أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 192

جلسة 3 من فبراير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(42)
الطعن رقم 1974 لسنة 38 القضائية

(أ) نقض. "الطعن بالنقض. التقرير به". "أسباب الطعن. تقديمها".
التقرير بالطعن بالنقض. تقديم أسباب الطعن في الميعاد. أثرهما؟
(ب، ج) قتل خطأ. إصابة خطأ. خطأ. رابطة السببية. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) مساءلة كل من أسهم في الأخطاء التي نشأ عنها الحادث أياً كان قدر خطئه. يستوي في ذلك أن يكون خطؤه سبباً مباشراً أم غير مباشر في حصول الحادث.
(ج) إيراد الحكم لأوجه الخطأ التي أسهمت في وقوع الحادث. كفايته للتدليل على قيام رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة الضارة التي حوسب المتهم عنها.
(د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في أن تعول على ما تطمئن إليه من أقوال.
(هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
تسبيب أحكام الإدانة؟
1 - جرى قضاء محكمة النقض على أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم الأسباب يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
2 - تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله.
3 - متى كان ما أورده الحكم سديداً وكافياً لبيان أوجه الخطأ التي أتاها المتهم، وكانت من بين الأسباب التي أدت إلى تصدع الحائط المشترك وانهيار المنزلين على من فيهما من السكان ووفاة البعض وإصابة الآخرين، فإن هذا مما يتوافر به قيام رابطة السببية بين ذلك الخطأ والنتيجة الضارة التي حوسب عليها المتهم بحسب ما هي معرفة به في القانون.
4 - لمحكمة الموضوع الحق في أن تعول على ما تطمئن إليه من أقوال دون البعض الآخر.
5 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان المتهم بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مردودة إلى أصلها الصحيح من أوراق وفطن إلى ما دفع به المتهم الدعوى وعرض له ورد عليه بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، فإن الطعن يكون برمته على غير أساس ويتعين الرفض موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 16 فبراير سنة 1966 بدائرة بندر الفيوم: تسببا خطأ في موت كل من وهيبة اسحق وأسماء محمد محمود وخالد أحمد ومحمد أحمد وعفاف خليل وخليل صالح ومحمد أمين حامد وإصابة كل من نادية فوزي نصيف ونادية أحمد عبد الفتاح وسامي خليل وأحمد عبد الفتاح مؤمن وحسن حامد عبد اللطيف وعادل سمير فوزي بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمالهما وعد احترازهما ورعونتهما بأن أقام الأول بناء دون الاستعانة بأحد المختصين للإشراف عليه ودون مراعاة الأصول الفنية في البناء وعدم اتخاذه والمتهم الثاني الحيطة لمنع تسرب المياه إلى الحائط الفاصل المشترك بينهما وتراخيهما في القيام بترميم حوائط المنزلين رغم قدم بنائهما فأدى ذلك إلى تشبع الحائط الفاصل بالرطوبة وتحلله وانهياره وانهيار أسقف المنزلين المحملة عليه وسقوط الأنقاض على قاطني المنزلين ووفاة بعضهم وإصابة آخرين. وطلبت معاقبتهما بالمادتين 238/ 1 - 2 و244/ 1 - 3 من قانون العقوبات. ومحكمة بندر الفيوم الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962 بحبس كل من المتهمين سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لإيقاف التنفيذ. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة الفيوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف - وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض وقدم الطاعن الأول أسباباً لطعنه ولم يقدم الطاعن الثاني أسباباً لطعنه.