية التي تحدد تلك المواصفات إنما تخضع لاعتبارات اقتصادية بحت لا تتصل بمصلحة مستخرجي الردة في شيء ولا تعدو أن تكون من قبيل التنظيمات التي تمليها تلك الظروف في غير مساس بقاعدة التجريم أو العناصر القانونية للجريمة، ومن ثم فإن تغاير مواصفات الردة على توالي القرارات الوزارية الصادرة بتحديدها لا يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم ما دامت جميعهاً متفقة على تحديد مواصفات لاستخراجها وتأثيم عدم مطابقتها لهذه المواصفات، ويكون المرجع في تحديد مواصفات الردة المعدة لرغيف العجين إلى القرار الساري وقت استخراجها مخالفة لهذه المواصفات دون أن يرفع عن الفعل صفة الجريمة ما يصدر من قرارات تالية بتعديل تلك المواصفات.
2 - إذ نصت المادة 35 من قرار وزير التموين رقم 90 لسنة 1957 في شأن استخراج الدقيق وصناعة الخبز المعدلة بالقرارين رقمي 146 لسنة 1958 و92 لسنة 1959 - على أنه: "ترسل عينات الدقيق والردة والخبز وغيرها التي تؤخذ من المطاحن والمخابز ومحال بيع الدقيق والخبز والمحال العامة إلى إدارة منتجات الحبوب بوزارة التموين لتعطى رقماً سرياً ثم ترسل إلى قسم الكيمياء بوزارة الزراعة أو إلى مصلحة المعامل بوزارة الصحة لفحصها والتحقق من مطابقتها للمواصفات المقررة لكل صنف وتعتبر العينة غير مطابقة للمواصفات المطلوبة إذا كانت مخالفة لنسبة واحدة من النسب المقررة لتلك المواصفات" فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أنه لا يعتد في فحص عينات الدقيق والردة بما كانت تقضي به المادة 17 من القرار رقم 259 لسنة 1947 الملغي بمقتضى المادة 39 من القرار رقم 90 لسنة 1957 - من وجوب فحص العينة بطريقي النخل والتحليل الكيمائي معاً وأن تكون المخالفة في نسبتين على الأقل من النسب المقررة للمواصفات.
3 - تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها دون أن تلزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 10 فبراير سنة 1965 بدائرة مركز منيا القمح محافظة الشرقية: أنتج ردة غير مطابقة للمواصفات على النحو الموضح بالمحضر. وطلبت عقابه بمواد القانون رقم 95 لسنة 1945. ومحكمة منيا القمح الجزئية قضت حضورياً ببراءة المتهم. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم ومحكمة الزقازيق الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم 100 قرش مع المصادرة. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة استخراج ردة معدة لرغيف العجين غير مطابقة للمواصفات قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قرار من وزير التموين رقم 116 لسنة 1967 بتعديل مواصفات الردة المعدة لرغيف العجين وذلك برفع نسبة الرماد المسموح بها إلى 6% و6.1% و6.2% وإذ كانت الواقعة المسندة إلى الطاعن أنه تجاوز نسبة الرماد المحددة في قرار وزير التموين رقم 90 لسنة 1957 وكانت نسبة الرماد في هذه الواقعة أقل من النسبة المسموح بها بموجب القرار رقم 116 لسنة 1967 فإن هذا القرار يعتبر القانون الأصلح للمتهم طبقا للفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ويجب تطبيقه على الواقعة التي أصبحت غير مؤثمة بمقتضى القرار الأخير. ثم إن الحكم أطرح طلب الطاعن إعادة تحليل العينات بقوله إن المحكمة تطمئن إلى سلامة إجراءات التحليل دون أن يبين مضمون التحليل الذي اطمئن إلى نتيجته وهل روعي فيه أن يكون فحص العينات بطريق النخل والتحليل الكيمائي معاً على ما تقضي به المادة 17 من القرار الوزاري رقم 259 لسنة 1947.
