أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 9 - صـ 76

جلسة 9 من يناير سنة 1958

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(6)
طعن رقم 10 سنة 26 ق "أحوال شخصية"

( أ ) أهلية "عوارض الأهلية". حجر. الغفلة. جواز الاستدلال على انتفائها بأقوال المطلوب الحجر عليه إذا كشفت هذه الأقوال عن سلامة الإدراك والتقدير.
(ب) أهلية. السفه والغفلة. حجر. حكم "تسبيب كاف". نفي قيام حالتي السفه والغفلة عن المحجور عليه لأسباب سائغة. انعدام الجدوى من النعي على الحكم فيما استطرد إليه تزيداً من مناقشة بعض فروض وردت في دفاع طالب الحجر.
(ج) أهلية. السفه والغفلة. حجر. حكم "تسبيب كاف". قيام الحكم برفض طلب الحجر على أساس أن تصرفات المطلوب الحجر عليه كانت بعوض وكذلك على أساس أن هذه التصرفات كانت تبرعية وليس فيها ما ينبئ عن قيام حالتي الغفلة والسفه. انعدام النعي على الحكم في الأساس الأول لقضائه.
1 - إن الغفلة لا تخل بالعقل من الناحية الطبيعية وإنما تقوم على فساد التدبير وترد على حسن الإدارة والتقدير، وهي على هذا الوصف وإن كان يرجع في إثباتها أو نفيها لذات التصرفات التي تصدر من الشخص إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من أن تستمد محكمة الموضوع أيضاً الدليل إثباتاً ونفياً من أقوال المطلوب الحجر عليه في التحقيقات ومن مناقشتها له فإذا ما كشفت هذه الأقوال عن سلامة الإدراك والتقدير أمكن الاستدلال بها على انتفاء حالة الغفلة دون أن يؤخذ على هذا الاستدلال الخطأ في مفهومها أو في تطبيق هذا المفهوم.
2 - متى كانت محكمة الموضوع قد نفت عن المطلوب الحجر عليه قيام حالتي السفه والغفلة استناداً إلى أن تصرفاته كانت بعوض وفاء لدين شغلت به ذمته وأنه لم يقم لدى المحكمة دليل مقنع على التبرع وإلى أن إيصاءه للكنيسة ليس فيه ما يخالف مقتضى الشرع والعقل لمشروعية هذا التصرف ولإضافته إلى ما بعد الموت واحتفاظه بحق الرجوع فيه - فإن هذه الأسباب سائغة وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها المحكمة من رفض طلب الحجر. فإذا كانت المحكمة قد استطردت بعد ذلك، وناقشت تزيداً بعض الفروض التي وردت في دفاع طالب الحجر فلا جدوى من النعي على ما يكون قد ورد في مناقشة هذه الفروض من أخطاء.
3 - لا جدوى من تعييب الحكم فيما أقام عليه قضاءه من رفض طلب الحجر على اعتبار أن التصرفات التي صدرت من المطلوب الحجر عليه كانت بعوض في حين أنها لم تكن بعوض متى كان الحكم قد أقام قضاءه أيضاً على اعتبار هذه التصرفات قد صدرت منه على وجه التبرع ولم ير فيها ما ينبئ عن قيام حالتي الغفلة والسفه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
... ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 6 من يوليه سنة 1955 قدم الطاعنون طلباً إلى السيد رئيس محكمة الأحوال الشخصية بالقاهرة ذكروا فيه أن والدهم القمص بطرس عوض الله يملك أطياناً زراعية بكفر ابنيس مركز قويسنا لا يعرفون مقدارها ولا قيمتها، كما أنه يملك قطعتي أرض فضاء بناحيتي منشية البكري والمعادي وأنه بلغ الثمانين من العمر وقد أصبح سهل الانقياد حتى أن السيدة فايقة مرقص حنا تمكنت من التأثير عليه واستصدرت منه بتاريخ 6 / 6 / 1955 عقداً ببيع قطعة الأرض الكائنة بمنشية البكري ولم يمض على ذلك سوى أسبوعين حتى استصدرت منه بتاريخ 21 / 6 / 1955 عقداً آخر ببيع قطعة الأرض الكائنة بالمعادي. وأن هذه التصرفات تدل على السفه فضلاً عن الغفلة، وقد أنفق ثمن المبيع في غير مقتضى الشرع والعقل ولم يكن هناك مبرر للبيع لأن إيراد أملاكه يكفي لنفقات معيشته وعائلته فضلاً عن أنه كان لديه رصيد نقدي بالبنوك وأنه ترامى إلى علمهم أخيراً أنه سحب هذا الرصيد وأودعه باسم تلك السيدة التي تسلطت على إرادته في المدة الأخيرة تسلطاً جعله يهجر بيته وأولاده ويقيم بمسكنها، ولما كانوا يخشون من تصرف والدهم في باقي أملاكه بما يضر بمصلحته ومصلحتهم، فإنهم يطلبون اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوقيع الحجر عليه للسفه والغفلة وتعيين قيم لإدارة شئونه. وأحيل الطلب إلى النيابة فحققته وأعادته إلى المحكمة بمذكرة رأت فيها توقيع الحجر على القمص بطرس عوض الله للسفه وتعيين الأستاذ لوقا بطرس عوض الله قيماً عليه بلا أجر. وقيدت القضية برقم 22 ب سنة 1955 كلي القاهرة. وحددت النيابة الوقائع المنسوبة إلى المطلوب الحجر عليه والتي استندت إليها في طلب توقيع الحجر بالتصرفات الآتية:
أولاً: قيامه ببيع قطعتي الأرض المملوكتين له والكائنتين بمنشية البكري والمعادي إلى السيدة فايقة مرقص حنا دون أن يقبض ثمن البيع.
ثانياً: تحويله مبلغ 3000 جنيه من حسابه ببنك مصر إلى حساب السيدة فايقة مرقص حنا بالبنك المذكور.
ثالثاً: إيصاؤه بكل أمواله بعد وفاته إلى بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة وكنسية ماري جرجس بالظاهر. وأن تصرفه على هذا النحو يخالف مقتضى العقل والشرع.
وعرض الطلب على محكمة القاهرة للأحوال الشخصية فدفع المطلوب الحجر عليه بعدم قبوله لتقديمه من أولاده بقصد التشفي والانتقام لأنه عرض عليهم في بدء التحقيق أن يبيعهم كل ممتلكاته بيعاً منجزاً مع احتفاظه بحق الانتفاع حال حياته وبذلك يكون قد تحقق الغرض لديهم من المحافظة على أمواله حال حياته ومصلحتهم بعد مماته ولكنهم رفضوا هذا العرض وساروا في الطلب، كما طلب رفض الطلب موضوعاً.
وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1955 قضت محكمة أول درجة حضورياً:
أولاً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
ثانياً: وفي الموضوع برفض طلب الحجز وألزمت الطالبين بالمصروفات و20 جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.
استأنفت النيابة وطالبو الحجر هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة (دائرة الأحوال الشخصية) طالبين إلغاء الحكم المستأنف وتوقيع الحجر على القمص بطرس عوض الله. وقيد الاستئنافان برقمي 3 و4 سنة 1956 أحوال شخصية.
وبجلسة 21 من مارس سنة 1956 قضت محكمة الاستئناف حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنفين من أولاد المستأنف ضده وهم لوقا بطرس ومن معه بمصاريف استئنافهم و20 جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف ضده وألزمت الخزانة العامة بمصاريف استئناف النيابة.
