أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 145

جلسة 20 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة، والدكتور أحمد إبراهيم.

(31)
الطعن رقم 1920 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) إثبات. "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) قرابة الشهود للمجني عليه. لا تمنع المحكمة من الأخذ بأقوالهم متى اقتنعت بها.
(ب) وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها. موضوعي.
(جـ) قتل عمد. "نية القتل". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر أركان الجريمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قصد جنائي.
تعمد القتل أمر داخلي متعلق بالإرادة . تقدير توفره. موضوعي.
(د) إثبات. "إثبات بوجه عام". سبق إصرار. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جواز اعتماد القاضي على ما يحصله من معلومات في مجلس القضاء أثناء نظر الدعوى.
(هـ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "شهادة". محكمة الموضوع.
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
1 - إن قرابة الشهود للمجني عليه لا تمنع من الأخذ بأقوالهم متى اقتنعت المحكمة بصدقها.
2 - الأصل أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حوله من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها.
3 - إن تعمد القتل أمر داخلي متعلق بالإرادة يرجع تقدير توفره أو عدم توفره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع. ومتى كان الحكم المطعون فيه قد دلل على توفر نية القتل لدى الطاعنين من إحاطتهم بالمجني عليه وقت أن ظفروا به وطعنهم له العديد من الطعنات بالسكين في مقاتل من جسمه في رقبته وصدره وبطنه وقيام الطاعن الثاني بذبحه بعد أن سقط أرضاً ولم يتركوه إلا بعد أن تيقنوا من الإجهاز عليه وأنه أصبح جثة هامدة وأن دافعهم في ذلك الأخذ بثأر والد المتهم الثاني الذي اتهم المجني عليه في قتله ولكن حكم ببراءته قبل الحادث بيومين مما أثار حفيظة الجناة للأخذ بثأرهم، فإن ما أورده الحكم تدليلاً على قيام تلك النية لدى الطاعنين من الظروف والملابسات التي أوضحها في هذا الشأن سائغ وكاف لإثبات توفر نية القتل لديهم.
4 - من المقرر أنه لا يجوز للقاضي أن يعتمد في حكمه على المعلومات التي حصلها وهو في مجلس القضاء أثناء نظر الدعوى وأن ما يحصله على هذا الوجه لا يعتبر من المعلومات الشخصية التي لا يجوز له أن يستند إليها في قضائه، وأن استخلاص النتائج من المقدمات هو من صميم عمل القاضي فلا يصح معه أن يقال إنه قضى بعلمه. ولما كان ما قرره الحكم في معرض حديثه عن توفر ظرف سبق الإصرار من أن الأخذ بالثأر في بيئة المتهم الأول أمر لا محيص عنه ولا سكوت عليه لا يعتبر من المعلومات الشخصية، وإنما هي معلومات حصلتها المحكمة في مجلس القضاء واستخلصتها كنتيجة سائغة عقلاً ومنطقاً من أقوال شاهدي الإثبات اللذين شهدا بأن المتهم الأول كان يطلق النار بعد الحادث معلناً فرحه للأخذ بثأر والده وأن الزغاريد كانت تنطلق من منزله تعبيراً عن مشاعر الفرح بهذه المناسبة، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل.
