أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 9 - صـ 28

جلسة 2 من يناير سنة 1958

برياسة السيد محمد فؤاد جابر المستشار، وبحضور السادة: إسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم المستشارين.

(1)
الطعن رقم 250 سنة 23 ق

تموين. تسعير جبري. ضرائب. استيلاء. زيت. قانون "دستورية القوانين". صدور قرار من لجنة التسعيرة بفرض مبلغ معين على كل أقة من الزيت زيادة على التسعيرة تستولي عليه الحكومة إذا كان الزيت لأغراض صناعية. صدور هذا القرار في ظل الدستور الملغي. اعتبار ذلك نوعاً من الضريبة المفروضة بغير الطريق الدستوري الصحيح.
متى كانت لجنة التسعيرة قد قررت في ظل الدستور الملغي فرض مبلغ معين عن كل أقة من الزيت زيادة على التسعيرة الواردة في جدول التسعيرة الجبرية تستولي عليه الحكومة إذا كان الزيت لأغراض صناعية. فإن هذا القرار يكون باطلاً لمخالفته لذلك الدستور حتى لو صدر قرار اللجنة تنفيذاً لقرار من مجلس الوزراء إذ ليس من اختصاصه فرض ضريبة أو رسم، ولا يقدح في ذلك أن يكون القرار الوزاري رقم 504 سنة 1945 قد صدر من وزير التموين بالاستيلاء على الزيت الموجود بالمعاصر في جميع بلاد القطر المصري إذ أن هذا الاستيلاء صدر عاماً فهو استيلاء مجرد ولم يقترن بالتسليم الفعلي للزيت المستولى عليه ولم يصاحبه جرد وصفي بحضور ذوي الشأن فيه أو بعد دعوتهم بخطاب مسجل طبقاً للمادة 45 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 فهو لا يعدو أن يكون إجراء تنظيمياً قصد به تحقيق العدالة في التوزيع على المستهلكين ومنع المضاربة في هذه السلعة، وليس من شأنه نقل ملكية الزيت إلى الحكومة فلا شأن لها به ولا باقتضاء جزء من ثمنه وإلا كان ذلك نوعاً من الضريبة المرسومة بغير الطريق الدستوري الصحيح طبقاً للمادة 134/1 من الدستور الملغي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة. من حيث إن الطعن قد أستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تخلص - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1259 سنة 1947 كلي على المطعون ضدهما لدى محكمة القاهرة الابتدائية طالباً الحكم - أولاً - بإلزام المطعون ضدهما بأن يرادا له مبلغ 1076 ج و934 م مع فوائده القانونية من تاريخ امتناعهما عن دفعه بواقع 5 % سنوياً له لغاية تمام السداد. ثانياً - بإلزام المطعون ضده الأول بأن يدفع له مبلغ 1000 ج على سبيل التعويض. ثالثاً - بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يردا له مبلغ 5068 ج و440 م مع فوائده القانونية من تاريخ القبض لغاية تمام السداد بواقع 5 % سنوياً. رابعاً - بإلزام المطعون ضده الأول بتنفيذ استلام الـ 45 طناً من الصابون وتقرير أحقية الطاعن في صرف كميات الزيت والصودا اللازمة لصناعتها. خامساً - بإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات والأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة، وقال شرحاً لهذه الطلبات أن وزارة الحربية والبحرية كانت طرحت في سنة 1946 مناقصة توريد صابون فرسا العطاء على الطاعن وأخطر في 6 من يوليو سنة 1946 بقبول عطائه والمتضمن أن يصرف له الزيت والصودا الكاوية اللازمة لصناعة الكمية موضوع العطاء ومقدارها 450 طناً للجيش المصري و14 طناً للجيش المرابط وأنه لما توقف إصدار الأذونات من جانب وزارة التجارة والصناعة له بصرف الزيت والصودا ترتب