وقد طعن الطاعنون على هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 19 من ديسمبر سنة 1956 وطلب الطاعنون إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية. وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن. وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة. وفي 20 / 12 / 1956 أمر السيد رئيس المحكمة قلم الكتاب بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليه وحدد هل الخمسة عشر يوماً التالية لإعلانه لإيداع مستنداته ومذكرة بدفاعه وللنيابة الواحد وعشرين يوماً لتقديم مذكرة تكميلية بما تراه. وفي 24 / 12 / 1956 أعلن قلم الكتاب المطعون عليه بتقرير الطعن، وفي 9 / 1 / 1957 قدم الطاعنون مذكرة شارحة أحالوا فيها على ما ورد بتقرير الطعن، وفي 22 / 1 / 1957 قدم محامي المطعون عليه - بعد أن طلب مد ميعاد تقديم مذكرته أجيب إليه - قدم مذكرة بدفاعه دفع فيها بعدم قبول الطعن شكلاً لبطلان إجراءاته لعدم إعلان تقرير الطعن من الطاعنين وعدم إيداع أصل الإعلان في قلم الكتاب خلال المواعيد المحددة في المادة 432 مكرراً من قانون المرافعات، كما طلب رفض الطعن موضوعاً وقدمت النيابة مذكرة ثانية طلبت فيها رفض الدفع وأصرت على وجهة نظرها التي أبدتها في مذكرتها الأولى وانتهت إلى طلب رفض الطعن.
وبجلسة المرافعة الأخيرة تنازل المطعون عليه عن الدفع وصمم على طلب رفض الطعن، وأبدت النيابة رأيها بطلب رفض الطعن.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وتأويله من وجهين:
الوجه الأول: أن الحكم أخطأ في تعيين مفهوم فكرة السفه والغفلة وتعيين معيارهما ذلك أنه خلط بين الغفلة وبين ضعف القوى العقلية إذ أقام قضاءه على قاعدة عامة استند إليها ورددها في جميع أسبابه محصلها أن الحجر لا يوقع على من كان مستكملاً لقواه العقلية ثم قرر الحكم أن أقوال المطلوب الحجر عليه في التحقيق وأمام المحكمة لا تنبئ عن غفلة أو ضعف في قواه العقلية بل تتم عن استكمال لهذه القوى في حين أن الغفلة ليست مرادفة لضعف القوى بحيث يكون حكمهما في القانون واحداً إنما هي حالة ينم عليها التصرف ذاته لا يهتدي فيه المرء إلى الرابح أو يقبل فيه فاحش الغبن. وهي بهذه المثابة وإن كانت صورة من صور ضعف بعض الملكات إلا أنها ليست ناشئة عن ضعف القوى العقلية ولا تدخل في معناه. وأن الحكم أغفل الحديث أصلاً عن السفه رغم أن طلب الحجر مقام على السببين وذلك جرياً على القاعدة التي ارتآها من أنه لا يجوز توقيع الحجر إلا على من لم يستكمل قواه العقلية أو أهليته المدنية فخلط بذلك بين الجنون والعته ومداره عدم اكتمال القوى العقلية وبين السفه ومداره تبذير المال على خلاف مقتضى العقل والشرع. وبهذا الخلط أهدر الحكم المطعون فيه السفه والغفلة كسبب للحجر وجعل النص عليهما في القانون لغواً فأخطأ في تطبيق القانون وتأويله وقد ترتب على ذلك أن أغفل الحكم التحدث عن التصرفات المنسوبة للمطلوب الحجر عليه فلم ينزل عليها حكم القانون في السفه والغفلة وبذلك شابه قصور مخل.
