أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 9 - صـ 494

جلسة 15 من مايو سنة 1958

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي المستشارين.

(59)
طعن رقم 214 سنة 24 ق

تسجيل. بيع "تزاحم المشترين". تصرف البائع في العقار المبيع بالبيع إلى مشتر ثان. قيام كل من المشتريين برفع دعوى صحة تعاقد وتسجيلهما الصحيفتين في يوم واحد وساعة واحدة ثم قيام كل منهما بتسجيل حكم صحة التعاقد الصادر له. العبرة في المفاضلة بأسبقية رقم تسجيل صحيفة الدعوى.
إذا كان البائع قد تصرف في العقار المبيع إلى مشتر ثان وأقام كل من المشتريين دعوى بطلب صحة التعاقد عن البيع الصادر له وسجلت الصحيفتان في يوم واحد وساعة واحدة ثم سجل كل منهما حكم صحة التعاقد الصادر له فإن السابق واللاحق في التسجيل يتعين حتماً بأسبقية الرقم في تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد إذ أن الشارع قد عني بوضع نظام لطلبات تسجيل المحررات ولم يترك الأمر فيه لمحض الصدفة نظراً لما يترتب على أسبقية التسجيل من أثر في المفاضلة بين المتنازعين على ملكية عقار واحد. ذلك أنه بمقتضى القانونين رقمي 18 و19 لسنة 1923 لا تنتقل الملكية من البائع للمشتري إلا بتسجيل التصرف المنشئ للملكية - وهو عقد البيع - فإذا لم يحصل التسجيل فإن الملكية تبقى على ذمة المتصرف حتى ينقلها التسجيل ذاته للمتصرف إليه. كما أن تسجيل حكم إثبات التعاقد يحدث نفس الأثر الذي يحدثه تسجيل عقد البيع باعتبار أن الحكم بإثبات التعاقد إنما هو تنفيذ عيني لالتزام البائع بنقل الملكية وتسجيل صحيفة تلك الدعوى باعتبارها منطوية تحت دعاوى الاستحقاق الوارد ذكرها بالمادة السابعة من قانون التسجيل يحفظ لرافعها حقوقه من تاريخ حصوله بحيث إنه متى حكم له بطلباته فإن الحق الذي قرره الحكم ينسحب إلى يوم تسجيل العريضة - إذا كان قد تأشر بهذا الحكم طبقاً للقانون - دون أن يتأثر بما يصدر بعد ذلك من البائع من تصرفات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعن بصفته ولياً على أولاده اشترى من المطعون عليه الأول - بمقتضى عقد تاريخه 23/ 10/ 1940 فدانين بحوض الخمسين رقم 12 - قطعة رقم 3 شائعة في 3 س 12 ط 42 ف بزمام البيضية مركز ملوي بثمن قدره 520 جنيهاً ثم باع المطعون عليه الأول نفس هذا القدر ضمن 6 س 18 ط 6 ف إلى من يدعى بطرس شحاته بعقدين مؤرخين 19 من أبريل سنة 1941، أول يونيه سنة 1941 - وأقام الطاعن الدعوى رقم 4353 سنة 1941 مدني ملوي بصحيفة سجلت في 27/ 8/ 1941 رقم 757 بطلب إثبات صحة التعاقد عن ذلك البيع - كما أقام بطرس شحاته الدعوى رقم 252 سنة 1941 كلي المنيا بصحيفة سجلت في 27/ 8/ 1941 تحت رقم 758 - وانتهت هذه الدعوى بالصلح بين رافعها والمطعون عليه الأول - على موافقة هذا الأخير على إثبات صحة التعاقد عن 6 ط، 6 ف الموضحة بكشف التحديد - وبتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1941 صدقت المحكمة على محضر الصلح المقدم وجعله في قوة سند واجب التنفيذ - ثم رفعت المطعون عليها الرابعة دعوى شفعة ضد بطرس شحاته والمطعون عليه الأول وطلبت فيها الحكم بأحقيتها لأخذ العقار المبيع من المطعون عليه الأول بطرس شحاته بالشفعة - وقيدت هذه الدعوى بمحكمة المنيا الابتدائية برقم 114 لسنة 1942 كلي المنيا - وقضى من تلك المحكمة في 18 من أبريل سنة 1943 برفض الدعوى واستأنفت المطعون عليها الرابعة هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف المقيد