على ذلك تأخره في التوريد فأوقعت المطعون ضدها الأولى عليه غرامة مقدارها 1076 ج و934 م ثم عدل هذا المبلغ في مذكرته الأخيرة أمام محكمة أول درجة إلى 796 ج و319 م، كما قال إن مصانعه تعطلت عن العمل من 18 من أكتوبر سنة 1946 حتى 12 من نوفمبر سنة 1946 طول الوقت الذي توقفت فيه شركة الملح والصودا عن صرف الزيت والصودا له بناء على أوامر وزارة التجارة والصناعة وقدر تعويض ذلك بألف جنيه، وقال إن المطعون ضدها الأولى اشترت على حسابه 45 طناً من الصابون زعماً منها أنه تأخر في توريدها مع أنه لم يكن كذلك ولذلك طلب أصلياً إلزام المطعون ضدهما بأن يصرفا له كمية الزيت والصودا اللازمة لصناعتها ليصنعها ويوردها حسب شروط العطاء واحتياطياً إلزام المطعون ضدها الأولى بأن تدفع له 90 ج تعويضاً عن شراء هذه الكمية من الغير، كما قال إن الزيت ما كان يصرف له من المعاصر إلا بعد أن يورد لخزانة وزارة التجارة والصناعة مبلغ 19 مليماً عن كل أقة من الزيت يصدر الإذن بها زيادة على الثمن المحدد بالتسعيرة الجبرية الذي يقوم بسداده لمعصرة الزيت باعتبار هذا الزيت لازماً للصناعة وأن مبلغ الـ 19 مليماً التي كانت تتقاضاها الحكومة لا حق لها فيها ويبلغ جملة ما دفعه هو 4636 ج و940 م قيمة ما صمم عليه في مذكرته الختامية أمام محكمة أول درجة معدلاً به طلبه الثالث الوارد بصحيفة دعواه. دفعت المطعون ضدها الثانية بعدم جواز سماع الدعوى بالنسبة للمبلغ المذكور استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 412 لسنة 1945 - ومحكمة أول درجة قضت بتاريخ 13 من مايو سنة 1946 حضورياً: أولاً - برفض الدفع بعدم سماع الدعوى. ثانياً - بإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تدفع للطاعن مبلغ 796 ج و319 م والفوائد سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 28 من ديسمبر سنة 1946 حتى السداد والمصروفات المناسبة مع المقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 776 سنة 68 ق طالباً الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والقضاء له بما لم يحكم له به من طلباته مع مصروفات الدرجتين وأتعاب المحاماة عنهما - وبجلسة 22 من ديسمبر سنة 1951 لدى محكمة الاستئناف قدم الحاضر عن المطعون ضدهما استئنافاً مقابلاً قيد برقم 883 سنة 68 ق بطلب إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به لمصلحة الطاعن - وبتاريخ 17 من مايو سنة 1953 قضت محكمة الاستئناف حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل مستأنف بمصروفات استئنافه مع المقاصة في أتعاب المحاماة. فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض في خصوص استرداد مبلغ 4636 ج و910 م التي دفعها بصفة فرق سعر عن الزيت بواقع 19 مليم للأقة. وعرض هذا الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 3 من أبريل سنة 1957 فقررت إحالته على هذه الدائرة. وأصرت النيابة على رأيها الوارد بمذكرتها.