أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 168

جلسة 27 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(36)
الطعن رقم 1849 لسنة 38 القضائية

(أ) قتل عمد. مسئولية تقصيرية. دعوى مدنية. "المصلحة في الدعوى" ضرر. تعويض. "التعويض عن الضرر الأدبي".
نطاق المادة 222 من القانون المدني؟
حق الأخت في المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي الذي أصابها من جراء قتل أختها.
(ب، ج) إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) تقدير الدليل. موكول لمحكمة الموضوع.
قرائن الحال طريق أصلي في الإثبات في المواد الجنائية.
مجادلة محكمة الموضوع في تقديرها الأدلة. غير جائزة أمام النقض.
(ج) إصابة المجني عليها بشلل في إحدى يديها لا يحول دون استعمال اليد الأخرى.
1 - إذ نصت المادة 222 من القانون المدني صراحة على أنه يجوز الحكم بالتعويض للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب، وكانت الأخت تعتبر قريبة من الدرجة الثانية بالنسبة لأختها القتيلة، فإن هذه القرابة تتحقق بها المصلحة في رفع الدعوى المدنية بصرف النظر عن كونها وارثة للمجني عليها أم لا، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى لأخت المجني عليها بالتعويض المؤقت عن الضرر الأدبي الذي أصابها من جراء فقد أختها لم يخطئ في تطبيق القانون.
2 - إن تقدير الدليل موكول لمحكمة الموضوع ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك، ولها في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بقرائن الأحوال وهي من طرق الإثبات الأصلية في المواد الجنائية، وإذ كان ما تقدم وكانت الأدلة والاعتبارات والقرائن التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دين بها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع.
3 - إصابة المجني عليها بشلل نصفي قاصر على يد ورجل واحدة لا يحول دون إمكان استعمالها ليدها الأخرى في مقاومة المتهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 يونيه سنة 1966 بناحية مركز السنطة محافظة الغربية: قتل زوجته بهية بسيوني زايد عمداً مع سبق الإصرار وذلك بأن بيت النية على قتلها وانتهز فرصة تواجدها بمفردها بالمنزل وقام بكتم نفسها وخنقها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. وادعت مدنياً عزيزة بسيوني زايد وطلبت القضاء لها قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه أن يدفع إلى المدعية بالحق المدني عزيزة بسيوني زايد مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات الدعوى المدنية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم المطعون فيه أورد في مدوناته - كباعث على الجريمة - ما لا أصل له في الأوراق حين ذكر قيام منازعات قضائية بين الطاعن وزوجته المجني عليها انتهت بطرده من الأطيان التي كان يضع يده عليها كما أن الحكم عزا الإصابات التي وجدت بالطاعن إلى أنها حدثت به نتيجة مقاومة المجني عليها على الرغم مما هو ثابت في التحقيق من أنها كانت مصابة بشلل نصفي يحول دون إمكان تحريك ذراعيها أو قبض يديها مما تستحيل معه استقامة النتيجة التي انتهى إليها الحكم في هذا الشأن. هذا وقد دان الحكم الطاعن لمجرد وجوده قرب منزله أو خروجه منه مع أن ذلك لا يؤدي بذاته إلى النتيجة التي رتبها الحكم من ثبوت مقارفته لفعل القتل وينطوي على فهم غير صحيح لمعنى القرينة قانوناً. كما أخطأ الحكم حين قضى لأخت المجني عليها - وهي لا ترثها - بتعويض عن الضرر الأدبي.
