أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 433

جلسة 31 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(92)
الطعن رقم 120 لسنة 39 القضائية

( أ ) خيانة أمانة. إثبات. "إثبات بوجه عام. إثبات بالكتابة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير الدليل. دعوى مدنية. تبديد.
مدى تقيد المحكمة بقواعد الإثبات المدنية في جريمة خيانة الأمانة؟
اقتضاء المؤجرين دفعات مقدمة من حساب الإيجار. من المعلومات العامة التي لا تحتاج إلى سند.
(ب، ج) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها".
(ب) كفاية تشكك القاضي إسناد التهمة إلى المتهم للقضاء له بالبراءة.
(ج) عدم جواز النعي على المحكمة قضاؤها بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها.
1 - إن المحكمة في جريمة خيانة الأمانة في حل من التقيد بقواعد الإثبات المدنية عند القضاء بالبراءة لأن القانون لا يقيدها بتلك القواعد إلا عند الإدانة في خصوص إثبات عقد الأمانة إذا زاد موضوعه على عشرة جنيهات احتياطاً لمصلحة المتهم حتى لا تتقرر مسئوليته وعقابه إلا بناء على الدليل المعتبر في القانون، ولا كذلك البراءة لانتفاء موجب تلك الحيطة وإسلاساً لمقصود الشارع في ألا يعاقب برئ مهما توافر في حقه من ظواهر الأدلة. ومتى كان الحكم المطعون فيه فضلاً عن ذلك قد أخذ في إثبات عقد الأمانة وفي التخالص كليهما بالدليل الكتابي، وكان اقتضاء المؤجرين دفعات مقدمة من حساب الإيجار من المعلومات العامة التي لا يحتاج في تقريرها إلى سند، فإن استناد الحكم إلى دلالة الخطاب الصادر من الطاعن يكون نافلة لا تؤثر في جوهر تسبيبه.
2 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضى له بالبراءة، لأن المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى وأحاط بأدلتها عن بصر وبصيرة.
3 - من المقرر أنه لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 4/ 7/ 1965 بدائرة مركز مغاغة: بدد مبلغ النقود المبين بالمحضر والمملوك لحسن إدريس راغب والمسلم إليه على سبيل الوكالة. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعى حسن إدريس راغب مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف والأتعاب. ومحكمة مغاغة الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة 100 قرش لإيقاف التنفيذ وإلزامه أن يدفع إلى المدعي بالحق المدني مبلغ 51 ج والمصاريف المدنية و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة المنيا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها المصروفات عن الدرجتين ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المدعى بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن المدعي بالحقوق المدنية ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى برفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده عن جريمة خيانة الأمانة المنسوبة إليه قد شابه الفساد في الاستدلال، ذلك بأن المحكمة تشككت في التهمة بدعوى تراخى الطاعن في التبليغ وهو ما لا مساغ له في الاستدلال ما دام المتهم لم يجحد إيصالات الأمانة المأخوذة عليه، وما دام المرجع في الإثبات للقواعد المدنية واتخذت من الإيصال المؤرخ 12/ 2/ 1964 دليلاً على تخالص المطعون ضده من دين لم يترتب في ذمته إلا في تاريخ لاحق ابتداء من 9/ 6/ 1964 وفهمت الخطاب المؤرخ 18/ 8/ 1958 على غير مؤداه من اقتضاء الطاعن دفعات مقدمة من حساب الإيجار، مع انصراف دلالة هذا الخطاب إلى غيره، ولم تتفطن إلى دلالة الكشف الموقع عليه من والد المطعون ضده، مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لتهمة خيانة الأمانة المنسوبة إلى المطعون ضده من أنه اختلس ثمانين جنيهاً في 4/ 7/ 1965 كان قد حصلها من المزارعين لحساب الطاعن بصفته وكيلاً عنه، فم يطمئن إلى ثبوتها لتراخي الطاعن في التبليغ سنة كاملة إلى أن شكاه المطعون ضده في مكتب العمل لفصله بغير مبرر، وثبوت استلامه هذا المبلغ من المطعون ضده بموجب إيصال موقع عليه منه في 12/ 2/ 1964 ولو أنه سابق على تاريخ التبديد المدعى به لجريان عادة المزارعين بسحب دفعات مقدمة على حساب المستحق لهم من الإيجار مستدلاً على جريان تلك العادة بفحوى خطاب صادر من الطاعن إلى المطعون ضده في 18/ 5/ 1958 أياً كانت المناسبة التي صدر فيها. لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة لأن المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى وأحاط بأدلتها عن بصر وبصيرة، وكانت
المحكمة في جريمة خيانة الأمانة في حل من التقيد بقواعد الإثبات المدنية عند القضاء بالبراءة لأن القانون لا يقيدها بتلك القواعد إلا عند الإدانة في خصوص إثبات عقد الأمانة إذا زاد موضوعه على عشرة جنيهات احتياطاً لمصلحة المتهم حتى لا تتقرر مسئوليته وعقابه إلا بناء على الدليل المعتبر في القانون، ولا كذلك البراءة لانتفاء موجب تلك الحيطة وإسلاساً لمقصود الشارع في ألا يعاقب برئ مهما توافر في حقه من ظواهر الأدلة. لما كان ما تقدم، وكان الحكم فضلاً عن ذلك قد أخذ في إثبات عقد الأمانة وفي التخالص كليهما بالدليل الكتابي، وكان اقتضاء المؤجرين دفعات مقدمة من حساب الإيجار من المعلومات العامة التي لا يحتاج في تقريرها إلى سند، فإن استناد الحكم إلى دلالة الخطاب الصادر من الطاعن يكون نافلة لا تؤثر في جوهر تسبيبه ومن ثم لا يعيبه الخطأ في فهم فحواه - بفرض وقوعه - وهو لم يخطئ في ذلك، وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخر قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله. لما كان ذلك، وكان سائر الطعن جدلاً موضوعياً صرفاً لا يثار لدى محكمة النقض فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.