أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 20 – صـ 290

جلسة 24 من فبراير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: عبد المنعم حمزاوي، ونور الدين عويس، ومحمد أبو الفضل، وأنور خلف.

(62)
الطعن رقم 2156 سنة 38 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) تهريب. جمارك. تبغ. دخان. قانون. "تفسيره" جريمة. "أركان الجريمة". حكم. "بياناته". "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(أ) التهريب الجمركي. ماهية كل من التهريب الفعلي والتهريب الحكمي؟ المادة 121 من قانون الجمارك رقم 69 لسنة 1963.
(ب) عدم اعتبار أفعال التهريب الحكمي التي تقع فيما وراء الدائرة الجمركية تهريباً.
عدم اعتبار حيازة البضاعة – من غير المهرب لها فاعلاً أو شريكاً – وراء الدائرة الجمركية تهريباً إلا إذا توافر، فيما يختص بتهريب التبغ، إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 92 لسنة 1964. عدم انطباق المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات على هذه الحيازة.
(ج) مثال لتسبيب معيب في جريمة تهريب تبغ.
(د) حكم الإدانة. بياناته؟ المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية.
(هـ) إحالة الحكم في بياناته للدليل، إلى مذكرة مدير عام شئون الإنتاج دون بيان مضمونها. عدم كفايته.
(و) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على الأدلة التي يقتنع بها القاضي. وجوب استخلاصه عقيدته بنفسه دون أن يشاركه أحد.
(ز) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة. نطاقه؟
1 – جري قضاء محكمة النقض في تفسير المادة 121 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963، على أن المراد بالتهريب الجمركي هو إدخال البضاعة في إقليم الجمهورية أو إخراجها منه على خلاف القانون وهو ما عبر عنه الشارع بالطرق غير المشروعة، وينقسم التهريب الجمركي من جهة محله إلى نوعين: نوع يرد على الضريبة الجمركية المفروضة على البضاعة بقصد التخلص من أدائها ونوع يرد على بعض السلع التي لا يجوز استيرادها أو تصديرها وذلك بقصد خرق الحظر المطلق الذي يفرضه الشارع في هذا الشأن. وفي كلا النوعين إما أن يتم التهريب فعلاً بتمام إخراج السلعة من إقليم الجمهورية أو إدخالها فيه، وإما أن يقع حكماً إذا لم تكن السلعة الخاضعة للرسم أو التي فرض عليها المنع قد اجتازت الدائرة الجمركية ولكن صاحب جلبها أو إخراجها أفعال نص عليها الشارع اعتباراً بأن من شأن هذه الأفعال المؤثمة أن تجعل إدخال البضائع أو إخراجها قريب الوقوع في الأغلب الأعم من الأحوال فحظرها الشارع ابتداء وأجرى عليها حكم الجريمة التامة ولو لم يتم للمهرب ما أراد. وقد افترض الشارع وقوع هذه الأفعال – أياً كانت – عند اجتياز البضاعة للدائرة الجمركية خدعاً للموظفين الذين ناط بهم قانون الجمارك اقتضاء الرسم أو مباشرة المنع يدل على ذلك أن الفقرة الثانية من مادة التعريف والخاصة بالتهريب الحكمي معطوفة على الفقرة الأولى المتعلقة بالتهريب الفعلي تالية لها في الحكم مرتبطة بها في المعنى بحيث لا يصح أن ترتبط كل فقرة منها بحكمها دون معيار مشترك.
2 – إن وقوع أفعال التهريب الحكمي أياً كانت فيما وراء الدائرة الجمركية لا يعد في القانون تهريباً، كما لا تعد حيازة البضاعة – من غير المهرب لها فاعلاً أو شريكاً وراء هذه الدائرة تهريباً إلا إذا توافر – فيما يختص بتهريب التبغ – إحدى حالات التهريب الحكمي المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ، ولا يعتبر كذلك إخفاء لأشياء متحصله من جريمة في حكم المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات، لأن البين من نص المادة المذكورة ومن مذكرتها التفسيرية وأصلها التشريعي أنها تفترض وقوع جريمة سابقة على مال تنتزع حيازته من صاحبه، فيكون المال المنتزع حصيلة للجريمة. ولا كذلك في جريمة التهريب.
