أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 401

جلسة 31 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود عطيفه.

(87)
الطعن رقم 1991 لسنة 38 القضائية

(أ، ب، ج) دعوى جنائية. "تحريكها". "انقضاؤها بالحكم". إثبات. "قوة الأمر المقضي". حكم. "حجيته. التماس إعادة النظر".
(أ) مدى حجية الحكم الجنائي النهائي؟
(ب) حالة طلب إعادة النظر المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من المادة 441 إجراءات. نطاقها؟
(ج) للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية على متهم آخر بوصفه مساهماً مع المحكوم عليه في الجريمة التي صدر فيها الحكم بإدانته - سواء كان فاعلاً أو شريكاً - إلا أنه لا يجوز لها تجديد الدعوى قبل متهم آخر غير المحكوم عليه إذا أقامت الدعويين على أساس وحدة الفاعل بأن اتجهت في دعواها الأخيرة إلى إسناد الواقعة ذاتها إلى متهم جديد بدلاً ممن صدر الحكم بإدانته طالما بقى الحكم الأول قائماً يشهد بأن المحكوم عليه هو مرتكب الجريمة. لها طلب إلغاء الحكم الأول عن طريق التماس إعادة النظر طبقاً للمادة 441/ 5 إجراءات فإذا ما تم لها ذلك استعادت سلطتها في تحريك الدعوى الجنائية من جديد قبل المتهم الآخر.
(د) نقض. "سلطة محكمة النقض". مستشار الإحالة. أمر بألا وجه. دعوى جنائية. "تحريكها". بطلان. "بطلان أصلي".
لمحكمة النقض نقض الأمر المطعون فيه الصادر من مستشار الإحالة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى وتصحيحه على مقتضى القانون لمصلحة المتهمين. المادة 35/ 2 من القانون 57 لسنة 1959.
بطلان اتصال قضاء الإحالة بالدعوى بطلاناً أصلياً. وجوب القضاء بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني.
(هـ) دعوى جنائية. "انقضاؤها بمضي المدة". تقادم. "انقطاع التقادم".
الإجراءات القاطعة للتقادم الدعوى الجنائية؟
انقطاع التقادم عيني. امتداد أثره إلى جميع المتهمين في الدعوى ولو لم يكونوا طرفاً في تلك الإجراءات.
(و) جريمة. "الجريمة المستمرة". سلاح. ذخيرة. دعوى جنائية. "انقضاؤها بمضي المدة".
جريمة إحراز السلاح الناري والذخيرة. طبيعتها: مستمرة. بدء المدة المسقطة لانقضاء الدعوى الجنائية فيها من تاريخ انتهاء حالة الاستمرار.
1 - نص قانون الإجراءات الجنائية في المادة 455 منه على أنه: "لا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائياً بناء على ظهور أدلة جديدة أو بناء على تغيير الوصف القانوني للجريمة". فدل بذلك على أن حكم القضاء هو عنوان حقيقة أقوى من الحقيقة ذاتها، ومن ثم فلا يصح النيل منه إلا بالطعن فيه بالطريق المقرر لذلك في القانون على ما سجلته الفقرة الأخيرة من المادة 454 من القانون المشار إليه.
2 - أضافت الفقرة الخامسة من المادة 441 من قانون الإجراءات الجنائية إلى حالات طلب إعادة النظر حالة مستحدثة رؤى بها أن تكون سبيلاً احتياطياً لتدارك ما عساه أن يفلت من صور تتحاذى مع الحالات الأخرى الجائز إعادة النظر فيها ولا تنفك عنها، الأمر الذي دلت عليه المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الإجراءات الجنائية. وقد أجيز بمقتضى تلك الفقرة طلب إعادة النظر في الأحكام الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح. "إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه".
