أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 356

جلسة 24 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سعد سامح، ومحمود عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(77)
الطعن رقم 2014 لسنة 38 القضائية

(أ) استيلاء على مال للدولة بغير حق. اختلاس أموال أميرية. موظفون عموميون. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة.
مثال لجريمة الاستيلاء على مال للدولة بغير حق.
(ب، ج، د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام". "أوراق رسمية". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها".
(ب) حق محكمة الموضوع في الالتفات عن دليل النفي، ولو حملته أوراق رسمية.
(ج) حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى.
(د) النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثر أمامها. غير جائز.
1 - متى كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعنين - وهما من الموظفين العموميين - قد استمرا، رغم وفاة والدتهما، في صرف المعاش الذي كان مستحقاً لها من وزارة الخزانة ودانهما - ضمن ما دانهما به - بجريمة الاستيلاء على مال للدولة بغير حق وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من اعتراف المتهم الثاني وأقوال مندوبي شياخات قسمي أول وثاني طنطا ومفتش صحة مركز طنطا وأقارب المتهمين وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي ونتيجة الاطلاع على دفتري وفيات محلة منوف وقسم طنطا - فإن الأدلة التي أوردها الحكم تكون سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى.
3 - لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى.
4 - ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في خلال الفترة بين يوم 8 أغسطس سنة 1961 حتى 19 مارس سنة 1966 بدائرة بندر طنطا محافظة الغربية: (أولاً) اشتركا بطريقي التحريض والمساعدة مع موظفين عموميين حسني النية هم عبد النبي محمد مصطفى وعبد الفتاح مرسي بدر مندوبي شياخة قسم أول طنطا وحسن محمد حسن ومصطفى صابر محمد مندوبي شياخة قسم ثان طنطا والسيد متولي السنجلقي وعبد الرحيم محمد محمد مرسال كاتبي ضبط قسم ثان طنطا في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي شهادات الوجود المؤرخة 18 ديسمبر سنة 1963 و22 ديسمبر سنة 1964 و9 ديسمبر سنة 1965 والتي تفيد وجود والدتهما المرحومة خيرية محمد القطاوي على قيد الحياة حال تحريرها المختصين بوظيفتهم وكان ذلك بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن قام المتهم الثاني بملأ بيانات هذه الاستمارات بما يفيد وجود والدته على قيد الحياة في التواريخ المثبتة بها وذلك على غير الحقيقة وحرضا المتهمين الموظفين سالفي الذكر على التوقيع عليها بما يفيد صحتها وساعداهم على ذلك بأن قدما هذه الشهادات لهم فقالوا بالتوقيع عليها وتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وتلك المساعدة (ثانياً) استعملا المحررات المزورة سالفة الذكر مع علمهما بتزويرها بأن قدماها للإدارة العامة للمعاشات بوزارة الخزانة لصرف المعاش الذي كان مستحقاً لوالدتهما (ثالثاً) بصفتهما موظفين عموميين (الأول) رائد بالشرطة والثاني كاتب بإدارة قضايا الحكومة بطنطا) استوليا بغير حق على مال للدولة هو مبلغ 907 ج و511 م المبين بالمحضر والمملوك لوزارة الخزانة (رابعاً) اشتركا بطريق الاتفاق فيما بينهما وبطريقي التحريض والمساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو فهمي سعد الدين كاتب صحة بندر طنطا قسم ثان في ارتكاب تزوير في محرر رسمي "سجل قيد وفيات قسم ثان طنطا" حال تحريره المختص بوظيفته وكان ذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن اتفق المتهمان على إبلاغه بوفاة والدتهما المرحومة خيرية محمد القطاوي بتاريخ 19 يونيو سنة 1966 وتقدم إليه المتهم الثاني بإخطار يتضمن ذلك على خلاف الحقيقة وطلب منه إثباته بالسجل فقام الموظف سالف الذكر بذلك ووقع المتهم عليه فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق والتحريض وتلك المساعدة (خامساً) ارتكبا وآخر مجهول تزويراً في محررات