الوجه الثاني: أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق فكرتي السفه والغفلة وخالف القانون في الغرض من الحجر إذ أقام قضاءه على قاعدة عامة ثابتة تتحصل في أن للشخص العاقل الرشيد الحق في التصرف في ماله كما يشاء بغير معقب عليه متى كان يصدر في هذا التصرف عن مصلحة يراها هو جديرة بالعناية، وأن الحجر لم يشعر لاعتبارات شخصية تتصل بآمال مستقبلة في اقتسام تركة شخص على قيد الحياة، وأن التصرف الذي يصدر بقصد الحرمان من الميراث جائز قانوناً وشرعاً لا سبيل للطعن عليه ما دام أن الحق في الميراث لم يولد بعد. ويقول الطاعنون إن هذا الاستناد خاطئ لأن المعيار في فكرتي السفه والغفلة هو معيار قانوني مادي يكون التصرف فيه على غير مقتضى العقل والشرع وقد استبدل به الحكم معياراً شخصياً بحتاً. وترتب على هذا النظر الذي ذهب إليه الحكم أن التفت عن التصرفات المنسوبة إلى المطعون عليه فلم يحقق أسباب النعي عليها وانصرف عن تقدير الأدلة على سلامة هذا النعي وإنزال حكم القانون عليها فجاء مشوباً بالقصور المخل، كما أن الحكم إذ قرر أن للمرء التصرف بغير معقب عليه وأن الحجر لم يشرع لاعتبارات شخصية تتعلق بآمال مستقبلة في التركة قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله في مشروعية الحجر والغرض منه - ذلك أن الغرض من الحجر وفق ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون 119 لسنة 1952 هو المحافظة على مصالح الأسرة وغيرها من المصالح المشروعة كمصالح الدائنين. وأن الحجر وفق ما ورد بهذه المذكرة ينبني بوجه عام على إساءة استعمال الحقوق واستعمال الحق لا يكون مشروعاً إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير أو إذا كانت المصالح التي استهدف تحقيقها قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضررها طبقاً لنص المادة 5 من القانون المدني.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود - أولاً - بأنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أشار إلى أساس طلب الحجر بحسب ما صورته النيابة والطاعنون أورد بأسبابه بصدد هذا النعي ما يأتي:
"ومن حيث إن أقوال المطلوب الحجر عليه بمحضر النيابة وأمام المحكمة تدل على التقدير والإدراك التام لتصرفاته ولا تنبئ عن غفلة أو ضعف في قواه العقلية، فقد كانت إجابته متعلقة بما يسأل عنه وتحتوي على تبيان ما يطلب منه بيانه في وضوح لا ينم إلا على تمام استكمال قواه العقلية وقد ذكر مبررات هذه التصرفات فقال إنه كان مديناً للسيدة فايقة مرقص حنا وزوجها في مبلغ يربو على 8000 جنيه بسبب ما أنفقه في تجهيز بنتيه وشراء قطعة أرض فضاء بالمعادي بمبلغ 3000 جنيه والإنفاق على زوجته إبان مرضها الذي طال أمده وقد تكبد في سبيل علاجها ما يقرب من ألفي جنيه وأنه في نظير ذلك الدين باع إلى السيدة فايقة قطعتي الأرض الفضاء المشار إليهما بالثمن الوارد في العقدين وهو الثمن الحقيقي لهما وأنكر إيداعه أي مبلغ ببنك مصر أو بغيره من البنوك باسم تلك السيدة، وقال إن المبلغ الذي سحبه من بنك مصر في يوم 17 من يونيه سنة 1955 (وصحتها سنة 1953) والذي قيل إنه أودعه باسم السيدة المذكورة في ذلك اليوم قد سلمه إلى صاحبته التي كانت أودعته عنده أمانة في يوم 30 من مايو سنة 1955 وصحتها 1953. ومن حيث إنه عن الإدعاء بوقوع المستأنف ضده تحت سيطرة ونفوذ وسلطان السيدة فايقة مرقص حنا وأثر هذه السيطرة في إجراء التصرفات التي تذرع بها فإنه فضلاً عما كشفت عنه الوقائع من أنه لم يتقدم من المستأنفين ما يقطع بطريقة يقينية بعدم صحة قول المستأنف ضده من أنه باع إلى تلك السيدة قطعتي الأرض المشار إليهما ليدفع عن نفسه ديوناً كان قد استدانها منها وزوجها - وفق ما سلف بيانه - كما لم يتقدم منهم ما يقطع في أن المستأنف ضده قد وهب تلك السيدة مبلغ 3000 ج. وأن المحكمة لا تطمئن إلى أقوال سامي يعقوب من أن الزوج قد أخبره بصحة تلك الواقعة - فإنه على فرض أنه لم يكن هناك دين أصلاً وأن الرجل باع بلا ثمن ووهب السيدة المذكورة المبلغ المشار إليه، فهذا على فرض صحته لا مانع يمنع منه شرعاً ولا قانوناً ومتى كان الثابت أنه مستكمل لقواه العقلية فهو وشأنه في التصرف بماله وله أن يهب ما يشاء من ماله لمن يشاء بلا رقيب وأن يعطي الهبة ما يشاء من الصور القانونية فله أن يجعلها في صورة عقد بيع سواء قبض ثمنه أو لم يقبض وسواء أكان الثمن موافقاً لثمن المثل أم دون ذلك متى كانت أسباب الغفلة معدومة، ومتى كان واضحاً أن المالك يصدر في تصرفه لمصلحة يراها هو جديرة بالعناية في نظره. ولم يشرع الحجر إلا لاعتبارات متعلقة بالنظام العام وتتطلب حماية الأشخاص الذين لم يستكملوا قواهم العقلية أو أهليتهم المدنية لا من أجل اعتبارات شخصية متصلة بآمال مستقبلة في اقتسام تركة شخص على قيد الحياة.