3 - مؤدى استصحاب سياسة التشريع مع القاعدة العامة التي أرشد الشارع إلى عناصرها بالأحكام الواردة بالفقرة الخامسة من المادة 441 والفقرة الأخيرة من المادة 454 والمادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن مقتضيات الحفاظ على قوة الأحكام واحترامها - التي تمليها المصلحة العامة - تفرض قيداً على سلطة النيابة العامة في تجديد الدعوى الجنائية بعد صدور حكم فيها بالإدانة، فهي وإن كان لها أن ترفع الدعوى الجنائية على متهم آخر بوصفه مساهماً مع المحكوم عليه في الجريمة التي صدر فيها الحكم بإدانته - سواء كان فاعلاً منضماً أو شريكاً - إلا أنه لا يجوز لها تجديد الدعوى قبل متهم آخر غير المحكوم عليه إذا أقامت الدعويين على أساس وحدة الفاعل بأن اتجهت في دعواها الأخيرة إلى إسناد الواقعة ذاتها إلى متهم جديد بدلاً ممن صدر الحكم بإدانته إذ يمتنع عليها في هذه الحالة تحريك دعواها الجديدة طالما بقي الحكم الأول قائماً يشهد بأن المحكوم عليه هو مرتكب الجريمة. وقد هيأت الفقرة الخامسة من المادة 441 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة البيان للنيابة العامة أن تطلب - عن طريق التماس إعادة النظر - إلغاء الحكم متى قدرت أن الوقائع الجديدة قد حسمت الأمر وقطعت بترتيب أثرها في ثبوت براءة المحكوم عليه، فإذا ما تم لها ذلك استعادت سلطتها في تحريك الدعوى الجنائية من جديد قبل المتهم الآخر. وبذلك يكون مجال تطبيق الفقرة الثانية من المادة المشار إليها مقصور على حالات الأخطاء الإجرائية التي لا ينكشف أمرها إلا بعد صدور حكمين متناقضين فلا يكون من سبيل إلى تداركها إلا عن هذا الطريق. أما ما أشارت إليه النيابة في طعنها من أنها كانت تسعى ابتداء إلى محاكمة الجاني الحقيقي في نظرها وكذلك شاهدي الزور حسب تصويرها بغية الحصول على حكمين متناقضين لتجرى في شأنهما نص الفقرة الثانية من المادة 441 سالفة الذكر، ما تقول به من ذلك لا يستقيم في التطبيق الصحيح للقانون بعد أن استحدثت الفقرة الخامسة من المادة المشار إليها التي لم يكن لها ما يقابلها في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى، فضلاً عما فيه من مساس ظاهر بالأحكام ومجلبة لتناقضها ومضيعة لقوتها وهيبتها التي حرص القانون دائماً على صونها مقرراً لها في سبيل ذلك من الضمانات والقيود ما يكفل تحقيق غرضه تغليباً له عما عداه من اعتبارات أخرى، ولا تعارض بين هذا النظر وبين القول بأن حجية الحكم نسبية الأثر، لأن المقام ليس مقام دفع بالحجية حتى يرد بتخلف شرط وحدة الخصوم وإنما هو مجال النظر في إتباع الطريق القانوني لتحريك الدعوى الجنائية في هذه الحالة.
4 - لمحكمة النقض نقض الأمر المطعون فيه الصادر من مستشار الإحالة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى وتصحيحه على مقتضى القانون لمصلحة المتهمين عملاً بالفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. ولما كان الأمر متعلقاً ببطلان أصلي شاب اتصال قضاء الإحالة بالدعوى الجنائية فإنه يتعين القضاء بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني وذلك بما تضمنته من تهم لا وجه لإلزام قضاء الإحالة الاجتزاء بأيها ما دامت قد سعت إليه جملة - باعتبارها مرتبطة ببعضها البعض - بإجراءات باطلة بطلاناً أصلياً.
5 - مفاد ما نصت عليه المادتان 17 و18 من قانون الإجراءات الجنائية أن المدة المسقطة للدعوى الجنائية تنقطع بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة يتم في الدعوى بمعرفة السلطة المنوط بها القيام بها سواء أجريت في مواجهة المتهم أو في غيبته وأن هذا الانقطاع عيني يمتد أثره إلى جميع المتهمين في الدعوى ولو لم يكونوا طرفاً في تلك الإجراءات.
