أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 9 - صـ 43

جلسة 2 من يناير سنة 1958

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد علي، ومحمد متولي عتلم، ومحمد رفعت المستشارين.

(3)
طعن رقم 354 سنة 23 ق

( أ ) تقادم مسقط "انقطاعه". محكمة الموضوع. استخلاص الإقرار الذي من شأنه قطع تقادم الدين. موضوعي. مثال.
(ب) وفاء. مقاصة. التزام "انقضاؤه". حكم "تسبيب كاف". انتهاء الحكم إلى إجراء مقاصة قضائية. تزيده خطأ إلى أنها مقاصة قانونية. لا عيب.
(ج) وفاء. مقاصة. التزام "انقضاؤه". فوائد. عدم جواز إضافة فوائد عن الدين الذي تجري به المقاصة بعد التاريخ المعتبر مبدأ لتنفيذ المقاصة. م 192 و193 مدني قديم.
(د) فوائد. قانون. عدم سريان المرسوم بقانون 20 لسنة 1938 على الفوائد الاتفاقية المحكوم بها قبل تاريخ العمل به.
(هـ) خبير. محكمة الموضوع. سلطتها في الأخذ بتقرير الخبير كله أو بعضه.
(و) نقض. إعلان الطعن. محل مختار. إعلان الخصم بتقرير الطعن في موطن مختار. وجوب إيداع صورة الحكم المطعون فيه المعلنة إليه وإلا كان الطعن باطلاً وقضت به المحكمة في غيبة المطعون عليه. م 380 مرافعات.
1 - متى كان الدائن قد رفع الدعوى يطالب بدينه واستخلص الحكم من إدماج الدائن ديناً لمدينه في ذمته في الحساب الذي أوضحه في عريضة دعواه ومن طلبه استنزال هذا الدين مما له في ذمة المدين - أن ذلك يعتبر إقراراً من الدائن من شأنه قطع مدة تقادم دين مدينه في ذمته فإن ذلك يكون استخلاصاً موضوعياً سائغاً ولا مخالفة فيه للقانون.
2 - متى كانت المقاصة التي انتهت إليها الحكم تنطوي في حقيقتها على مقاصة قضائية قدرت المحكمة في سبيل إجرائها كلاً من الدينين ومدى المنازعة فيه وأثرها عليه ثم أجرت المقاصة بموجبهما بعد ذلك - فإنه لا يؤثر في ذلك ما استطرد إليه الحكم تزيداً من توافر شروط المقاصة القانونية.
3 - المقاصة طبقاً لنص المادة 192 من القانون المدني القديم هي نوع من وفاء الدين تحصل بقدر الأقل من الدينين كنص المادة 193 من ذلك القانون. وهذا الوفاء الذي يحصل بالمقاصة يستلزم قانوناً تحديد الدين الذي تجري به المقاصة في التاريخ المعتبر مبدأ لتنفيذها مضافاً إليه فوائده السابقة على هذا التاريخ فإذا كان الحكم قد أضاف فوائد لاحقة للتاريخ المذكور فإنه يكون قد أخطأ.
4 - متى كان قد حكم بالفوائد الاتفاقية قبل تاريخ تنفيذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1938 في 21 / 3 / 1938 تنفيذاً لاتفاق سابق فإنها تكون بمنأى عن أحكام هذا المرسوم بقانون.
5 - لمحكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية - أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو ببعض ما جاء به وتطرح بعضه لأنها غير مقيدة بآراء أهل الخبرة إذ هي لا تقضي إلا على ما تطمئن إليه دون أن يشوب حكمها في ذلك أي تناقض.
