أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 277

جلسة 24 من فبراير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(60)
الطعن رقم 1851 لسنة 38 القضائية

(أ) إخفاء أشياء مسروقة. جريمة. "أركان الجريمة".
إخفاء شيء مسروق أيا ما كان قدره. يتحقق به الركن المادي في جريمة إخفاء أشياء مسروقة.
(ب) إثبات."اعتراف". محكمة الموضوع."سلطها في تقدير الدليل". إكراه. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاعتراف في المسائل الجنائية. ماهيته: من عناصر الاستدلال التي تقدرها محكمة الموضوع.
(ج) وصف التهمة. نيابة عامة. تحقيق. أمر الإحالة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". عقوبة. "العقوبة المبررة". إخفاء أشياء متحصله من جناية.
متى تتضمن الواقعة الواردة بأمر الإحالة لجميع ما أخفاه المتهم من أشياء متحصله من اختلاس؟ كفاية واقعة ما لتبرير العقوبة المقضي بها. عدم جدوى النعي على الحكم بشأن واقعة أخرى لا تأثير لثبوتها من عدمه على العقوبة المحكوم بها.
(د، هـ) مأمورو الضبط القضائي. "اختصاصهم". رقابة إدارية. استجواب. تحقيق. نيابة عامة.
(د) الاستجواب المحظور على رجل الضبط إجراؤه؟
رجال الرقابة الإدارية من مأموري الضبط.
(هـ) مباشرة النيابة للتحقيق. عدم اقتضائه قعود مأمور الضبط عن القيام بواجبه.
(و) نيابة عامة. تحقيق. دفوع. "الدفع ببطلان التحقيق". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". بطلان. اختيار النيابة مكان التحقيق. متروك لتقديرها.
عدم جواز إبداء الدفع ببطلان تحقيق النيابة لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ز، ح) حكم. "تسبيبه، تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(ز) إقامة الحكم قضاءه على ماله أصل ثابت بالتحقيقات النعي عليه بدعوى الخطأ في الإسناد. غير مقبول. خطأ الحكم فيما ساقه تزيداً عن حاجة الدعوى. لا يعيبه.
(ح) تحدث الحكم عن واقعة سابقة أو لاحقة للواقعة المطروحة. متى لا يعيبه؟
1 - يكفى لتوافر الركن المادي في جريمة إخفاء الأشياء المسروقة، إخفاء شيء مسروق أياً ما كان قدره.
2 - إن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات، فلقاضي الموضوع البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع بطريق الإكراه، ومتى تحقق أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه، كان له أن يأخذ به وهو في ذلك لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض.
3 - متى كان ما ينعاه الطاعن من أن الحكم دانه عن واقعة لم ترد بأمر الإحالة - وهي إخفاء الثلاثة أطنان - مردوداً بأنه فضلاً عن أن الثابت من مراجعة المفردات أن تلك الكمية من الشمع كانت محلاً للتحقيق في الدعوى بما دل عليه تناول الطاعن والمتهمين الآخرين لها في اعترافاتهم، وتناول النيابة العامة لها لدى سؤالها مدير حسابات الشركة الذي قرر في شأنها بأن أجولة الرسالة كانت ممزقة وجرى عليها الاختلاس، ومفاد ذلك - في غير لبس - أن النيابة العامة حين أشارت في وصفها للتهمة إلى أن الاختلاس وقع على كمية الشمع المبينة بالمحضر قد أقامت الدعوى عن اختلاس الأطنان الثلاثة إلى جانب الأطنان الخمسة، يؤيد هذا النظر أن المدافع عن الطاعن قد عرض في مرافعته للأطنان الثلاثة واعتبرها "كنسة" لا يجري عليها علمه بأنها مسروقة ثم راح يناقش في طعنه انحسار ركن العلم عن الجريمة بشأن هذه الكمية، على أنه لا جدوى من هذا النعي ما دامت واقعة الخمسة أطنان كافية وحدها لتبرير العقوبة المحكوم بها.
4 - الاستجواب المحظور على مأمور الضبط القضائي - ورجال الرقابة الإدارية منهم - هو مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشتها مناقشة تفصيلية كيما يفندها إن كان منكراً لها أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف.
5 - قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط عن القيام بواجبهم ومتابعته، ومن ثم فإن دعوى الطاعن بعدم مشروعية إجراءات الرقابة الإدارية لا يكون له محل، ولا يغير من ذلك حجز المتهمين في مبنى الرقابة بعد صدور أمر النيابة العامة بحبسهم، ذلك بأنه - على فرض سلامة هذه الواقعة - لا يترتب عليها غير مؤاخذة إدارية ممن صدرت عنه.