6 - جريمة إحراز السلاح الناري المششخن والذخيرة بغير ترخيص من الجرائم المستمرة فلا تبدأ المدة المسقطة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية فيها بمضي المدة إلا من تاريخ انتهاء حالة الاستمرار.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم في خلال الفترة من 22 نوفمبر سنة 1956 حتى 2 نوفمبر سنة 1966 بدائرة مركز تلا محافظة المنوفية: المتهم الأول قتل مفتاح هليل العربي عمداً بأن أطلق عليه عدة أعيرة نارية من بندقية قاصداً من ذلك قتله فأصابته إحداها بالإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، كما أصاب المتهم الثالث سليمان محمد سليمان سيف الدين بالإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أن المتهم في نفس الزمان والمكان شرع في قتل إبراهيم عبد الرؤوف الشيخ وسليمان محمد سليمان سيف الدين عمداً بأن أطلق عليهما عدة أعيرة نارية قاصداً من ذلك قتلهما وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه وهو عدم إحكام الرماية الأمر المنطبق على الجناية المنصوص عليها في المواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات. والمتهمين الثاني والثالث: شهدا زورا على متهم في جناية وترتب على هذه الشهادة الحكم عليه وذلك بأن شهدا أمام جنايات شبين الكوم على خلاف الحقيقة بما يفيد أن محمد قطب أبو عوف نجم وآخرهما اللذان قتلا مفتاح هليل العربي وشرعا في قتلهما وترتب على هذه الشهادة صدور الحكم على المذكور بالأشغال الشاقة المؤبدة. والمتهمين الأول والرابع: (أولاً) أحرزا سلاحاً نارياً "بندقية مششخنة" بدون ترخيص (ثانياً) أحرزا ذخائر "طلقات" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً لهما في حيازته أو إحرازه. وطلبت إلى مستشار الإحالة بمحكمة شبين الكوم الابتدائية إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 234/ 1 - 4 من قانون العقوبات، 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين 546 لسنة 1954 و155 لسنة 1956 و75 لسنة 1958 والقسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث. والمواد 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين 546 لسنة 1954 و155 لسنة 1956 و75 لسنة 1958 والقسم الأول (ب) من الجدول رقم 3 المرافق بالنسبة إلى المتهم الرابع. ولدى نظر الدعوى أمام مستشار الإحالة دفع الحاضر عن المتهمين (أولاً) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى (ثانياً) عدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها (ثالثاً) عدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني. (رابعاً) بطلان إجراءات تقديم الدعوى إلى المحكمة. وبجلسة 18 من يناير سنة 1968 قضى مستشار الإحالة (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها (ثانياً) رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها من محكمة جنايات شبين الكوم بتاريخ 4 مايو سنة 1965 وبجواز نظرها وقبولها (ثالثاً) رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني وبقبولها (رابعاً) رفض الدفع ببطلان إجراءات تقديم الدعوى إلى المحكمة وبصحتها وقبول الدعوى (خامساً) وفي الموضوع - بألا وجه لإقامة الدعوى قبل المتهمين الأربعة لانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة وسقوط الاتهام