6 - جرى قضاء محكمة النقض بأنه يجب على من يعلن خصمه بتقرير الطعن في موطن مختار أن يثبت أن هذا الخصم قد اختار هذا الموطن في إعلان الحكم وذلك بإيداعه قلم كتاب محكمة النقض مع ما يجب إيداعه من الأوراق في خلال العشرين يوماً التالية لتاريخ الطعن صورة الحكم المطعون فيه المعلنة إليه فإن لم يفعل كان الطعن باطلاً وتقضي المحكمة بذلك في غيبة المطعون عليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتخلص في أن مورث الطاعنين المرحوم أمين الحيني كان قد افترض مبلغاً من النقود من المطعون عليهما الخامس والسادس ومورثي المطعون عليهم الباقين ورهن لهم في مقابل ذلك سبعة أفدنة بموجب عقد مؤرخ 20 من يوليه سنة 1923 حرر في صورة عقد بيع. وبتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1939 رفع الطاعنون على المطعون عليهم الدعوى رقم 49 لسنة 1940 مدني كلي المنيا بطلب تثبيت ملكيتهم للأطيان المذكورة على اعتبار أن حقيقة العقد رهن لا بيع، وباستهلاك دين الرهن الذي ذكر في العقد أنه ثمن للمبيع ومقداره 1400 جنيه وبراءة ذمتهم منه، وإلزام المطعون عليهم بأن يدفعوا لهم مبلغ 194 جنيه قيمة الباقي لهم من ريع تلك الأطيان لغاية سنة 1938 مع براءة ذمتهم أيضاً من مبلغ 456 جنيه ثمن قطن كان قد قبضه مورثهم من المطعون عليه السادس ولم يقم بتوريده. وبتاريخ 27 من فبراير سنة 1941 تنازل الطاعنون عن هذا الطلب الأخير وطلبوا الحكم لهم على المطعون عليهم بمبلغ 650 جنيه قيمة ما قرروا أنه مستحق لهم لغاية سنة 1938. وبعد أن أحالت المحكمة الدعوى على التحقيق حكمت بتاريخ 25 من فبراير سنة 1943 بتثبيت ملكية الطاعنين للسبعة أفدنة سالفة الذكر على اعتبار أن عقد 3 / 7 / 1923 حقيقته رهن لا بيع، وحكمت في الوقت نفسه بندب خبير حسابي للانتقال لدائرة المطعون عليهم للاطلاع على دفاترها ومطابقتها على كشفي الحساب المؤرخين 21 / 12 / 1927، 22 / 1 / 1928 المرسلين من المرحوم حسين عبد الرازق إلى الأستاذ ثابت ثروت والمقدمين من الطاعنين وتحديد بدء العلاقة بين مورث الطاعنين والمطعون عليهم وما استلمه منهم وما سدده لهم من مبالغ وتقدير ريع الأطيان المرهونة منذ بدء وضع يد المطعون عليهم عليها وإجراء عملية استهلاك عن دين الرهن وبيان ما هو باق للطاعنين أو في ذمتهم من الديون ولدى مباشرة الخبير مأموريته طلب المطعون عليهم خصم مبلغ 456 ج ثمن القطن السابق الإشارة إليه وقدموا حكماً صدر بتاريخ 10 / 3 / 1927 في القضية رقم 104 سنة 1927 مدني كلي بني سويف قضى بإلزام مورث الطاعنين بأن يدفع للمطعون عليه السادس هذا المبلغ وفوائده بواقع 9 % سنوياً، وعارض الطاعنون في هذا الطلب لسقوط الحكم المذكور بمضي المدة وأدرجه الخبير ضمن الحساب، فقدم الطاعنون تقريراً من خبير استشاري استبعد فيه هذا المبلغ من الحساب وقدر للأرض ريعاً يزيد على الريع الذي قدره الخبير السابق. وبتاريخ 11 / 1 / 1951 حكمت المحكمة ببراءة ذمة الطاعنين من مبلغ 1400 ج الوارد بعقد 3 / 7 / 1923 وبإلزام المطعون عليهم بأن يدفعوا للطاعنين مبلغ 968 ج و925 م والمصاريف المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المطعون عليهم هذا الحكم بتاريخ 26 / 5 / 1951 وقيد استئنافهم برقم 479 سنة 68 ق استئناف القاهرة وطلبوا إلغاء الحكم المذكور ورفض دعوى الطاعنين ومن ضمن ما تمسكوا به في صحيفة الاستئناف وجوب خصم قيمة الحكم رقم 104 سنة 1927 كلي بني سويف. وبتاريخ 23 / 6 / 1953 حكمت المحكمة الاستئنافية بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنين وإلزامهم بمصاريف الاستئناف ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة فقرر الطاعنون بتاريخ 9 / 11 / 1953 الطعن في هذا الحكم