6 - إذا كان الطاعن على ما يبين من محضر جلسة المحاكمة لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن بطلان تحقيقات النيابة العامة بما في ذلك ما ينعاه عليها بطعنه من إجرائها التحقيق بمبنى الرقابة الإدارية - وهو أمر متروك لتقدير النيابة العامة وحسن اختيارها حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إجرائه - فإنه لا يصح إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض.
7 - متى كان ما أثبته الحكم عن أقوال الطاعن وأقوال المتهمين المعترفين له أصل ثابت في تحقيقات النيابة على ما اتضح من مراجعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها، فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا تكون مقبولة، ولا يقدح في ذلك ما دلت عليه المفردات من خطأ الحكم فيما قال به عن عدم تداول الشمع في الأسواق، ذلك بأن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن على ما يبين من سياق استدلاله إلا تزيداً بعد أن استوفى دليل علم الطاعن بأن الشمع مسروق.
8 - لا على محكمة الموضوع أن تتحدث في حكمها بالإدانة عن أية واقعة سابقة على الواقعة موضوع المحاكمة أو لاحقة لها، ما دام أن الظاهر من الحكم - على ما هو حاصل في الدعوى المطروحة - أنه لم يتحدث عن الواقعة السابقة إلا ليستدل بها على ثبوت الجريمة المرفوعة بها الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من (1).... (2).... (3).... (4)..... (5)...... بأنهم في غضون شهر نوفمبر سنة 1966 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية: المتهم الأول: بصفته مستخدماً عمومياً رئيس أقسام المشتريات بشركة مصر للتغليف الاقتصادي اختلس كمية شمع البرافين المبينة القيمة بالمحضر والمملوكة للشركة المذكورة والمسلمة إليه بصفته سالفة الذكر. المتهمون الثاني والثالث والرابع: اشتركوا مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريقي الاتفاق والمساعدة بأن اتفقوا معه على اختلاس كمية شمع البرافين المبينة القيمة بالمحضر وبيعها وقسمة ثمنها وساعدوه على ذلك بأن أحضروا له وسيلة النقل "سيارة" وقاموا بنقلها إلى مخزن المتهم الخامس بعد أن سهل له المتهم الثاني إجراءات الاستلام فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهم الخامس: أخفى كمية الشمع المبينة القيمة بالمحضر والمملوكة لشركة مصر للتغليف الاقتصادي مع علمه باختلاسها وأنها متحصله من الجناية سالفة الذكر. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 40/ 2 - 3 و41 و42/ 2 مكرر و111/ 1 و112/ 1 و118 و119 من قانون العقوبات. فقرر بذلك، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً للمتهمين الثاني والخامس وغيابياً للباقين عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأربعة الأول (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والثالث والرابع بالسجن مدة ثلاث سنين وإلزامهم متضامنين برد قيمة ما اختلسوه وقدره ثمانمائة وواحد وستون جنيهاً وتغريمهم متضامنين مبلغاً مساوياً لهذا المبلغ وعزل المتهم الأول من وظيفته (ثانياً) معاقبة المتهم الخامس بالحبس مع الشغل مدة ستة أشهر. فطعن الطاعن الأول في هذا الحكم بطريق النقض ولم يقدم أسباباً لطعنه، كما طعن في هذا الحكم أيضاً المحامي عن الطاعن الثاني وقدم تقريراً بالأسباب.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الميعاد، إلا أنه لم يقدم أسباباً للطعن، فيتعين عدم قبول طعنه شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه - إذ دان الطاعن الثاني بإخفاء كميتين من الشمع المسروق وزن إحداهما خمسة أطنان ووزن الأخرى حوالي ثلاثة - قد أخطأ في القانون وفي الإسناد وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، فأما الخطأ في القانون فيراه الطاعن قائماً على أمرين أولهما أنه دانه عن واقعة لم ترد بأمر الإحالة، ذلك بأنه اعتبر كمية الشمع محل الجريمة حوالي ثمانية أطنان رغم أن التحقيق لم يدر إلا على خمسة أطنان فقط، أما الكمية الأخرى البالغة حوالي ثلاثة أطنان فإن الشركة المجني عليها كانت قد التفتت عنها باعتبارها عجزاً عوضتها عنه شركة التأمين والأمر الثاني أن الحكم تساند إلى إجراءات الرقابة الإدارية فيما تضمنته من اعترافات باطلة حصلت عليها نتيجة استجواب المتهمين - بعد اتصال النيابة العامة بالتحقيق - واستبقائهم تحت سيطرتها رغم صدور أمر النيابة العامة بحبسهم ويقول الطاعن أن تحقيق النيابة العامة وقد جرى في مبنى الرقابة الإدارية وقام على سند من إجراءاتها يكون بدوره باطلا ولا يصح أن يقوم عليه قضاء بالإدانة. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أن الحكم لم يرد على ما أثير عن الإكراه الذي نال المتهمين رداً سائغاً، وسكت في رده عن تناول ما ثبت بإحدى جلسات المعارضة من إحالة واحد منهم إلى الكشف الطبي. وأما الخطأ في الإسناد فيراه الطاعن ماثلاً في عدم مساندة الأوراق للحكم فيما أثبته على لسان بعض المتهمين والطاعن عن علم هذا الأخير بأن الشمع مسروق، وفيما عول عليه من أن الشمع غير متداول في الأسواق. وأما الفساد في الاستدلال فآيته أن الحكم تساند في تدليله على العلم بالسرقة على واقعة ما كان له أن يعول عليها لخروجها عن نطاق الاتهام. وقوام هذه الواقعة أن بعض المتهمين - من بينهم الطاعن - ذكروا أن المتهم الأول كان قد باع الطاعن كمية أخرى من الشمع - غير الكميتين موضوع المحاكمة وسابقة عليهما، ثم عاد فاستردها منه بعد أن أنهى إليه أنها مسروقة - وفضلاً عن ذلك فإن الحكم لم يلتفت إلى دفاع الطاعن في شأن هذه الصفقة من أنها مما تبيعه شركات التأمين، ولا إلى ما ثبت بالأوراق من أن الثلاثة أطنان كانت عبارة عن "كنسة" مكتفياً في الرد على ذلك بثبوت سلامة الأطنان الخمسة الباقية. وبذلك كله بات الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من بين ما أثبته الحكم من وقائع الاختلاس التي دان باقي المتهمين بارتكابها أنه أورد مجريات الأمور في رسائل ثلاث من شمع البرافين وردت للشركة المجني عليها، وأن هؤلاء المتهمين دأبوا على مقارفة فعلتهم لدى ورود كل من هذه الرسائل، فقد أفصح الحكم عما جرى في شأن رسالة وردت لحساب الشركة في شهر سبتمبر سنة 1966 وما كان من نقل المتهمين لعشرة أطنان منها إلى مخزن الطاعن ثم استرجاع المتهم الأول لها وردها للشركة المجني عليها بعد أن أنهى إلى الطاعن أنها مسروقة، ثم أشار الحكم إلى رسالتين أخريين وردتا في شهر نوفمبر سنة 1966 - وهما موضوع المحاكمة - وأثبت ما جرى في شأنها من تمزيق بعض أجولة أولاها البالغة 165 طناً وبيع حوالي ثلاثة أطنان منها إلى الطاعن، ثم باعوه خمسة أطنان من الرسالة الثانية البالغة 59 طناً. وإذ عرض الحكم لأدلة الثبوت، فقد حصل أقوال محاسب الشركة ومدير حساباتها عما تكشف لهما عند مراجعة أذونات الإضافة الواردة للشركة من أن ما ورد لها هو 54 طناً من الرسالة الأخيرة وأنه ورد للشركة من إدارتها التجارية ما يفيد أن العجز بأولى رسالتي نوفمبر سنة 1966 نشأ عن تمزق الأجولة وأن شركة التأمين تحملت هذا العجز البالغ حوالي ثلاثة أطنان. ثم تناول الحكم بعد ذلك اعترافات المتهمين المساهمين في الاختلاس فأورد رواية المتهم الأول عن أولى الرسالات واسترداده ما باعه للطاعن منها بعد أن أفهمه أنه مسروق ثم بيعه له الثلاثة أطنان والخمسة أطنان من الرسالتين الأخيرتين، ثم حصل من اعتراف المتهم الثاني أقوالاً تتفق مع اعتراف المتهم الأول وأنه قرر بعلم الطاعن بأن الأطنان الخمسة مسروقة وأثبت اعتراف المتهم الثالث بنقل ما اختلسوه من الرسالتين الأخيرتين إلى الطاعن كما نقل الحكم من أقوال المتهم الرابع ما يطابق أقوال المتهم الأول بشأن ما جرى في الرسالات جميعاً. وإذ تناهى الحكم إلى اعتراف الطاعن فقد حصله بما مؤداه أنه اعترف بما جرى بصدد أولى الرسالات واسترداد المتهم الأول لما باعه له منها لأنه مسروق. ثم ما كان من إحضار المتهمين له الكميتين موضوع المحاكمة وادعى أنه لا يعلم بسرقتها. