أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 482

جلسة أول فبراير سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ إبراهيم خليل وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: مصطفى فاضل، ومحمود إسماعيل، وإسحاق عبد السيد، ومحمد عبد الرحمن المستشارين.

(160)
القضية رقم 1945 سنة 24 القضائية

دعوى مدنية. عدم قبولها أمام المحكمة الجنائية إلا من الشخص الذي أصابه ضرر شخصي مباشر من الجريمة. علة ذلك.
إن القانون إذ أجاز للمدعى بالحق المدني أن يطالب بتعويض ما لحقه من ضرر أمام المحكمة الجنائية، إما عن طريق تدخله في دعوى جنائية أقيمت فعلاً على المتهم، أو بالتجائه مباشرة إلى المحكمة المذكورة مطالباً بالتعويض ومحركاً للدعوى الجنائية، فإن هذه الإجازة إنما هي استثناء من أصلين مقررين حاصل أولهما أن المطالبة بمثل هذه الحقوق إنما تكون أمام المحاكم المدنية، ومؤدى ثانيهما أن تحريك الدعوى الجنائية إنما هو حق تمارسه النيابة العامة وحدها، ومن ثم يتعين عدم التوسع في الاستثناء المذكور، وقصره على الحالة التي يتوافر فيها الشرط الذي قصد الشارع أن يجعل الالتجاء إليه فيها منوطاً بتوافره، وهو أن يكون المدعى بالحق المدني هو الشخص الذي أصابه ضرر شخصي مباشر من الجريمة، وإلا كان من شأن إجازة هذا الحق لمن يحل محل المدعى بالحق المدني، أن يدخل استعماله في نطاق المساومات الفردية مما لا يتفق والنظام العام.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة علي عبد القادر سلامة (المطعون ضده) بأنه تسبب بغير قصد ولا تعمد في إصابة محمد مصطفى عزت بالإصابة المبينة بالتقرير الطبي، وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن تقهقر للخلف بسيارته دون احتراس، فمر على قدم المجني عليه الذي كان يقف بجوار السيارة وأحدث إصابته، وطلبت عقابه بالمادة 244 من قانون العقوبات. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة مينا البصل الجزئية، ادعت شركة إيسترن للتأمين بحق مدني وطلبت الحكم لها قبل المتهم بمبلغ 80 جنيهاً و778 مليماً على سبيل التعويض، كما دفع الحاضر مع المتهم بعدم قبولها لأنها دعوى ضمان، والمحكمة المذكورة أنهت سماع الدعوى وقضت حضورياً بحكمها الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 بعدم قبول الدعوى المدنية وإلزام رافعتها بالمصاريف، ثم حكمت حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه. فاستأنفت المدعية بالحقوق المدنية الحكم الصادر بعدم قبول دعواها ومحكمة الإسكندرية الابتدائية قضت حضورياً بقبوله شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وحملت المستأنفة بمصروفات استئنافها وبتاريخ 18 من مارس سنة 1954 طعن في الحكم الأخير بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم أخطأ في القانون إذ قضى بعدم قبول الدعوى المدنية بمقولة إنها دعوى ضمان ـ مع أن دعوى الضمان ترفع من مدين على مدين آخر في حين أن المطالبة من المدعين بالحق المدني الممثلين لشركة التأمين هي دعوى من دائن بحق دائن آخر، وقد أجاز قانون الإجراءات الجنائية هذه المطالبة لأنها بمثابة مساءلة المسئولين عن الحقوق المدنية عن فعل المتهم. هذا إلى أن القانون 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل أجاز لشركة التأمين أن تحل محل صاحب العمل في حقوقه متى دفعت قيمة التعويض، وعقد التأمين هو من عقود الاشتراط لمصلحة الغير فينشئ حقاً مباشراً بين المجني عليه وشركة التأمين، ولها حق المطالبة المباشرة لحلولها محل المجني عليه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بني قضاءه بعدم قبول تدخل شركة التأمين في المطالبة بحقوق المجني عليه المدعى بالحق المدني على أن هذه الدعوى " هي في حقيقتها دعوى ضمان لأن من مقتضى عقد التأمين أن تضمن شركة التأمين تعويض العمال المؤمنين لديها عن الأضرار التي تلحقهم، ومثل هذه الدعوى لا تكون مقبولة أمام المحاكم الجنائية طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 253 إجراءات، وترى المحكمة أن ذلك القيد قائم سواء أكانت الشركة مدعى عليها في الدعوى أم تدخلت فيها باختيارها، لأن الأساس الذي يبنى عليه اختصام شركة التأمين أو تدخلها إنما هو أساس تعاقدي مرده إلى عقد التأمين بينها وبين المجني عليه، وهو علاقة مدنية محضة لا رابطة بينها وبين الجريمة المسندة إلى المتهم على خلاف الأساس الذي ينبني عليه دعوى التعويض أمام المحاكم الجنائية، لأن هذا الأساس هو المسئولية التقصيرية الناشئة عن الجنحة أو شبه الجنحة ـ وأنه لا يجوز الاستناد إلى قانون إصابات العمل رقم 89 لسنة 1950، وما يجيزه هذا القانون من حلول المؤمن لديه محل العامل في حقوقه، لأنه مع التسليم بحق المؤمن لديه في هذا الحلول، فإن مجال ذلك يكون أمام المحاكم المدنية ".
وحيث إن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه صحيح لأن القانون إذ أجاز للمدعى بالحق المدني أن يطالب بتعويض ما لحقه من ضرر أمام المحكمة الجنائية، إما عن طريق تدخله في دعوى جنائية أقيمت فعلاً على المتهم، أو بالتجائه مباشرة إلى المحكمة المذكورة مطالباً بالتعويض، ومحركاً للدعوى الجنائية، فإن هذه الإجازة إنما هي استثناء من أصلين مقررين حاصل أولهما أن المطالبة بمثل هذه الحقوق إنما تكون أمام المحاكم المدنية، ومؤدى ثانيهما أن تحريك الدعوى الجنائية إنما هو حق تمارسه النيابة العامة وحدها، ومن ثم يتعين عدم التوسع في الاستثناء المذكور، وقصره على الحالة التي يتوافر فيها الشرط الذي قصد الشارع أن يجعل الالتجاء إليه فيها منوطاً بتوافره، وهو أن يكون المدعى بالحق المدني هو الشخص الذي أصابه ضرر شخصي مباشر من الجريمة ـ لما كان ذلك، وكان الشرط المشار إليه لا يتوافر في حالة دفع شركة التأمين التعويض المستحق للعامل، وحلولها محله في حق المطالبة به وكانت إجازة هذا الحق لها من شأنه أن يدخل استعماله في نطاق المساومات الفردية مما لا يتفق والنظام العام، فإن الحكم إذ قضى بعدم قبول تدخلها في الدعوى الجنائية المرفوعة عن الجريمة، لا يكون قد أخطأ في شيء.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.