بالنقض وأعلنوا المطعون عليهم بتقرير الطعن بتاريخ 17 / 11 / 1953 في مكتب الأستاذ أحمد زغلول المحامي وأودعوا أصل ورقة إعلان الطعن بتاريخ 25 / 11 / 1953 ثم أودعوا إعلان الحكم المطعون فيه إليهم بتاريخ 31 / 12 / 1953 وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة لمن عدا المطعون عليهما الخامس والتاسع وطلبت في موضوعه بالنسبة لهذين الأخيرين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه في خصوص السببين الثاني والرابع. وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13 / 11 / 1957 وصممت النيابة على مذكرتها فقررت الدائرة إحالته على هذه الدائرة لنظره بجلسة 19 / 12 / 1957 وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع الذي أبدته النيابة أنه لما كان الطاعنون قد أعلنوا المطعون عليهم بتقرير الطعن في موطنهم المختار في إعلان الحكم المطعون فيه وهو مكتب محاميهم الأستاذ أحمد زغلول فإنه كان يتعين عليهم إيداع ورقة إعلان ذلك الحكم مع أصل إعلان الطعن في ميعاد العشرين يوماً التالية للتقرير بالطعن طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة ولكنهم لم يودعوا تلك الورقة إلا بتاريخ 31 / 12 / 1953 بعد مضي أكثر من عشرين يوماً على التقرير بالطعن، ولما كان هذا الإيداع إجراء جوهرياً فإنه يترتب على عدم حصوله بطلان الطعن بطلاناً تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها وفي غيبة الخصوم دون أن يكون لذلك أثر على قيام الطعن بالنسبة للمطعون عليهما الخامس والتاسع اللذين كانا من بين من أعلنوا بتقرير الطعن في مكتب الأستاذ أحمد زغلول المحامي لأنهما قد تنازلا عن التمسك بهذا الدفع بقبولهما التكلم في موضوع الطعن والرد عليه في مذكرتهما ولأن الحكم الابتدائي لا نص فيه على التضامن وموضوعه مما يقبل التجزئة حتى يستفيدا رغم ذلك من هذا البطلان.
ومن حيث إن هذا الدفع في محله ذلك أنه يبين من الاطلاع على ورقة إعلان الحكم المطعون فيه أن المطعون عليهم اتخذوا فيها مكتب الأستاذ أحمد زغلول المحامي موطناً مختاراً لهم كما يبين من الاطلاع على الأوراق بأن الطاعنين قرروا بالطعن في 9/ 11 / 1953 وأن تقرير الطعن أعلن به المطعون عليهم بتاريخ 17 / 11 / 53 في ذلك الموطن المختار وأن الطاعنين لم يودعوا قلم الكتاب أصل ورقة إعلان الحكم المتضمن اعتبار مكتب الأستاذ أحمد زغلول المحامي محلاً مختاراً لهم إلا بتاريخ 31 / 12 / 1953 أي بعد مضي أكثر من عشرين يوماً على تاريخ التقرير بالطعن. ولما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن إجازة إعلان الطعن في الموطن المختار كنص المادة 380 من قانون المرافعات مناطه أن يكون الخصم قد اختار ذلك الموطن في إعلان الحكم المطعون فيه إلى خصمه. ولما كان من المتعين - وفقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة - على من يعلن خصمه بتقرير الطعن في موطن مختار أن يثبت أن الخصم قد اختار هذا الموطن في إعلان الحكم وذلك بإيداعه قلم كتاب محكمة النقض مع ما يجب إيداعه من الأوراق في خلال العشرين يوماً التالية لتاريخ الطعن صورة الحكم المطعون فيه المعلنة إليه فإن لم يفعل كان الطعن باطلاً وتقضي المحكمة بذلك في غيبة المطعون عليه (نقض 18 / 11 / 1954 طعن رقم 237 سنة 31 ق). ولما كان ذلك فإن الطعن الحالي يكون باطلاً بالنسبة لمن عدا المطعون عليهما الخامس والتاسع، أما بالنسبة لهذين الأخيرين فإنه يبين من الأوراق أنها قدما مذكراتهما وقصرا دفاعهما على موضوع الطعن مما يعتبر تنازلاً منهما عن التمسك بهذا البطلان ويجعل الطعن صحيحاً وقائماً في مواجهتهما.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للمطعون عليهما المذكورين.