وحيث إنه يتضح من مطالعة المفردات المضمومة أن الطاعن معترف بصدور حكم بطرده من الأطيان لصالح زوجته المجني عليها منذ خمسة أشهر سابقة على وقوع الحادث وأنه سلمها تلك الأطيان نتيجة لذلك ومن ثم فتكون دعوى الخطأ في الإسناد على غير أساس. أما ما ينعاه الطاعن بشأن استحالة حدوث ما به من إصابات نتيجة مقاومة المجني عليها وهي المصابة بالشلل فمردود بما هو ثابت بالتحقيقات على ألسنة شهود الواقعة من أن المجني عليها كانت مصابة بشلل نصفي قاصر على يد ورجل واحدة مما لا يحول دون إمكان استعمال المجني عليها ليدها الأخرى في مقاومة الطاعن. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد أدلة الثبوت التي استند إليها في إدانة الطاعن مستمدة من أقوال عزيزة بسيوني زايد ولطفي أحمد عامر وإبراهيم عبد الله زايد ومحمد عبد الظاهر أبو العزم وكمال وكاميليا محمد السحيمي وأقوال الطاعن والتقارير الطبية، ساق القرائن التي اعتمد عليها في ثبوت مقارفة الطاعن جريمة قتل زوجته المجني عليها وذلك في قوله "إنه بعد استعراض وقائع الدعوى وشهادة الشهود السابقين ترى المحكمة أن القرائن كافية وآخذة بالمتهم - الطاعن - في ارتكاب جريمة قتل زوجته المجني عليها عمداً مع سبق الإصرار ذلك أن المتهم أنكر إنكاراً قاطعاً أنه كان في منزله مع المجني عليها صباح يوم الحادث في حين أجمع ثلاثة من الشهود سالفي الذكر على رؤيتهم للمتهم يدخل أو يخرج من المنزل في وقت معاصر لاكتشاف الحادث صباح يوم 20/ 6/ 1966 كما ثبت من شهادة الشاهدة الأولى أن المجني عليها كانت على قيد الحياة مساء يوم 19/ 6/ 1966 ومن شهادة كمال وكاميليا محمد السحيمي أنها كانت كذلك حتى صباح يوم 20/ 6/ 1966 إذ أعدت طعام الإفطار للأولاد وطعام الإفطار الذي أرسلته إلى المتهم مع ابنته الثانية فمشاهدة المتهم بعد ذلك في منزله وفي وقت زعم أنه كان خلاله في حقله أمر له دلالته المقنعة بصلته الوثيقة بارتكاب الحادث فإذا ما أضيف إلى ذلك إنكار المتهم أيضاً لواقعة مغادرة حقله بعد حضور كاميليا إليه في الصباح وهي واقعة شهد بها وأيدها جاره في الزراعة لطفي أحمد عامر الذي شاهده يترك زراعته في حراسة كاميليا ويطلب إليها الانتظار حتى يعود ويتجه نحو القرية في وقت مقارب لوقت ارتكاب الجريمة كان لذلك الإنكار أيضا دلالته في محاولة المتهم التخلص من الجريمة أو الاتصال بها في ذلك الوقت بالذات كما يؤيد ذلك ما وجد بوجهه وكتفه من إصابات فشل في تعليل سببها إذ لا صلة بين لطم خديه الذي يدعيه وإصابته في كتفه الأمر يبعث على الاعتقاد بأنها آثار مقاومة القتيل لاعتدائه عليها، كما يبعث على اطمئنان المحكمة أن المتهم قد تخبط في قوله تعليلاً لما شوهد بالجثة من الإصابات الحيوية فقد ادعى أنها إصابات أحدثتها أختها عزيزة بعد وفاتها وظهر كذبه بما اتضح من التشريح الشرعي من حيويتها كما ظهر كذبه فيما ادعاه من حدوث الوفاة بسبب سقوطها عفواً في الخزان وفيما زعمه من أن الخزان كان مكشوفاً قبل الحادث وهو ما نفاه ابنه كمال........ وإنه مما يزيد في اطمئنان المحكمة وعقيدتها في جرم المتهم أن بواعث الجريمة قد توافرت عند المتهم فالزوجة القتيل قد أصبحت لمرضها غير صالحة في نظره لأعباء الزوجية وهو يريد التخلص منها لمرضها والقتيل قد قاومت ذلك واعترضت عليه ولم تجد لذلك سبيلا أصلح من نزع ثروتها وما تملكه من أطيان وعقار من يده وقد نجحت في ذلك بحصولها على حكم قضائي بطرده". لما كان ذلك، وكان تقدير الدليل موكولاً لمحكمة الموضوع ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك، ولها في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بقرائن الأحوال وهي من طرق الإثبات الأصلية في المواد الجنائية. ولما كانت الأدلة والاعتبارات والقرائن التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دين بها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد الأسس التي أقام عليها قضاءه في الدعوى المدنية في قوله "ومن حيث إن عزيزة بسيوني زايد شقيقة المجني عليها القتيل طلبت الحكم لها بتعويض مدني مؤقت ورمزي قدره قرش واحد وإذا كان الثابت مما تقدم أن المتهم قد قتل شقيقتها بهية بسيوني زايد عمداً مع سبق الإصرار وهو فعل ضار أحاق ضرره الأدبي على الأقل بالمدعية لما عانته من آلام الحزن وفراقها لشقيقتها وهي تستحق عن ذلك تعويضاً ما وإذ كانت قد اكتفت بالمطالبة مؤقتاً بقرش واحد فيتعين إجابة طلبها والحكم لها على المتهم مع مصروفات الدعوى المدنية وأتعاب المحاماة عملا بالمادة 320 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكانت المدعية بالحق المدني هي أخت المجني عليها فهذه القرابة كافية لوجود صالح لرفع الدعوى المدنية بصرف النظر عن كونها وارثة للمجني عليها أولاً، ذلك بأن المادة 222 من القانون المدني قد نصت صراحة على أنه يجوز الحكم بالتعويض للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب، والأخت تعتبر قريبة من الدرجة الثانية بالنسبة للقتيلة ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى لها بالتعويض المؤقت عن الضرر الأدبي الذي أصابها من جراء فقد أختها لم يخطئ في تطبيق القانون. لما كان كل ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.