أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 9 - صـ 223

جلسة 20 من مارس سنة 1958

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، وعثمان رمزي، ومحمد متولي عتلم، والحسيني العوضي المستشارين.

(29)
طعن رقم 89 سنة 24 ق

( أ ) بيع. عقد "تفسيره". محكمة الموضوع. سلطتها في تفسير شروط البيع في خصوص تحديد كمية المبيع.
(ب) حكم "تسبيب معيب". دفاع. إثبات. عقد. تمسك الخصم بدفاع جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى وطلبه إحالته الدعوى إلى التحقيق لإثباته. عدم التعرض له في الحكم. قصور. مثال.
1 - متى تبين أن محكمة الموضوع قد فسرت شروط البيع في خصوص تحديد كمية المبيع تفسيراً سائغاً لم تخرج به عن حد حمل عباراتها على ما يمكن أن تحتمله ودعمت حكمها في هذا الخصوص بما يؤيده من اعتبارات معقولة فإن ذلك مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي لا رقابة لمحكمة النقض عليها.
2 - متى كان الخصم قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه تعاقد مع مصلحة السكك الحديدية على شراء الفحم الرجوع المتخلف من استعمال الفحم الإنجليزي وأن المصلحة إنما استعملت الأخشاب والكسب وأن المتخلف عنهما يكون تراباً لا فحماً رجوعاً، فاختلف بذلك محل التعاقد وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الدفاع الجوهري الذي قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى فلم يعرض الحكم لهذا الدفاع فإنه يكون مشوباً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
..... وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن وزارة المواصلات أقامت على الطاعن الدعوى رقم 2149 لسنة 1947 كلي القاهرة - طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها 719 ج و800 م والفوائد بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأسست دعواها على أن مصلحة السكك الحديدية عرضت للبيع بطريق المزاد في أواخر سنة 1944 كمية من "الفحم الرجوع وترابه" مما يتخلف عن الوابورات بمنطقة المنيا وملحقاتها خلال مدة سنة تبدأ من أول نوفمبر سنة 1944 وتنتهي في 31/ 10/ 1945 وقد تقدم الطاعن في المزاد بعطاء في 4 من نوفمبر سنة 1944 وقبلت المصلحة المذكورة بسعر قدره 4 ج و500 م للمتر المكعب وتم التعاقد بينهما. ثم طلب الطاعن استبعاد فحم منطقي ملوي وبني قره فأجابته المصلحة إلى ذلك. وبعد أن بدأ الطاعن في نقل الفحم في 12 من فبراير سنة 1945 لم يستمر في ذلك صفة منتظمة. وفي أواخر شهر يونيه سنة 1945 انقطع نهائياً عن نقل الفحم برغم ما أرسلته إليه من خطابات موصى عليها - فلذلك وطبقاً لشروط البيع التي نص في البندين التاسع والعاشر منها على وجوب نقل المشتري من الفحم في المواعيد المبينة وإلا استحقت عليه رسوم أرضية وحق للمصلحة فسخ التعاقد ومصادرة التأمين والتصرف في الفحم بالطريقة التي تراها مع حقها في الرجوع على المشتري بالخسائر. لذلك وطبقاً لشروط التعاقد اضطرت المصلحة إلى فسخ العقد ومصادرة التأمين - كما أنها باعت الفحم بسعر 2 ج و60 م للمتر المكعب مما ترتب عليه خسارة قدرها 719 ج و800 م بسبب تقصير الطاعن في الوفاء بالتزاماته - وطلبت وزارة المواصلات بدعواها الحكم بالطلبات السابق ذكرها. وبتاريخ 23 من مايو سنة 1950 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية بإلزام المدعى عليه (الطاعن) بأن يدفع للمدعية (المطعون عليها) مبلغ 30 ج و280 م والمصاريف المناسبة ومائتي قرش صاغ مقابل أتعاب المحاماة. وبتاريخ 25/ 5/ 1952 استأنفت وزارة