أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 9 - صـ 154

جلسة 27 من فبراير سنة 1958

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، ومحمد متولي عتلم، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي المستشارين.

(18)
طعن رقم 10 سنة 24 ق

( أ ) عمل "التحكيم في منازعات العمل". اختصاص. اختصاص هيئة التحكيم بنظر طلب العمال تقرير بدل انتقال لهم. قول رب العمل إن البدل ألغي من زمن بعيد. لا شأن لهذا القول بمسألة الاختصاص. ق 318 سنة 1952.
(ب) عمل "التحكيم في منازعات العمل". حكم "تسبيب معيب". دفاع. تمسك الشركة صاحبة العمل أمام هيئة التحكيم بعدم قبول طلب تقرير بدل انتقال للعمال الذين التحقوا بخدمتها بعد إلغاء البدل. إغفال الإشارة إلى هذا الدفاع أو الرد عليه في القرار. قصور.
1 - المستفاد من نص المادة الأولى من القانون رقم 318 لسنة 1952 أنه متى كان النزاع بين رب العمل وجميع عماله أو فريق منهم يتعلق بطبيعة العمل أو بشروطه كانت هيئة التحكيم مختصة بنظره وذلك بغض النظر عما تنتهي إليه من قضاء في موضوعه. فإذا كانت نقابة العمال قد تقدمت إلى هيئة التحكيم بتقرير بدل انتقال للعمال واستندت إلى وجود نص في لائحة العمل يقضي بذلك فإن هذا يدل في وضوح على ارتباط هذا النزاع بشروط العمل ولا يمنع من اختصاص الهيئة بنظره ما دفعت به الشركة صاحبة العمل من أن هذا البدل قد ألغي من زمن بعيد لأن هذا دفاع في موضوع الطلب ولا شأن بمسألة الاختصاص.
2 - متى كانت الشركة صاحبة العمل قد تمسكت في مذكرتها المقدمة إلى هيئة التحكيم بأن طلب تقرير بدل الانتقال للعمال لا يقبل ممن التحق منهم بخدمتهم بعد إلغاء هذا البدل فأغفل الحكم الإشارة إلى هذا الدفاع والرد عليه - وهو دفاع كان من المحتمل لو التفتت إليه هيئة التحكيم أن يتغير معه رأيها في تقرير بدل الانتقال للعمال الذين عينوا بعد إلغاء الشركة للبدل - فإن القرار يكون مشوباً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من القرار المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون عليها قدمت ضد الطاعنة شكوى إلى مكتب العمل ببور سعيد في 5 من مايو سنة 1953 تضمنت أمرين أولهما عدم تنفيذ الشركة نصاً ورد في لائحة العمل يقضي بإضافة 10% إلى أجور العمال الذين يضطرون بسبب إقامتهم في بور سعيد ووجود مقر عملهم في بور فؤاد إلى عبور القتال بوسائل النقل المعدة لذلك. والثاني امتناع الشركة عن تطبيق نظام العمل الذي كان سارياً قبل تطبيق قرار لجنة التوفيق الصادر في 27 من مارس سنة 1948 والذي بمقتضاه كانت يومية الثماني ساعات تبدأ في الساعة السابعة صباحاً وتنتهي في الساعة الثالثة والنصف مساءً تتخللها عشرون دقيقة للراحة والغذاء - لم يستطع مكتب العمل تسوية النزاع ودياً فأحاله باتفاق الطرفين إلى هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة. وفي 10 من ديسمبر سنة 1953 أصدرت الهيئة قرارها: أولاً - بتقرير حق عمال الشركة الذين يقيمون ببور سعيد وتكلفهم الشركة العمل ببور فؤاد في بدل انتقال بواقع 10% من أجرهم اليومي العادي ليومية العمل بأكملها: ثانياً - برفض الطلب الثاني الخاص بمواعيد العمل - وفي 9 من يناير سنة 1954 طعنت الشركة في هذا القرار بطريق النقض. وبعد استيفاء الإجراءات من جانبها قدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم جواز الطعن تأسيساً على أن القرار المطعون فيه صدر من هيئة إدارية ولا يندرج تحت أي نوع من أنواع الأحكام والقرارات التي أباح القانون الطعن فيها بطريق النقض - عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1957 وفيها حكمت بإجماع الآراء برفض الدفع وأجلت نظر الطعن حتى تبدي النيابة رأيها في موضوعه وبعد أن قدمت النيابة مذكرة أبدت فيها رأيها برفض الطعن قررت دائرة فحص الطعون بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1957 إحالته إلى هذه الدائرة. وبالجلسة المحددة أخيراً لنظره صممت الطاعنة على طلباتها وصممت النيابة على رأيها.