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني وإن كان قد قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه. ومن ثم يكون طعنه غير مقبول شكلاً وذلك لما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول.. قد استوفى الشكل المقرر في القانون. وحيث إن هذا الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل الخطأ قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على مخالفة للثابت في الأوراق، ذلك بأنه لم يعن بتحديد سبب الحادث وعلاقة السببية بينه وبين خطأ الطاعن الأول، إذ أن ما ساقه من أخطاء أسندهما المهندسون إليه - على فرض وجودها - قد مضت عليها مدة طويلة دون أن يتصدع البناء، وأنه لولا عامل الرشح الذي طرأ على الحائط المشترك بين منزلي الطاعنين لظل البناء قائماً ومن ثم فالرشح هو العامل الرئيسي الذي يعتبر قانوناً سبباً للحادث إذ لولاه لما نشأ الفعل الضار، وهذا السبب لا دخل للطاعن فيه لأن مصدره خزان الصرف الكائن بالمنزل الشرقي الذي يملكه الطاعن الثاني ولم يكتشف أمره إلا بعد أن نبه إليه الطاعن الأول عند استجوابه أمام النيابة وبعد أن كان المهندسون قد أرجعوا سبب الحادث إلى عوامل أخرى ساهمت في سقوط الحائط مردها إلى أخطاء وقعت في تشييد البناء وضعف سمك الحائط المشترك وعدم بناء دورات المياه "بالطوب الأحمر" بمنزل الطاعن الأول وتسرب مياه الصرف من مواسير المنزل الشرقي، وقد أضيف عامل الخزان إلى تلك الأسباب بعد أن اكتشف أمره، وقد أخذ الحكم الابتدائي وجاراه في ذلك الحكم المطعون فيه بهذا المنطق مع أن تلك الأسباب كانت قائمة من قبل منذ أمد طويل# ولو كانت تؤدي حقيقة إلى إضعاف متانة الحائط وبالتالي إلى سقوطه لسقط منذ عهد طويل، ومن ثم فالرشح الذي تسرب إلى الحائط من خزان الصرف الواقع بمنزل الطاعن الآخر والذي لا سلطان للطاعن الأول عليه كان هو العامل الذي أدى مباشرة إلى ضعف الحائط وبالتالي إلى سقوطه. هذا وقد التفت الحكم عما شهد به المهندسان محمود توفيق والغريب أحمد سليمان أمام محكمة أول درجة من أن السبب في الرشح راجع إلى تسرب الرطوبة من خزان الصرف الكائن بالمنزل الشرقي الذي أهمل شأنه الطاعن الآخر واعتمد الحكم على ما قالا به في تحقيقات النيابة على الرغم مما صرح به أولهما محمود توفيق من أنه لم يعاين منزل الطاعن الأول وأنه كان يعني بما ذكره في تلك التحقيقات المنزل الشرقي المملوك للطاعن الآخر. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أن الثابت من معاينة النيابة أن حوائط دورات المياه في منزله كانت مشيدة بالطوب الأحمر. وأنه لو قدرت محكمة ثاني درجة كل هذه الحقائق لتغير وجه الرأي في الدعوى أما وهي لم تفعل فقد تعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أن العامل المباشر للحادث هو الرشح الذي كان سببه خزان الصرف الذي لا سلطان له عليه لأنه بمنزل الطاعن الآخر وأن الأخطاء الأخرى التي أقام عليها الحكم مسئولية الطاعن لم تكن سبباً مباشراً للواقعة وإلا لانهار البناء منذ أمد طويل ومن ثم فلا مسئولية على الطاعن، فمردود بأن تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد ما نعاه الطاعن على الحكم الابتدائي وفنده مبيناً خطأ الطاعن وعلاقة السببية بينه وبين النتيجة الضارة التي نشأت عنه كما يتطلبه القانون في قوله "إن الثابت من تقارير الخبراء الهندسيين المودعة ملف الدعوى ومناقشتهم أمام النيابة أن المتهم الأول - الطاعن الأول - أخطأ حين أقام بناء منزله على غير الأصول الفنية المرعية وأقام الحائط المشترك بسمك يقل عن السمك العادي في