تبعاً لذلك. فطعن المحامي العام أمام محكمة استئناف طنطا في هذا الأمر بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الأمر المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب حين قضى بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى قبل المطعون ضدهم الأربعة استناداً إلى مضى أكثر من عشر سنوات من تاريخ وقوع جريمة القتل المسندة إلى المطعون ضده الأول التي وقعت في 22 نوفمبر سنة 1956 دون أن تقطع بإجراء قاطع لتقادمها، ذلك بأن النيابة العامة كانت قد أجرت التحقيق في جرائم القتل العمد المقترن بالشروع في القتل وجريمة إحراز السلاح الناري المششخن والذخيرة بغير ترخيص في يوم وقوعها وانتهت إلى اتهام كل من محمد قطب أبو عوف نجم وشقيقه عبد العزيز وطلبت من "غرفة الاتهام" بمحكمة شبين الكوم الابتدائية إحالتهما إلى محكمة الجنايات، فقررت الغرفة ذلك في 2 من أكتوبر سنة 1957 ثم جرت محاكمة المتهمين المشار إليهما أمام محكمة الجنايات التي قضت حضورياً في 4 مايو سنة 1960 بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وببراءة المتهم الثاني، فقرر المحكوم عليه الطعن في الحكم بطريق النقض في 7 مايو سنة 1960. وقضت محكمة النقض في 11 ديسمبر سنة 1961 برفض الطعن ثم قدمت إدارة المباحث الجنائية العسكرية بلاغاً إلى النيابة العامة في 6 ديسمبر سنة 1966 بنتيجة تحرياتها في الحادث تضمن أن المطعون ضده الأول عبد الحافظ عبد الصمد أبو عوف الشهير بعبد الحكم هو الذي ارتكب جريمة القتل العمد والشروع في قتل المطعون ضده الثالث وإن اتهام المحكوم عليه محمد قطب أبو عوف وشقيقه إنما كان انتقاماً منه لخلافات سابقة وتولت النيابة العامة التحقيق في ذلك البلاغ بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1966 وانتهت إلى تقديم القضية إلى مستشار الإحالة بمحكمة شبين الكوم الابتدائية بوصف أن المطعون ضده الأول ارتكب جريمة القتل العمد المقترن بالشروع في قتل كل من المطعون ضده الثاني والثالث وأن هذين الأخيرين شهدا زوراً على المحكوم عليه محمد قطب أبو عوف نجم وأن المطعون ضدهما الأول والرابع أحرزا سلاحاً نارياً مششخناً وذخيرته بدون ترخيص ونظرت الدعوى أمام مستشار الإحالة بجلسة 10 ديسمبر سنة 1967 ثم أصدر أمره المطعون فيه بتاريخ 18 يناير 1968 وهذه الإجراءات كلها تقطع التقادم لما له من أثر عيني يمتد إلى جميع المتهمين في الدعوى ولو لم يكونوا أطرافا فيها، ذلك بأن كافة إجراءات التحقيق والمحاكمة التي اتخذت قبل المحكوم عليه محمد قطب أبو عوف نجم وشقيقه تقطع التقادم بالنسبة إلى المطعون ضده الأول وإن كان أمره لا ينكشف إلا بعد مضي عشر سنوات من تاريخ وقوع الجريمة وكذلك الحال بالنسبة إلى المطعون ضدهما الثاني والثالث لوقوع جناية الشهادة الزور المسندة إليهما في 20 مايو سنة 1960 - تاريخ جلسة محكمة الجنايات التي شهدا فيها زوراً وصدر الحكم بمعاقبة المحكوم عليه سالف الذكر بناء على تلك الشهادة - وبذلك فإن المدة المقررة لسقوط الحق في إقامة الدعوى الجنائية عن الجناية المشار إليها لم تكن قد انقضت وقت صدور الأمر المطعون فيه. كما أن جريمة إحراز السلاح الناري والذخيرة بغير ترخيص المسندة إلى المطعون ضده الرابع هي من الجرائم المستمرة ولا تبدأ المدة المقررة لسقوط الحق في إقامة الدعوى الجنائية عنها