أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 9 - صـ 330

جلسة 3 من أبريل سنة 1958

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، وعثمان رمزي، ومحمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت المستشارين.

(36)
طعن رقم 91 سنة 24 ق

( أ ) صورية. عقد. عيوب الرضا. تواطؤ. اختلاف الطعن على العقود بالصورية عن مجرد الطعن بالتواطؤ.
(ب) تسجيل. بيع "تزاحم المشترين". إثبات "إقرار". انتقال الملكية إلى المشتري الذي سجل عقده بالتسجيل ولو ثبت علمه بالتصرف السابق الذي لم يسجل ووقع كشاهد على العقد السابق.
(ج) نقض "الخصوم في الطعن". دعوى "دعوى الضمان". قيام المدعى برفع الدعوى ضد المدعى عليه وطلبه الحكم في مواجهة ضامن أدخله بتثبيت ملكيته إلى أطيان متنازع عليها وصدوره الحكم ضد المدعى عليه. حق المدعى عليه عند الطعن في الحكم في اختصام المدعى دون الضامن.
1 - الطعن على العقود بالصورية الذي يجب على محكمة الموضوع بحثه والبت فيه يجب أن يكون صريحاً في هذا المعنى ولا يفيده مجرد الطعن بالتواطؤ لاختلاف الأمر مدلولاً وحكماً لأن الصورية تعني عدم قيام العقد أصلاً في نية عاقديه أما التواطؤ بين المتعاقدين فإنه غير مانع بذاته من جدية العقد ومن رغبتهما إحداث آثار قانونية له.
2 - متى كان المشتري الثاني قد سجل عقد شرائه وطعن المشتري السابق الذي لم يسجل عقده بصدور العقد الثاني المسجل بطريق التواطؤ رغبة من البائع في الرجوع عن البيع له تأسيساً على أن المشتري الثاني كان قد وقع كشاهد على عقده هو فأغفل الحكم الرد على هذا الدفاع الذي لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإن ذلك لا يعيب الحكم بالقصور ذلك لأن توقيع المشتري الثاني كشاهد على العقد الذي لم يسجل لا يعتبر إقراراً منه بانتقال ملكية المبيع إلى من صدر له ذلك العقد وإن صح هذا التوقيع دليلاً على علم صاحبه بسبق التصرف إلى الغير فإنه لا يحول دون كسب ملكية المبيع بعد ذلك بمقتضى عقده الذي بادر إلى تسجيله فصح سند لنقل الملكية إليه ولو كان في ذلك متواطئاً مع بائعه.
3 - إذا كان المدعى قد رفع الدعوى ضد المدعى عليه وطلب الحكم في مواجهة ضامن من أدخله في الدعوى بتثبيت ملكيته إلى أطيان متنازع عليها فطعن المدعى عليه على الحكم الصادر ضده فلا عليه إن قصر طعنه على خصمه الأصيل الذي رفع عليه الدعوى دون الضامن الذي أدخله المدعى في الدعوى إذ الشأن في اختصامه إنما يرجع إلى المدعى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن حاصل وقائع هذا الطعن - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - هو أن المطعون عليه المرحوم محمد علي الدالي اختصم الطاعنين وآخرين - لم يدخلوا في الطعن - بالدعوى رقم 126 كلي سوهاج سنة 1944 طلب فيها الحكم بثبوت ملكيته إلى الفدان المبين الحدود والمعالم بصحيفتها وبعقد البيع المؤرخ 20 من يوليه سنة 1935 والمسجل في 14 من أغسطس سنة 1935 وكف منازعة الطاعنين وتسليمه إليه مع إلزامهم المصروفات، ثم طلب المدعى التصريح له بإدخال كل من محمد أبو المجد محمد حمد ومحمد عكاشه ومحمد محمد عكاشه ومتولي أحمد خاطر - وهم البائعون له الذين لم يدخلوا في هذا الطعن، كي يقضي عليهم احتياطياً برد الثمن إذا ما فشل في طلبه الأصيل قبل من عداهم فأجيب إلى طلبه - واستند المدعى في دعواه إلى عقد البيع آنف الذكر عن فدانين و3 قراريط و6 أسهم من بينها الفدان موضوع النزاع وإلى وضع يده على كامل المساحة المبيعة إليه من تاريخ الشراء حتى سنة 1943 وإلى ما أوراد مال وعقود إيجار عن المدة من سنة 1937 إلى سنة 1943. وتمسك الطاعنون بأن الأرض محل النزاع ملك لهم اشتروها من نفس البائعين إليه بعقود صادرة في سنوات 1923، 1924، 1928، 1929، 1930 وهي وإن لم تكن ثابتة التاريخ ولا مسجلة إلا أنها اقترنت بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملك، وأن رافع الدعوى لم يضع يده على تلك المساحة في أي وقت من الأوقات. ومحكمة سوهاج الابتدائية بعد إحالة الدعوى إلى التحقيق وسماع شهود الطرفين ليثبت المدعى اكتسابه ملكية العين موضوع النزاع بوضع اليد المدة القصيرة وليثبت خصومه اكتسابهم ملكيتها بوضع اليد المدة الطويلة ولينفي كل فريق ما يثبته الآخر - انتهت في 5 من نوفمبر سنة 1947 إلى رفض الدعوى فيما يتعلق بالطلب الأصيل وقضت للمدعى قبل البائعين له برد الثمن مؤسسة قضاءها على ما اطمأنت إليه من أقوال شهود المدعى عليهم وضع يد هؤلاء على العين المذكورة المدة الطويلة المكسبة للملك بجميع شرائطها وعلى أن عقد شراء المدعى - المطعون عليه - المسجل في سنة 1935 إنما قد "عمل خدمة للدعوى وليكون وسيلة لرجوع البائع الأصلي عن عقود البيع العرفية الصادرة إلى المدعى عليهم". فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم مختصماً جميع من كانوا ممثلين في الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى طالباً إلغاءه والقضاء له بطلبه الأصيل. ومحكمة استئناف أسيوط في 17 من مارس سنة 1953 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبثبوت ملكية المستأنف - المطعون عليه - إلى الفدان المبين الحدود والمعالم بالصحيفة وكف منازعة فيه وتسليمه إليه - فطعن المستأنف عليهم في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في الميعاد بقلم كتاب هذه المحكمة متضمناً إعلان جميع الخصوم الماثلين في مراحل النزاع عدا الضمان البائعين للمطعون عليه.