ومن حيث إن الطعن موجه من ناحية إلى ما قضى به القرار في أسبابه من اختصاص هيئة التحكيم بنظر الطلب الأول ومن ناحية أخرى إلى ما قضى به القرار في موضوع هذا الطلب.
ومن حيث إن مبنى الطعن في شقه الأول أن النزاع الذي تضمنه الطلب يدخل في اختصاص القضاء العادي وتقول الطاعنة في بيان ذلك إن النزاع الذي تختص بنظره هيئة التحكيم وفقاً لنص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 318 لسنة 1952 ومذكرته الإيضاحية هو النزاع الذي يتسم بطابع العجلة وتربطه بالعمل صلة مباشرة وأن النزاع الحالي إنما يدور حول بدل انتقال زال منذ سنة 1933 وأنه لا يغير من هذا النظر ما ورد في المادة المشار إليها من سريان أحكام القانون على كل نزاع خاص بالعمل وشروطه ... وذلك لأن المشرع لم يقصد بعبارة "كل نزاع" أن تكون هيئة التحكيم مختصة بكل نزاع يرفع إليها وإنما قصد بها تقرير اختصاص الهيئة بنظر المنازعات القانونية والاقتصادية على السواء بشرط أن تتوافر في المنازعات صفة الاستعجال الأمر الذي كان يتعين معه أن تتحقق هيئة التحكيم من توافر هذه الصفة في النزاع المطروح أمامها.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بما أقام عليه القرار قضاءه في هذا الخصوص من: "إن نص المادة الأولى من القانون رقم 318 لسنة 1952 صريح في سريان أحكامه على كل نزاع خاص بالعمل أو بشروطه يقع بين واحد أو أكثر من أصحاب العمل وجميع مستخدميهم أو عمالهم أو فريق منهم مع استثناء المنازعات الناشئة عن علاقة الحكومة أو مجالس المديريات أو المجالس البلدية والقروية بموظفيها أو مستخدميها أو عمالها والمنازعات الناشئة عن علاقة خدم المنازل بمخدوميهم. ولا مشاحة في أن بدل الانتقال على ما يقول به العمال جزء من أجرهم فرضته الشركة على نفسها في لائحة سنة 1919 فمطلب العمال شرط من شروط العمل يتعين بحثه لمعرفة إن كان خليقاً بالتقرير أم أنه لا يتصل بأجر العامل على ما تقول به الشركة وأن علة فرضه قد عفت عليها السنون فمحت تلك العلاوة ولا محل للتحدث عن صفة الاستعجال في أنزعة العمال إذ أن روح المشرع في المرسومين بقانونين رقمي 317 و318 لسنة 1952 تنم على إلباس كل خلاف يقوم على العمل وشروطه صفة الاستعجال فقصرت مواعيد الحضور وإجراءات الفصل وتدخلت حتى في موعد إعلان القرار بعد صدوره، ومن ثم تكون هذه الهيئة مختصة بنظر النزاع المطروح عليها". وهذا الذي ورد بالقرار لا مخالفة فيه للقانون ذلك أن نص المادة الأولى من القانون رقم 318 لسنة 1952 يستفاد منه أنه متى كان النزاع بين رب العمل وجميع عماله أو فريق منهم يتعلق بطبيعة العمل أو بشروطه كانت هيئة التحكيم مختصة بنظره وذلك بغض النظر عما تنتهي إليه من قضاء في موضوعه والمطعون عليها إذ تقدمت إلى هيئة التحكيم بالطلب الأول قد استندت إلى وجود نص في لائحة العمل يقضي بتقرير بدل الانتقال - الأمر الذي يدل في وضوح على ارتباط هذا النزاع بشروط العمل. ولا يمنع من اختصاص الهيئة بنظره ما دفعت به الشركة من أن هذا البدل قد ألغى من زمن بعيد لأن هذا دفاع في موضوع الطلب ولا شأن له بمسألة الاختصاص.