ومن حيث إنه على ضوء المبادئ السالفة يكون ما حدث من تصرفات المطلوب الحجر عليه والتي لا تخرج عن دائرة السيدة فايقة مرقص حنا وذلك ببيعها جزءاً يسيراً من أملاكه الواسعة التي هي ثمرة كده ومهما كانت ماهية هذه التصرفات بعوض أو بغير عوض لا تستدعي الحجر عليه لسفه أو غفلة متى كان واضحاً أنه قد صدر في تصرفاته عن مصلحة يراها جديرة بالعناية في نظره اعترافاً منه لتلك السيدة وزوجها بتعهدهما مصالحه ورعاية شؤونه وإن قيل إن المقصود بهذا التصرف هو حرمان أولاده من ميراث القدر الذي حصل التصرف فيه فهذا على فرض صحته لا مانع يمنع منه شرعاً ولا قانوناً ولا يصح التحدث عن الإرث في صدد تصرف منجز صادر من عاقل رشيد حال حياته. ومن حيث إنه عن إيصاء المستأنف ضده بكامل ما يملك للكنائس فلا يستوجب الحجر عليه لأنه لا يتنافى مع العقل والشرع.
ومن حيث إنه لما تقدم ولما تضمنه الحكم المستأنف من أسباب لا تتعارض مع ما تقدم تكون المحكمة الابتدائية قد أصابت الحق ويتعين تأييد ما قضت به" ويبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أنه نفى الغفلة عن المطعون عليه وتحدث عنها ورددها في عبارات كثيرة انتشرت في أسبابه كحالة من حالات الحجر مغايرة لضعف القوى العقلية فلم يخطئ الحكم فهم أن الغفلة لا تخل بالعقل من الناحية الطبيعية وإنما تقوم على فساد التدبير وترد على حسن الإدارة والتقدير وهي على هذا الوصف وإن كان يرجع في إثباتها أو نفيها لذات التصرفات التي تصدر من الشخص إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من أن تستمد محكمة الموضوع أيضاً الدليل إثباتاً ونفياً من أقوال المطلوب الحجر عليه في التحقيقات ومن مناقشتها له فإذا ما كشفت هذه الأقوال عن سلامة الإدراك والتقدير أمكن الاستدلال بها على انتفاء حالة الغفلة دون أن يؤخذ على هذا الاستدلال الخطأ في مفهومها أو في تطبيق هذا المفهوم. ومردود ثانياً - بأن الحكم المطعون فيه لم يغفل التحدث عن السفه بل أشار إليه في أسبابه عندما ناقش تصرفات المطعون عليه وخلص من هذه المناقشة إلى أن هذه التصرفات سواء كانت بعوض أو بغير عوض لا تستدعي الحجر عليه لسفه أو غفلة ثم أحال الحكم في ختام أسبابه إلى أسباب الحكم الابتدائي التي لا تتعارض مع ما أورده. وبهذه الإحالة أصبحت أسباب الحكم الابتدائي متممة لأسباب الحكم الاستئنافي فيما لا يتعارض معها. وقد أورد الحكم الابتدائي في هذا الخصوص ما يأتي "والمحكمة بصدد الفصل في طلب توقيع الحجر للسفه ترى أن دائرة البحث لا تتعدى تصرفات المطلوب الحجر عليه الثابتة بثبوت لا شك فيه وإجراء حكم القانون عليها لبيان إن كانت هذه التصرفات دالة على السفه من عدمه.