وحيث إن مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجنائي يحكم ما يقع في ظله من جرائم إلى أن تزول عنه القوة الملزمة بقانون لاحق ينسخ أحكامه وهذا هو ما قننته الفقرة الأولى من المادة الخامسة من قانون العقوبات بنصها على أن "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها" أما ما أوردته المادة المشار إليها في فقرتها الثانية من أنه "ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانوناً أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره" فإنما هو استثناء من الأصل العام يؤخذ في تفسيره بالتضييق ويدور وجوداً وعدماً مع العلة التي دعت إلى تقريره لأن المرجع في فض التنازع بين القوانين من حيث الزمان هو قصد الشارع الذي لا تجوز مصادرته فيه. ولما كان التأثيم في جريمة استخراج ردة معدة لرغيف العجين غير مطابقة للمواصفات يكمن أساساً في مخالفة أمر الشارع بالتزام مواصفات معينة في استخراج الردة، وكانت القرارات التموينية التي تحدد تلك المواصفات إنما تخضع لاعتبارات اقتصادية بحت لا تتصل بمصلحة مستخرجي الردة في شيء ولا تعدو أن تكون من قبيل التنظيمات التي تمليها تلك الظروف في غير مساس بقاعدة التجريم أو العناصر القانونية للجريمة، ومن ثم فإن تغاير مواصفات الردة على توالي القرارات الوزارية الصادرة بتجديدها لا يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم ما دامت جميعها متفقة على تحديد مواصفات لاستخراجها وتأثيم عدم مطابقتها لهذه المواصفات، ويكون المرجع في تحديد مواصفات الردة المعدة لرغيف العجين إلى القرار الساري وقت استخراجها مخالفة لهذه المواصفات دون أن يرفع عن الفعل صفة الجريمة ما يصدر من قرارات تالية بتعديل تلك المواصفات. لما كان ذلك، وكان القرار الساري وقت استخراج الردة موضوع الدعوى المطروحة هو القرار رقم 90 لسنة 1957، وكان الطاعن لا ينازع في أن الردة التي استخرجها بمطحنه لا تطابق المواصفات المنصوص عليها في هذا القرار، فإن انطباق هذه المواصفات على ما جاء بالقرار رقم 116 لسنة 1967 لا يتحقق فيه معنى القانون الأصلح في حكم الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين مؤدى تقرير معامل التحليل بما مفاده أن العينة ردة غير مطابقة للمواصفات المنصوص عليها في القرار الوزاري رقم 90 لسنة 1957 لتجاوز نسبة الرماد بها وهي 3.5% عن الحد المقرر ولوجود مخلفات على منخل 25 يقدر بعشرة في المائة قد أفصح عن اطمئنان المحكمة إلى سلامة إجراءات أخذ العينة وما أسفر عنه تحليلها ولم تر المحكمة من بعد ثمة مبرر لإجابة الطاعن إلى طلبه بإعادة تحليل العينة. لما كان ذلك، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها دون أن تلزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون. وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى تقرير معامل التحليل وبين النتيجة التي أسفر عنها فحص العينات المضبوطة فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم بدعوى عدم بيانه مؤدى تقرير التحليل وعدم إجابته إلى طلبه إعادة تحليل العينات يكون في غير محله. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور لأنه لم يبين أن العينات قد تم فحصها بطريق النخل والتحليل معاً على ما تقضي به المادة 17 من القرار الوزاري رقم 259 لسنة 1947 فمردود بأن هذا القرار قد ألغي بمقتضى المادة 39 من قرار وزير التموين رقم 90 لسنة 1957 في شأن استخراج الدقيق وصناعة الخبز والمطبق على واقعة الدعوى. لما كان ذلك، وكانت المادة 35 من القرار الأخير المعدلة بالقرار رقم 146 لسنة 1958 والقرار رقم 92 لسنة 1959 إذ نصت على أنه "ترسل عينات الدقيق والردة والخبز وغيرها التي تؤخذ من المطاحن والمخابز ومحال بيع الدقيق والخبز والمحال العامة إلى إدارة منتجات الحبوب بوزارة التموين لتعطى رقماً سرياً ثم ترسل إلى قسم الكيمياء بوزارة الزراعة أو إلى مصلحة المعامل بوزارة الصحة لفحصها والتحقق من مطابقتها للمواصفات المقررة لكل صنف وتعتبر العينة غير مطابقة للمواصفات المطلوبة إذا كانت مخالفة لنسبة واحدة من النسب المقررة لتلك المواصفات" فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أنه لا يعتد في فحص عينات الدقيق والردة بما كانت تقضي به المادة 17 من القرار الملغى رقم 259 لسنة 1947 من وجوب فحص العينة بطريقي النخل والتحليل الكيمائي معاً وأن تكون المخالفة في نسبتين على الأقل من النسب المقررة للمواصفات، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.


هذه المبادئ مقررة أيضا فى الطعن رقم 1958 لسنة 38 ق جلسة 20 يناير سنة 1969 (لم ينشر).