أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 20 - صـ 441

جلسة 31 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(94)
الطعن رقم 193 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام. خبرة". قتل عمد.
(أ) استناد الحكم إلى مجرد وجود دماء آدمية بملابس المتهم دون أن يثبت لدى المحكمة أن هذه الدماء من دماء القتيل. عيب.
(ب) تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
1 - إن عجز المتهم عن تعليل وجود دماء آدمية بملابسه لا يؤدى إلى القول إن هذه الدماء هي من دماء المجني عليها ضرورة وبلا شك حتى يصح الاستدلال عليه بهذا السبب، ذلك بأنه لا يكون لهذا الاستدلال محل إلا إذا ثبت لدى المحكمة أن الدماء التي وجدت بملابسه هي من دماء القتيلة نفسها. ومتى كانت المحكمة قد خالفت هذا النظر وعولت صراحة في قضائها بإدانة الطاعن على ما جاء بالتقرير الطبي من مجرد وجود بقع دماء آدمية بثوبه، رغم أنها لم تفحص فنياً عن طريق تحليل فصائل الدماء، ودون أن تتناول المحكمة بالبحث نفى علاقة تلك الدماء بالجروح التي ثبت وجودها بجسم الطاعن أو تثبت في حكمها أنها من دم القتيلة نفسها، وكان لا يعلم ما كانت تنتهي إليه المحكمة لو أنها تفطنت إلى فساد ذلك الدليل الذي ركنت إليه في قضائها، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً.
2 - إن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 26 ديسمبر سنة 1967 بدائرة مركز سمالوط محافظة المنيا: قتل نعمات متولي السيد عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وأعد لذلك آلة حادة (سكين) واستدرجها من منزلها إلى مكان الحادث حيث انهال عليها طعناً بالآلة سالفة الذكر قاصداً من ذلك قتلها فحدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر بذلك. وأدعى محمد محمود عثمان - زوج القتيلة - عن نفسه وبصفته ولياً شرعياً على أولاده القصر كمال وممدوح ومحمود وكذلك متولي السيد - والدها - مدنياً قبل المتهم بمبلغ 250 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. وبتاريخ 21/ 10/ 1967 قررت محكمة جنايات المنيا إحالة أوراق المتهم إلى مفتي الجمهورية، ثم قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً وألزمته أن يدفع إلى المدعيين بالحق المدني بصفتهما مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم فيه أنه إذ دانه بجريمة قتل المجني عليها قد شابه فساد في الاستدلال، ذلك بأنه عول في قضائه على ما وجد بجلباب الطاعن من دماء آدمية لم تعرف فصيلتها، على الرغم مما أثاره في دفاعه عن انقطاع صلة هذه الدماء بالحادث، واحتمال اتصالها بالجلباب من الإصابات التي وجدت بيديه، وبذلك يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن ضمن مرافعته قوله "أما عن الدم الذي عثر عليه بجلباب المتهم, فهو عبارة عن بقع لدم آدمي، وثابت أن المتهم مصاب بيده بجرح قطعي، ومن الجائز أن تكون هذه البقع لدمه هو، أو يجوز أنها من دم آدمي آخر لأن المتهم يعمل بمستشفى". كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في ثبوت الواقعة في حق الطاعن إلى أدلة استمدها من أقوال الشهود والمعاينة ومن التقرير الطبي الشرعي الخاص به وبالمجني عليها. وحصل الحكم الدليل المستمد من تقرير الطب الشرعي بشأن الطاعن - نقلا عما ورد بذلك التقرير - في قوله "وجاء بتقرير الطبيب الشرعي بشأن جلباب المتهم أنه قد وجد بها عدة مسحات مسمرة تحتل مساحة قدرها 1.5 × 5 سم أكثر وضوحاً من الخارج وأخذت منها عينات للدم فتبين أنها دم آدمي (ولا تكفي للفصائل) وتبين من الكشف المتوقع على المتهم أيضاً بتاريخ 28/ 12/ 1967 أنه وجد به جروح قطعية باليد اليمنى وجرح قطعي بأسفل السبابة لليد اليسرى وأن هذه الإصابات حدثت منذ حوالي 48 ساعة أي تتفق وتاريخ الحادث ولا تحتاج لعلاج". لما كان ذلك، وكان عجز المتهم عن تعليل وجود دماء آدمية بملابسه لا يؤدي إلى القول بأن هذه الدماء هي من دماء المجني عليها ضرورة وبلا شك حتى يصح الاستدلال عليه بهذا السبب ذلك بأنه لا يكون لهذا الاستدلال محل إلا إذا ثبت لدى المحكمة أن الدماء التي وجدت بملابسه هي من دماء القتيلة نفسها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد خالفت هذا النظر وعولت صراحة في قضائها بإدانة الطاعن على ما جاء بالتقرير الطبي من مجرد وجود بقع دماء آدمية بثوبه، رغم أنها لم تفحص فنياً عن طريق تحليل فصائل الدماء، ودون أن تتناول المحكمة بالبحث نفي علاقة تلك الدماء بالجروح التي تثبت وجودها بجسم الطاعن، أو تثبت في حكمها أنها من دم القتيلة نفسها. وكان لا يعلم ما كانت تنتهي إليه المحكمة لو أنها تفطنت إلى فساد ذلك الدليل الذي ركنت إليه في قضائها بالإدانة إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في طعنه.