الطابقين الثاني والثالث وتركه دورات المياه على الحائط المشترك رغم أنه مبني بالطوب الأخضر بالنسبة للطابقين الثاني والثالث ووضع عروق سقف منزله عمودية على الحائط المشترك بناؤه من الطوب اللبن مما أدى إلى الضغط المتواصل عليه لأنه يحمل ثلاث طوابق مع ضغط مستمر له نتيجة تآكل المونة وانتشار الرطوبة من دورات المياه ومن خزان المنزل المجاور والمملوك للمتهم الثاني وأن سقوط المنزلين يرجع سببه إلى الإهمال في العناية وقدم البناء والعيوب الفنية التي يعلمها وكانت ظروف الحال تمكنه من هذا العلم كما ذكر المتهم الأول نفسه من أن المتهم الثاني وهو صاحب المنزل المجاور لم يقم بكسح خزان المجاري من خمس أو ست سنوات مما تسبب عنه رشح بالحائط الفاصل بين المنزلين وفوق ذلك فإن الحائط المشترك مملوك للطرفين شيوعاً وأن أي إخلال فيه يوجب مسئوليتهما جنائياً لما يحدث بساكنيه وغيرهم وأن ما ذهب إليه المتهم الأول من أن المهندس محمود توفيق شهد أمام محكمة أول درجة من أن الحائط مشبع بالرطوبة بسبب تسرب بعض مياه مطابخ المنزل الشرقي وليس الغربي فقد شهد أمام النيابة (ص 11) أن دورات المياه مقامة بالطوب اللبن في المنزل الغربي أما المنزل الشرقي فليس به دورات مياه وكان على صاحب المنزل الغربي عند إدخال المياه إلى المنزل أن يغير دورات المياه ويقيمها بالطوب الأحمر والأسمنت حتى لا يؤثر على الرشح الطبيعي الناتج من هذه الدورات واستطرد الحكم إلى أن هذا الشاهد قال "إن الشخص الذي أقام البناء وأدخل المياه في البيت الغربي مسئول أيضاً وقال إنه لو اتبعت الأصول الفنية لما تهدم البناء وفي ذلك رد كاف شاف لما أورده الخبيران الاستشاريان في تقريرهما والتي لا تطمئن المحكمة إليهما" وما أورده الحكم فيما سلف سديد وكاف في بيان أوجه الخطأ التي أتاها الطاعن الأول وكانت من بين الأسباب التي أدت إلى تصدع الحائط المشترك وانهيار المنزلين على من فيهما من السكان ووفاة البعض وإصابة الآخرين ويتوافر به قيام رابطة السببية بين ذلك الخطأ والنتيجة الضارة التي حوسب عليها الطاعن بحسب ما هي معرفة به في القانون. أما ما ينعاه الطاعن خاصاً باعتماد الحكم على شهادة المهندسين محمود توفيق والغريب أحمد سليمان في تحقيقات النيابة والتفاته عما غاير تلك الشهادة أمام محكمة أول درجة، فمردود بما هو مقرر لمحكمة الموضوع من حقها في أن تعول على ما تطمئن إليه من أقوال شاهد في التحقيقات دون ما شهد به أمام المحكمة وأن تأخذ ببعض أقواله دون البعض الآخر - وأما ما يثيره الطاعن من أنه أقام حوائط دورات المياه في منزله بالطوب الأحمر وأن الحكم قد خالف في هذا الشأن ما هو ثابت في معاينة النيابة، فهو مردود بأنه فضلاً عما كشفت عنه أقوال المهندسين التي عول عليها الحكم من عدم سلامة دعوى الطاعن، فإن ما أثبته الحكم، نقلاً عن معاينة النيابة هو أن الحائط المشترك لم يكن مبنياً بالطوب الأحمر إلا على ارتفاع مترين فقط - وهو أمر أشار إليه الطاعن في طعنه، يضاف إلى ذلك أن تقرير الخبيرين الاستشاريين المقدم من الطاعن والذي عرض له الحكم وأطرحه، قام في هذا الخصوص على أنه لا يلزم بناء دورات المياه بالطوب الأحمر، ومفاد هذا الرأي الذي لم يجادل فيه الطاعن - أنه لم يتكشف لواضعي التقرير أن الحوائط كانت مبنية بالطوب الأحمر، وإلا لما فاتهما التنويه به، وبذلك يكون ما ينعاه الطاعن على الحكم من مخالفة الثابت في الأوراق غير سديد. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مردودة إلى أصلها الصحيح من أوراق الدعوى وقد فطن إلى ما دفع به الطاعن الدعوى وعرض له ورد عليه بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.