إلا من تاريخ انتهاء حالة الاستمرار وقد ثبت من الأوراق أن المطعون ضده المذكور قد أقر بالتحقيقات بحيازته للبندقية المضبوطة وأنه أرشد ضابط المباحث الجنائية العسكرية عن مكان إخفائها في حقله حيث تم ضبطها في حيازته في 20 نوفمبر سنة 1966 ولم تكن المدة المقررة للسقوط قد انقضت في تاريخ صدور الأمر المطعون فيه. هذا إلى أنه لم يفصل في شأن البندقية والذخيرة فضلاً عما تردى فيه من خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب حين تعرض للمناقشة الافتراضية للأدلة المقدمة في الدعوى وتعييبه لإجراءات التحقيق إطراحه اعترافات المطعون ضدهم بقالة صدورها عن طريق الإكراه والتعذيب وقعوده عن مناقشة أدلة الإدانة وتمحيصها مما يعيب الأمر المطعون فيه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن جناية القتل العمد المقترن بجنايتي الشروع في القتل العمد المسندة إلى المطعون ضده الأول قد وقعت في 22 نوفمبر سنة 1956 وباشرت النيابة العامة التحقيق في الحادث في هذا التاريخ واستمر التحقيق إلى أن أمرت بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1956 بتقديم القضية إلى "غرفة الاتهام" بالنسبة إلى محمد قطب أبو عوف نجم وعبد العزيز قطب أبو عوف نجم لإحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما عن هذه الجناية فأمرت الغرفة بذلك في 2 من أكتوبر سنة 1957 وقضت محكمة جنايات شبين الكوم بتاريخ 4 مايو سنة 1960 ببراءة عبد العزيز قطب أبو عوف نجم مما أسند إليه وبمعاقبة محمد قطب أبو عوف نجم بالأشغال الشاقة المؤبدة، فقرر هذا الأخير بالطعن في الحكم بطريق النقض في 7 مايو سنة 1960 وقضت محكمة النقض في 11 ديسمبر 1961 برفض طعنه ثم قدمت إدارة المباحث الجنائية العسكرية بلاغاً بتاريخ 6 ديسمبر سنة 1966 يتضمن أن تحرياتها قد دلت على أن المطعون ضده الأول هو الذي ارتكب الحادث وأنه احتفظ ببندقيته التي استعملها في الحادث إلى أن أخفاها لدى المطعون ضده الرابع في حقله حيث تم ضبطها بمعرفة المباحث الجنائية العسكرية يوم 20 نوفمبر سنة 1966 وأن اتهام محمد قطب أبو عوف نجم وشقيقه إنما كان بإيعاز من المطعون ضده الثاني وعائلته انتقاماً منهما لخلافات سابقة بينهم على قطعة أرض وبتاريخ 13 ديسمبر سنة 1966 باشرت النيابة العامة التحقيق وسألت فيه المطعون ضدهم ثم انتهت بتاريخ 27 فبراير سنة 1967 إلى إحالتهم إلى مستشار الإحالة لإحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمة الأول عن جناية القتل العمد المقترن بالشروع في القتل والثاني والثالث عن جناية الشهادة الزور على متهم في جناية وترتب عليها الحكم عليه والأول أيضاً والرابع عن إحراز سلاح ناري مششخن وذخائر بدون ترخيص ونظرت الدعوى أمام مستشار الإحالة بجلستي 19 سبتمبر سنة 1967 و10 ديسمبر سنة 1967 ثم أصدر أمره المطعون فيه بتاريخ 18 يناير 1968 انتهى فيه إلى عدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لانقضائها بمضي المدة بقوله ".. وثابت من الإطلاع على أوراق الدعوى أن تهمة القتل المنسوبة إلى المتهم الأول قد وقعت في 22 نوفمبر سنة 1956 وأن أو إجراء من إجراءات التحقيق والتي ينقطع بها سريان التقادم قبل النيابة العامة هو يوم 6 ديسمبر سنة 1966 إلا أن النيابة العامة رغم تقديم هذا البلاغ إليها في التاريخ المذكور لم تقم بسؤال غير