المواصلات هذا الحكم بالاستئناف رقم 409 لسنة 69 ق أمام محكمة استئناف القاهرة وطلبت قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف وتعديله إلى مبلغ 719 ج و800 م والمصاريف عن الدرجتين والأتعاب. كما استأنفه الطاعن في 23/ 2/ 1953 بالاستئناف رقم 168 لسنة 70 ق أمام تلك المحكمة طالباً إلغاء الحكم وبقبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى مع إلزام وزارة المواصلات بالمصاريف عن الدرجتين. وبتاريخ 22/ 11/ 1953 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام (الطاعن) بأن يدفع لمصلحة السكك الحديدية مبلغ 853 ج و860 م والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 9/ 7/ 1947 بواقع 5% لغاية 14/ 10/ 1949 ثم بواقع 4% من 15/ 10/ 1949 إلى تمام السداد وألزمته بالمصاريف ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وبتاريخ 13 من مارس سنة 1954 قرر الطاعن الطعن بالنقض في هذا الحكم، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21 من يناير سنة 1958، وأمامها صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت إحالة الطعن على الدائرة المدنية - وقررت دائرة الفحص بتلك الجلسة إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 6 من مارس سنة 1958 وفيها طلبت النيابة نقض الحكم المطعون فيه في خصوص ما ورد في السبب الأول من أسباب الطعن الخاص بقصور التسبيب بالإضافة إلى ما طلبته في مذكرتها من طلب نقض الحكم المطعون فيه في خصوص السبب الثاني المتعلق بالخطأ في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في السبب الثاني خطأه في القانون ومسخه لشروط العقد - وفي ذلك ذكر الطاعن أنه تعاقد مع المطعون عليها - على شراء كمية من الفحم الرجوع محددة المقدار - 450 متراً مكعباً تحت العجز والزيادة - وقد خرجت محكمة الموضوع عن حدود سلطتها في تفسير العقود إلى المسخ - فذكرت أن المبيع ليس هو هذه الكمية المعينة - وإنما هو جميع الفحم الرجوع الذي يتخلف عن الوابورات خلال مدة العقد بالغة ما بلغت كميته - وهي بهذا أخرجت الاتفاق عن مضمونه وأبدلته بشرط آخر غير مكتوب.
وحيث إن هذا النعي مردود - ذلك أنه يبين من الاطلاع على "شروط بيع الفحم الرجوع بالمتر المكعب" المؤرخة 4 من نوفمبر سنة 1944 المحررة بين الطاعن ومصلحة السكك الحديدية - أن المصلحة تعرض .... في مزاد علني أو بموجب عطاءات داخل مظاريف مغلقة ... بيع مقدار 450 متراً مكعباً تحت الزيادة والعجز فحم رجوع بجلخه وترابه بمنطقة المنيا وملحقاتها ... وذلك لمدة سنة من 1/ 11/ 1944 إلى 31/ 10/ 1945 بالالتزام بالمتر - المكعب - ولما تنازع الطاعن والمطعون عليه في هذا المقدار المبيع وعرض هذا النزاع على محكمة الاستئناف فصلت فيه وأوردت في حكمها في هذا الخصوص ما يأتي: "وحيث إنه عن السبب الأول من أسباب مصلحة السكك الحديدية فإن الحكم المستأنف قد جانبه الصواب في قصر كمية الفحم المتعاقد عليها بين الطرفين على 450 متراً مكعباً فقط وذلك لأنه قد نص في العقد المذكور على أن هذه الكمية قابلة للعجز والزيادة - ومعنى ذلك أن العقد تم بينهما على كمية الفحم التي تنتج في فترة العقد - وبعبارة أخرى أن المشتري قد التزم بشراء جميع الفحم وترابه الناتج من الوابورات في مدة العقد والرقم الوارد بالعقد لم يقصد به التحديد بل جاء على سبيل التقدير المبدئي". ويبين من ذلك أن محكمة الاستئناف قد فسرت شروط البيع في خصوص تحديد كمية المبيع - تفسيراً سائغاً لم تخرج به عن حد حمل عباراتها على ما يمكن أن تحتمله ودعمت حكمها