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في الوجه الأول من السبب الأول مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ذلك أن الرسم الذي حصل منه بواقع 19 مليماً للأقة من الزيت هو في حقيقته عبارة عن ضريبة بالمخالفة للمادة 134 من الدستور الذي كان قائماً وقتذاك، وفي شرح هذا الوجه يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه حصر نقطة النزاع في أنها تقوم على معرفة هل مبلغ التسعة عشر مليماً الذي دفعه الطاعن عن كل أقة من الزيت صرفها بموجب التصريح المعطى له في 16 من أغسطس سنة 1946 هو ضريبة مستترة أو هو جزء من الثمن المحدد بالتسعير الجبري، ثم قرر أن جدول التسعير الجبري عن الأسبوع من 14 /6 / 47 إلى 21 /6 / 1947 بعد أن حدد سعر أقة الزيت للمستهلك أورد في خانة الملاحظات أنه يزاد 19 مليماً عن الزيت المنصرف للصناعات. وقال الحكم إن هذه الزيادة جزء من التسعير الجبري حددته اللجنة في حدود اختصاصها ما دامت الزيادة واردة في جدول التسعيرة الجبرية في بند خاص، ومن ثم لا تعتبر رسماً ولا ضريبة، مع أن هذا القرار لم يصدر عن لجنة التسعيرة بل عن مجلس الوزراء في 2 من أكتوبر سنة 1944 وهو لا يملك فرض رسم ولا ضريبة فهو قرار باطل، ولو كان صادراً من لجنة التسعيرة لكان ادعى للبطلان لمخالفته في الحالين للدستور، وأنه قدم قسائم سداد هذا المبلغ لخزانة الحكومة عما صرفه من الزيت ولو كان الأمر أمر تسعيرة لدفع المبلغ للمعصرة التي صرف منها الزيت مع ثمنه الذي دفعه إليها.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في خصوص هذا الشطر من النزاع على ما أقام حكم محكمة الدرجة الأولى قضاءه عليه من أسباب أعاد الإشارة إليها وقد أقيم حكم محكمة أول درجة على قوله: "وحيث إنه ثابت من الاطلاع على جدول التسعير عن الأسبوع من 14 /6 / 1947 إلى 20 /6 / 1947 أنه بعد أن حددت أسعار الزيت ورد في خانة الملاحظات ما نصه (يحدد سعر زيت بذرة القطن الذي يصرف للصناعات تسليم المعاصر بزيادة 19 مليماً في الأقة عن الأسعار المدرجة)، وقد ثبت أن خزانة الحكومة هي التي كانت تقتضي ذلك المبلغ من المدعى - وحيث إنه لا يمكن القول بأن هذا المبلغ الذي حددته لجنة التسعير هو ضريبة فهو جزء من السعر الذي ارتأت اللجنة تحديده ورأت تيسيراً على الناس أن تخفضه بالنسبة لهم وأن تزيده بالنسبة لأصحاب المصانع على أن تقتضي الخزانة الزيادة وذلك بتحديد إذن صادر من لجنة التسعير وفي حدود اختصاصها ولا يغير من الأمر أن يأخذ التاجر الزيادة أو أن تقتضيها الحكومة والزيادة لا يمكن القول بأنها ضريبة يجب إقرارها بقانون ولا بأنها رسم إذ هي تختلف طبيعتها عن الضريبة والرسم". ومفاد ذلك أن الحكم المطعون فيه اعتبر الزيادة هي ضمن السعر المحدد رسمياً ما دامت قد وردت في جدول التسعيرة الجبرية وأنها لا بد أن تكون قررتها لجنة التسعيرة في حدود اختصاصها حتى ولو كانت تتقاضاها الحكومة خلافاً للثمن الأصلي الذي يدفع للمعاصر.
ومن حيث إن هذا الذي قال به الحكم المطعون فيه خطأ في القانون ذلك أن اختصاص لجنة التسعير الجبري قد تحدد بموجب المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الذي أجاز في مادته الأولى "لوزير التموين لضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية وغيرها من مواد الحاجيات الأولية وخامات الصناعة والبناء ولتحقيق العدالة في توزيعها أن تتخذ بقرارات يصدرها بموافقة لجنة التموين العليا كل أو بعض التدابير الآتية: فرض قيود على إنتاجها وتداولها واستهلاكها أو نقلها وتقييد منح الرخص الخاصة بإنشاء أو تشغيل المحال التي تستخدمها في تجارتها أو صناعتها أو تحديد أقصى صفقة يمكن التعامل بها فيها أو الاستيلاء على أية واسطة من وسائط النقل أو معمل أو مصنع أو محل صناعي أو عقار أو أي منقول أو أي شيء من المواد