بجدولها برقم 949 لسنة 60 ق، فقضى في 23 من نوفمبر سنة 1944 بإلغاء الحكم المستأنف وأحقية المطعون عليها الرابعة للشفعة في ذلك القدر من الأطيان وبتاريخ 30 من سبتمبر سنة 1948 تنازلت المطعون عليها الرابعة إلى المطعون عليه الثاني بطريق البيع عن أربعة أفدنة منها - وسجل هذا العقد في 8/ 12/ 1948 وبتاريخ 24 من مارس سنة 1950 أقام الطاعن الدعوى رقم 65 لسنة 1950 كلي المنيا - على المطعون عليهم طالباً بصحيفتها الحكم بتثبيت ملكيته بصفته المذكورة إلى الـ2 ف المبينة الحدود والمعالم بالصحيفة ومنع منازعة المدعى عليهم له فيها وتسليمها إليه مع إلزامهم جميعاً متضامنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وورد في وقائعها أنه سجل في المحكمة الشرعية حكم صحة التعاقد الصادر له في 6/ 6/ 1942 - كما أن بطرس شحاته سجل في المحكمة الشرعية محضر الصلح الذي أقر له فيه المطعون عليه بما طلبه من صحة التعاقد عن الأطيان المبيعة وله والتي يدخل فيها الفدانان المبيعان له بتاريخ 16/ 11/ 1941. وفي 29/ 3/ 1952 قضت محكمة المنيا الابتدائية برفض دعوى الطاعن مع إلزامه بمصاريفها و500 قرش أتعاباً للمحاماة (للمطعون عليه الثاني). فاستأنف الطاعن هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 513 لسنة 69 ق - بصحيفة أعلنها للمطعون عليهم في 4 و5 و10/ 6/ 1952 وطلب الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم له بطلباته الموضحة بصحيفة الدعوى الابتدائية مع إلزام المطعون عليهم متضامنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 19 من يناير سنة 1954 قضت محكمة استئناف القاهرة بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف (الطاعن) بالمصاريف و600 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمطعون عليهما الثاني والرابعة. وبتاريخ 15 من يونيه سنة 1954 قرر الطاعن الطعن بالنقض في هذا الحكم - وبعد استيفاء إجراءاته قدمت النيابة مذكرة بوجهة نظرها رأت فيها قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع نقض الحكم المطعون فيه، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة أول أبريل سنة 1958 وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها. وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة أول مايو سنة 1958 وفيها دفع المطعون عليه الثاني ببطلان إعلان الطعن للمطعون عليه الأول بنيابة ملوي قولاً منه بأنه كان يتعين على الطاعن قبل تسليم صورة الإعلان إلى النيابة أن يتحرى عن موطن المطعون عليه الأول فيلعنه فيه بعد إذ تبين أنه لا يقيم في الموطن الذي وجه له فيه إعلان الطعن فلا يلجأ إلى تسليم صورة الإعلان للنيابة إلا بعد بذل الجهد والسعي إليه في الموطن الذي اتخذه لنفسه، وتعذر الاهتداء إلى هذا الموطن، وقد أبدت النيابة رأيها في الطعن بالتصميم على ما جاء بمذكرتها المشار إليها آنفاً. وفي هذا الدفع بطلب رفضه موضحة أنه لا مصلحة للمطعون عليه الثاني في إبدائه.
وحيث إن الدفع المبدي من المطعون عليه الثاني ببطلان إعلان المطعون عليه الأول غير مقبول. إذ فضلاً عن أنه لا يبين من الوقائع السالف إيرادها أن له مصلحة في إبدائه - فإنه لم يسبق له أن تمسك به في المذكرة المقدمة منه في الطعن - كما أن بطلان الإعلان في صورة الوقائع الماثلة في الطعن الحالي - بفرض وجوده - ليس من النظام العام.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فيتعين قبوله شكلاً.
وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه - خطأه في القانون - وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه لما أقام دعواه بصحة التعاقد عن عقد البيع الصادر له من المطعون عليه الأول سجل صحيفتها برقم 757 كما سجل الحكم الصادر له بصحة التعاقد - ولئن كان بطرس شحاته قد سجل هو الآخر صحيفة دعوى صحة التعاقد المرفوعة منه عن عقد البيع الصادر له من نفس البائع (وهو المطعون عليه الأول) ثم سجل حكم صحة التعاقد الصادر له أيضاً - إلا أنه يتعين الاعتداد في هذا الخصوص - لا بأسبقية تسجيل حكم صحة التعاقد - بل الأسبقية في تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد - ويتعين أيضاً الاعتداد في هذه الأسبقية - بالرقم - إذ السابق برقمه يعتبر سابقاً في التسجيل على صاحب الرقم الآخر - ولكن الحكم المطعون فيه جانب هذا النظر وأهدر أثر أسبقية تسجيل صحيفة دعواه - قائلاً إنه ما دامت الصحيفتان قد سجلتا في يوم واحد وساعة واحدة فإنه لا وجه للمفاضلة بينهما إلا لمن يكون أسبق منهما بتسجيل حكم صحة التعاقد الصادر له. وعلى هذا الأساس الخاطئ المخالف لأحكام قانون التسجيل قضى برفض دعوى الطاعن تأسيساً على أن بطرس شحاته كان أسبق من الطاعن تسجيلاً لحكم صحة التعاقد الصادر له وأنه لذلك تكون ملكية الفدانين موضوع الدعوى قد انتقلت له دون الطاعن.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه - أنه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على ما أورده في أسبابه من قوله: "وحيث إنه تبين من الاطلاع على عريضتي الدعويين رقمي 252 لسنة 1941 كلي المنيا، 4353 لسنة 1941 ملوي أنهما قدمتا لمكتب التسجيل في 27/ 8/ 1941 في الساعة الحادية عشرة والدقيقة العاشرة أي في يوم واحد وساعة واحدة ودقيقة واحدة بحيث يتعذر تعيين أسبقية زمنية بينهما وهي التي يعول عليها الشارع في الأفضلية في التسجيل، وقد تكون النمرة التي أصابت عريضة المستأنف (الطاعن) وكونها أسبق من عريضة بطرس شحاته مرجعها إلى محض الصدفة إذ يحتمل عندما توضع العقود والعرائض أمام الكاتب المختص أن تكون النمرة السابقة من نصيب الورقة الموضوعة أمامه أخيراً - وما دام أن الثابت أن العريضتين قدمتا في وقت واحد فكان يتعين قيدها تحت رقم واحد ويعتبر العريضتان في واقع الأمر في مرتبة واحدة ولا يترتب على نموها الترتيبية تقدم إحداهما البتة على الأخرى وتنتقل الملكية لأيهما أسبق تسجيلاً للحكم الصادر له بإثبات التعاقد فلا يجد من يصدر له الحكم أخيراً شيئاً في ملكية البائع حتى ينقله باسمه فيصبح عقده وعريضة دعواه معدومتي الأثر القانوني بالنسبة للمشتري الآخر. والثابت من الأوراق أن الحكم الصادر لبطرس شحاته تسجل قبل الحكم الذي يتمسك به المستأنف (الطاعن) وبذا تكون الملكية قد انتقلت لبطرس شحاته أولاً ولم يعد في ملكية البائع شيء من القدر الذي باعه للمستأنف (الطاعن)". وفي التأسيس على هذا النظر مخالفة للقانون - ذلك أنه بعد صدور القوانين رقمي 18، 19 لسنة 1923 الخاصين بالتسجيل أصدر وزير الحقانية في 12 من يوليه سنة 1923 قراراً بشأن إمساك دفاتر التسجيل وإنشاء مأموريات لأقلام الرهون المختلطة - وفي 2 من أكتوبر سنة 1929 أصدر قراراً جعل به النظام الذي يعمل به أمام المحاكم الشرعية فيما يتعلق بإمساك دفاتر التسجيل بها متفقاً مع النظام المبين بقرار 12 من يوليه سنة 1923 سالف الذكر لتوحيد نظام التسجيل في جميع جهات التقاضي - ثم صدر المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها معدلاً لنظام التسجيل بالمحاكم الشرعية بما يوافق قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 والتعليمات الصادرة بشأنه للمحاكم الشرعية في 2 من أكتوبر سنة 1929. وقد نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى من قرار 12 من يوليه سنة 1923 على أن: "جميع المحررات واجبة التسجيل بما فيها الأحكام وقوائم التسجيلات العقارية تقدم لقلم الرهون بالمحاكم المختلطة من نسخة أصلية أو أكثر محررة بالمداد الأسود على ورق خاص يطلب من المصلحة على نفقة الطالب". ونص بالفقرة الثانية من تلك المادة على أن: "توضع على النسخة الأصلية أو على كل نسخة من النسخ الأصلية نمرة متتابعة تدل على ترتيبها بحسب تقديمها من تاريخ اليوم وبيان ساعة القيد في دفتر للعرائض ويوقع عليها كاتب المحكمة". ونص في الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة الثانية من هذا القرار على أن: "توضع النسخة الأصلية أو نسخة من النسخ الأصلية داخل ملف وتحفظ بقلم الرهون". وعلى أن: "تحل هذه الملفات محل دفاتر التسجيل الحالية". أما دفتر العرائض المشار إليه فيما سلف فهو ما نصت عليه المادة 751 من القانون المدني المختلط وقد ورد بها: "ويكون تحت يد الكاتب المذكور دفتر آخر منمر الصحائف وعلى كل منها علامة - كما سبق ذكره - يقيد فيه بيان سندات العقود أو القوائم المطلوب تسجيلها عند تسليمها إليه الأول فالأول" - وتتفق نصوص قرار 2 من أكتوبر سنة 1929 - والمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 - في جوهرها - مع ما قصد إليه الشارع من بيان الإجراءات الخاصة بالتسجيل وتوحيد نمطها في جهات التسجيل المختلفة على النحو السالف الذكر. ويستفاد مما تقدم أن طلبات تسجيل المحررات تقدم إلى كاتب المحكمة فيقيدها في دفتر العرائض عند تسليمها إليه الأول فالأول. وأن التسجيل يتم بأن توضع نمرة متتابعة - على النسخة الأصلية - تدل على ترتيبها بحسب تقديمها، مع تاريخ اليوم وبيان ساعة القيد في دفتر العرائض. وفي ذلك جميعه ما يفيد أن السابق واللاحق في التسجيل يتعين حتماً بأسبقية الرقم وقد عني الشارع بوضع هذا النظام ولم يترك الأمر فيه لمحض الصدفة نظراً لما يترتب على أسبقية التسجيل من أثر في المفاضلة بين المتنازعين على ملكية عقار واحد - ذلك أنه بمقتضى القانونين رقمي 18، 19 لسنة 1923 لا تنتقل الملكية من البائع للمشتري إلا بتسجيل التصرف المنشئ للملكية - وهو عقد البيع - فإذا لم يحصل التسجيل فإن الملكية تبقى على ذمة المتصرف حتى ينقلها التسجيل ذاته للمتصرف إليه. كما أن تسجيل حكم إثبات التعاقد يحدث نفس الأثر الذي يحدثه تسجيل عقد البيع باعتبار أن الحكم بإثبات التعاقد إنما هو تنفيذ عيني لالتزام البائع بنقل الملكية - وتسجيل صحيفة تلك الدعوى - باعتبارها منطوية تحت دعاوى الاستحقاق الوارد ذكرها بالمادة السابعة من قانون التسجيل يحفظ لرافعها حقوقه من تاريخ حصوله بحيث إنه متى حكم له بطلباته فإن الحق الذي قرره الحكم ينسحب إلى يوم تسجيل العريضة "إذا كان قد تأشر بهذا الحكم طبقاً للقانون" دون أن يتأثر بما يصدر بعد ذلك من البائع من تصرفات. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد جانب هذا النظر وأهدر ما تمسك به الطاعن من أسبقية في تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد المرفوعة منه - فقد كان لهذا النظر الخاطئ أثره في قضاء الحكم المطعون فيه مما يتعين معه نقضه.