5 - إن المحكمة لا تلتزم بأن تتتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون من التفات الحكم عن الرد على دفاعهم من عدم تخلف إصابات بهم أو آثار بملابسهم نتيجة التحامهم بالمجني عليه لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 14 أكتوبر سنة 1965 بدائرة مركز طهطا محافظة سوهاج: (أولاً) قتلوا يونس السيد يونس عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن انتووا قتله وعقدوا العزم عليه وأعدوا لذلك آلات حادة "موسى" وكمنوا له في الطريق الذي أيقنوا بمروره فيه وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه طعناً بالآلات المذكورة قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانيا) 1 - المتهم الأول أيضا: أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "مسدس". 2 - أحرز ذخائر "طلقات" مما تستعمل في الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصاً له في إحراز السلاح أو حيازته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من قانون رقم 39 لسنة 1954 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق، فقرر بذلك. وادعت بالحقوق المدنية زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولاده القصر قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26 و1 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 2 المرافق مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات. (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهمتين المسندتين إليه. (ثانياً) وبمعاقبة كل من المتهم الثاني والثالث بالأشغال الشاقة المؤبدة. (ثالثاً) مصادرة المضبوطات. (رابعاً) إلزام المتهمين متضامنين أن يدفعوا للمدعية بالحق المدني.... بصفتها مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وألزمتهم متضامنين المصاريف المدنية ومبلغ 300 قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز الأسلحة النارية والذخائر قد خالف القانون وانطوى على فساد في الاستدلال وقصور في البيان وتناقض في التسبيب، ذلك بأنه أخذ بأقوال شهود الإثبات استناداً إلى عدم وجود قرابة مباشرة بينهم وبين المجني عليه في حين أن الشاهد حسن أبو علي إسماعيل قرر أن زوجته أخت زوجة المجني عليه لأبيها مما مفاده أنه قريب المجني عليه من الدرجة الثانية. وما قاله الحكم من تبرير لتأخر شاهد الإثبات الوحيد في التبليغ عن الحادث لمدة ثلاث ساعات لتوجهه إلى القرية لتبليغ ابن عم والد القتيل ثم عودته للنقطة للإبلاغ بعد رفض الأول، ذلك أمر غير مستساغ عقلا ًومنطقاً – كما أن الحكم لم يعن باستظهار نية القتل ويدلل على توافرها لدى الطاعنين. هذا إلى أن المحكمة أقامت حكمها على علمها الخاص عندما قررت في معرض حديثها عن ظرف سبق الإصرار أن الأخذ بالثأر في بيئة المتهم الأول أمر لا محيص عنه ولا سكوت عليه، فلم تعن بتحقيق هذا الأمر والتيقن منه. كما أن الحكم قد ذكر في معرض رده على دفاع المتهم الثالث من أنه كان بمدينة طهطا وقت وقوع الحادث بأن الحادث وقع في الساعة الثامنة وعشر دقائق صباحاً في حين أنه أثبت عند تحصيله لأقوال شاهد الإثبات أن الحادث وقع في الساعة الثامنة والنصف صباحاً مما يشكل تناقضاً في التسبيب. هذا إلى أن الحكم لم يرد على دفاع الطاعنين من كذب شاهد الإثبات إذ لم يتخلف بهم أو بملابسهم أي آثار تفيد تماسكهم بالمجني عليه الأمر الذي يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دين بها الطاعنون وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة لها معينها الصحيح بالأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، عرض إلى دفاع الطاعنين من وجود صلة قرابة بين شهود الإثبات والمجني عليه ورد عليه وفنده بقوله "بأن الدفاع لم يتمكن من إثبات قرابة مباشرة بين أحد من شهود الإثبات والمجني عليه وقصارى ما استبانته المحكمة من مناقشة الدفاع لهؤلاء بالجلسة أن "نجع غضين" يضم الشهود المذكورين والمتهمين وأن نسبهم جميعاً ينتهي بلقب "غضين" وأن جميع سكان نجع غضين تربطهم قرابة ولكن قرابة الشهود بالمتهمين قرابة بعيدة" ومفاد ذلك أن الحكم خلص إلى وجود قرابة بين شهود الإثبات والمجني عليه والطاعنين أيضا وإن كانت تلك القرابة الأخيرة بعيدة، ورغم أنهم أولى قرابة بالمجني عليه إلا أنه اطمأن إلى أقوالهم وآنس الصدق فيها، ومن ثم فلا جناح عليه إن هو أخذ بها، إذ أن قرابة الشهود للمجني عليه لا تمنع من الأخذ بأقوالهم