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أثبت ما تقدم وعرض لدفاع المتهم الثاني من أن اعترافه كان وليد إكراه، تناول دفاع الطاعن فأورد ما قاله من أن الشركة لم تكتشف إلا اختلاس الخمسة أطنان وأنها لم تذكر شيئاً عن الأطنان الثلاثة وما نعاه على إجراءات الرقابة الإدارية من عدم المشروعية وإنكار علمه بسرقة ما وصل إلى محله من أول رسالة وقوله إن الثلاثة أطنان كانت "كنسة" وأنه في الجملة لا يقوم في الدعوى دليل على علمه بالسرقة فأطرحه - اطمئناناً منه إلى اعترافات الطاعن - وباقي المتهمين - مقررا أنها صدرت عنهم في التحقيقات؛ وأكدوا سلامتها بعبارات واضحة واستخلص في تدليل سائغ أن المتهمين الأربعة - المقدمين بجريمة الاختلاس - عملوا على تمزيق الأجولة في الرسالة التي تحوي 165 طناً واختلسوا منها الثلاثة أطنان، وأنه لا يغير من ذلك أن تكون شركة التأمين قد تحملت ثمن العجز في تلك الرسالة. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن من أن الحكم دانه عن واقعة لم ترد بأمر الإحالة - وهي إخفاء الثلاثة أطنان - مردوداً بأنه فضلاً عن أن الثابت من مراجعة المفردات أن تلك الكمية من الشمع كانت محلاً للتحقيق في الدعوى بما دل عليه تناول الطاعن والمتهمين الآخرين لها في اعترافاتهم، وتناول النيابة العامة لها لدى سؤالها مدير حسابات الشركة الذي قرر في شأنها بأن أجولة الرسالة كانت ممزقة وجرى عليها الاختلاس، ومفاد ذلك - في غير لبس - أن النيابة العامة حين أشارت في وصفها للتهمة إلى أن الاختلاس وقع على كمية الشمع المبينة بالمحضر - قد أقامت الدعوى عن اختلاس الأطنان الثلاثة إلى جانب الأطنان الخمسة، ومما يؤيد هذا النظر أن المدافع عن الطاعن قد عرض في مرافعته للأطنان الثلاثة واعتبرها "كنسة" لا يجري عليها علمه بأنها مسروقة ثم راح يناقش في طعنه انحسار ركن العلم عن الجريمة بشأن هذه الكمية، على أنه لا جدوى من هذا النعي ما دامت واقعة الخمسة أطنان كافية وحدها لتبرير العقوبة المحكوم بها عليه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن عن عدم مشروعية إجراءات الرقابة الإدارية وبطلان تحقيقات النيابة العامة وقصور الحكم في الرد على الإكراه الذي نال المتهمين، مردوداً بأنه لما كان الاستجواب المحظور على مأموري الضبط القضائي - ورجال الرقابة الإدارية منهم - هو مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشتها مناقشة تفصيلية كيما يفندها إن كان منكراً لها أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف ولم يدع الطاعن وقوع رجال الرقابة الإدارية في هذا المحظور، وكان قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط عن القيام بواجبهم ومتابعته، ومن ثم فإن دعوى الطاعن بعدم مشروعية إجراءات الرقابة الإدارية لا يكون لها محل. ولا يغير من ذلك حجز المتهمين في مبنى الرقابة بعد صدور أمر النيابة العامة بحبسهم ذلك بأنه على فرض سلامة هذه الواقعة، فإنه لا يترتب عليها غير مؤاخذة إدارية عمن صدرت عنه. وإذ كان الطاعن على ما يبين من محضر جلسة المحاكمة لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن بطلان تحقيقات النيابة العامة بما في ذلك ما ينعاه عليها بطعنه من إجرائها التحقيق بمبنى الرقابة - وهو أمر متروك لتقدير النيابة العامة وحسن اختيارها حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إجرائه - فإنه لا يصح إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. أما فيما يختص بالنعي على الحكم بالقصور في الرد على ما أثاره من بطلان الاعتراف لصدوره وليد إكراه، فإنه فضلاً عن أن المتهمين بما فيهم الطاعن قد أدلو باعترافاتهم أمام النيابة العامة على ما يبين من المفردات - فإن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات، فلقاضي الموضوع البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع بطريق الإكراه ومتى تحقق أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه، كان له أن يأخذ به وهو في ذلك لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض. ولما كان الطاعن لا