وحيث إنه فضلاً عن عدم ثبوت واقعة التبرع بمبلغ الثلاثة آلاف جنيه للسيدة فايقة على النحو الثابت بهذا الحكم فإن المحكمة تذهب بعيداً وترى أنه على فرض ثبوت التبرع للسيدة فايقة بالمبلغ المذكور مضافاً إلى ثمن قطعتي الأرض فإن هذا المجموع وقدره 11000 جنيه لا يجاوز الثلث من مجموع أموال المطلوب الحجر عليه الجائز الوصية فيه وقدره ستون ألف جنيه ومن ثم يكون هذا السبب أيضاً غير صالح لتقرير قيام حالة السفه بالمطلوب الحجر عليه إذ أن ما بقي له بعد هذه التصرفات من مجموع أمواله ما يجاوز الثلثين وهو قدر كبير لا ترى معه المحكمة أن المطلوب الحجر عليه أخذ في تبذير أمواله ذات اليمين وذات الشمال في نزوات طارئة أو تحت تأثير يخشى معه ضياع ثروته حتى يصبح عالة على المجتمع ومن ثم يكون هذا السبب من أسباب الحجر على غير أساس متعيناً القضاء برفض طلب الحجر من أجله.
ومن حيث إنه عن القول بتبرع المطلوب الحجر عليه بكل أمواله بعد مماته إلى البطريركية والكنيسة فإن المحكمة ترى أن هذا التصرف مضاف إلى ما بعد الموت ولا تخرج هذه الأموال من ملكية الموصى حال حياته وله حق الرجوع عن الوصية حال حياته في أمواله كلها أو بعضها وقد عدل فعلاً عن الايصاء ببعضها بالتصرفات المطعون عليها" وهو مردود - أخيراً - بأن محكمة الموضوع نفت عن المطعون عليه قيام حالتي السفه والغفلة وأقامت قضاءها بصفة أصلية استناداً إلى أن التصرف للسيدة فايقة كان بعوض وفاء لدين اشتغلت به ذمة المطعون عليه لها ولزوجها. وأنه لم يقم لديها دليل مقنع على تبرعه لها بمبلغ الثلاثة آلاف جنيه التي كانت مودعة باسمه في بنك مصر وإلى عدم اطمئنانها إلى أقوال سامي يعقوب بتحقيقات النيابة في خصوص هذه الواقعة وإلى أن إيصاءه للكنيسة ليس فيه ما يخالف مقتضى الشرع والعقل لمشروعية هذا التصرف ولإضافته إلى ما بعد الموت واحتفاظه بحق الرجوع فيه وهذه الأسباب التي استندت إليها محكمة الموضوع سائغة وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها من رفض طلب الحجر فإذا كانت قد استطردت بعد ذلك وناقشت تزيداً بعض الفروض التي وردت في دفاع الطاعنين فلا جدوى من النعي على ما يكون قد ورد في مناقشة هذه الفروض من أخطاء.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب ومسخ للوقائع الثابتة وفساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الحكم استند إلى ما قرره من أنه لم يثبت بطريقة يقينية عدم صحة قول المطعون عليه من أنه باع قطعتي الأرض سداداً لدين عليه للسيدة فايقة مرقص حنا وأن الطاعنين لم يقدموا دليلاً على أنه وهبها مبلغ الثلاثة آلاف جنيه وأنها لا تطمئن إلى أقوال سامي يعقوب في التحقيقات في حين أن ملف الدعوى حفل بمستندات بعضها رسمي وبعضها بخط القمص تقطع بأنه لم يستدن من السيدة فايقة أو غيرها شيئاً وأن هذه السيدة وزوجها لم يكونا قادرين على أن يقرضا أحداً شيئاً وأنه ظاهر من تحقيقات النيابة أنه في علاقته بالسيدة فايقة كان مسلوب الإرادة