3 – متى كان الحكم المطعون فيه لم يبين ماهية الأفعال التي قارفها الطاعن مما يعد تهريباً بالمعنى المتقدم، ولم يبين إن كانت تلك الأفعال تندرج تحت حكم المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964، فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب.
4 – يوجب قانون الإجراءات الجنائية – في المادة 310 منه – في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً يتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة صحة التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم وإلا كان قاصراً.
5 – من المقرر أنه لا يكفي في بيان الدليل إحالة الحكم إلى مذكرة مدير عام شئون الإنتاج ما دام هو لم يورد مضمونها ولم يبين وجه استدلاله بها على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية كافة ووجه اندفاع ما دفع به الطاعن نفياً لها.
6 – إن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته منها صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح في القانون – كما فعل الحكم – أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه.
7 – إنه وإن كان الأصل أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، إلا أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها، أما وقد التفتت كلية عن التعرض لدفاع المتهم الذي ضمنه المذكرة المقدمة منه إليها وأسقطته جملة ولم تورده على نحو يكشف عن أنها أطلعت عليه وأفسطته حقه، فإن حكمها يكون قاصراً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 يوليه سنة 1966 بدائرة قسم إمبابة محافظة الجيزة: (أولاً) هرب الدخان المبين بالمحضر من الرسوم الجمركية. (ثانياً) بصفته صاحب مصنع دخان أحرز دخاناً مخلوطاً مع علمه بذلك. وطلبت عقابه بالنصوص التي أشارت إليها في القانونين رقمي 66 لسنة 1963 و74 لسنة 1933 والقرار الوزاري رقم 91 لسنة 1933. ومحكمة إمبابة الجزئية قضت غيابياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم 20 ج عن كل تهمة وإلزامه أن يؤدي لجمرك القاهرة ما يوازي مثلي الضرائب الجمركية المستحقة والمصادرة. فعارض، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وبتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف، ومحكمة الجيزة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع (أولاً) في شأن التهمة الأولى الخاصة بالتهريب برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وتغريم المتهم عنها 20 ج عشرين جنيهاً وإلزامه بأداء ما يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة على كمية الدخان المهرب البالغ قدرها 109 و7714 كيلوا جرام والمصادرة. (ثانياً) في شأن التهمة الثانية الخاصة بإحراز دخان مخلوط بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم منها. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تهريب الدخان من الرسوم الجمركية قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الطاعن قدم إلى المحكمة مذكرة بدفاعه فند فيها التهمة بأسانيد حددها وشواهد عددها مدللاً على أدائه للرسوم الجمركية كاملة من واقع القسائم المقدمة منه للجنة التي شكلت لمراجعة مشترياته من الأدخنة، كما دفعها بعدم توافرها قانوناً وبسقوط الحق في إقامة الدعوى الجنائية بمضي المدة، إلا أن الحكم أحال في الرد على دفاعه الموضوعي إلى مذكرة مدير الإنتاج دون بيان مضمونها ووجه الاستناد إليها واعتبرها بمثابة الحكم، وأغفل دفاعه القانوني في جملته فلم يشر إليه أو يرد عليه مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الطاعن كان منسوباً إليه تهمتان الأولى منهما تهريب الدخان من الرسوم الجمركية والثانية حيازته لأدخنة مخلوطة، فقضت المحكمة المطعون في حكمها ببراءته من التهمة الثانية ودانته في التهمة الأولى وسببت قضاءها بالإدانة بما نصه (وحيث إنه عن التهمة الأولى الخاصة بالتهريب فإن الفقرة الثانية من المادة 121 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 صريحة في أنه يعتبر في حكم التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع أو العلامات أو ارتكاب أي فعل آخر بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها. وما أورده مدير شئون الإنتاج في مذكرته المؤرخة 22/ 5/ 1965 قاطع في الدلالة على ارتكاب المتهم أفعالاً بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة للأسباب التي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها جزءاً متمماً لأسباب هذا الحكم وهي تؤكد صحة