أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 9 - صـ 540

جلسة 5 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت المستشارين.

(66)
طعن رقم 249 سنة 24 ق

عمل. تأمين. عدم جواز الجمع بين المكافأة والتأمين. المادة 39 ق 41 لسنة 1944.
لا يجوز عند تقدير مكافأة خدمة العامل الجمع بين المكافأة وما يكون مودعاً لحسابه من رب العمل بموجب بوليصة التأمين طبقاً لنص المادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 تحقيقاً للحكمة التي توخاها الشارع منه ذلك أنه واضح من صراحة هذا النص أن المشرع حظر أن يجمع العامل بين المبالغ المدفوعة لحسابه في صندوق التوفير والادخار وبين مكافأة الخدمة وكل ما خوله له هو الحصول على أكبر القيمتين لحكمة توخاها في ذلك الحين هي عدم إلحاق غبن بصاحب العمل حتى لا يحمل المؤسسة بالتزامات قد تؤثر عليها في أداء رسالتها. فإذا كانت الشركة صاحبة العمل وهي في سبيل تنظيم عملها قد اتخذت نظاماً مالياً يؤدي إلى ذات الغرض من نظام التوفير والادخار كما هو الحال في نظام التأمين فإن الحكمة من إيراد هذا النص تظل قائمة وتنتج أثرها في تحديد العلاقة بين الطرفين بشأن تقدير قيمة المكافأة. ولا يغير من هذا النظر أن يكون قد نص في بوليصة التأمين على أن يكون للعامل الحق في مبالغ التأمين والاستمرار في عمليته على حسابه الخاص إذا قضى مدة معينة في الخدمة إذ لا يترتب على ذلك أن يكون له الحق في أن يجمع بين مبالغ هذا التأمين ومبلغ مكافأة الخدمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع هذه الدعوى - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتلخص في أن المطعون عليه رفع الدعوى رقم 199 سنة 1951 كلي الإسكندرية ضد شركة المكابس والمخازن العمومية بالإسكندرية بطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 1679 ج و442 م والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، قيمة ما يستحقه قبلها من مكافأة وتعويض عن فصله التعسفي من عمله فيها ومنحة قررتها الشركة في أغسطس سنة 1950 ومن ضمن ما دفعت به الشركة تلك الدعوى أنها دفعت للمطعون عليه مبلغ 533 ج و 100 م في بوليصة التأمين الخاصة به طلبت خصمها من المكافأة التي يستحقها طرفها طبقاً لنص المادة 39 من قانون عقد العمل الفردي، فلم تقر المحكمة الشركة على ذلك وحكمت بتاريخ 23 من نوفمبر سنة 1953 بإلزامها بأن تدفع للمطعون عليه مبلغ 1678 ج و253 م فاستأنفت الشركة هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية تحت رقم 393 ج و379 م ومن ضمن ما نعت به على الحكم المذكور عدم استنزاله من المكافأة التي قضى بها ما ساهمت به في بوليصة التأمين الخاصة بالمطعون عليه. وبتاريخ 21 من أبريل سنة 1954 حكمت المحكمة: أولاً - بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لما قضى به من مكافأة للمستأنف عليه (المطعون عليه) وقدرها 1266 ج و253 م مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين ومبلغ خمسمائة قرش نظير أتعاب المحاماة.