استجواب المتهم الثاني وقامت بعدئذ بسؤال المتهم الأول في 31 ديسمبر سنة 1966 واستجواب المتهم الثالث في 3 يناير سنة 1967 والرابع 26 يناير سنة 1967 وبذلك تكون مدة سقوط الدعوى الجنائية قبل المتهمين الأربعة وتبلغ عشر سنوات ميلادية من يوم وقوع الجريمة وليس في الأوراق ما يفيد وجود أي إجراء من إجراءات الاتهام أو التحقيق أو المحاكمة أو إجراءات الاستدلال الموجهة إلى المتهمين قد تمت وبزوال ما تقدم من إجراءات قاطعة لمدة التقادم المسقط للدعوى الجنائية تكون مدة السقوط قد اكتملت وتزول الدعوى الجنائية ويزول الاتهام الملازم لها عن المتهمين جميعاً وأنه وإن كان خصوم الدعوى الحالية لم يدفع أحدهم الدعوى بمضي المدة ويطالب بانقضاء الدعوى الحالية تبعاً لذلك فإن هذا الأمر وهو القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية متعلق بالنظام العام وقد رتبه الشارع وألزم القضاء به لأنه مقرر للصالح العام وليس لمصلحة المتهم وتبعاً لذلك وفي ضوء ما تقدم وأخذاً بأن انقضاء الدعوى هو من النظام العام فإنه يكون للمحكمة بل وعليها ومن تلقاء نفسها أن تقضي بسقوط الدعوى الجنائية بمضي المدة ولو لم يطلبه المتهم كما سلف القول بل ولو تنازل عنه المتهم طالباً السير في الدعوى لإثبات براءته مثلاً وتأسيساً على ما تقدم ولتعلق هذا الأمر بالنظام العام يكون للمتهم أن يدفع الدعوى بالتقادم في أية حالة كانت عليها الدعوى بل ولأول مرة أمام محكمة النقض. ومن حيث إنه وفي ضوء ما تقدم يبين أن مدة التقادم المسقط للدعوى الجنائية قد توافرت شرائطه في هذه الدعوى وذلك لمضي أكثر من عشر سنوات على وقوع الجريمة المسندة إلى المتهمين الأربعة إذ حدثت واقعة القتل وما تلاها من جرائم كجريمة شهادة الزور المسندة إلى المتهمين الثاني والثالث وكذلك جريمة إحراز السلاح والذخيرة المسندة إلى المتهم الرابع قد حدثت بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1956 ولم توجه أية إجراءات من إجراءات الاتهام إلى المتهمين إلا في 6 ديسمبر سنة 1966 وذلك بالنسبة للمتهم الثاني حيث سألته النيابة عن التهمة واستجوبته ثم تم الإجراء القاطع للمدة بالنسبة للمتهم الأول في 31 ديسمبر سنة 1966 حيث استجوبته النيابة لأول مرة وبالنسبة للمتهم الثالث في 3 يناير سنة 1957 وبالنسبة للمتهم الرابع في 26 يناير سنة 1957 حيث استجوبتهما النيابة في هذا التاريخ ووجهت الاتهام إليهم وهذه الإجراءات القاطعة للمدة قد حدثت بعد تكامل مدة التقادم المسقط للدعوى الجنائية أما تاريخ العثور على البندقية في 20 نوفمبر سنة 1966 المستعملة في الحادث والتي استعملها المتهم الأول في قتل المجني عليه وفقاً لتحريات إدارة المباحث الجنائية وهو التاريخ الذي ركنت إليه النيابة في تحديد التاريخ في وصف التهمة والذي أوردته في تقرير الاتهام فهو تاريخ لا يعتبر الإجراء الحاصل فيه وهو ضبط البندقية إجراء قاطعاً للمدة لأنه لا يعدو أن يكون إجراء من إجراءات الاستدلال لم تتخذ في مواجهة أي من المتهمين بل ولم تعلم به النيابة العامة إلا في يوم 6 ديسمبر سنة 1966 وبذلك تقضي المادة 17 من قانون الإجراءات حيث قالت "تنقطع المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وكذلك بالأمر الجنائي أو بإجراءات الاستدلال إذا اتخذت في مواجهة المتهم أو إذا أخطر بها بوجه رسمي..." والتقرير