التهمة الأولى أنفة الذكر وفيها الرد الكافي الصريح والضمني على ما أثاره المتهم في دفاعه، وما قدمه من مستندات. وإذ تقرر ذلك، فإن الاستئناف يكون بخصوص التهمة الأولى في غير محله ومن المتعين رفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضي به بشأنها) ولما كانت المادة 121 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك قد عرفت التهريب بنصها على أنه "يعتبر تهريباً إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة. ويعتبر في حكم التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع أو العلامات أو ارتكاب أي فعل آخر بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع المهربة. ولا يمنع من إثبات التهريب عدم ضبط البضائع" وقد جرى قضاء هذه المحكمة في تفسير المادة المذكورة على أن المراد بالتهريب الجمركي هو إدخال البضاعة في إقليم الجمهورية أو إخراجها منه على خلاف القانون وهو ما عبر عنه الشارع بالطرق غير المشروعة، وينقسم التهريب الجمركي من جهة محله إلى نوعين: نوع يرد على الضريبة الجمركية المفروضة على البضاعة بقصد التخلص من أدائها ونوع يرد على بعض السلع التي لا يجوز استيرادها أو تصديرها وذلك بقصد خرق الحظر المطلق الذي يفرضه الشارع في هذا الشأن. وفي كلا النوعين إما أن يتم التهريب فعلاً بتمام إخراج السلعة من إقليم الجمهورية أو إدخالها فيه، وإما أن يقع حكماً إذا لم تكن السلعة الخاضعة للرسم أو التي فرض عليها المنع قد اجتازت الدائرة الجمركية ولكن صاحب جلبها أو إخراجها أفعال نص عليها الشارع اعتباراً بأن من شأن هذه الأفعال المؤثمة أن تجعل إدخال البضائع أو إخراجها قريب الوقوع في الأغلب الأعم من الأحوال فحظرها الشارع ابتداء وأجرى عليها حكم الجريمة التامة ولو لم يتم للمهرب ما أراد. وقد افترض الشارع وقوع هذه الأفعال – أياً كانت – عند اجتياز البضاعة للدائرة الجمركية خدعاً للموظفين الذين ناط بهم قانون الجمارك اقتضاء الرسم أو مباشرة المنع، يدل على ذلك أن الفقرة الثانية من مادة التعريف والخاصة بالتهريب الحكمي معطوفة على الفقرة الأولى المتعلقة بالتهريب الفعلي تالية لها في الحكم مرتبطة بها في المعنى بحيث لا يصح أن ترتبط كل فقرة منها بحكمها دون معيار مشترك وعلى ذلك فإن وقوع أفعال التهريب الحكمي أياً كانت فيما وراء الدائرة الجمركية لا يعد في القانون تهريباً، كما لا تعد حيازة البضاعة – من غير المهرب لها فاعلاً كان أو شريكاً وراء هذه الدائرة تهريباً إلا إذا توافر – فيما يختص بتهريب التبغ – إحدى حالات التهريب الحكمي المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ. ولا يعتبر كذلك إخفاء لأشياء متحصله من جريمة في حكم المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات، لأن البين من نص المادة المذكورة ومن مذكرتها التفسيرية وأصلها التشريعي أنها تفترض وقوع جريمة سابقة على مال تنتزع حيازته من صاحبه، فيكون المال المنتزع حصيلة للجريمة. ولا كذلك جريمة التهريب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يبين ماهية الأفعال التي قارفها الطاعن مما يعد تهريباً بالمعنى المتقدم، ولم يبين إن كانت تلك الأفعال تندرج تحت حكم المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور في التسبيب. لما كان ذلك، وكان الحكم – فوق ذلك – لم يورد الأدلة التي استند إليها في إثبات هذه الأفعال، وكان قانون الإجراءات الجنائية أوجب في المادة 310 منه في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة صحة التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم وإلا كان قاصراً، وكان لا يكفي في بيان الدليل إحالة الحكم إلى مذكرة مدير عام شئون الإنتاج ما دام هو لم يورد مضمونها ولم يبين وجه استدلاله بها على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية كافة ووجه اندفاع ما دفع به الطاعن نفياً لها،
وكانت الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته منها صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح في القانون – كما فعل الحكم – أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه. وإذ كان الأصل أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، إلا أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها، أما وقد التفتت كلية عن التعرض لدفاع المتهم الذي ضمنه المذكرة المقدمة منه إليها وأسقطته جملة ولم تورده على نحو يكشف عن أنها اطلعت عليه، وأقسطته حقه، فإن حكمها يكون قاصراً. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.