أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 416

جلسة 11 من يناير سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ إبراهيم خليل وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: مصطفى فاضل، ومصطفى حسن، ومحمود إسماعيل، ومصطفى كامل المستشارين.

(137)
القضية رقم 1167 سنة 24 القضائية

دعوى مباشرة. الدعويان الجنائية والمدنية المترتبتان عليها. شرط انعقاد الخصومة بين المدعى بالحقوق المدنية وبين المتهم فيهما.
إن الدعوى الجنائية التي ترفع مباشرة من المدعى بالحقوق المدنية، ودعواه المدنية التابعة لها المؤسسة على الضرر الذي يدعى أنه لحقه من الجريمة لا تنعقد الخصومة بينه وبين المتهم وهو المدعى عليه فيهما إلا عن طريق تكليفه بالحضور أمام المحكمة تكليفاً صحيحاً، وما لم تنعقد الخصومة بالطريق الذي رسمه القانون، فإن الدعويين الجنائية والمدنية لا تكونان مقبولتين من المدعى بالحقوق المدنية بالجلسة، وذلك لأن القانون أيضاً إنما أجاز رفع الدعوى المدنية بالجلسة في حالة ما إذا كانت من الدعاوى الفرعية فقط.


الوقائع

رفع هارون ألفيه "المطعون ضده" الدعوى رقم 311 سنة 1953 مباشرة أمام محكمة عابدين الجزئية ضد 1ـ ماير تليو و2ـ نعمة منصور "الطاعنين" بعريضة ذكر فيها أنه في صباح يوم 27 من أكتوبر سنة 1952 أبلغ الأول "ماير تليو" السيد رئيس نيابة جنوب القاهرة ضد المدعى بأنه سب السيد محمد نجيب رئيس الحكومة وقتئذ بأن قال "يلعن أبوك لأبو محمد نجيب " واستشهد على تأييد أقواله بالثاني " نعمة منصور " وطلب المدعى في عريضته معاقبة الأول بتهمة البلاغ الكاذب والثاني بتهمة الشهادة الزور، والحكم عليهما بمقتضى المواد 296 و305 و302 و303 و171 و308 و40 و41 من قانون العقوبات مع إلزامهما متضامنين بأن يدفعا له خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة عابدين الجزئية ـ بإحدى الجلسات ـ رفع ماير تليو دعوى جنحة بالطريق المباشر ـ وفى مواجهة النيابة ـ ضد هارون ألفيه طلب في عريضتها محاكمته بالمواد 302 و304 و306 و308 و171 من قانون العقوبات والحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض لأنه في الفترة ما بين 16 من فبراير سنة 1953 و2 من مارس سنة 1953 بدائرة قسم عابدين قذف وسب علناً في حقه بأن أسند إليه أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقابه قانوناً واحتقاره عند أهل وطنه وقد تضمن القذف والسب طعناً في عرضه وخدشاً لسمعة عائلته. وقد دفع هارون ألفيه هذه الدعوى بعدم قبولها بمقولة إنه لا يجوز توجيه التهمة بالجلسة إلا من النيابة العامة، والمحكمة بعد أن انتهت من سماع دفاع أطراف الخصومة في الدعوى قضت حضورياً في 30 من مارس سنة 1953 أولاً ـ وفى دعوى البلاغ الكاذب وشهادة الزور المسندتين لماير تليو ونعمة منصور ببراءتهما مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما وألزمت رافعها بالمصاريف، وذلك عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية وثانياً ـ في دعوى السب والقذف الموجهة إلى هارون ألفيه برفض الدفع بعدم قبول دعوى ماير تليو شكلاً وبحبس هارون ألفيه أسبوعين بالشغل وتغريمه عشرة جنيهات وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات تبدأ من صيرورة الحكم نهائياً وإلزامه بأن يدفع لماير تليو خمسين جنيهاً على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وذلك عملاً بالمواد 171 و302 و303 و308 و55 و56 من قانون العقوبات. فاستأنف هذا الحكم كل من ماير تليو وهارون ألفيه، ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضورياً بقبولهما شكلاً وفى الموضوع. أولاً ـ في الدعوى المدنية المقامة من هارون ألفيه بإلزام ماير تليو ونعمة منصور بأن يدفعا له متضامنين خمسين جنيهاً على سبيل التعويض مع المصروفات المدنية المناسبة عن الدرجتين وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وثانياً ـ وفى الدعويين الجنائية والمدنية المقامتين ضد هارون ألفيه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى العمومية ورفض الدعوى المدنية مع إلزام رافعها بالمصاريف الخاصة بها عن درجتي التقاضي. وبتاريخ 11 من فبراير سنة 1954 طعن في الحكم الأخير بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه ـ إذ قضى في دعوى القذف والسب المرفوعة مباشرة من الطاعن الأول ضد المطعون ضده بعدم قبول الدعوى العمومية وبرفض الدعوى المدنية بناء على ما قاله من أنه لا يجوز أن توجه الدعوى مباشرة في الجلسة من المدعى بالحق المدني إلى المدعى عليه فيها بغير تكليف بالحضور ـ قد أخطأ في القانون.