وبجلسة 11 من فبراير سنة 1958 لدى دائرة فحص الطعون المدنية صمم وكيل الطاعنين على ما جاء بالتقرير والتمس الإحالة وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن، فقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، وبجلسة 6 من مارس سنة 1958 التمست النيابة رفض.
وحيث إن المطعون عليه دفع في مذكرته ببطلان الطعن شكلاً لعدم إدخال باقي الخصوم الذين كانوا ماثلين أمام محكمة الاستئناف وهم خصوم جديون صدر الحكم المطعون فيه في مواجهتهم بالملكية وأصبح نهائياً بالنسبة لهم.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الخصوم الذين لم يعلنهم الطاعنون في الطعن إنما هم هؤلاء الذين أدخلهم المطعون عليه ضماناً له والشأن في اختصامهم في الطعن إنما يرجع إليه. ولا على الطاعنين إن قصروا طعنهم على خصمهم الأصيل الذي رفع عليهم الدعوى وهو المطعون عليه.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مبنى السببين الأول والثالث من الطعن هو قصور الحكم عن البيان قصوراً ينطوي على الإخلال بدفاع الطاعنين مع الخطأ في القانون إذ تمسك الطاعنون أمام محكمة الدرجة الأولى بصورية عقد المطعون عليه المسجل وفي 14 من أغسطس سنة 1935، فأخذت المحكمة المذكورة بدفاعهم هذا وضمنت حكمها ما يكشف صراحة عن هذا النظر ثم أعاد الطاعنون هذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف وردده في مذكرتهم أمامها ومع ذلك ألغت محكمة الاستئناف الحكم الأول دون أن ترد على هذا الدفاع الجوهري الذي ظاهروه أمامها بحجج أوردوها في مذكرتهم مما يجعل قضاء الحكم المطعون فيه مشوباً بقصور البيان والإخلال بالدفاع فضلاً عن الخطأ في القانون فيما ذهب إليه في قضائه من أنه (لا منازعة في ملكية البائعين للمستأنف - المطعون عليه - للأرض عندما باعوها إلى هذا الأخير وأنه بذلك تكون الملكية قد انتقلت إليه بالعقد المسجل في 14 من أغسطس سنة 1935 ولم يكسبها أحد سواه" - وذلك رغم قيام الدفع بصورية هذا العقد صورية تدليسية مطلقة تجعله معدوم الوجود لا يصلح سنداً لنقل هذه الملكية.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكمين الأول والمطعون فيه. ومن الاطلاع على صور مذكرات الطاعنين في الدرجتين أن الطاعنين لم يتمسكوا فيها بصورية عقد المطعون عليه المسجل اكتفاء منهم بالقول بإبرامه بطريق التواطؤ بين عاقديه دون ما بيان لماهية ذلك التواطؤ ومرماه فاكتفى الحكم الأول بأن قال عنه بدوره "إن ظاهر الأوراق أنه عمل خدمة لهذه الدعوى وليكون وسيلة لرجوع البائع الأصلي في عقود البيع العرفية الصادرة إلى الطاعنين".