عرفية هي أمر الدفع المؤرخ 8 أغسطس سنة 1961 والشيكات وأوامر الصرف والتحويل المبينة بالتحقيقات والمنسوب صدورها إلى خيرية محمد القطاوي وكان ذلك بطريق الاصطناع بأن أثبتا البيانات الواردة بها وبصما عليها بخاتم نسباه زوراً إلى خيرية محمد القطاوي (سادساً) - استعملا المحررات المزورة سالفة الذكر مع علمهما بتزويرها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للمواد 40/ 1 - 3 و41 و113/ 1 و118 و119 و213 و214 و215 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين والمادة 17 من القانون ذاته بالنسبة إلى المتهم الثاني - أولاً - بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة مدة سبع سنوات وعزله من وظيفته - ثانياً - بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وعزله من وظيفته مدة سنتين - ثالثاً - بتغريم المتهمين المذكورين متضامنين مبلغ 907 ج و511 م وإلزامهما متضامنين برد مبلغ 907 ج و511 م لوزارة الخزانة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجرائم الاشتراك في ارتكاب تزوير في محررات رسمية وارتكاب تزوير في محررات عرفية واستعمال هذه المحررات مع علمه بتزويرها والاستيلاء بغير حق على مال للدولة قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أن السيدة التي توفيت في سنة 1961 ليست والدته التي توفيت في سنة 1962 وقدم تأييداً لدفاعه إعلاناً تم لوالدته في يوليه سنة 1962 ومستندات تفيد وجود خصومة بينه وبين شهود الإثبات إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع الجوهري ولا للمستندات التي قدمها تأييداً له. كما أنكر الطاعن تحرير بيانات الشيكات المدعى بتزويرها وقرر أنه لم يكن له شأن بمعاش والدته وأن مراسلها هو المتهم الثاني وهو ابنها الأكبر وأن جميع المستندات والشهادات بخطه ومقدمة منه وطعن على تقرير المضاهاة المقدم من قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي والذي جاء به أن بيانات هذه الشيكات محررة بخطه لأن عملية المضاهاة تمت بطريقة غير قانونية وحدثت في ظروف غير طبيعية وطلب إعادة إجراءات الاستكتاب والمضاهاة بمعرفة الخبير في حضوره إلا أن المحكمة استندت في إدانته إلى هذا التقرير دون أن تحقق دفاعه وتجيبه إلى طلبه كما استندت إلى أقوال الموظفين الذين وقعوا على الشهادات المعتمدة من المتهم الثاني في حين أن أقوالهم لا يمكن التعويل عليها وهم يستترون خلف صفة الطاعن كضابط لدرء المسئولية عن أنفسهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله "إنها توجز في أن المرحوم القائم مقام محمد عبد الله حماد الذي كان ضابطاً بالجيش المصري استحق معاشاً بعد وفاته آل جزء منه إلى زوجته المرحومة خيرية محمد القطاوي والدة المتهمين عبد العزيز محمد عبد الله حماد - الطاعن - وهو ضابط شرطة برتبة رائد بمديرية أمن الوادي الجديد وأحمد شوقي محمد عبد الله حماد وهو موظف إداري بقسم قضايا الحكومة بطنطا وقد ربط لهذه السيدة معاش قدره 17 ج و385 م طلبت أثناء حياتها تحويل صرفه إلى حسابها الجاري رقم 6803 بفرع بنك مصر بطنطا واستمر صرفه إليها بموجب شيكات أو أوامر صرف كانت تحرر وتحمل بصمة ختمها المعتمدة من البنك والتي تقرأ خيرية محمد القطاوي سنة 1377 هـ وقد حدث أن توفيت السيدة خيريه محمد القطاوي والدة المتهمين بتاريخ 18/ 6/ 1961 ومع ذلك فإن أحدا من أولادها أو أقاربها لم يبلغ وزارة الخزانة إدارة المعاشات عن وفاتها حتى توقف صرف معاشها واستمرت هذه الإدارة الأخيرة في تحويل المعاش إلى جهة صرفه حتى شهر فبراير سنة 1966 إذ وصلها بلاغ من مجهول يتضمن أن المتهم الأول استمر في صرف معاش والدته رغم وفاتها عام 1961 فقامت وزارة الخزانة بإبلاغ ذلك إلى النائب العام بعد أن تحققت من ذلك وتبين لها أن المبالغ التي صرفت على ذمة هذا المعاش دون وجه حق قد بلغت 907 ج و511 م وقد جرى التحقيق بمعرفة النيابة العامة وتكشف عن الحقائق الآتية (أولاً) أن السيدة المرحومة خيرية محمد القطاوي وتفصيل اسمها الكامل خيرية محمد جرز القطاوي توفيت أثناء إقامتها بطنطا مع ابنها المتهم الأول عبد العزيز محمد عبد الله حماد (رائد شرطة) بتاريخ 18/ 6/ 