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده رفع دعوى بالطريق المباشر على الطاعنين بجريمة البلاغ الكاذب في حقه. وأثناء نظر تلك الدعوى أمام محكمة أول درجة، قدم المطعون ضده مذكرة بدفاعه تضمنت عبارات عدها الطاعن لأول قذفاً وسباً في حقه، فوجه عنها الدعوى مباشرة في الجلسة إلى المطعون ضده، وادعى مدنياً قبله، فدفع المطعون ضده بعدم قبول هذه الدعوى المباشرة ولما كان الحكم المطعون فيه إذ تعرض لدعوى القذف والسب قد قال:"إن الدفع بعدم قبول الدعوى الذي أبداه المتهم (المطعون ضده) في محله وذلك لأن المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن تحال الدعوى في الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضى التحقيق أو غرفة الاتهام أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية ويجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر بالجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة ـ وهذا النص في فقرته الأولى يقابل نص المادتين 129 و157 من قانون تحقيق الجنايات الملغى بالنسبة لمواد المخالفات والجنح، أما الفقرة الثانية فليس لها مقابل في القانون السابق، وشرط تطبيقها أن توجه التهمة من النيابة العامة وأن يقبل المتهم المحاكمة، وعلى ذلك فلا تقبل الدعوى العمومية على متهم في جلسة بالطريق المباشر من المدعى بالحقوق المدنية لأن القانون أجاز هذا الحق للنيابة العمومية وحدها وبشرط أن يكون المتهم حاضراً بالجلسة وأن يقبل المحاكمة " ـ ولما كان ما قاله الحكم في ذلك صحيحاً في القانون إذ الدعوى الجنائية التي ترفع مباشرة من المدعى بالحقوق المدنية ودعواه المدنية التابعة لها المؤسسة على الضرر الذي يدعى أنه لحقه من الجريمة لا تنعقد الخصومة بينه وبين المتهم وهو المدعى عليه فيهما إلا عن طريق تكليفه بالحضور أمام المحكمة تكليفاً صحيحاً ـ وما لم تنعقد هذه الخصومة بالطريق الذي رسمه القانون، فإن الدعويين الجنائية والمدنية لا تكونان مقبولتين من المدعى بالحقوق المدنية بالجلسة، ولأن القانون أيضاً إنما أجاز رفع الدعوى المدنية بالجلسة في حالة ما إذا كانت من الدعاوى الفرعية فقط ـ لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول الدعوى العمومية المقامة مباشرة من الطاعن الأول، قد قضى برفض الدعوى المدنية، وكانت الدعوى المدنية إنما تنظر أمام المحكمة الجنائية بطريق التبعية فإنها ترتبط بالدعوى العمومية من حيث مصيرها، ويتعين لأجل ذلك قبول الطعن في هذا الخصوص، وتصحيح الخطأ والقضاء بعدم قبول الدعوى المدنية ورفض هذا الوجه من الطعن فيما عدا ذلك.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ ألغى الحكم المستأنف، وقضى بإلزام الطاعنين بالتعويض عن جريمة البلاغ الكاذب استند في ذلك إلى أنه لم يصادق مقدم البلاغ (وهو الطاعن الأول) على الرواية الواردة ببلاغه سوى نعمة منصور (الطاعن الثاني)، وهو صديق مقدم البلاغ الذي حرضه على تقديمه، وأن هناك إجماعاً من الشهود على أنهم لم يسمعوا العبارات التي تضمنها البلاغ ـ ويقول الطاعنان إن هناك خطأ من الحكم في استدلاله بذلك، لأن أولئك الشهود لم يحضروا المناقشة التي دارت بين الطرفين من مبدئها، بل حضروا بعد احتدام المشادة بينهما، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بعد صدور العبارات موضوع البلاغ من المطعون ضده ـ هذا إلى أن واقعة البلاغ قد ثبتت صحتها بشهادة الطاعنين، ومع ذلك فإنه لا يؤخذ عجز المبلغ عن إثبات بلاغه دليلاً على كذب البلاغ، لأن التبليغ عن الجرائم من الحقوق المخولة للأفراد، بل من الواجبات المفروضة عليهم، أما تحقيق البلاغ والبحث عن صحته، فمن شأن السلطة الموكلة بالتحقيق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكذب التي قضى تأسيساً على ثبوتها في حق الطاعنين بإلزامهما بالتعويض، وأورد على ذلك أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وكان لا سند لما يقوله الطاعنان من خطأ الحكم في استدلاله على كذب البلاغ بأقوال الشهود التي عول عليها ما داموا لم يشهدوا بواقعة السب موضوع البلاغ الذي أثبت الحكم كذب الأمر المقدم عنه مع سوء القصد كما هو معرف به في القانون ـ لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان لا يكون إلا جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا يقبل أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس ويتعين رفض هذا الشطر من الطعن أيضاً.