بانقضاء الدعوى الجنائية هو أمر يمس النظام العام كما سلف القول وأنه وإن كان المتهمون لم يدفعوا به سهواً ولم تدفع به النيابة عمداً وهي الحفيظة على حسن تطبيق القانون فإن المحكمة تقوم احتراماً للنظام العام وأخذاً بنصوص القانون بالتقرير بانقضاء الدعوى الجنائية قبل المتهمين جميعاً لفوات مدة أكثر من عشر سنوات على وقوع الجريمة وهذا الأمر اعترفت به النيابة العامة في أوراق الدعوى بالنسبة لجريمتي التزوير والاستعمال المسندتين إلى الرائد بالمعاش محمد عبد الحليم موسى والذي كان ضابطاً لمباحث مركز تلا وقت وقوع حادث القتل موضوع هذه الدعوى وهو الذي دس البندقية المستعملة في الحادث على المتهم محمد قطب أبو عوف نجم وأخيه عبد العزيز لتلفيق الاتهام قبلهما كما جاء بتحريات إدارة المباحث الجنائية العسكرية.. وكان الواجب يقتضيها إعمال نصوص القانون في شأن المتهمين الأربعة وأن تأمر - وهذا من حقها - بانقضاء الدعوى الجنائية قبلهم أسوة بهذا الضابط وزميله بل إن المتهمين الأربعة أسبق تاريخاً في اكتمال مدة التقادم المسقط من الضابط وزميله لأن تهمة القتل وما تعلق بها من تهمة إحراز السلاح قد حدثت في 20 نوفمبر سنة 1956 أما محضر العثور على البندقية المستعملة في الحادث والذي حرزه الضابط آنف الذكر بمشاركة الشرطي المشار إليه فقد حصلت في 23 نوفمبر سنة 1956 وذلك لأن النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى العمومية والحفيظة على حسن سير القانون وتطبيقه وتبعاً لذلك يتعين التقرير بانقضاء الدعوى الجنائية على المتهمين الأربعة وسقوطها بمضي المدة. لما كان ذلك، وكان مفاد ما نصت عليه المادتان 17 و18 من قانون الإجراءات الجنائية أن المدة المسقطة للدعوى الجنائية تنقطع بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة يتم في الدعوى بمعرفة السلطة المنوط بها القيام بها سواء أجريت في مواجهة المتهم أو في غيبته وأن هذا الانقطاع عيني يمتد أثره إلى جميع المتهمين في الدعوى ولو لم يكونوا طرفاً في تلك الإجراءات. وكانت إجراءات التحقيق والاتهام والمحاكمة التي تمت في جريمة القتل المقترن المسندة إلى المطعون ضده الأول والتي اتخذت في مواجهة المحكوم عليه محمد قطب أبو عوف نجم وشقيقه تقطع مدة التقادم في حق المطعون ضده الأول ولم تنقض عليها عشر سنوات. وكانت جناية الشهادة الزور المسندة إلى المطعون ضدهما الثاني والثالث قد وقعت بتاريخ 20 مايو سنة 1960 - وهي تاريخ جلسة محكمة الجنايات التي شهدا فيها ضد محمد قطب أبو عوف نجم وشقيقه - كما أن جريمة إحراز السلاح الناري المششخن والذخيرة بغير ترخيص المسندة إلى المطعون ضده الرابع هي من الجرائم المستمرة فلا تبدأ المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية فيها بمضي المدة إلا من تاريخ انتهاء حالة الاستمرار وكان البين من الأوراق أن تاريخ ضبط السلاح وذخيرته هو 20 نوفمبر سنة 1966 وتلت ذلك إجراءات التحقيق. وكان مؤدى ما تقدم أن التقادم لم يلحق تلك الوقائع، فإن الأمر المطعون فيه إذ قضى على خلاف ذلك يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه في هذا الخصوص. أما ما تنعاه النيابة العامة على الأمر المطعون فيه فيما استطرد إليه من تزيد في مناقشة أدلة الدعوى فلا محل له ما دام لم يرتب على مناقشة تلك الأدلة أثراً فيما انتهى إليه قراراه.