ومن حيث إن مما تنعاه الطاعنة على القرار فيما قضى به في موضوع الطلب قصور تسبيبه - وتقول في بيان ذلك إن ما ورد في اللائحة العامة الصادرة في سنة 1919 إنما كان أساسه الخطاب الصادر من المدير العام في 7 من يونيه سنة 1919 والذي جاء به أن هذا البدل هو تعويض للعمال عن إطالة فترات الذهاب والإياب لمناسبة بدء العمل في الورش الجديدة ببور فؤاد كما ورد به أن هذا البدل يجب أن يزول تدريجياً كلما توفرت المساكن العمالية التي اعتزمت الشركة إقامتها على الشاطئ الأسيوي. ومفهوم ذلك أن العمال لم يكن في استطاعتهم السكنى في بور فؤاد بسبب حالتها العمرانية وقتئذ مما اقتضى إقامتهم في بور سعيد وانتقالهم إلى بور فؤاد حيث توجد الورش الجديدة. ولما كانت الشركة قد وفرت المساكن تدريجياً للعمال بمدينة بور فؤاد فضلاً عن أنها تيسيراً لتعمير المدينة - تنازلت في سنة 1925 إلى الحكومة المصرية عن جزء كبير من الأراضي الفضاء فإنها قررت تخفيض البدل إلى 5% في سنة 1931 ثم ألغته كله في سنة 1933 لزوال العلة التي اقتضت تقريره بعد أن أصبحت بور فؤاد مدينة عامرة بمنازل السكنى ومعابد الأديان ومباهج التسلية وتحولت المواصلات البدائية بين القارتين إلى مواصلات هينة سريعة مريحة وقد تمسكت الطاعنة أمام هيئة التحكيم بما سبق بيانه ولكن القرار المطعون فيه حين عرض للبحث في النزاع اقتصر على القول بأن خطاب المدير العام المؤرخ 7 من يونيو سنة 1919 يوحي بأن البدل كان تعويضاً عن الوقت الذي يضيعه العامل في الانتقال إلى بور فؤاد. ورتب - القرار - على ذلك أنه ما دام الوقت لا يزال ضرورة يقتضيها انتقال العامل من شاطئ إلى شاطئ فإن البدل يكون واجب الأداء وظاهر من ذلك أن القرار أغفل الإشارة إلى باقي ما ورد في الخطاب المشار إليه كما أغفل الرد على ما تمسكت به الطاعنة من زوال العلة التي اقتضت تقرير البدل، وتضيف الطاعنة إلى ما تقدم وجهاً آخر للقصور محصله أن القرار أغفل الرد على ما تمسكت به من دفاع جوهري يقوم على أن تقرير البدل لا يقبل على الأخص من العمال الذين التحقوا بالخدمة بعد إلغاء البدل في سنة 1933 وظلوا يعملون على أساس هذا النظام الجديد عشرين عاماً.
ومن حيث إن هذا النعي صحيح في وجهيه: في الوجه الثاني لأنه يبين من الصورة الرسمية للمذكرة المقدمة من الطاعنة إلى هيئة التحكيم لجلسة 29 من أكتوبر سنة 1953 أنه ورد بها ما يلي: "فإذا جاز من باب التسليم بالجدل المحض الحديث في حق العمال في مكافأة الانتقال فلا شبهة في أن هذا الحديث لا يقبل من العمال الذين التحقوا بالخدمة على أساس النظام الجديد ومحصله أن العامل لا يستحق مكافأة على الانتقال وعلى أساس هذا النظام ظلوا يعملون عشرين عاماً" وهو دفاع كان من المحتمل لو التفتت إليه هيئة التحكيم أن يتغير معه رأيها في تقرير بدل الانتقال للعمال الذين عينوا بعد إلغاء الشركة للبدل. ولما كان يبين من القرار المطعون فيه أنه أغفل الإشارة إلى هذا الدفاع والرد عليه فإنه يكون مشوباً بالقصور - والنعي صحيح في وجهه الأول - ذلك أنه ورد بأسباب القرار ما يلي: "وحيث عن موضوع الطلب الأول فالثابت من الاطلاع على الفقرة الثانية من المادة الخامسة من اللائحة العامة لاحتساب ساعات العمل والمقدم من الشركة والمسلم بين الطرفين أنها صدرت سنة 1919 أنها فرضت للعمال ببور سعيد الذين يسكنون شاطئ أفريقيا ويعملون في منطقة شاطئ آسيا بدل انتقال بنسبة 10% من الأجر اليومي العادي ليومية العمل بأكملها. ولا مشاحة في أن هذا الإلزام من