الغذائية أو المستحضرات وتكليف أي فرد بتأدية أي عمل من الأعمال وتحديد الأسعار فيما يتعلق بالأصناف التي تستولي عليها وزارة التموين وتشرف على توزيعها بالاتفاق مع وزارة التجارة والصناعة". وقد صدر المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 خاص بشئون التسعير الجبري. وتنص مادته الأولى على إنشاء لجنة تسعيرة في كل محافظة ومديرية برياسة المحافظ أو المدير ويصدر بتشكيلها قرار من وزير التجارة بالاتفاق مع وزير الداخلية وتقوم هذه اللجنة أسبوعياً بتحديد أقصى الأسعار للأصناف الغذائية ومواد الحاجيات الأولية ومنها الزيت وأن تحديدها للأسعار يكون ملزماً لجميع الذين يبيعون كل أو بعض المواد وفي الأسبوع الذي وضعت له في دائرة المحافظة أو المديرية، كما نص القانون على إنشاء لجنة مركزية لوضع أسس تحديد الأسعار والنظر في الشكاوى ومراقبة حركة الأسعار على اللحوم، كما أجيز لوزير التجارة والصناعة بقرارات يصدرها اتخاذ تدابير منها تحديد حد أقصى للربح فأصدر قراراً رقم 276 سنة 1945 بتشكيل لجان الأسعار، كما أصدر قراراً رقم 504 سنة 1945 بوضع الأحكام الخاصة بتنظيم تبادل الزيوت النباتية عن طريق لجنة تختص بوضع القواعد التي تكفل تمويل البلاد بها وتنظيم توزيعها على المستهلكين وعلى الصناعة، ومؤدى ذلك جميعه أن وزير التموين ولجنة التموين العليا ولجان التسعير الجبري لا يملك أيها فرض رسم أو ضريبة وإنما الاختصاص محصور في تحديد السعر الذي يلتزم البائع بالبيع في حدوده وتحديد أقصى الربح ومراقبة التسعيرة فإذا حدد سعراً للبائع وزيادة تقتضيها الحكومة بجانب البائع لم تكن هذه الزيادة جزءاً من السعر وإنما هي فرض مضروب على المشتري لا لمصلحة البائع كجزء من ثمن المبيع وإنما تتقاضاه الحكومة زائداً على الثمن الذي يستحقه البائع. ولما كانت المادة 134 من الدستور السابق نصت على أنه: "لا يجوز إنشاء ضريبة ولا تعديلها ولا إلغاؤها إلا بقانون، ولا يجوز تكليف الأهالي بتأدية شيء من الأموال أو الرسوم إلا في حدود القانون" فإن قرار لجنة التسعيرة إذ فرض مبلغ تسعة عشر مليماً عن كل أقة من الزيت زيادة على التسعيرة الواردة بالجدول - تستولي عليه الحكومة إذا كان الزيت لأغراض صناعية - إن هذا القرار يكون باطلاً لمخالفته للدستور حتى لو صدر قرار اللجنة تنفيذاً لقرار من مجلس الوزراء إذ ليس من اختصاصه فرض ضريبة أو رسم، ولا يقدح في ذلك أن يكون القرار الوزاري رقم 504 سنة 1945 قد صدر من وزير التموين بالاستيلاء على الزيت الموجود بالمعاصر في جميع بلاد القطر المصري (المادتان 32، 33 منه) إذ أن هذا الاستيلاء صدر عاماً فهو استيلاء مجرد ولم يقترن بالتسليم الفعلي للزيت المستولى عليه ولم يصاحبه جرد وصفي بحضور ذوي الشأن فيه أو بعد دعوتهم بخطاب مسجل طبقاً للمادة 45 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 - فهو لا يعدو أن يكون إجراء تنظيمياً قصد به تحقيق العدالة في التوزيع على المستهلكين ومنع المضاربة في هذه السلعة، وليس من شأنه نقل ملكية الزيت إلى الحكومة فلا شأن لها به ولا باقتضاء جزء من ثمنه وإلا كان ذلك نوعاً من الضريبة المرسومة بغير الطريق الدستوري الصحيح طبقاً للمادة 134/1 من الدستور الملغي الذي كان سارياً وقت فرض هذه الزيادة فالحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على صحة هذه الزيادة قانوناً يكون قد أخطأ في القانون ويتعين نقضه.