وحيث إن الطعن بني على سبعة أسباب يتحصل أولهما - في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون ذلك لأنه على الرغم من إقراره الحكم الابتدائي على ما انتهى إليه من التزام المطعون عليهم بمبلغ 938 جنيهاً و935 مليماً على التفصيل الوارد به أخذاً بتقرير الخبير الاستشاري عاد فأنهى هذا الالتزام بمقولة إن إسماعيل عبد الرازق يداين المرحوم أمين الحيني مورث الطاعنين في مبلغ 450 جنيهاً بحكم صدر له بتاريخ 10 من مارس سنة 1927 وأن قيمة هذا المبلغ وفوائده تربو على المبلغ المقضي به ابتدائياً للطاعنين وأن محكمة أول درجة أخطأت في عدم احتساب هذا المبلغ ثم أجرى المقاصة بين دين الطاعنين ودين إسماعيل عبد الرازق مع أن المادة 197 من القانون المدني القديم تنص على أن المقاصة لا تقع إلا إذا كان الدينان خاليين من النزاع ومستحقي الطلب وكانا من النقود أو من أشياء أخرى من جنس واحد بشرط أن يكونا واجبي الأداء في محل واحد. ودين إسماعيل عبد الرازق الذي أجريت بموجبه المقاصة يعتوره النزاع من جملة وجوه. ذلك أن الحكم الصادر به قد سقط بمضي المدة إذ أنه لم ينفذ عقب صدوره إلا في يوم أول أكتوبر سنة 1927 بأتعاب محاماة فقط وبعد ذلك بقي بدون تنفيذ حتى طلب المطعون عليهم لأول مرة في عريضة استئنافهم بتاريخ 26 / 5 / 1951 إجراء المقاصة بموجبه وقد مضى بين هذين التاريخين حوالي أربعة وعشرين عاماً سقط بمضيها الحكم المذكور بمضي المدة. وعلى فرض أن المطعون عليهم قد تمسكوا أمام الخبير المعين في الدعوى بتاريخ 2 / 8 / 1943 بخصم قيمة هذا الحكم مما هو مطلوب للطاعنين كما ورد في الحكم المطعون فيه، وعلى فرض أن إدراج قيمة الحكم المذكور ضمن كشفي الحساب المؤرخين 21 / 12 / 1927، 22 / 1 / 1928 المرسلين من المرحوم حسين عبد الرازق إلى الأستاذ ثابت ثروت يعتبر إقراراً بهذا الدين كما ذهب إليه ذلك الحكم فإن الخمسة عشر عاماً التي يسقط بها هذا الحكم قد مضت سواء من تاريخ تنفيذه أو من تاريخ كشفي الحساب المذكورين إلى تاريخ تعيين الخبير في 25 / 2 / 1943. وقال الطاعنون إن ما قرره الحكم المطعون فيه من عدم سقوط دين إسماعيل عبد الرازق بمضي المدة لإقرارهم به في عريضة دعواهم المؤرخة 12 / 10 / 1939 وطلبهم خصمه مما هو مطلوب لهم من المطعون عليهم ولإدراجهم هذا الدين في كشفي الحساب سالفي الذكر المقدمين من الطاعنين في الدعوى الأمر الذي يقطع في نظر الحكم المطعون فيه مدة التقادم. هذا الذي قرره الحكم يقول الطاعنون إنه غير صحيح لأن الإقرار الذي يقطع مدة التقادم هو الذي يعترف فيه المدين بمشغولية ذمته بالدين. ولأن طلب براءة الذمة لا يعتبر قاطعاً للتقادم أو اعترافاً بالدين خصوصاً وأن هذا الطلب قد وقع في بحر المدة القانونية أي قبل تكامل مدة السقوط. أما كشفا الحساب فهما من عمل المدين (المطعون عليهم) لا يؤخذ ما فيهما حجة أو إقراراً على الطاعنين فضلاً عن مضي المدة القانونية من تاريخ هذين الكشفين حتى تاريخ طلب المقاصة من المطعون عليهم - على ما سبق الإشارة إليه - ثم أضاف الطاعنون أن دينهم كان هو الآخر محل نزاع من المطعون عليهم يمتنع معه إجراء المقاصة بموجبه، كما أن الحكم المطعون فيه قد خالف الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 25 / 3 / 1943 الذي تأيد استئنافياً بالاستئناف رقم 621 سنة 60 ق إذ أن ذلك الحكم حدد العلاقة التي طلب من الخبير تصفيتها وهي المبالغ التي استلمها المرحوم أمين الحيني من المرحوم حسين عبد الرازق بالعقد المؤرخ 3 / 7 / 1923 فاستبعد بذلك المبلغ الذي استلمه المرحوم أمين الحيني من إسماعيل عبد الرازق فلم يكن من الجائز إقحام هذا المبلغ بعد ذلك في الدعوى، كما وأن ذلك الحكم وقد أخذ بتقرير الخبير الاستشاري في تأييده للحكم الابتدائي المبني على هذا التقرير قد تناقض مع نفسه بإجرائه خصم مبلغ دين إسماعيل عبد الرازق مما هو مطلوب للطاعنين لأن الخبير الاستشاري قد رفض خصم هذا المبلغ وإدخاله ضمن الحساب لأنه عملية مستقلة عن الرهن موضوع النزاع. ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتحديد يوم 25 / 3 / 1943 تاريخ صدور الحكم التمهيدي بتصفية الحساب بين الطاعنين والمطعون عليهم بدءاً للمقاصة قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك لأنه في هذا التاريخ كان دين الطاعنين متنازعاً فيه ولم يزل متنازعاً فيه حتى تاريخ الحكم المطعون فيه في 23 / 6 / 1953. ولا تصح المقاصة القانونية إلا إذا كان الدينان خاليين من النزاع - ويتحصل السبب الثالث في أن الحكم المطعون فيه قد أجرى حساب الفوائد عن دين إسماعيل عبد الرازق بواقع 9 % لمدة خمس سنوات سابقة على 25 / 2 / 1943 ثم بواقع هذا السعر عن المدة اللاحقة لذلك حتى تاريخ صدور الحكم المطعون فيه مع أن الفوائد قد عدلت إلى 8 % ابتداء من 21 / 3 / 1938 بمقتضى القانون رقم 20 لسنة 1938 ثم إلى 7 % ابتداء من 15 / 10 / 1949 طبقاً لنص المادة 227 من القانون المدني الجديد. وعلى ذلك يكون الحكم قد أخطأ تطبيق القانون. ويتحصل السبب الرابع في أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ أغفل تحديد دين إسماعيل عبد الرازق في التاريخ الذي اعتبره مبدأ لتنفيذ المقاصة وهو يوم 25 / 2 / 1943 والفوائد المستحقة عليه لهذا التاريخ حتى على السعر الخاطئ الذي أخذ به ذلك الحكم ثم إجراء المقاصة على هذا الأساس في هذا التاريخ بقدر الأقل من الدينين كما تقضي بذلك المادة 193 من القانون المدني القديم. ويتحصل السبب الخامس في أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ اعتبر يوم 25 / 2 / 1943 مبدأ لتنفيذ المقاصة مع أنه في هذا التاريخ كان دين إسماعيل عبد الرازق قد سقط بمضي المدة. ويتحصل السبب السادس في أن الحكم أخطأ تطبيق القانون ذلك لأنه أضاف إلى دين إسماعيل عبد الرازق البالغ مقداره 450 جنيهاً فوائد بلغ مقدارها 676 جنيهاً وقد نصت المادة 232 من القانون المدني على أنه لا يجوز في أية حالة أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ويتحصل السبب السابع في تعييب الحكم بمخالفة القانون ذلك لأنه أجرى المقاصة بين دين إسماعيل عبد الرازق ودين الطاعنين مع أن دين الطاعنين مطلوب من المطعون عليهم جميعاً ودين إسماعيل عبد الرازق مطلوب لهذا الأخير فقط، ويشترط لإجراء المقاصة القانونية أن يكون الدينان متقابلين بمعنى أن يكون كل من المتعاملين دائناً أصلاً ومديناً أصلاً للآخر.