وحيث إن الدفاع عن المطعون ضدهم سبق أن أثار في مرحلة الإحالة دفعا بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ونعى على إجراءات تحريك الدعوى المطروحة أن النيابة العامة لم تسلك طريق التماس إعادة النظر المرسوم في قانون الإجراءات الجنائية مما يصم تلك الإجراءات بالبطلان. وردد أمام هذه المحكمة - محكمة النقض - الدفع ببطلان إجراءات تحريك الدعوى تأسيساً على حصولها بغير الطريق القانوني. لما كان ذلك، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص في المادة 455 على أنه "لا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائياً بناء على ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة أو بناء على تغيير الوصف القانوني للجريمة" فدل بذلك على أن حكم القضاء هو عنوان حقيقة أقوى من الحقيقة ذاتها ومن ثم فلا يصح النيل منه إلا بالطعن فيه بالطريق المقرر لذلك في القانون على ما سجلته الفقرة الأخيرة من المادة 454 من القانون المشار إليه. وكانت الفقرة الخامسة من المادة 441 من ذلك القانون قد أضافت إلى حالات طلب إعادة النظر حالة مستحدثة رؤى بها أن تكون سبيلاً احتياطياً لتدارك ما عساه أن يفلت من صور تتحاذى مع الحالات الأخرى الجائز إعادة النظر فيها ولا تنفك عنها، الأمر الذي دلت عليه المذكرة الإيضاحية رقم 3 عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية. وقد أجيز بمقتضى تلك الفقرة طلب إعادة النظر في الأحكام الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح. "إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه" لما كان ذلك، وكان مؤدى استصحاب سياسة التشريع مع القاعدة العامة التي أرشد الشارع إلى عناصرها بالأحكام المتقدمة، أن مقتضيات الحفاظ على قوة الأحكام واحترامها - التي تمليها المصلحة العامة - تفرض قيداً على سلطة النيابة العامة في تجديد الدعوى الجنائية بعد صدور حكم فيها بالإدانة. فهي وإن كان لها أن ترفع الدعوى الجنائية على متهم آخر بوصفه مساهماً مع المحكوم عليه في الجريمة التي صدر فيها حكم بإدانته - سواء كان فاعلاً منضماً أو شريكاً - إلا أنه لا يجوز لها تجديد الدعوى قبل متهم آخر غير المحكوم عليه إذا أقامت الدعويين على أساس وحدة الفاعل بأن اتجهت في دعواها الأخيرة إلى إسناد الواقعة ذاتها إلى متهم جديد بدلاً ممن صدر الحكم بإدانته إذ يمتنع عليها في هذه الحالة تحريك دعواها الجديدة طالما بقي الحكم الأول قائما يشهد بأن المحكوم عليه هو مرتكب الجريمة. وقد هيأت الفقرة الخامسة من المادة 441 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة البيان للنيابة العامة أن تطلب - عن طريق التماس إعادة النظر - إلغاء الحكم متى قدرت أن الوقائع الجديدة قد حسمت الأمر وقطعت بترتيب أثرها في ثبوت براءة المحكوم عليه، فإذا ما تم لها ذلك، استعادت سلطتها في تحريك الدعوى الجنائية من جديد قبل المتهم الآخر، وبذلك يكون مجال تطبيق الفقرة الثانية من المادة المشار إليها مقصور على حالات الأخطاء الإجرائية التي لا ينكشف أمرها إلا بعد صدور حكمين متناقضين فلا يكون من سبيل إلى تداركها إلا عن هذا الطريق. أما ما أشارت إليه الطاعنة في طعنها من أنها كانت تسعى ابتداء إلى محاكمة الجاني الحقيقي في نظرها وكذلك شاهدي الزور حسب تصويرها بغية الحصول على حكمين متناقضين لتجري في شأنهما نص الفقرة الثانية من المادة 441 سالفة الذكر ما تقول به من ذلك لا يستقيم في التطبيق الصحيح للقانون بعد أن استحدثت الفقرة الخامسة من المادة المشار إليها التي لم يكن لها ما يقابلها في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغي، فضلاً عما فيه من مساس ظاهر بالأحكام ومجلبة لتناقضها ومضيعة لقوتها وهيبتها التي يحرص القانون دائماً على صونها مقرراً لها في سبيل ذلك من الضمانات والقيود ما يكفل تحقيق غرضه تغليباً له عما عداه من اعتبارات أخرى ولا تعارض بين هذا النظر وبين القول بأن حجية الحكم نسبية الأثر، لأن المقام ليس مقام دفع بالحجية حتى يرد بتخلف شرط وحدة الخصوم وإنما هو مجال النظر في إتباع الطريق القانوني لتحريك الدعوى الجنائية في هذه الحالة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الأمر المطعون فيه وتصحيحه على مقتضى القانون لمصلحة المتهمين - عملاً بالفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - لتعلق الأمر ببطلان أصلي شاب اتصال قضاء الإحالة بالدعوى، والقضاء بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها بغير الطريق القانوني وذلك بما تضمنته من تهم لا وجه لإلزام قضاء الإحالة الاجتزاء بأيها ما دامت قد سعت إليه جملة - باعتبارها مرتبطة ببعضها البعض - بإجراءات باطلة بطلاناً أصلياً.