أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 414

جلسة 31 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي.

(88)
الطعن رقم 2029 لسنة 38 القضائية

(أ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "بوجه عام". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". رشوة.
إثارة الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام النقض. غير مقبولة.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول. مثال لاستناد الحكم على ما شهد به شاهد عما ورد بتسجيل لمناقشة بينه وبين المتهم، دون سماع المحكمة لهذا التسجيل أو إيراد فحواه.
(ب) رشوة. موانع العقاب. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اقتصار الإعفاء الوارد في المادة 107 مكرراً عقوبات على الراشي والوسيط دون المرتشي.
(ج، د) اشتراك. عقوبة "العقوبة المبررة". جريمة. رشوة. اختلاس أموال أميرية. تزوير. "أوراق رسمية". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". ارتباط.
(ج) تحقق الاشتراك بطريق الاتفاق. باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه.
(د) قصور الحكم في التدليل على الاشتراك في جريمتي الاشتراك في الاختلاس والتزوير. عدم جدوى النعي به من المتهم ما دامت المحكمة قد عاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الرشوة التي أثبتها في حقه.
(هـ، و) إثبات. "إثبات. بوجه عام". "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(هـ) إقامة الحكم قضاءه على ما له مأخذه الصحيح من الأوراق. انحسار عيب الخطأ في الإسناد عنه.
(و) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
1 - إذا كان المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً عن تسجيل المناقشة التي دارت بين الطاعن والشاهد عضو الرقابة الإدارية ولا عما نقله هذا الشاهد عن التسجيل المذكور أو يطلب إعادة سماع هذا التسجيل، فإن ما يثيره الطاعن من النعي على الحكم عدم إيراد مؤدى تلك المناقشة المسجلة والاقتصار على إيراد نتيجتها دون الاستماع إليها لا يكون له محل، إذ ليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها، ولا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - أن المشرع في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد منح الإعفاء الوارد بها للراشي باعتباره طرفاً في الجريمة، ولكل من يصح وصفه بأنه وسيط فيها - سواء كان يعمل من جانب الراشي وهو الطالب، أو يعمل من جانب المرتشي وهو ما يتصور وقوعه أحياناً - دون أن يمتد الإعفاء للمرتشي، وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن يوفر في حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشياً - وليس وسيطاً - فإن ما يثيره الطاعن من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 107 مكرراً عقوبات لا يكون له وجه.
3 - يكفي لتحقق الاشتراك بطريق الاتفاق، إتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه.
4 - لا جدوى للطاعن من نعيه على الحكم بالقصور في التدليل على اشتراكه في جريمتي الاشتراك في الاختلاس والتزوير ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 عقوبات وعاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الرشوة التي أثبتها الحكم في حقه.
5 - متى كان الثابت من المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - صحة ما نسبه الحكم للطاعن من اعتراف بالتوقيع على إذن الصرف، فإن ما يثيره من قالة الخطأ في الإسناد في هذا الصدد يكون على غير أساس.
6 - لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، يستوي في ذلك الأدلة المباشرة أو غيرها من طرق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سائغاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن (المتهم الثاني) مع آخر بأنهما في يوم 13 فبراير سنة 1967 بدائرة قسم العطارين محافظة الإسكندرية: المتهم الأول (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع "ملاحظ بقسم الأقاليم بمنطقة تليفونات الإسكندرية" اختلس المهمات المبينة بالمحضر والبالغ قيمتها 55 ج و626 م والمملوكة لهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية والمسلمة إليه بسبب وظيفته وبهذه الصفة. (ثانياً) بصفته موظفاً عمومياً أخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن قبل من المتهم الثاني مبلغ 10ج (عشرة جنيهات) على سبيل الرشوة نظير اختلاسه بعض المهمات الموجودة في عهدته وتركيبها في أعمال لم يؤذن بها (ثالثاً) بصفته موظفاً عمومياً ارتكب تزويراً في محرر رسمي وهو إذن الإفراج عن المهمات المصلحية رقم 356500 حال تحريره المختص بوظيفته بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أثبت فيه على غير الحقيقة استلامه المهمات الموضحة به لتنفيذ العملية 56 شبه حكومية (رابعاً) أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدراً "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً المتهم الثاني (الطاعن) (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً مساعد مهندس بإدارة التفتيش الهندسي طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من رمضان أبو العينين ملاحظ تليفونات بهيئة تنمية الأراضي مبلغاً من المال ليقوم بنقل سويتش القرية الرابعة بمنطقة أبيس ولتنفيذ الأشغال الأخرى المبينة بالتحقيق دون علم المسئولين بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية وأخذ منه مائة جنيه على سبيل الرشوة (ثانياً) اشترك مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة اختلاس مهمات هيئة المواصلات سالفة الذكر بطريقي الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معه على ارتكابها وتوجه إلى المخزن الذي يعمل به وعاونه في إعداد المهمات المختلسة وفي نقلها خارج المخزن فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة: (ثالثاً) اشترك مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في المحرر سالف الذكر بأن اتفق معه وحرضه على تزويره وساعده على ذلك بأن وقع عليه بتوقيع نسبه زوراً إلى المهندس المختص بقسم الأقاليم فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق والتحريض وتلك المساعدة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و103 و104 و112/ 1 - 2 و118 و119 و212 و213 من قانون العقوبات والمتهم الأول أيضاً بالمواد 1 و2 و37/ 1 و42 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 فقرر بذلك. ومحكمة جنايات إسكندرية قضت في الدعوى حضورياً للثاني وغيابياً للأول عملاً بالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و103 و104 و112/ 1 – 2 و119 و111 و212 و213 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و37/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول المرافق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن مدة ثلاث سنوات وعزل كل منهما وتغريم كل منهما 500 ج (خمسمائة جنيه) (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المخدر المضبوط وذلك عن جريمة إحراز المخدر. فطعن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الرشوة والاشتراك في الاختلاس والتزوير قد شابه قصور في التسبيب وخالف الثابت في الأوراق وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه لم يدلل على اشتراك الطاعن في جريمتي الاختلاس والتزوير ولم يورد الدليل على ما خلص إليه من أن المهمات قد ضبطت في حيازته وأنه استعان على صرفها بإذن الصرف المزور إذ لم يرد بأقوال الشهود على نحو ما حصلها الحكم ما يفيد ذلك، هذا إلى أنه نسب إليه أنه اعترف - على خلاف الثابت بالأوراق - بالتوقيع على إذن الصرف. كما استند الحكم إلى المحادثات التليفونية والمناقشة التي دارت بين الشاهد الأول والطاعن والتي كانت قد سجلت دون أن يورد مؤداها واقتصر على إثبات نتيجتها دون الاستماع إليها مع أنها تخالف ما خلص إليه الحكم، وأخيراً فإن الطاعن إذ اعترف بتسلمه مبلغ الرشوة كوسيط لدفع جزء منه للمحكوم عليه الأول والباقي لموظف قلم العقود فإنه كان يتعين إزاء اعترافه إعفاؤه من العقاب عملاً بالمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجرائم الرشوة والاشتراك في الاختلاس والتزوير التي دين الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة لها أصلها الثابت الصحيح بالأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين صورة اشتراك الطاعن مع المحكوم عليه الأول في جريمتي الاختلاس والتزوير بطريقي الاتفاق والمساعدة بما مؤداه بأنه اتفق معه تليفونياً على ذلك ثم توجه إلى المخازن عهدة المتهم الأول حيث قابله ودفع له حصته المتفق عليها من مبلغ الرشوة وساعده في نقل المهمات موضوع الاختلاس إلى السيارة التي كان يستقلها والمعدة لحملها والتي كان يقودها أحد أعضاء الرقابة الإدارية تخفى في زي سائق وذلك بعد أن وقع للمتهم الأول على إذن الصرف بتوقيع مزور وساق للتدليل على ذلك أقوال الشاهد الأول ورجال الرقابة الإدارية وضبطهم للطاعن وزميله وفي حيازتهما المهمات المختلسة ومبلغ الرشوة وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما خلص إليه الحكم، ذلك بأنه يكفي إتحاد نية أطراف الاتفاق على ارتكاب الفعل المتفق عليه لتحقق الاشتراك، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الثابت من المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - صحة ما نسبه الحكم للطاعن من اعتراف بالتوقيع على إذن الصرف، فإن ما يثيره من قالة الخطأ في الإسناد يكون على غير أساس، على أنه لا جدوى للطاعن من نعيه على الحكم بالقصور في التدليل على اشتراكه في جريمتي الاشتراك في الاختلاس والتزوير ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 عقوبات وعاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الرشوة التي أثبتها الحكم في حقه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مؤدى تسجيل المناقشة التي دارت بين الطاعن والشاهد الأول وكذلك المحادثة التليفونية التي تمت بينهما وحصلها بأن الطاعن طلب منه على سبيل الرشوة مبلغ أربعين جنيهاً لنقل مركز تليفون مؤسسة تنمية الأراضي ومبلغ ستين جنيهاً لتغيير اللوحة الخاصة به، وكانت شهادة السيد/ أحمد منير محرم عضو الرقابة الإدارية بالجلسة قد تضمنت فحوى هذه التسجيلات التي استمع إليها على الصورة التي أوردها الحكم، وكان المدافع عن الطاعن - على ما يبين من الإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة - لم يثر شيئاً عن هذا التسجيل أو ما نقله عنه الشاهد أو يطلب إعادة سماعه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل إذ ليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها، ولا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بوصفه مرتشياً، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها يستوي في ذلك الأدلة المباشرة أو غيرها من طرق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سائغاً، فإنه ليس للطاعن من بعد المجادلة في ذلك أو النعي على الحكم بأنه لم يعمل في حقه حكم المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، ذلك بأن المشرع قد منح الإعفاء في هذه المادة للراشي باعتباره طرفاً في الجريمة ولكل من يصح وصفه بأنه وسيط سواء كان يعمل من جانب الراشي - وهو الغالب - أو يعمل من جانب المرتشي، وهو ما يتصور وقوعه أحياناً دون أن يمتد الإعفاء للمرتشي، وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن يوفر في حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشياً - وليس وسيطاً - فإن ما يثيره الطاعن من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 107 مكرراً عقوبات لا يكون له وجه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.