ثانياً - إلغاء الحكم فيما عدا ذلك مع إلزام المستأنف عليه بباقي المصاريف عن الدرجتين، وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة عن الدرجة الثانية، وأقرت بذلك الحكم الابتدائي فيما ذهب إليه من رفض خصم المبالغ التي ساهمت بها الشركة في بوليصة التأمين الخاصة بالمطعون عليه من المكافأة المستحقة له. فطعنت الشركة بطريق النقض في الحكم المذكور في هذا الخصوص بتاريخ 14 من يوليه سنة 1954 وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم وبتاريخ 16 من أبريل سنة 1958 عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأصرت النيابة على رأيها فقررت تلك الدائرة إحالته إلى الدائرة المدنية لنظره بجلسة 15 من مايو سنة 1958 وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك أن المادة 39 من القانون رقم 41 سنة 1944 الخاص بعقد العمل الفردي قد نصت على أنه "إذا كان في مؤسسة صندوق توفير أو ادخار للعمال وكان ما دفعه صاحب العمل في هذا الصندوق لحساب أحد العمال يساوي ما يستحقه العامل من مكافأة طبقاً للمادة 23 من هذا القانون أو يزيد عليه فلا يكون للعامل حق المطالبة بهذه المكافأة" ومؤدى هذا النص أن يستنزل من المكافأة في حالة زيادتها عن مجموع مدفوعات رب العمل لحساب العامل في الصندوق مجموع ما دفعه رب العمل لحساب العامل على الوجه المذكور، ومفاد ذلك أن يحصل العامل على أكبر المبلغين دون سواه وقد سلم بذلك ضمناً حكم محكمة أول درجة والحكم المطعون فيه وإن استبعدا تطبيق هذه المادة على واقعة النزاع على أساس أن بوليصة التأمين التي دفعت الشركة بمقتضاها للمطعون عليه المبلغ الذي تطالب بخصمه من المكافأة المستحقة له تتضمن نصاً من مقتضاه أن الموظف الذي يقضي في خدمة الشركة عشر سنوات له الحق في أن يستمر في عملية التأمين على حسابه الخاص مع أن استمرار الموظف في التأمين لحسابه الخاص لا ينفي استنزال مدفوعات الشركة من مكافأة خدمته فهذا الشرط خاص بعلاقة الموظف بشركة التأمين، أما علاقة الموظف بالشركة التي يعمل بها فيحكمها قانون عقد العمل ولا يمس حقوق أحدهما في هذا المجال ما قد يكون في البوليصة من شروط خاصة بعلاقة المؤمن بالمستأمن في نطاق التأمين. ولما كانت الشركة قد دفعت لحساب المطعون عليه من أقساط التأمين مبالغ مجموعها 533 ج و100 م وهو مبلغ جسيم لا يتصور انصراف قصد الشركة إلى التبرع به للمطعون عليه خصوصاً وأن نظام التأمين على حياة موظفي الشركة ليس إلا بديلاً عن نظام صندوق الادخار الذي كان موجوداً بالشركة كما هو ثابت من لائحة التأمين الخاصة بالشركة والمقدمة ضمن مستنداتها. وكان التأمين وصندوق الادخار شيئاً واحداً فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أساء تأويل المادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 إذ امتنع عن تطبيقها على واقعة النزاع ورفض طلب استنزال مدفوعات الشركة في التأمين من مبلغ المكافأة المستحق للمطعون عليه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه قد ورد فيه ما يأتي: "وحيث إن ما تقرره الشركة بشأن خصم المبالغ التي دفعتها للمدعى (المطعون عليه) في بوليصة التأمين وقدرها 533 ج و100 م من المستحق له كمكافأة كنص المادة 39 من قانون عقد العمل وبدلالة سكوته (المدعى) عن أمر هذا التأمين تسليماً منه باحتساب المبلغ المذكور من المستحق له. وحيث إن هذا القول مردود بأن عقد التأمين منصوص فيه أنه إذا قضى العامل في خدمة الشركة عشر سنوات فإن التأمين يكون من حقه وله الحق في أن يستمر في عملية التأمين على حسابه الخاص أو إلغائها فيقبض مجموع قيمة التصفية نقداً - كما أنه مردود بأن المستفاد من المستندات المقدمة منها بالحافظة تحت رقم 11 دوسيه أنها حولت بوليصة التأمين للمدعى للسير فيها على حسابه الخاص ولا يتضمن ذلك قبوله صراحة أو ضمناً خصم ما دفعته الشركة من أقساط التأمين ولا حاجة للتمسك بنص المادة 39 من قانون عقد العمل أمام صراحة الاتفاق المنصوص عليه في بوليصة التأمين من استحقاق العامل لكامل المبلغ".