متى اقتنعت المحكمة بصدقها، ويضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن ولا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما آثاره الدفاع من تأخير شاهد الإثبات في التبليغ ورد عليه بقوله إن "المحكمة لا ترى فيه دلالة معينة يستفيد منها المتهمون ذلك أن تأخيره هذا له تبريره، إذ ذكر أنه على إثر مشاهدته للحادث توجه إلى القرية وأبلغ محمد مرعي حسين ابن عم والد القتيل بما رآه وأخذ يحاول إقناعه بالتبليغ بنفسه عن الحادث فأبى وأن هذا استغرق منه بعض الوقت فتوجه هو إلى التبليغ فإذا كان ما فعله هذا الشاهد قد اقتضى منه بعض التأخير فإن هذا التأخير فضلاً عن أنه قد برره التبرير السائغ سالف الذكر، فلا يؤخذ منه أنه كاذب في شهادته ما لم يقدم الدفاع دليلا يجرح به أقواله تجريحاً مؤيداً بالدليل وهو الأمر الذي لم يتوصل إليه الدفاع" وما أورده الحكم من ذلك سائغ في العقل والمنطق ويكفي للرد على دفاع الطاعنين في هذا الشأن، إذ الأصل أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي تؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حوله من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان تعمد القتل أمراً داخلياً متعلقاً بالإرادة يرجع تقدير توفره أو عدم توفره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توفر نية القتل لدى الطاعنين من إحاطتهم بالمجني عليه وقت أن ظفروا به وطعنهم له العديد من الطعنات بالسكين في مقاتل من جسمه في رقبته وصدره وبطنه وقيام الطاعن الثاني بذبحه بعد أن سقط أرضاً ولم يتركوه إلا بعد أن تيقنوا من الإجهاز عليه وأنه أصبح جثة هامدة وأن دافعهم في ذلك الأخذ بثأر والد المتهم الثاني الذي أتهم المجني عليه في قتله ولكن حكم ببراءته قبل الحادث بيومين مما أثار حفيظة الجناة للأخذ بثأرهم، فإن ما أورده الحكم تدليلاً على قيام تلك النية لدى الطاعنين من الظروف والملابسات التي أوضحها في هذا الشأن سائغ وكاف لإثبات توفر نية القتل لديهم ويضحى منعاهم في هذا الصدد ولا محل له إذ لا يعدو أن يكون عوداً إلى مناقشة أدلة الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجوز للقاضي أن يعتمد في حكمه على المعلومات التي حصلها وهو في مجلس القضاء أثناء نظر الدعوى وأن ما يحصله على هذا الوجه لا يعتبر من المعلومات الشخصية التي لا يجوز له أن يستند إليها في قضائه، وأن استخلاص النتائج من المقدمات هو من صميم عمل القاضي فلا يصح معه أن يقال أنه قضي بعلمه، وكان ما قرره الحكم في معرض حديثه عن توفر ظرف سبق الإصرار من "أن الأخذ بالثأر في بيئة المتهم الأول أمر لا محيص عنه ولا سكوت عليه" لا يعتبر من المعلومات الشخصية، وإنما هي معلومات حصلتها المحكمة في مجلس القضاء واستخلصتها كنتيجة سائغة عقلاً ومنطقاً من أقوال شاهدي الإثبات اللذين شهدا بأن "المتهم الأول كان يطلق النار بعد الحادث معلناً فرحه للأخذ بثأر والده وأن الزغاريد كانت تنطلق من منزله تعبيراً عن مشاعر الفرح بهذه المناسبة" ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن الثالث من أنه كان في مدينة طهطا وقت وقوع الحادث وبأن شاهديه لم يؤيداه فيما ذهب إليه إذ قرر أولهما أنه حضر له في الساعة التاسعة أو التاسعة والنصف لا قبل ذلك وقرر الثاني أنه لم يلتق به إلا حوالي الساعة العاشرة صباحاً الأمر الذي لا يستفاد منه بعده عن مكان الحادث ساعة وقوعه في الساعة الثامنة وعشر دقائق صباحاً حسبما شهد شاهد الإثبات الأول، وما أورده الحكم من ذلك سائغ وسديد ولا يتنافى أو يتعارض مع ما قرره في معرض سرد الواقعة من أن شاهد الإثبات الأول شهد بأن الحادث وقع في الساعة الثامنة والنصف صباحاً ما دام أن تحديد وقت وقوع الحادث بالدقة التامة لم يكن مقصوداً لذاته في هذا الخصوص، وإنما المقصود هو الرد على دفاع المتهم الثالث في هذا الشأن. ولما كان الحكم قد اطمأن بالأدلة السائغة التي أوردها إلى أنه كانت هناك فسحة من الوقت تسمح لهذا المتهم بمغادرة مكان الحادث بعد وقوعه والتواجد في مدينة طهطا في الوقت الذي حدده شاهداه، فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل إذ هو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً. لما كان ذلك، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون من التفات الحكم عن الرد على دفاعهم من عدم تخلف إصابات بهم أو آثار بملابسهم نتيجة التحامهم بالمجني عليه لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.