وحيث إن ما ينعاه الطاعنون في الأسباب الأول والثاني والخامس مردود أولاً بأن النزاع الذي أثاره الطاعنون حول دين إسماعيل عبد الرازق المحكوم له به ضد مورثهم بتاريخ 10 من مارس سنة 1927 يدور حول سقوط ذلك الحكم بمضي المدة وقد تصدى الحكم المطعون فيه لهذا النزاع وفصل فيه فقال عند استعراض الوقائع "إن المستأنف عليهم (الطاعنون) حينما رفعوا دعواهم أدمجوا هذا الدين ضمن الحساب الذي أوضحوه في عريضة الدعوى المعلنة للمستأنفين (المطعون عليهم) في 12 من أكتوبر سنة 1939 - وطلبوا استنزاله مما لهم في ذمة المستأنفين." ثم قال: "وحيث إنه عن الدفع بسقوط الدين بمضي المدة الطويلة الذي تمسك به المستأنف عليهم أمام الخبير وفي مذكراتهم الأخيرة فإنه في غير محله لأن إقرارهم بهذا الدين وطلبهم الوفاء به يخصم مما لهم في ذمة المستأنفين، كما توضح منهم ذلك في عريضة الدعوى. هذا الإقرار قاطع للمدة، وقد استمر المستأنفون يطالبون بالوفاء به بطريق المقاصة من وقت أن حضروا أمام الخبير حتى نهاية مراحل الدعوى". وهذا الذي انتهى إليه الحكم المذكور من اعتبار دلالة إدماج الطاعنين دين إسماعيل عبد الرازق ضمن الحساب الذي أوضحوه في عريضة دعواهم وطلبهم استنزاله مما لهم في ذمة المطعون عليهم إقراراً منهم بدين إسماعيل عبد الرازق من شأنه قطع مدة تقادمه هو استخلاص موضوعي سائغ ولا مخالفة فيه للقانون. ومردود ثانياً - بأن الحكم لم يخطئ في إجراء مقاصة هذا الدين مع دين الطاعنين بعد أن بت في منازعة المطعون عليهم فيه وقدره، ذلك لأن المقاصة التي أجراها الحكم المذكور ليست هي المقاصة القانونية المنصوص عليها في المواد 192، 193، 194 من القانون المدني الملغي والتي تقع بقوة القانون وتستلزم خلو الدينين من النزاع وإنما هي مقاصة قضائية خول للقاضي أن يجريها إذا تخلف شرط من شروط المقاصة القانونية كشرط الخلو من النزاع بعد تقدير هذا النزاع ومدى أثره على الحق موضوع المقاصة لا يؤثر في ذلك ما استطرد إليه الحكم المطعون فيه تزيداً في مقام الرد على استبعاد الحكم الابتدائي لدين إسماعيل عبد الرازق من الحساب من قوله إن هذا الدين صادر به حكم تجري به المقاصة بحكم القانون كما تقضي بذلك المادتان 192 و193 من القانون المدني القديم. لا يؤثر ذلك في الحكم متى كانت المقاصة التي انتهى إليها الحكم المذكور تنطوي في حقيقتها على مقاصة قضائية قدرت المحكمة في سبيل إجرائها كلاً من الدينين ومدى المنازعة فيه وأثرها عليه ثم أجرت المقاصة بموجبهما بعد ذلك. ومردود ثالثاً - بأنه لا محل لما يتحدى به الطاعنون من أن طلبهم في عريضة دعواهم براءة ذمتهم من دين إسماعيل عبد الرازق لا يعتبر اعترافاً به ولا قاطعاً للتقادم بشأنه ذلك لأن الحكم المطعون فيه