1961 وعلى أثر ذلك قام ولداها المتهمان كلاهما بنقل جثمانها مساء في سيارة أجرة إلى بلدتها محلة منوف حيث قام ابن أخيها منير فهمي القطاوي بتجهيزها ودفنت في اليوم التالي بمقابر البلدة وقيدت بدفتر وفيات محلة منوف (ثانياً) أنه رغم علم المتهمين بعدم استحقاقها لمعاش من وزارة الخزانة فإن أحداً منهما لم يبلغ إدارة المعاشات بذلك بل سولت ميول المتهم الأول الإجرامية له أن يستمر في صرف هذا المعاش الذي كان يتولى صرفه لوالدته أثناء حياتها وعمد في سبيل ذلك إلى التزوير فطلب من أخيه المتهم الثاني أن يحرر شهادة بوجودها على قيد الحياة على النموذج الخاص بذلك، وهذه الشهادة من إجراءات استمرار صرف المعاش وتحرر في مواعيد دورية، وقام المتهمان بتقديمها إلى موظفين حسني النية لاعتمادها وأرسلاها بالبريد إلى وزارة الخزانة وقد تجدد هذا الإجراء سنوياً واستمر صرف المعاش إلى بنك مصر لحساب والدتهما بعد وفاتها حتى شهر فبراير سنة 1966 (ثالثاً) رسم المتهم الأول بعلم الثاني واشتراكه خطة ليتمكن من صرف المعاش دون أن يكشف أمره فكان يحرر شيكات أو أوامر صرف يوقع عليها بختم والدته المعتمد من البنك لإذن شخصية وهمية تدعى فاطمة محمد الجنايني ثم يوقع على ظهر الشيكات أو الأوامر الموجهة لبنك مصر طنطا ببصمة ختم منسوب إليها ثم يقوم هو أو المتهم الثاني بصرف الشيكات أو الأوامر بعد توقيعها بمعرفة شخصيتها بجوار بصمة ختمها وكانت عبارة "طرف الرائد عبد العزيز حماد أو أحمد شوقي حماد" ووظيفة كل منهما تحرر بجوار بصمتها أيضاً. (رابعاً) ثبت أن المتهم الأول باشتراكه مع الثاني وهما من الموظفين العموميين قد تمكنا بهذه الوسيلة من الاستيلاء على مبلغ 907 ج و511 م من أموال الدولة "وزارة الخزانة إدارة المعاشات". (خامساً) عندما شعر المتهمان بقرب تكشف جريمتهما عمداً إلى ارتكاب جريمة تزوير أخرى بقصد التخلص من آثار الجرائم السابقة فدبر المتهم الأول ذلك بأن اصطحب خادمة تعمل عنده من مدة طويلة وتدعى وحيدة محمد الجارحي وهي سيدة مسنة للعلاج عند طبيب صحة طنطا أكثر من مرة ثم توجه إليه مع المتهم الثاني يوم 19/ 3/ 1966 وأفهمه أولهما أن السيدة التي كان يعالجها قد توفيت وطلب إليه تحرير الاستمارة اللازمة لإثبات سبب وفاتها والتوقيع على شهادة بوفاتها وسببه وأملى عليه اسمها خيرية محمد القطاوي فأثبت الطبيب ذلك وذكر سبب وفاتها ومرضها ووقع الاستمارة والشهادة ثم توجه المتهمان بعد ذلك إلى مكتب صحة طنطا ووقع ثانيهما على بيانات الشهادة باعتباره المبلغ عن الوفاة وبناء على ذلك أثبت مكتب صحة طنطا واقعة وفاة والدتهما المذكورة بتاريخ 19/ 3/ 1966 (سادساً) أنه فضلاً عن اشتراك المتهمين في تزوير المحررات الرسمية (شهادات الوجود على قيد الحياة لوالدتهما بعد وفاتها) والعرفية (أوامر الصرف والشيكات التي تحمل ختم والدتهما بعد وفاتها) فإنهما قد استعملا هذه المحررات بتقديمها لوزارة الخزانة وصرف الشيكات والأوامر من بنك مصر بطنطا". وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق المتهمين أدلة مستمدة من اعتراف المتهم الثاني وأقوال مندوبي شياخات قسمي أول وثاني طنطا ومفتش صحة مركز طنطا وأقارب المتهمين وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي ونتيجة الاطلاع على دفتري وفيات محلة منوف وقسم ثاني طنطا وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن ورد عليه بقوله: "ومن حيث إن المتهم الأول أنكر ما نسب إليه وصمم طوال التحقيقات والجلسة على أن كافة الأوراق صحيحة وأن والدته توفيت في 19/ 3/ 1966 طبقاً لشهادة الوفاة الثابتة في هذا التاريخ بناء على تبليغ أخيه المتهم الثاني في ذلك التاريخ والثابتة بدفاتر صحة قسم ثاني طنطا تحت رقم 215 وقد ذهب كما ذهب الدفاع عنه إلى أن المتوفاة بناحية محلة منوف ليست والدته لأن هناك من تدعى خيرية محمد جرز القطاوي وعلل أقوال شقيقه المتهم الثاني بأن هذا الأخير مصاب بمرض عقلي فلا يؤخذ باعترافه بأن والدته توفيت سنة 1961 ولا ترى المحكمة في هذا الدفاع إلا منتهى التضليل ومحاولة إخفاء الحقائق الثابتة المعلومة لكافة أفراد عائلته وأقربهم صلة له ولا أدل على إمعان هذا المتهم في الإسفاف