فاقداً السلطان على نفسه وأن الثابت من مناقشته أمام محكمة الاستئناف أنه رجل أدركته الشيخوخة وضعف فيه الرأي وأصبح يعيش في جو من الخزعبلات. وأنه لم يقرر الحقيقة عندما ذكر أنه استدان منها إذ أن هذه الاستدانة على حد قوله كانت في خلال سنة من منتصف سنة 1946 حتى سنة 1948 لتجهيز ابنتيه ومرض زوجته وشراء أرض المعادي مع أنه ثبت من الكشف الصادر من بنك باركليز أنه كان له رصيد خلال هذه المدة يربو على الثلاثة آلاف جنيه فليس من المعقول أن يلجأ إلى الاستدانة ولا يمس هذا المبلغ وأن جهاز ابنتيه حسب الفواتير المقدمة لم يتجاوز 600 ج وأن زوجته كانت ذات مال ورثته عن أبيها، فلم تكن في حاجة لأن يستدين زوجها القمص لعلاجها من مرضها، وأن الشهود الذين سمعوا في التحقيقات ومن بينهم أخو وأخت عياد خير زوج السيدة فايقة أجمعوا على أن حالة الزوجية رقيقة لا تسمح لهما بإقراض الغير وأن التعاصر الزمني بين المبلغ المسحوب من حساب القمص بالبنك وإيداعه في ذات اليوم بنفس البنك لحساب السيدة فايقة يدل على حصول هبة هذا المبلغ من القمص لها. ولكن الحكم التفت عن كل هذا الدفاع وهذه المستندات اكتفاء منه بالأسباب التي سبقت الإشارة إليها. كما أن استناد الحكم إلى قانون المحاكم الحسبية في جواز إيصاء المحجور عليه لجهات البر مشوب بفساد الاستدلال ومخالف للقانون للفارق بين حالة ذلك المحجور عليه وحالة المطعون ضده بسبب توافر رقابة المحكمة الحسبية في حالة إيصاء المحجور عليه.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بما سبق بيانه عند مناقشة السبب السابق من أن محكمة الموضوع نفت عن المطعون عليه قيام حالتي الغفلة والسفه وأقامت قضاءها بصفة أساسية استناداً إلى أن تصرف المطعون عليه للسيدة فايقة كان بعوض وفاء لدين شغلت به ذمته لها ولزوجها وأن الطاعنين لم يقدموا دليلاً مقنعاً على تبرعه بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه وأنها لا تطمئن إلى أقوال سامي يعقوب في خصوص هذه الواقعة وأن إيصاء المطعون عليه للكنيسة ليس فيه ما يخالف الشرع أو العقل لمشروعية هذا التصرف. وإذ كانت محكمة الموضوع قد رجحت بذلك أدلة المطعون عليه واقتنعت بها وأقامت قضاءها على ما أوردته من أسباب سائغة تؤدي إلى ما رتبته عليها فقد كان ذلك منها في حدود سلطتها الموضوعية في تقدير الدليل الذي لا سبيل لمناقشتها فيه. ولا يعيب حكمها أنه لم يرد على كل جزئية من دفاع الطاعنين إذ هي غير ملزمة بذلك ما دام أن حكمها محمول على ما أوردته من أسباب مقبولة بحسب ما سبق بيانه. هذا فضلاً عن أنه لا جدوى من تعييب الحكم فيما أقام عليه قضاءه من رفض طلب الحجر على اعتبار أن التصرفات التي صدرت من المطعون عليه كانت بعوض متى كان الحكم قد أقام قضاءه أيضاً على اعتبار هذه التصرفات قد صدرت منه على وجه التبرع ولم ير فيها ما ينبئ عن قيام حالتي الغفلة والسفه.
ومن حيث إنه يبين من جميع ما تقدم أن الطعن لا يستند إلى أساس سليم ويتعين رفضه.