في هذا الخصوص بما يؤيده من اعتبارات معقولة مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي لا رقابة لهذه المحكمة عليها يتعين معه رفض هذا الوجه من أوجه الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعي بالوجه الثاني من السبب الأول - على الحكم المطعون فيه - القصور في التسبيب، ذلك أنه كان قد تمسك أمام محكمة الاستئناف - في عريضة الاستئناف وفي مذكراته - بأن فسخ العقد المبرم بينه وبين مصلحة السكك الحديدية إنما كان بفعل المصلحة - فقد قيدت تسليمه مخلفات الفحم بقيود لم يكن عليه إلزام بها - وفسرت نصوص العقد تفسيراً خاطئاً - بأن أوجبت عليه دفع "أرضية" عن المتخلفات وهو غير ملتزم بها - وتوقفت لذلك عن تسليمه الفحم بحجة عدم تسديد رسوم الأرضية - وقد أغفلت محكمة استئناف الرد على هذا الدفاع مع ماله من أهمية جوهرية تؤثر في مجرى قضائها.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص إذ ذكر ما يأتي: "وحيث إن المستأنف (الطاعن) يقول بأن مصلحة السكك الحديدية هي التي لم تنفذ تعهدها بتسليم الفحم المباع منها إليه وهذا القول من جانبه لا يتفق مع ما هو ثابت من المستندات المرفقة في الدعوى والمقدمة من مصلحة السكك الحديدية إذ تبين من هذه المستندات أنها أنذرته بخطابات عديدة في فبراير وأبريل ويوليه سنة 1945 بنقل كميات الفحم التي تأخر في استلامها فلم يحرك ساكناً (إلى أن أنذرته في 26/ 9/ 1945) بأنه في حالة عدم نقل الفحم ودفع ثمنه فستضطر إلى فسخ العقد ومصادرة التأمين وإعادة البيع على حسابه ورغماً عن ذلك فقد ظل ساكناً أيضاً، ومن هذا يتضح أن ما يدعيه المستأنف من عدم توقفه عن استلام الفحم المبيع له قول لا يؤيده أي دليل"، ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يغفل الرد على ما أبداه الطاعن من الدفاع المبين في وجه النعي بل تناوله بالنظر والتمحيص. ومن ثم لا يكون مشوباً بشائبة القصور في التسبيب- في هذا الخصوص.
وحيث إن الطاعن قد ضمن الوجه الثالث - من السبب الأول - نعياً على الحكم المطعون فيه - محصله - أنه بالرغم من أنه قد تم الاتفاق بينه وبين مصلحة السكك الحديدية على خصم 26 متراً مكعباً من الفحم الرجوع المتخلف في محطتي ملوي وبني قرة وتمسكه بذلك أمام محكمة الاستئناف - إلا أن محكمة الاستئناف لم تلق بالاً لهذا القول - وأغفلت أمره - وهو دفاع مؤيد بالمستندات ومن شأنه أن يؤثر في الفصل في الدعوى.
وحيث إن ما تضمنه هذا الوجه مردود بما أثبته الحكم المطعون فيه - في أسبابه - في هذا الخصوص - فقد ورد ما يأتي: "وحيث إن الثابت أن كمية الفحم التي تبقت لدى المصلحة هي 295 متراً مكعباً يخصم من هذه الكمية مقدار 26 متراً مكعباً وهو مقدار الفحم الرجوع من محطتي ملوي وبني قرة الذي طلب عطية محمد القرشي استبعاده من فحم الصفقة ووافقته المصلحة على هذا الاستبعاد كما هو ثابت من المستندات المقدمة من المصلحة فيكون الباقي 295 - 26 = 269 متراً مكعباً وهي الكمية التي يلزم عطية محمد القرشي بتعويض المصلحة في الفرق بين السعرين - أي 269 × 244 = 651 جنيهاً و36 مليماً ويخصم من هذا المبلغ قيمة التأمين المدفوع وهو 202 جنيه و500 مليم فيكون المبلغ الملزم بدفعه هو 656 جنيهاً و360 مليماً - 202 جنيهاً و500 مليم = 453 جنيهاً و860 مليماً" ويبين من هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف قد عرضت في حكمها المطعون فيه لدفاع الطاعن وأقرته على ما طلبه من خصم الفحم المتخلف من محطتي ملوي وبني قرة - وبذلك يكون ما تضمنه وجه النعي في هذا الصدد على غير أساس.
وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في السبب الأول - القصور في التسبيب وفي تفصيل ذلك ذكر الطاعن أنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الاستئناف، بأنه في السنة التي تعاقد فيها مع مصلحة السكك الحديدية على شراء الفحم الرجوع تعذر على المصلحة استيراد الفحم من الخارج - فكانت تستعمل في الوقود الخشب والكسب. وبذلك كان المتخلف من عملية الحريق أتربة ليست هي موضع التعامل - وطلب إلى تلك المحكمة إثبات ذلك بالتحقيق فأغفلت طلبه وأهدرت دفاعه - كما أنه تمسك أيضاً لدى تلك المحكمة - بأنه لا محل للقضاء عليه بتعويض - على أساس فرق السعر بين ثمن الفحم الذي رسا به عليه المزاد والثمن الذي حصل البيع به لمن يدعى إبراهيم مندور ذلك أن ما بيع لإبراهيم مندور ليس هو الفحم المتعاقد عليه بينه وبين مصلحة السكك الحديدية - وإنما هو ذلك التراب المتخلف عن استعمال الخشب والكسب في الوقود - ولو كان المطروح في المزاد فحماً رجوعاً متخلفاً من حريق الفحم الإنجليزي لارتفع سعره. وقد أغفلت محكمة الاستئناف دفاعه ولم تتعرض له مع أن من شأنه أن يؤثر في نتيجة الفصل في الدعوى. وفي ذلك ما يشوب حكمها بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في محله - ذلك أنه يبين من الاطلاع على صورة صحيفة الاستئناف المرفوع من الطاعن وصورة المذكرة المقدمة منه لمحكمة الاستئناف أنه تمسك فيهما بما ورد في سبب النعي بشطريه - ورود بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص: "وحيث إنه فيما يتعلق باستئناف عطية محمد القرشي: وحاصل السبب الأول من أسبابه أن الحكم الابتدائي أخطأ في قوله بأنه لم يقم بتنفيذ تعهده بمقولة إنه وقت أن تعاقد مع المصلحة على شراء الفحم الرجوع كان يعتقد أنه فحم متخلف من حريق الفحم الإنجليزي لا الفحم الهندي المخلوط بالكسب وورق المسح كما تبين له بعد ذلك - وهذا القول من جانب المستأنف (الطاعن) مردود بأنه ليس على ما يدعيه دليل من الأوراق ولم ينص العقد على تحديد نوع الفحم المتعاقد عليه وعلى ذلك فهذا السبب في غير محله ولا محل لإجابة المستأنف (الطاعن) إلى طلبه الاحتياطي الخاص بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات نوع الفحم المتعاقد عليه ما دام لم ينص في العقد على هذا النوع". ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لما أثاره الطاعن في وجه النعي من استعمال مصلحة السكك الحديدية للأخشاب والكسب - ولا لأن المتخلف عنهما يكون تراباً لا فحماً رجوعاً - وأنه لذلك لا يصح الاعتداد بالسعر الذي بيع به والقضاء بالفرق عليه كتعويض للمصلحة - مع تمسك الطاعن بهذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف وطلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته وهو دفاع جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى وفي ذلك ما يشوب الحكم المطعون فيه بالقصور بما يستوجب نقضه.