والإمعان في الباطل من أن أخاه المتهم الثاني قد اعترف صراحة بأن والداته هي التي توفيت في 18/ 6/ 1961 وأنه مع أخيه المتهم الأول هما اللذان توليا أمر نقل جثمانها وتشييع جنازتها ببلدة محلة منوف وإذ كان المتهم الأول قد بني دفاعه على هذا الأساس الباطل المنهار فإن كافة الاتهامات التي نسبت إليه تكون ثابتة في حقه بعد ذلك فضلاً عما قام على ثبوتها من الدلائل سالفة البيان وجدير بالذكر في هذا المقام أن المحكمة قد ناقشت المتهم الثاني بالجلسة فاعترف اعترافاً كاملاً مفصلاً بكل وعي وتعقل ونفى أنه مصاب بمرض عقلي وقال في هذا الشأن أنه كان في حالة نفسية سيئة بسبب انكشاف أمر جرائم أخيه ومجاراته فيها". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكانت المحكمة قد اطمأنت للأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها إلى أن والدة الطاعن قد توفيت في سنة 1961 وردت على دفاعه في هذا الشأن رداً سائغاً بما يفنده، واطمأنت إلى أقوال مندوبي الشياخات الذين قرروا أن الطاعن هو الذي قدم إليهم شهادات الوجود على قيد الحياة التي وقعوا عليها، كما اطمأنت إلى تقرير قسم أبحاث التزييف بمصلحة الطب الشرعي الذي أثبت أن الطاعن هو الكاتب لبيانات بعض الشيكات وأوامر الصرف وقد وقع عليها وجميعها تحمل بصمة ختم والدته وتواريخها تالية لتاريخ وفاتها، وكان الثابت من مراجعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر أي نعي على إجراءات المضاهاة ولم يتقدم بأي طلب في هذا الصدد، فإنه لا يكون له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى مما تستقل بتقديره ويتعين لذلك رفض الطعن موضوعاً.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو القصور والفساد في الاستدلال ذلك بأن الطاعن قد أسس دفاعه على أنه كان واقعاً تحت تأثير إكراه مادي وأدبي من أخيه المتهم الأول وثبت هذا الإكراه من أقوال الشهود غير أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع دون أن يناقش أقوال الشهود ورد عليه بما لا يبرر إطراحه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن بأنه كان واقعاً تحت إكراه أدبي ومادي من أخيه المتهم الأول فيما وقع منه من جرائم ورد عليه بقوله: "ومن حيث إن المتهم الثاني اعترف بما نسب إليه إلا أنه علل ما أنزلق إليه من جرائم بأنه كان واقعاً تحت إكراه أدبي ومادي من أخيه المتهم الأول وقد ذهب في ذلك إلى حد الادعاء بأن أخاه المتهم الأول قد هدده بمسدس ليجبره على التوجه معه إلى طبيب الصحة عهدي لبيب للحصول على شهادة بوفاتها نتيجة حالة مرضية وأنه أكرهه أيضاً على التوقيع على تبليغ صحة قسم ثان والتوقيع على دفتر الوفيات وأنه حصل على توقيعه على الشيكات دون أن يطلعه على مضمونها إذ كان يعرضها عليه من ظهرها للتظهير فقط ولا ترى المحكمة في ذلك علة ذلك إلا محاولة للدفاع لا تلتفت إليها فالمتهم الثاني هو الأخ الأكبر لأخيه المتهم الأول وهو رجل نال حظاً من الثقافة وموظف قديم بقسم قضايا الحكومة يدرك مسئولياته وليس من المقبول أن يقع تحت إكراه أدبي ومادي من أخيه يصل به إلى حد ارتكاب الجرائم لا شك هو عالم بعقوبتها ومداها اللهم إلا أن يكون ضالعاً وعامداً ما ارتكبه وهو ما تنبئ عنه مجريات التحقيق وما أسفر عنه من أنه قد حرر بنفسه بيانات شهادات الوجود على قيد الحياة المزورة لوالدته المتوفاة وصاحب أخاه للحصول على التصديق عليها أحياناً وأنه رغم علمه بوفاة والدته قد ظهر شيكات بعد وفاتها تحمل ختمها بمبالغ حصل عليها شخصياً بل إن دفاعه فى صدد الشيكات لا سند له فقد ثبت أنه حرر بيانات بعض هذه الشيكات بخطة الأمر الذي ينفي عرضها عليه من ظهرها كما يقول". لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، وكانت المحكمة قد اقتنعت للأدلة التي أوردتها في حكمها بأن الطاعن ضالع مع أخيه المتهم الأول فيما وقع منهما من جرائم، وردت على دفاعه رداً سائغاً بما يفنده، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة قاضي الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يستقل به بغير معقب ولا يجوز البحث فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.