وحيث إن الطعن على العقود بالصورية الذي يجب على محكمة الموضوع بحثه والبت فيه يجب أن يكون صريحاً في هذا المعنى ولا يفيده مجرد الطعن بالتواطؤ ذلك لاختلاف الأمرين مدلولاً وحكماً لأن الصورية تعني عدم قيام العقد أصلاً في نية عاقديه، أما التواطؤ بين المتعاقدين فإنه غير مانع بذاته من صورية العقد ومن رغبتهما إحداث آثار قانونية له. والطعن الذي تقدم به الطاعنون أمام محكمة أول درجة إنما كان طعناً بصدور العقد بطريق التواطؤ بين البائعين له والمطعون عليه رغبة من البائعين في الرجوع في البيع لهم، وهو ما فهمته محكمة أول درجة. ولما كان الطاعنون لم يتمسكوا في مرحلة الاستئناف بأكثر مما سبق أن رددوه في هذا الصدد أمام المحكمة الأولى فإن النعي بعد ذلك على الحكم المطعون فيه بالقصور عن الرد على صدور العقد عن تواطؤ بين المشتري - المطعون عليه - وبين البائعين له رغبة منهم في الرجوع عن البيع لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى إذ أنه على فرض قيام التواطؤ فإن الملكية قد انتقلت إلى المطعون عليه بتسجيل عقده متى كان من الثابت أنه لم يمض على وضع يد الطاعنين على الأرض بمقتضى عقودهم العرفية من سنة 1923 المدة الطويلة المكسبة للملكية عندما اشتراها المطعون عليه من نفس بائعيهم بعقده المسجل في سنة 1953.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون في السبب الثاني هو خطأ الحكم في الإسناد، إذ استند الحكم المطعون فيه فيما استند إليه إلى أنهم لم يقدموا أية ورقة يستفاد منها سابق وضع يدهم على الأرض كورد مال أو إيصال وفاء شيء من الأموال الأميرية في حين أنهم تمسكوا في مذكرتهم الاستئنافية بأن تحت يدهم أوراداً ثلاثة أرفقوها بتلك المذكرة، مما يعيب الحكم في هذا الشأن بخطأ الإسناد ومخالفة الثابت في الأوراق.
وحيث إنه وإن كان صحيحاً ما يأخذه الطاعنون في هذا الصدد على الحكم المطعون فيه إلا أنه لما كان عماد الحكم المذكور في القضاء بثبوت ملكية المطعون عليه لأرض النزاع هو انتقال هذه الملكية إليه وخلوصها له وحده بمقتضى عقده المسجل الناقل لها لتخلف شرائط وضع يد منازعيه فيها المدة الطويلة، وكانت أوراد المال التي قدموها هي فقط عن ثلاث سنوات سابقة على شرائه، فإن هذا المأخذ على الحكم يكون غير منتج لأن هذه الأوراد الثلاثة لا تحمل دلالة وضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية الذي هو قوام دفاع الطاعنين فضلاً عن أن الحكم نفي وضع يد الطاعنين وفي هذا ما يكفي لنفي ما يمكن أن يستفاد إثبات عكس ما تفيده بأي دليل آخر ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن في غير محله أيضاً.
وحيث إن مبنى السبب الرابع والأخير هو ما يقوله الطاعنون من أنهم قد كشفوا في دفاعهم عن أن المطعون عليه وقع كشاهد على عقد شراء أحد الطاعنين العرفي - عقد عبد الرحمن عبد النبي الرقيم 15 من يناير سنة 1929-، وأن هذا التوقيع يتضمن إقراراً منه بانتقال الملكية من المالكين الأصلاء إلى عبد النبي المذكور فلم يرد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع، بل عمد إلى القول بأن التواريخ العرفية بعقود الطاعنين ليست حجة على المطعون عليه لأنها غير ثابتة مع أن توقيعه على عقد 15 من يناير سنة 1929 يجعل تاريخه حجة عليه وتكتمل به حتى يوم رفع الدعوى المدة الطويلة المكسبة لملكية العقار فيكون الحكم المطعون فيه بإغفاله الرد على هذا الدفاع وتقريره ما قرره بشأن عدم حجية تواريخ عقودهم قد أخل بدفاعهم كما جانب القانون.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن توقيع المطعون عليه بوصفه شاهداً على ذلك العقد لا يعتبر إقراراً منه بانتقال ملكية القدر الوارد به - وهو 22 سهماً - إلى من صدر إليه. فإن صح هذا التوقيع دليلاً على علم صاحبه المطعون عليه بسبق التصرف إلى الغير في القدر الذي طالب بتثبيت ملكيته إليه فإنه لا يحول دون كسب ملكية ذلك القدر بعد ذلك بمقتضى عقده الذي بادر إلى تسجيله فصح سنداً لنقل الملكية إليه ولو كان في ذلك متواطئاً مع بائعه طالما أن الطاعنين لم يكونوا آنذاك قد تملكوه بعد طريق آخر، ويكون دفاعهم في هذا الشأن غير جوهري ولا يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو أغفل الرد عليه بعد أن أقام قضاءه على خلوص الملكية للمطعون عليه بمقتضى عقده المسجل وعلى عدم تملك الطاعنين للأطيان محل النزاع بوضع السيد المدة الطويلة المكسبة، لفقدان شرائطها بإطراح أقوال شهود وضع يدهم لاعتبارات أخرى سلمت من نعي الطاعنين مما يجعل هذا السبب بوجهيه غير منتج في أولهما وغير سديد في الثاني.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته غير سديد ويتعين رفضه