أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 187

جلسة 27 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(41)
الطعن رقم 2091 لسنة 38 القضائية

(أ) عقوبة. "العقوبة المبررة". ظروف مخففة. اختلاس أموال أميرية. استيلاء على مال للدولة بغير حق. نقض. "المصلحة في الطعن".
معاقبة الطاعن بمقتضى المادة 112 عقوبات مع استعمال الرأفة وفقا للمادة 17 من ذلك القانون. لا جدوى مما يثيره الطاعن من أن المادة 113 مكرر عقوبات هي الواجبة التطبيق ما دامت العقوبة المقضي بها مقررة في القانون وفقاً للمادة المذكورة. لا يغير من هذا أن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير آراء الخبراء". إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع الجزم بصحة ما رجحه الخبير في تقريره.
(ج، د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ج) الأدلة في المواد الجنائية متساندة.
(د) لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال المتهم في أية مرحلة من مراحل التحقيق وإن عدل عنها بعد ذلك.
1 - متى كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه قضي بمعاقبة الطاعن بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبالغرامة والرد والعزل بمقتضى المادة 112 من قانون العقوبات وذلك بعد أن استعمل الرأفة معه وفقاً للمادة 17 من هذا القانون فإنه لا جدوى للطاعن مما يثيره من أن مادة العقاب الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى هي المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات ما دامت العقوبة المقضي بها مقررة فى القانون وفقاً للمادة 113 مكرراً المذكورة. ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة إذ أن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات، فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف.
2 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بصحة ما رجحه الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
3 - لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى - إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في أية مرحلة من مراحل التحقيق وإن عدل عنها بعد ذلك، وهي في ذلك غير ملزمة بإبداء الأسباب إذ الأمر مرجعه إلى اطمئنانها، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرتها في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 11 نوفمبر سنة 1967 بناحية مركز طنطا محافظة الغربية: بوصفه موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع "كاتب الجمعية التعاونية الزراعية بقرية "خرسيت" اختلس المبلغ المبين المقدار بالتحقيق (624 ج و546 م) والمملوك للجمعية التعاونية الزراعية سالفة الذكر. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 111/ 1 و112/ 1 - 2 و118 و119 من قانون العقوبات فقرر بذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً بتاريخ 30 مايو سنة 1968 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن مدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 624 ج و546 م (ستمائة وأربعة وعشرون جنيهاً وخمسمائة وستة وأربعين مليماً) وإلزامه أن يرد إلى خزينة الدولة مبلغ 624 ج و546 م وعزله من وظيفته. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية الاختلاس قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستلال وخطأ في الإسناد، ذلك بأن الحكم طبق على واقعة الدعوى المادة 112 من قانون العقوبات مع أن المادة 113 مكرراً من ذات القانون هي المنطبقة على الواقعة. كما أن الحكم اعتمد ضمن ما اعتمد عليه في ثبوت الجريمة على تقرير مصلحة تحقيق الشخصية دون أن يبين مؤدى هذا التقرير على نحو يكشف عن وجه استدلاله به وعلى الرغم من عدم صلاحية التقرير كدليل يقيني يصح التعويل عليه في ثبوت الجريمة في حق الطاعن لاحتوائه على احتمال فتح الخزانة وسرقة ما بداخلها بمفتاح آخر مصطنع مغاير لذلك الذي في عهدة الطاعن. كما أن الحكم استخلص من إقرار الطاعن بتحمله مسئولية العجز وعدم وفائه لمبلغ الستة جنيهات المتبقية للجريمة من المبلغ الذي كان قد أخذه من الخزانة سداداً لأجر التليفون دليلاً على مقارفته مع أن ذلك لا يؤدي إلى ما رتب عليه. وأخيراً فإن الحكم أسند إلى الطاعن خلافاً للثابت في الأوراق إقراره بأنه أحكم غلق الخزانة قبل فتحها واكتشاف سرقتها كما أثبت في حقه مقارفته للحادث سداً للعجز الذي تكشف وجوده في عهدة زميله نبيل سيداروس مع أن الثابت بالأوراق أن العجز سدد بأدوات كانت بمخزن الجمعية دون المال المقول باختلاسه. وحيث إنه لما كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه قضى بمعاقبة الطاعن بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبالغرامة والرد والعزل بمقتضى المادة 112 من قانون العقوبات وذلك بعد أن استعمل الرأفة معه وفقاً للمادة 17 من هذا القانون فإنه لا جدوى للطاعن مما يثيره من أن مادة العقاب الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى هي المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات ما دامت العقوبة المقضي بها مقررة في القانون وفقاً للمادة 113 مكرراً المذكورة، ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة إذ أن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن بين واقعة الدعوى أورد الأدلة على ثبوتها في حق الطاعن مستمدة من أقوال الشهود وأقوال الطاعن ومن تقرير مصلحة تحقيق الشخصية الذي بين مؤداه في قوله "إن قفل الخزينة وجد سليماً وكذا ميكانيكيته من الداخل وأنه بفحص أجزائه الداخلية ميكروسكوبياً في مواضع احتكاك المفتاح بها وجد آثار منتظمة لاستعمال أكثر من مفتاح من بينها آثار استعمال المفتاح المسلم إلا أن الآثار الغير خاصة بهذا المفتاح لا تنبئ عن استعمال متكرر متعدد كما في الحالة الأولى وأن هذا القفل يصعب عمل مفتاح مصطنع له بدون مطابقة على المفتاح الأصلي أو فك أجزائه الداخلية"، ولما كان لمحكمة الموضوع أن تجزم بصحة ما رجحه الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قصور في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك. وكان ما يثيره الطاعن من أن إقراره بتحمل مسئولية العجز وعدم وفائه للمبلغ المتبقي من أجر التليفون لا يكفي لاستخلاص مقارفته للجريمة مردوداً بما هو مقرر من أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه وهو أمر لم تخطئ المحكمة تقديره. ومن ثم فيكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتمد - ضمن ما اعتمد عليه - في ثبوت الواقعة في حق الطاعن إلى إقراره بمحضر الشرطة بأنه أحكم غلق الخزانة قبل فتحها واكتشاف سرقتها وأطرحت أقواله بمحضر تحقيق النيابة الذي عدل فيه عن أقواله الأولى في شأن هذه الواقعة، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في أية مرحلة من مراحل التحقيق وإن عدل عنها بعد ذلك وهي في ذلك غير ملزمة بإبداء الأسباب إذ الأمر مرجعه إلى اطمئنانها، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرتها في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها. أما ما يثيره الطاعن في شأن سداد العجز الذي وجد بعهدة نبيل سيداروس زميل الطاعن عيناً دون المال المقول باختلاسه فمردود بأن العجز لم يكن قاصراً على بعض الأدوات (قطع الغيار) التي ردت بالفعل بل شمل أيضاً مبالغ أخرى عبارة عن قيمة مبيدات وأسمدة وذلك حسبما جاء بأقوال رزق شوقي إسحاق رئيس المراجعة التي أوردها الحكم المطعون فيه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.