وحيث إن المادة 39 من القانون رقم 41 لسنة 1944 نصت في فقرتها الأولى على ما يأتي: "إذا كان في مؤسسة صندوق توفير أو ادخار للعمال وكان ما دفعه صاحب العمل في هذا الصندوق لحساب أحد العمال يساوي ما يستحقه من مكافأة طبقاً للمادة 23 من هذا القانون أو يزيد عليه فلا يكون للعامل حق المطالبة بهذه المكافأة" وواضح من صراحة هذا النص أن المشرع حظر أن يجمع العامل بين المبالغ المدفوعة لحسابه في صندوق التوفير والادخار وبين مكافأة الخدمة وكل ما خوله له هو الحصول على أكبر القيمتين لحكمة توخاها في ذلك الحين هي عدم إلحاق غبن بصاحب العمل حتى لا يحمل المؤسسة بالتزامات قد تؤثر عليها في أداء رسالتها، وإذ كانت الشركة الطاعنة وهي في سبيل تنظيم عملها قد اتخذت نظاماً مالياً يؤدي إلى ذات الغرض من نظام التوفير والادخار فإن الحكمة التي توخاها المشرع من إيراد هذا النص بعدم جواز الجمع بين قيمة المكافأة والمبالغ المدفوعة من الشركة لحساب العامل بمقتضى هذا النظام المماثل - هذه الحكمة تظل قائمة وتنتج أثرها في تحديد العلاقة بين الطرفين بشأن تقدير قيمة المكافأة وينبني على ذلك أن ما نص عليه في بوليصة التأمين من حق العامل في مبالغ التأمين التي يدفعها له رب العمل بموجب بوليصة التأمين هو كحقه في المبالغ التي يودعها رب العمل باسمه (العامل) في صندوق التوفير - لا يترتب عليه - دون حاجة إلى قبول خاص من العامل - أن يكون للعامل الحق في أن يجمع بين مبالغ هذا التأمين ومبلغ مكافأة الخدمة. وذلك تحقيقاً لنص المادة 39 سالفة الذكر، وحكمة الشارع التي توخاها منه، وعلى هذا الأساس يكون الحكم المطعون فيه إذ أباح للمطعون عليه الجمع بين مكافأة الخدمة، والمبالغ المدفوعة لحسابه في صندوق التأمين بمقولة أن عقد التأمين منصوص فيه على حقه في التأمين والاستمرار في عمليته على حسابه الخاص وقبض مجموع قيمة التصفية نقداً وأن تحويل بوليصة التأمين له (للمطعون عليه) لا يتضمن قبولاً منه بخصم قيمة هذا التأمين من مبلغ المكافأة - هذا الحكم يكون مخالفاً للقانون ويتعين نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للحكم فيه:
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن من ضمن ما طلب المطعون عليه الحكم له به على الشركة الطاعنة مبلغ 1266 جنيهاً و253 مليماً قيمة مكافأته عن مدة خدمته بها وقد طلبت الشركة أن يخصم من ذلك المبلغ 533 جنيهاً و100 مليم قيمة ما أودعته لحساب المطعون عليه في بوليصة التأمين غير أن محكمة أول درجة رفضت إجراء هذا الخصم وحكمت للمطعون عليه بقيمة المكافأة جميعها ضمن مبلغ 1678 جنيهاً و253 مليماً المحكوم به ابتدائياً للمطعون عليه. فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم وأصرت على وجوب خصم مبالغ التأمين من قيمة المكافأة وقد أصبح النزاع بين الطرفين الآن قاصراً على ذلك.
وحيث إنه قد تبين مما سبق أنه لا يجوز للمطعون عليه أن يجمع بين مكافأة الخدمة وما يكون مودعاً لحسابه من الشركة الطاعنة بموجب بوليصة التأمين. ولما كانت المكافأة المستحقة للمطعون عليه عن مدة خدمته في الشركة هي مبلغ 1266 جنيهاً و253 مليماً والمبالغ التي دفعتها الشركة لحساب المطعون عليه بموجب بوليصة التأمين هي 533 جنيهاً و100 مليم فيتعين تبعاً لما سبق - خصم هذه من تلك - وعلى هذا النحو تكون المكافأة الواجب الحكم بها للمطعون عليه هي مبلغ 733 جنيهاً و153 مليماً فقط وهو ما يجب تعديل الحكم المستأنف في هذا الخصوص إليه.