لم يبن قطع التقادم على طلب الطاعنين براءة ذمتهم من هذا الدين وإنما بناه على إقرارهم به في عريضة دعواهم وطلبهم الوفاء به بخصمه مما لهم في ذمة المطعون عليهم. ومردود رابعاً - بأنه لا محل للنعي على الحكم المطعون فيه بأنه إذ أجرى المقاصة قد خالف الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 25 / 2 / 1943 بمقولة إن هذا الحكم التمهيدي قد استبعد دين إسماعيل عبد الرازق من مأمورية الخبير عند ما طلب منه تصفية المبالغ التي استلمها المرحوم أمين الحيني من المرحوم حسين عبد الرازق خاصاً بالعقد المؤرخ 3 / 7 / 1923 ذلك لأنه تبين من الاطلاع على الصورة الرسمية للحكم التمهيدي المذكور المقدمة من الطاعنين أن المحكمة أرادت: "معرفة مدى العلاقة التي كانت بين المرحوم أمين أفندي الحيني والمدعى عليهم (الطاعنون عليهم) ومراجعة الحساب الخاص بهم في دفاتر الدائرة منذ بدأت العلاقة حتى رفع الدعوى ومعرفة ما استلمه من مبالغ من المرحوم حسين بك عبد الرازق وما سدده للدائرة ومراجعة المبالغ الواردة بالكشفين المرفقين بخطابي المرحوم حسين بك عبد الرازق لحضرة محمد ثابت ثروت بك في 21 / 12 / 1927 و22 / 1 / 1928 على دفاتر الدائرة لمعرفة مدى انطباق البيان الوارد بها على ما هو واضح بالدفاتر..." ولهذا انتدبت المحكمة خبيراً حسابياً لإجراء ما تقدم وللانتقال للاطلاع على دفاترها منذ بدء العلاقة المالية بينهما حتى تاريخ الخطابين المقدمين وتسوية حساب المبالغ التي استلمها مورث المدعين والمبالغ التي سددها للدائرة" - ولما كان يبين من الوقائع الواردة بهذا الحكم أن إسماعيل عبد الرازق هو أحد المدعى عليهم وأنه - أي الحكم - قرر ندب الخبير لمعرفة علاقة مورث الطاعنين بالمدعى عليهم جميعاً ومن بينهم إسماعيل عبد الرازق. وكان يبين من الوقائع كذلك أن دين هذا الأخير كان مدرجاً بكشف الحساب المؤرخ 22 / 1 / 1928 الذي كلف الخبير بتحقيقه ومراجعته على الدفاتر. لما كان ذلك فلا محل للقول بأن الحكم التمهيدي المشار إليه قد استبعد دين إسماعيل عبد الرازق. لا يؤثر في ذلك أن يكون الحكم التمهيدي قد أدخل ضمن مأمورية الخبير بيان المبالغ التي استلمها مورث الطاعنين من حسين عبد الرازق. أما ما ينعاه الطاعنون من أن الحكم المطعون فيه قد تناقض مع نفسه لأنه أجرى خصم دين إسماعيل عبد الرازق من دين الطاعنين في حين أن الخبير الاستشاري الذي أخذ الحكم المذكور بتقريره قد رفض إجراء هذا الخصم فمردود بأن للمحكمة - في حدود سلطتها التقديرية - أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو ببعض ما جاء به وتطرح بعضه لأنها غير مقيدة بآراء أهل الخبرة إذ هي لا تقضي إلا على ما تطمئن إليه دون أن يشوب حكمها في ذلك أي تناقض.