يماري في صحة ما قام عليه الرد الحكم على هذا الدفع، وكان هذا الرد سائغاً، فإن النعي على الحكم بالقصور يكون غير سديد، ولا يغير من ذلك قول الطاعن بأن أحد المتهمين أحيل لدى نظر إحدى المعارضات في أمر الحبس إلى الكشف الطبي وأن الحكم سكت عن قول كلمته في هذا الشأن ما دام أنه لا يبين من مراجعة محاضر الجلسات أن الطاعن قد أثار هذا الأمر في دفاعه لدى محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم في الإسناد، فيما قام عليه استدلاله على علمه بأن الشمع مسروق من اعتراف نسبه إليه وإلى بعض المتهمين، ومن كون الشمع غير متداول في الأسواق مردوداً بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن فرغ من إثبات مؤدى الاعترافات، خلص إلى ثبوت علم الطاعن بالاختلاس بقوله: "وأنه عن علم المتهم الخامس - الطاعن - بأن الشمع البرافين مسروق فهو أمر قائم الدليل عليه من أقواله أنه كان قد اشترى وشريكه اسبيروماركريس من المتهم الأول في أوائل شهر أكتوبر سنة 1966 خمسة أطنان من شمع البرافين ثم عاد إليه المتهم الأول في اليوم التالي طالباً استرداد تلك الكمية لأنها مسروقة ولما تيقن المتهم الخامس من شريكه اسبيروماركريس بأنها كذلك أعاداها إليه، وأنه عن قول المتهم الخامس بأن البضاعة التي اشتراها بعد ذلك كانت "عواريه" فإنه مما يقطع بكذبه أن الخمسة أطنان التي اشتراها من الرسالة البالغ قدرها 59 طناً في غضون شهر نوفمبر سنة 1966 كانت سليمة ولم يقم من الأوراق ما يساند المتهم في دفاعه، ولعل ما يقطع بعلمه بأنها مسروقة قوله أنه أبقاها عنده بضعة أيام دون تصرف فيها يترقب عودة المتهم الأول لاستلامها ثانية، فضلاً عن أن البضاعة المختلسة غير متداولة في السوق" ولما كان ما أثبته الحكم فيما تقدم نقلاً عن أقوال الطاعن وأقوال المتهمين المعترفين له أصل ثابت في تحقيقات النيابة على ما اتضح من مراجعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لهذا الوجه من الطعن، فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا تكون مقبولة ولا يقدح في ذلك ما دلت عليه المفردات من خطأ الحكم فيما قال به من عدم تداول الشمع في الأسواق، ذلك بأن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن على ما يبين من سياق استدلاله السالف إيراده إلا تزيداً - بعد أن استوفى دليل علم الطاعن بأن الشمع مسروق - فغدا بذلك غير ذي أثر على سلامة الحكم. أما عن دعوى الطاعن بفساد الحكم في الاستدلال على علم الطاعن بالسرقة وما ران عليه من القصور حين عول في ذلك على ما سبق قبوله للصفقة السابقة على الكميتين موضوع الاتهام ورده لها بعد علمه بأنها مسروقة رغم أن هذه الواقعة خارجة عن نطاق الدعوى، وحين لم يلتفت إلى ما قال به الطاعن من أن تلك الصفقة كانت مما تبيعه شركات التأمين، ولا إلى ما أثاره من أن الثلاثة أطنان الأخرى كانت "كنسه" فإنه مردود بأنه فضلاً عن أن الطاعن نفسه قد ناقش الصفقة الأولى بما اتجه إليه من سلامة مركزه فيها بدعوى أنها مما تبيعه شركات التأمين، فإنه لا على محكمة الموضوع أن تتحدث في حكمها بالإدانة عن أية واقعة سابقة على الواقعة موضوع المحاكمة أو لاحقة لها، متى كان ذلك منها في سبيل إيضاح حقيقة تلك الواقعة، وما دام الظاهر من الحكم على ما هو حاصل في الدعوى المطروحة - أنه لم يتحدث عن الواقعة السابقة إلا ليستدل بها على ثبوت الجريمة المرفوعة بها الدعوى وأما ما ينعاه الطاعن من عدم رد الحكم على أن مسلكه في تلك الصفقة كان بعيداً عن التأثيم أو سكوت الحكم عن قول كلمته في أن الثلاثة أطنان كانت "كنسة" فإنه لا يعدو أن يكون مجرد جدل حول حق المحكمة في تقدير أدلة الدعوى وليس أدل على سلامة الحكم مما قال به الطاعن من أنه اجتزأ في الرد على دفاعه بثبوت سلامة الأطنان الخمسة الباقية، ذلك بأنها مما يكفي بها وحدها ويسوغ قضاء الحكم بإدانة الطاعن في جريمة إخفاء الأشياء المسروقة التي يكفي لتوافر ركنها المادي ثبوت إخفاء شيء مسروق أياً ما كان قدره. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.