جانب الشركة كما يوحى به النص إنما هو إضافة على الأجر اليومي للعامل مقابل انتقاله من شاطئ إلى شاطئ ولم تقل الشركة إن العامل كان ينتقل وقتئذ على حسابه ووسائله الخاصة وإنما تقول إنها كانت تنقله بوسائل حسنتها. وظاهر أن هذا البدل كان كما توحي نصوص اللائحة السابق بها البيان وعبارات خطاب مدير الشركة والمؤرخ 7 من يونيه 1919 أن هذا البدل كان تعويضاً للعامل عن إطالة فترات الذهاب والإياب التي سببتها له وجود الورش الجديدة في بور فؤاد أي تعويضاً عن الوقت الذي يضيعه العامل في الانتقال إلى بور فؤاد. وما دام هذا الوقت لا يزال ضرورة يقتضيها انتقال العامل من شاطئ إلى شاطئ فالبدل واجب الأداء. ومن حيث عما قالت به الشركة من أن هذا البدل كان منحة للعمال لظروف وأسباب خاصة انقضت فانقضى معها البدل وحاصل تلك الظروف هي إنشاء الورش على الشاطئ الأسيوي قبل أن تنشأ مدينة بور فؤاد وتعمرها منازل للسكن ومعابد للأديان ومباهج للتسلية ثم حالة المواصلات البدائية بين القارتين وقد انتهت إلى مواصلات هينة سريعة مريحة. فظاهر مما سبق البيان أن هذا البدل لم يمنح لشيء من ذلك وإنما منح مقابل وقت يقضيه العامل في الانتقال وهي علة لا تزال قائمة تستتبع اقتضاء البدل ولا تملك الشركة إلغاءه من جانبها وحدها ...." ولما كانت نصوص اللائحة خالية من بيان علة تقرير البدل فإن إحالة القرار في هذا الخصوص إنما تنصرف إلى العبارات التي وردت في خطاب مدير الشركة المؤرخ في 7 من يونيه سنة 1919.
ويبين من صورة هذا الخطاب المقدمة بملف الطعن والتي كانت تحت نظر هيئة التحكيم أنه ورد بها ما يلي "حضرة كبير المهندسين اضطررتم بسبب بدء العمل في الورش الجديدة إلى احتساب ساعة عمل إضافية للعمال الذين يعملون بها كسبيل لتعويضهم عن إطالة فترات الذهاب والإياب التي سببتها لهم تلك العوامل الجديدة، وإني أرى أن هناك داعي لإبقاء مبدأ المكافأة ولكن إذا ما أدت نسبة ساعات العمل الإضافية إلى مجادلات تبدو أن وسيلة احتساب ساعة عمل إضافية ليست مما يجب أن نلجأ إليها لتسوية الأمر ولذا فإنه من الأنسب النظر في تقرير بدل تخصص للانتقال بنسبة 10 في المائة من أجر أصحاب الشأن. وليكن مفهوماً أن هذا البدل يجب أن يزول كلما توفرت المساكن العمالية التي ستقيمها على الشاطئ الأسيوي".
ولما كان يبين من هذا الذي ورد بالأسباب ومن الصورة الرسمية للمذكرة التي قدمتها الطاعنة إلى هيئة التحكيم أنها تمسكت بما ورد في خطاب مدير الشركة برمته مسئولة بما ورد في الفقرة الأخيرة منه وبثبوت توفير المساكن بمدينة بور فؤاد واتساع عمرانها على أن بدل الانتقال كان تقرر بصفة مؤقتة وعلى أنه منذ سنة 1933 قد زالت العلة التي اقتضت تقريره مما رأت معه الشركة إلغاء البدل وكان القرار المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع كما أغفل الإشارة إلى الفقرة الأخيرة من الخطاب المشار إليه فإنه يكون معيباً ولم يكن يكفي لحمل قضائه ما ورد به من أن البدل كان قد تقرر كتعويض للعامل مقابل الوقت الذي يقضيه في الانتقال إلى بور فؤاد وأن هذا الوقت لا يزال ضرورة يقتضيها الانتقال - لم يكن هذا كافياً لحمل قضائه ذلك لاحتمال أن يكون البدل إنما تقرر بصفة مؤقتة وأن علة تقريره هي عدم وجود المساكن وقتئذ ببور فؤاد على ما تقول به الطاعنة.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين نقض القرار بالنسبة لما قضى به في موضوع الطلب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن في هذا الخصوص.