وحيث إنه في خصوص السبب الرابع فيبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه اعتبر فوائد دين إسماعيل عبد الرازق التي تدخل المقاصة هي المستحقة عن خمس سنوات سابقة على تاريخ الحكم التمهيدي بتعيين الخبير في 25 / 2 / 1943 وما استحق بعد ذلك حتى تاريخ صدور الحكم المطعون فيه في 23 / 6 / 1953 مجموع ذلك مبلغ 621 ج أضافها إلى مبلغ الدين ثم أجرى المقاصة بمجموع هذين المبلغين مع صافي الريع المستحق للطاعنين حتى آخر سنة 1943 - ولما كان الحكم المذكور قد اعتبر يوم 25 / 2 / 1943 مبدأ لتنفيذ المقاصة وكانت المقاصة طبقاً لنص المادة 192 من القانون المدني القديم نوعاً من وفاء الدين تحصل بقدر الأقل من الدينين كنص المادة 193 من ذلك القانون فإن هذا الوفاء الذي يحصل بالمقاصة يستلزم قانوناً تحديد دين إسماعيل عبد الرازق في تاريخ 25 / 2 / 1943 وفوائده عن الخمس سنوات السابقة على هذا التاريخ كما ورد في الحكم المطعون فيه ثم إجراء المقاصة بين هذا الدين مضافاً إليه تلك الفوائد ودين الطاعنين الثابت في ذمة المطعون عليهم حتى ذلك التاريخ وذلك بقدر الأقل منهما وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ أضاف إلى دين إسماعيل عبد الرازق عند إجراء المقاصة بموجبه في 25 / 2 / 1943 فوائد عن هذا الدين لاحقة التاريخ المذكور ويتعين نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن ما ينعاه الطاعنون في السبب الثالث من زيادة الفائدة التي أجرى الحكم المطعون فيه حسابها لدين إسماعيل عبد الرازق عن الحد القانوني المقرر لها بالمرسوم بقانون رقم 20 سنة 1938 فمردود بأن هذا المرسوم قد نص صراحة على أنه لا يسري حد الفائدة التي يجوز الاتفاق عليها المقرر بهذا المرسوم بقانون أو بمقتضى أحكام على الاتفاقات المعقودة قبل تاريخ العمل به. والفائدة التي أضافها الحكم المطعون فيه لدين إسماعيل عبد الرازق محكوم له بها بتاريخ 10 / 3 / 1927 في القضية رقم 104 سنة 1927 مدني كلي بني سويف تنفيذاً لاتفاق سابق فهي بلا شك سابقة على تاريخ تنفيذ ذلك القانون في 21 / 3 / 1938 بمنأى عن أحكامه. أما النعي بزيادة الفائدة المضافة بموجب الحكم المطعون فيه إلى دين إسماعيل عبد الرازق عن الحد القانوني المقرر لها بالمادة 227 من القانون المدني الجديد فغير منتج ذلك لأن حكم هذه المادة لا يسري إلا ابتداء من 15 / 10 / 1949 وقد اتضح مما سبق بيانه في خصوص السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في إضافة أية فوائد لدين إسماعيل عبد الرازق عن المدة اللاحقة ليوم 25 / 2 / 1943 الذي اعتبره مبدأ للمقاصة. كما يكون غير منتج كذلك لنفس هذا السبب نعي الطاعنين في السبب السادس بزيادة الفوائد المضافة إلى دين إسماعيل عبد الرازق لغاية 23 / 6 / 1953 على أصل ذلك الدين على خلاف ما تقضي به المادة 232 من القانون المدني الجديد.
وحيث إنه في خصوص السبب السابع فقد ورد في الحكم المطعون فيه بشأنه وحيث إن المستأنف عليهم (الطاعنون) يقولون في مذكرتهم الأخيرة إن الدين المطلوب عمل المقاصة عنه هو لحضرة إسماعيل عبد الرازق وحده لا شأن لباقي المستأنفين به وهذا القول مردود عليه بأن معاملة مورثهم كانت مع المستأنفين أو مورثهم وأنهم قبلوا خصم هذا الدين من ريع الأطيان المتنازع عليها كما ورد في عريضة الدعوى الابتدائية". ومفاد ذلك أن الحكم المذكور قد انتهى إلى أن حقيقة دين إسماعيل عبد الرازق هو لجميع المطعون عليهم وأن هؤلاء هم والطاعنين قد قبلوا خصم هذا الدين من ريع الأطيان المتنازع عليها. ولما كان هذا استخلاصاً موضوعياً سائغاً له سنده وما يبرره من الواقع فإنه يجعل الدينيين اللذين حصلت بموجبهما المقاصة متقابلين ويكون النعي الطاعنين في هذا السبب مرفوضاً.